صواريخ إيرانية بالسودان.. الخطر الفارسي يدق البوابة الجنوبية
أحمد عز
Ahmedezz33@gmail.com
مأساة حقيقية تلك التي يعانيها السودان, البلد المسلم, الأكبر مساحة عربيًا وإفريقيًا, فما بين أفعى غربية, رأسها الولايات المتحدة, تعتصر جسده المتهالك وتكسر عظامه لتشل حركته استعدادًا لالتهامه دون رحمة, إلى اختراق فارسي إيراني يقوم بغسل أدمغة أبنائه ويحولهم عن دينهم الحق, ويستغله لمآربه الخاصة ليكون رمحًا طاعنًا في قلب أمة الإسلام, لتزداد جراحها ولكن بيد أحد أبنائها.
وإذا كانت مئات ـ وربما آلاف ـ التقارير قد تناولت الخطر الغربي (الصليبي ـ الصهيوني) المتربص شرًا والساعي بقوة للسيطرة على هذا البلد بالغ الأهمية الإستراتيجية لأمته الإسلامية والعربية, فإن تغلغل إيران الشيعية في السودان بدوره لا يقل خطورة, وتهديده لا يطال السودان وحده وإنما يمتد إلى الأمن القومي العربي وخاصة لأكبر بلدين عربيين سياسيًا وقياديًا وهما مصر والمملكة العربية السعودية.
وكما كانت السنوات الأخيرة وخاصة منذ وصول حكومة "الإنقاذ" إلى الحكم في السودان عام 1989, قد شهدت سعيًا حثيثًا من الحكومات الإيرانية المتعاقبة على توطيد صلتها بنظيرتها السودانية، فإن ما تناقلته تقارير صحافية خلال الأسبوعين الأخيرين من معلومات حول المدى الذي وصلت إليه هذه العلاقات يدق ناقوس الخطر ويضيء كل إشارات الإنذار الحمراء.
ففي الأول من يونيو الجاري نشرت صحيفة "الدايلي تليجراف" البريطانية معلومات مفادها أن الاتفاق العسكري الذي تم توقيعه في يناير الماضي بين السودان وإيران (يسمح لطهران باستخدام قاعدة "وادي سيدنا" السودانية ـ التي تبعد
وقالت: إن هذا الاتفاق ـ الذي تم التصديق عليه خلال زيارة الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" إلى السودان في فبراير الماضي ـ يقضي بوجود عناصر من "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في السودان قريبًا بدعوى تدريب الجيش السوداني على أسلحة إيرانية سيتم منحه إياها.
وليس خافيًا أن "الحرس الثوري الإيراني" الذي يسعى لدخول السودان ضالع حتى النخاع في عمليات القتل والتصفية التي تتم بحق السنة في إيران وفي العراق المحتل سواء بشكل مباشر, أو غير مباشر عبر المليشيات الشيعية الموالية لطهران من أمثال "فيلق بدر" و"جيش المهدي", إضافة إلى دوره البارز في عمليات التجسس.
وتكمن خطورة هذه المعلومات في أن إيران التي تسعى لإضعاف القوى الإسلامية السنية الكبرى لتحقق أطماعها في العالم الإسلامي والعربي ـ والتي تتفق في تناسق عجيب ولكنه غير مفاجئ مع الأطماع الصهيونية ـ قد وجدت لها موطئ قدم عسكرية هذه المرة بعد القدم العقائدية (التي سنلقى نظرة عليها لاحقًا) في المدخل الجنوبي للعالم الإسلامي, بعدما سيطرت بشكل شبه تام على مفاصل النظام السياسي والعسكري للمدخل الشمالي المتمثل في العراق عبر استخباراتها وأتباعها من الشيعة.
وحسبما أكدت كل الدراسات الإستراتيجية أن الأمن القومي لأي دولة لا يبدأ من حدودها وإنما من دول الجوار, والذي يمثله السودان جنوبًا بالنسبة لمصر, ما يعني أن استغلال طهران للوهن الكامن في الجسد السوداني ـ بعدما تغافلت عنه الدول الإسلامية والعربية وتكالب عليه الغرب الاستعماري ـ ونشر صواريخها هناك يعني تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
ولا تتوقف الأهمية الإستراتيجية للسودان عند العمق الاستراتيجي الأرضي, بل إنها بالنسبة لمصر تمثل محورًا هامًا تعده مصر من أكثر المحاور الإستراتيجية خطورة على أمنها، والذي يتمثل في مياه نهر النيل ـ عصب الحياة المصرية ـ الذي يمر في أطول أجزائه داخل الأرض السودانية.
ومما يثير من خطورة التغلغل الإيراني في السودان على هذا المحور، هو ما أشار إليه الرئيس السوداني "عمر البشير" في مؤتمره الصحافي المشترك مع "نجاد" في الخرطوم؛ إذ أكد أن "هناك العديد من المشاريع التي يجري تنفيذها في السودان بتمويل إيراني، وبخاصة تلك المتعلقة بالمياه".
وكان السفير الإيراني في الخرطوم "رضا أميري" قد استبق زيرة نجاد بالكشف عن قيام بلاده بمشروع في مجال المياه في السودان يبلغ تكلفته 30 مليون دولار.
كما يُعد السودان عمقًا أمنيًا إستراتيجيًا للمملكة العربية السعودية؛ إذ لا يفصل بينهما سوى البحر الأحمر, إضافة إلى أن "البر السوداني أقرب بر للأماكن المقدسة حتى أن الخرطوم أقرب إلى مكة من الرياض", ما يعني أن تهديد الصواريخ الإيرانية يصل إلى المملكة بدورها.
ويمكن اعتبار السعي الإيراني لإبرام الاتفاقات والعقود الاقتصادية مع حكومة الخرطوم, هو تطويق لبلد أكدت الدراسات أنه يمكن أن يكون "سلة غذاء" لقارة إفريقيا، والمصدر الرئيس للغذاء لكافة الشعوب في العالمين العربي والإسلامي.
ولا ننسي أن السودان إضافة إلى ما سبق, لازال يملك أوراقًا أخرى تمثل إغراءً جاذبًا للطامعين, وقوة يسعى الحاقدون لتدميرها, الأولى وهي الثروات الأرضية من نفط ومعادن, ويورانيوم..., فيما تتمثل الثانية في ثروتها البشرية من المسلمين المتدينين وحفظة القرآن الكريم.
فالسودان بحسب تقديرات بعض الخبراء يمتلك احتياطي نفطي هائل يوازي الاحتياطي النفطي السعودي, وهو ما لم يغب عن ذهن السفير الإيراني هناك حين قال: إن"إيران مستعدة لمشاركة خبراتها في مجال استغلال النفط مع السودان", وتكتمل الصورة حين نرى تقارير تشير إلى أن النفط الإيراني سوف ينفد بعد أقل من 15 عامًا.
ويمتلك السودان من "اليورانيوم" ـ الذي تتجلى الأطماع الغربية فيه ـ ما يسيل أمامه لعاب إيران الساعية إلى امتلاك السلاح النووي (لخدمة أطماعها التوسعية), حيث كشف الرئيس "عمر البشير" أن أراضي دارفور "تذخر بأكبر كمية من اليورانيوم في العالم".
وكما أشرنا سالفًا نجد من التوافق شبه التام بين الأطماع الإيرانية والصهيوـ مسيحية في أرض السودان وثرواته, والرغبة العارمة في إنشاء "إيران الكبرى" كما المساعي الصهيونية لـ"إسرائيل الكبرى" التي تمتد "من النيل إلى الفرات".
ونأتي إلى ما نعده من أهم الثروات التي تعمل إيران منذ أمد بعيد على السيطرة عليها, بل لعلها من أكبر أطماعها, وهو الثروة البشرية المسلمة السنية, إذ إن معظم التحركات الإيرانية عقائدية في المقام الأول ومحاولة لتصدير ثورتها الخمينية.
ومنذ بدأ التغلغل الإيراني في السودان ـ والذي كان في الماضي حلمًا صعب المنال ـ بدأت إيران الشيعية جمع قواها، وتجنيد كوادرها والعمل بكل طاقاتها ودهاءها للعمل على فصل أكبر عدد ممكن من أهالي السودان عن عقيدتهم السنية ودفعهم إلى التشيع, عاملة من منطلق أن زيادة أتباعها من الشيعة سيكون أكبر خدمة لأهدافها الإستراتيجية.
وسار النشاط الشيعي في السودان في طريقه متخفيًا تحت عباءة الأنشطة الثقافية والدينية, مثل مسابقات تحفيظ القرآن وتعليم اللغة الفارسية والمنح الدراسية لإيران, وعملت المراكز الثقافية والمكتبات والمؤسسات العلمية الإيرانية في السودان, إضافة إلى الجمعيات والروابط والمنظمات, بأقصى طاقتها وبكل السبل للعمل على نشر التشيع بين أبناء هذا البلد الجريح.
وللأسف تشير التقارير والمصادر السودانية إلى نجاح هذا التيار في استقطاب عدد غير يسير من أهل السنة, حتى أنهم تصوروا أن الساحة السودانية يمكنها تقبل دعوتهم العلنية ـ فكانت سقطتهم التي أزاحت الستار عن المخطط الذي يسير في الخفاء ـ حيث شاركوا بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب في ديسمبر 2006 وجاءوا بأمهات كتبهم التي تطعن في أصول أهل السنة والجماعة وأصول الإسلام، إضافة إلى كتب تطعن في كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين عليهن رضوان الله.
وكانت هذه الخطوة بمثابة إنذار لعلماء المسلمين في السودان للتصدي لهذا التمدد الشيعي, وفي سبيل ذلك عقدوا عدة مؤتمرات طالبوا فيها بوقفات محددة ومواقف حكومية لحصار هذا الخطر الداهم, وطالب عدد كبير من كبار العلماء السودانيين السلطات بإغلاق المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم، لما يقوم به من "أنشطة مثيرة للفتن"، ووقف "النشاطات الشيعية المشبوهة"، وحذروا من "انتشار الفكر الرافضي في السودان".
وإذا كان الداخل السوداني ـ الشعبي ـ قد خطا خطواته باتجاه وقف التغلغل الإيراني, فإن على السودان ـ الرسمي ـ أن يحذو حذوها ويدرك مكامن الخطر في التقرب إلى الكيان الفارسي ـ الذي لا يحمل له خيرًا ـ على حساب أمته العربية والإسلامية, المطالبة بدورها وبشكل أكبر بمد يديها إلى شقيقها النازف وتضميد جروحه, لتكون هي ملاذه أمام كل طامع فيه.
وحتى لا نكون سهمًا مسمومًا من سهام الغرب التي يلقى بها النحر السوداني, فإن على الدول العربية والإسلامية وخاصة مصر والسعودية, أن تعمل على وأد هذه المخططات بما يحفظ أمنها القومي وألا تكون دافعًا لها على التسرع بالوقوف ضد السودان في محنته بما يخدم القوى الغربية, التي يمثل استيلائها على السودان ذات الخطر على الأمن القومي العربي.