القرضاوي – رافسنجاني.. عندما يتحاور الطيب مع الثعلب
وليد نور
الخبر:
التقى الدكتور "يوسف القرضاوي" مع هاشمي رافسنجاني رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران, في حوار تطرق للخلاف بين السنة والشيعة، وتطاول الشيعة على الصحابة الكرام، إضافة إلى الأوضاع في العراق.
التعليق:
في حوار فريد غطى بأحداثه على كثير من الأخبار الساخنة، التقى الدكتور يوسف القرضاوي الرمز السني البارز، مع هاشمي رافسنجاني رجل إيران القوي، والثعلب السياسي.
حوار فريد لم يتوقعه الكثيرون، وكان أشبه بالمناظرة أكثر من كونه حوارًا، وتبدّى في هذا الحوار كيف يكون الحديث عندما يلتقي الطيب مع الثعلب.
فكرة التقريب.. متى نقر بفشلها؟!
عند النظر في طرفي الحوار، سوف نجد من الجانب السني الدكتور يوسف القرضاوي, وهو ما أضفى على الحوار أهمية خاصة لما عرف عن الدكتور من حرصه على التقريب بين السنة والشيعة، هذا الحرص الذي جلب عليه الكثير من الانتقادات لعدم شدته في الحوار مع الشيعة وتساهله معهم، غير أنه من الواضح أن الشيخ اطلع على خفايا المشروع الشيعي الفارسي, ما جعله لا يستطيع أن يصمت على هذا الأمر.
ومن الواضح أيضًا أن الشيخ لحق بمن سبقه في هذا الدرب، درب التقريب بين السنة والشيعة، حيث ملّ الشيخ من أكاذيب الشيعة وتقيتهم التي أفشلت كافة اجتماعات التقريب وجميع محاولاتها كما حدث من قبل مع الدكتور مصطفى السباعي وغيره.
غير أنه كان من الواضح في الحوار تأثر الشيخ القرضاوي بمنهج التقريب وهو يحادث رافسنجاني, فعلى الرغم من عدالة مطالب القرضاوي وبساطتها، إلا أنه كان أشبه في فترات كثيرة من الحوار بالرجل الطيب الذي يخشى أن يطالب ظالمه بحقه حتى لا يحرجه، إننا وإن كنا نشكر للدكتور القرضاوي غيرته إلا أننا نريده أن ينتبه إلى أن من وصفهم بالمتشددين أمثال المجلسي والجزائري هما من كبار علماء الشيعة ومراجعهم, كما أنهما لم يزيدا على أنهما جمعا مذهب الشيعة وجدداه، ومن وصفهم الدكتور القرضاوي بالمعتدلين نجزم أن لهم كتابات وآراء تثبت كونهم من المتشددين، فالاعتدال لا يظهر إلا عند الحديث مع أهل السنة من باب التقية.
إننا لا نرى معنى للتقريب مع الشيعة، سوى بأن يعود الشيعة إلى الإسلام والسنة؛ لأنهم هم من بدلوا وغيروا، وهم من اخترعوا في دين الله ما ليس منه، فعلى أي أساس يكون التقريب؟! ومَن المطالَب بأن يتنازل عن مبادئه؟!!
مطالب القرضاوي:
طالب الدكتور القرضاوي في حواره بمطالب بسيطة وعادية ومن صميم الدين، طالب القرضاوي الشيعة بالكف عن سب الصحابة, وهو طلب ردده القرضاوي كثيرًا في الآونة الماضية, غير أنه لم يجد آذانًا مصغية من الشيعة، ويبدو أنه لن يجد, فها هو رافسنجاني - وإن حاول أن يتهرب من توضيح موقف الشيعة من سب الصحابة - نجده يتحايل ويزعم أن علماء الشيعة يثنون على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وهي دعوى لا دليل عليها, فها هي كتب الشيعة ومواقع الإنترنت مليئة بالطعن في الصحب الكرام، بل ها هو المرقد المزعوم "لأبي لؤلؤة المجوسي" قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيران شاخصًا على ما ادعاه رافسنجاني من ثناء على الصحب الكرام.
إن الدكتور القرضاوي في حواره مع الشيعة ينطلق فيما يبدو من قاعدة "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، فهو لا يطلب منهم الكف عن شركياتهم وكفرياتهم عند المشاهد والقبور، ولا يطالبهم بالتوبة من قولهم المخترع بأحقية علي رضي الله عنه في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتوبة عن بقية البدع والضلالات، إنما طالبهم فقط بالكف عن الصحابة الكرام رموز الأمة ونقلة الملة، وهو مطلب بسيط مقابل وحدة الأمة, غير أن الشيعة لا يجيبون ويرفضون هذا المطلب بدعوى "ترك المواضيع الخلافية"، ولنا أن نتساءل: هل صار سب الصحابة والتطاول عليهم من الأمور الخلافية؟! وإذا كان الشيعة يرفضون التوبة من هذا الأمر فأي تقريب ينشدونه وأية وحدة يدعون إليها؟!!
رافسنجاني الثعلب:
في الجهة الأخرى كان "هاشمي رافسنجاني" والذي يعرف بإيران ليس بكونه عالمًا وشيخًا فحسب، ولكنه يعرف بأنه واحد من أقوى رجال النظام الإيراني وواضعي سياساته، رافسنجاني - وهو السياسي المتمرس - كانت الدبلوماسية والتقية شعاره في هذا الحوار، فمنذ اللحظات الأولى للحوار وهو يرتدي مسوح الحمل الوديع, فيتحدث عن الوحدة بين المسلمين وترك الخلافات، كان يتحدث وهو يداعب عواطف المسلمين الذين لا يرغبون في شيء إلا في الوحدة بين دول الإسلام، والذين لم يفاجئهم شيء كما فأجئهم الدور الإيراني في العراق.
تحدث رافسنجاني كثيرًا عن الوحدة، إلا أنه رفض أن يقوم بأية خطوات عملية في هذا الشأن أو أن يقدم ولو بلسانه التزامًا بتحقيق مطالب السنة، فراوغ ولم يجب على مطلب الدكتور القرضاوي بالكف عن سب الصحابة، وراوغ ولم يجب مرة أخرى على مطلب القرضاوي بأن يكون للدولة الإيرانية موقف واضح من الوضع في العراق من عمليات قتل على الهوية وترحيل السنة، كما راوغ ولم يكشف النقاط الثمانية التي دارت بين وفد الاتحاد العالمي للمسلمين وبين المسئولين الإيرانيين من أجل التقريب بين السنة والشيعة، وراوغ رافسنجاني مجددًا ولم يجب عن وضع المسلمين السنة في إيران, وهم الذين يزيد عددهم عن 15 مليون ولا يوجد لهم مسجد حتى الآن في العاصمة طهران، بينما تنتشر الأحزاب الموالية لإيران في أغلب الدول العربية وتنال عليهم أموال الخمس بدعوى دعم الشيعة، فهل تقبل إيران بموقف مماثل من الدول السنية؟!
راوغ رافسنجاني كثيرًا ولم يجب عن شيء ليؤكد مجددًا أنه لا فائدة من محاولات التقريب بين السنة والشيعة، فاجتماعات التقريب ليست إلا لتبادل التحية وللظهور الإعلامي ما دام يرفض الشيعة القيام بأية خطوة عملية في هذا السبيل.
رافسنجاني والمقاومة:
حاول رافسنجاني في حواره دغدغة عواطف المسلمين بدعوى تأييد بلاده للمقاومة العراقية ردًا على مطلب الدكتور القرضاوي بفتوى من إيران تؤيد المقاومة العراقية، غير أن رافسنجاني يبدو أنه نسي أو على الأرجح تناسى الاجتماعات التي قادها قبل العدوان الأمريكي على العراق مع الجانب الأمريكي للتنسيق بين البلدين في هذه الحرب، يبدو أن رافسنجاني تناسي تصريحات أبطحي التي أكد فيها أنه "لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد"، أية مقاومة تدعمها إيران ورافسنجاني لم يجد غضاضة في أن يهاجم المقاومة العراقية، ولم يجد غضاضة في أن يهاجم هؤلاء الذين تركوا أوطانهم وبلادهم من أجل تحرير العراق، فكيف يتفق ذلك مع زعمه أن إيران تدعم المقاومة وتؤيدها، إن إدانة رافسنجاني للمقاومين العرب تتسق بوضوح مع الموقف الشيعي من الاحتلال الأمريكي، فها هو علي السيستاني أكبر مراجع الشيعة في العراق لم ينبس بفتوى تدين الاحتلال وتدعو الشيعة إلى المقاومة.
إن رافسنجاني دأب على خلط الأوراق بمكر لم ينتبه إليه الدكتور القرضاوي أو لعله انتبه ولم يرد إثارته، فهل ينسى رافسنجاني أم يتناسى أن "باقر الحكيم" الذي يتباكى على مقتله لم يدخل العراق سوى في حماية الاحتلال الأمريكي وعلى دباباته، ولم يدخل الحكيم من أجل المقاومة, إنما دخل ليكون جزءًا من المشروع الأمريكي، ومع ذلك لم يثبت أن المقاومة هي من قتلته بل تنال الشكوك من الفصائل الشيعية المتناحرة.
تقية رافسنجاني والعلاقات السرية:
حاول رافسنجاني دغدغة عواطف المسلمين بالحديث عن المؤامرة الأمريكية ضد إيران، غير أنه يبدو أنه تناسى أو تجاهل الحديث عن المفاوضات والعلاقات السرية بين طهران وواشنطن، أو لعل رافسنجاني قد رأى أن هذه العلاقات تندرج تحت باب التقية، والذي أكد التزام الشيعة بالتقية بدعوى أن "هناك قضايا سرية، لا يجب إعلانها", ولنا أن نتساءل: هل من بين تلك القضايا السرية علاقات واشنطن مع طهران والاتفاقيات التي تنسق التعامل بين البلدين بعيدًا عن تصريحات الإعلام والخطب الرنانة؟!
أليس من الغريب أنه في الوقت الذي يتحدث فيه رافسنجاني عن المؤامرة الأمريكية يخرج المستشار الدبلوماسي لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ليعلن اعتراف إيران بالمحرقة اليهودية واستعدادها للتخلي عن البرنامج النووي، وهما الأمران اللذان عوّل عليهما الشيعة كثيرًا في تصريحاتهما النارية في طهران.
الشيعة والفتنة الأمريكية:
وقبل أن نختم هذا المقال، نشير هنا إلى ما دأب عليه البعض في الآونة الأخيرة من الحديث عن الفتنة الأمريكية في الإيقاع بين المسلمين بالحديث عن السنة والشيعة, وهو ما أشار إليه رافسنجاني في حواره، ويشير إليه آخرون ممن يرفضون فتح أعينهم على ما يجرى في العراق من جرائم يقترفها الشيعة بحق السنة فاقت في هولها جرائم اليهود، أية فتنة يتحدث عنها هؤلاء، وإيران لم تجد بابًا تضرب فيه أهل السنة إلا وولجته, حتى ولو كان الباب الأمريكي، هل نعيد على هؤلاء تصريحات أبطحي عن الدور الإيراني في إسقاط كابول وبغداد، واللذين لم يسقطا سوى لأنهما من عواصم السنة، هل يتجاهل هؤلاء من هو مقتدى الصدر ومن هو عبد العزيز الحكيم وغيرهما الذين تدعمهم إيران, والذين لا يجد بعضهم غضاضة في أن يكون ولاؤه مزدوجًا للسيد الإيراني وللسيد الأمريكي في الوقت ذاته!!
أية فتنة يتحدث عنها هؤلاء، والدكتور القرضاوي وغيره من أهل السنة بحت حناجرهم في الدعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة، بحت حناجرهم وهم يطالبون الشيعة بمطلب من أبسط المطالب وهو الكف عن التطاول على الصحب الكرام، حتى مل الدكتور القرضاوي من كثرة مماطلة الشيعة له.
أية فتنة يتحدث عنها هؤلاء؟! وها هو رافسنجاني في حوار دام لقرابة الساعة يراوغ ويتهرب من إعلان أي موقف واضح للشيعة تجاه أية قضية مع السنة.
إن هؤلاء الذين يتحدثون عن فتنة أمريكية عليهم أولاً أن يبحثوا عمن فتح بلاد المسلمين للقوات الأمريكية ولم يجد غضاضة في التعاون معها من أجل إسقاط عاصمة الرشيد في القديم والحديث.