تعايشنا سابقاً مع أخبار متوالية عن شحنات المخدرات المضبوطة في أمريكا الجنوبية من المكسيك وكولومبيا والبرازيل والباراغواي والأرجنتين وغيرها من الدول، لكن اليوم أصبحت دول الحوض الشرقي للمتوسط وبعض الدول العربية والغربية هي الساحة الأكبر للأخبار التي تتحدث عن ضبط شحنات مخدرات طبيعية ومصنعة، وبعملية تتبّع بسيطة لشحنات المخدرات المضبوطة خلال العام الأخير نجد أن معظمها ينحصر في إيطاليا (شحنة مخدرات ضٌبطت في ميناء نابولي قٌدرت بقيمة مليار دولار)، مصر، الأردن (آخر شحنة ضبطها حرس الحدود الأردني كانت 4 مليون حبة كبتاغون)، قبرص، اليونان، ودول الخليج العربي، وليتبين أن كل تلك الشحنات مصدرها واحد هو الأراضي السورية والحدود اللبنانية من الجهة السورية حتى أصبحت سوريا بوابة إنتاج وعبور المخدرات للدول الأوروبية والعربية وبكميات لا يستهان بها والتي يتم شحنها عبر طريقين :
إما من المعابر الحدودية (معبر نصيب) مع الأردن، والموانئ السورية (اللاذقية، طرطوس) وموانئ أخرى "غير شرعية" مثل مرسى صنوبر جبلة وغيره.
أو من المرافق اللبنانية التي يسيطر عليها "حزب الله" بشكل مطلق (بيروت، صيدا، صور).
ما علاقة المخدرات بالسياسة؟
من المعروف للجميع أن إيران تمول ميليشياتها العسكرية في العراق واليمن وسوريا ولبنان وتصرف عليها عشرات مليارات الدولارات السنوية من خزينتها وعلى حساب مواطنها الذي أٌجبر على التأقلم مع هذا الظرف تحت السطوة الأمنية لأذرع "الحرس الثوري" الإيراني.
لكن مؤخراً وبعد العقوبات الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران وأذرع إيران في المنطقة، وكان قطاع النفط أول من لحقت به الخسائر الفادحة ولينخفض معها حجم الصادرات الإيرانية النفطية من 2.5 مليون برميل عام 2011 إلى أقل من 300 ألف برميل نهاية عام 2020، وبالتالي أصاب الإمدادات الإيرانية للمشروع الإيراني في المنطقة بالعطب, وبدأ البحث عن بديل عن الفاقد المالي الناجم عن العقوبات.
البديل وهو "تجارة المخدرات" لم يكن جديداً وغير موجود، إنما كان مصدراً ثانوياً سابقاً لـ"الحرس الثوري" الإيراني ولـ"حزب الله" ولنظام الأسد وخاصة الفرقة الرابعة وكذلك للميليشيات العراقية التي تتلطى بالعباءة الطائفية الإيرانية، وبالتالي توجهت الأنظار وتلاقت الأفكار بجعل المخدرات ممولاً أساسياً يستطيع إعادة ضخ الأموال بالمشروع الإيراني بالمنطقة ويدفعه للاستمرار، وبنفس الوقت يخفف العبء عن اقتصاد إيران ويخفف الضغوطات التي يعيشها نظام الملالي.
بالبحث بالجغرافية كان معروفاً أن البقاع الغربي اللبناني ومنطقة الهرمل هي محميات لـ"حزب الله" لطالما نشطت فيها زراعة وتجارة المخدرات عبر "نوح زعيتر" و"هاشم وجهاد الموسوي" شقيقا "عضو كتلة "حزب الله"" "النائب" حسين الموسوي (بعد كشفهما بالجرم المشهود في لبنان تم تهريبهما إلى إيران بجوازات سفر دبلوماسية إيرانية)، لكن وبعد التوسعة بالأهداف والاحتياجات وبعد سيطرة "حزب الله" على الحدود اللبنانية السورية كانت هناك نقلة نوعية بعملية تصنيع وزراعة المخدرات، وبدل من بقاء تلك المزارع والمصانع تحت رحمة أقلام ساسة وإعلام لبنان، فقد تم نقل معظم خبرات إيران و"حزب الله" في زراعة وتصنيع المخدرات إلى الجانب السوري من الحدود مع لبنان، وخاصة في القلمون الغربي ومناطق غرب حمص وبعض الأجزاء من أراضي الساحل السوري، وتنشط عملية التجارة بالمخدرات مع بدء مواسم المحاصيل الزراعية التي يتم استغلالها لتهريب المخدرات (صناديق التفاح والحمضيات، ورق الغار، وبقية الصادرات) وبإضرار واضح لاقتصاد البلد بشكل عام والمواطن السوري بشكل خاص.
المنطقة الجغرافية المحازية للحدود اللبنانية- السورية (طول الحدود اللبنانية السورية 375 كم) ومن كلا الجانبين تقريباً يسيطر عليها "حزب الله"، وبنقله لمعدات الإنتاج والتصنيع والمزارع فقد أصبحت الأراضي السورية الممتدة من مطار الضبعة شمال مدينة القصير (ريف حمص) وحتى الحدود السورية الفلسطينية (ريف القنيطرة) هي تحت تصرف آلة زراعة وتصنيع المخدرات لـ"حزب الله"، والقادمون من القلمون أو ممن ينقلون أخبار مدينة القصير والزبداني وبلودان وسرغايا ويبرود يتحدثون عن تحول تلك البلدات لدويلة مخدرات، وأن أهم مصانع الشرق الأوسط لإنتاج حبوب "الكبتاغون" أصبحت في مدينة القصير وفليطة والطفيل ومقر الفرقة الرابعة بالسومرية ورأس المعرة حيث المعمل الذي يمتلكه (أبو علي خضر) الشريك الأهم لأسماء الأسد وماهر الأسد, وبالتالي لا غرابة أن نسمع عن تلك الشحنات الضخمة التي تتم مصادرتها والتي وصلت قيمة إحداها في إيطاليا لما يفوق الـ "مليار دولار".
تدخل الانتربول الدولي
عندما تقول محطة تلفزيون (بي بي سي) أن المخدرات أصبحت مصدر التمويل الأساسي لنظام الأسد ولـ"حزب الله" ولميليشيات إيران في العراق إضافة لإيران (بعد تشريع زراعة وتجارة المخدرات عبر فتاوى أصدرتها كبرى المرجعيات الدينية في إيران)، فمن الطبيعي أن يتحرك الإنتربول الدولي الذي وصلته أيضاً بلاغات أمنية من قبل السلطات الإيطالية تطالب بالتحقيق والجلب للعدالة لكل من كان يقف وراء شحنة المخدرات التي تم ضبطها في ميناء نابولي الإيطالي، ووجهت حينها التهمة بداية لـ"تنظيم داعش" قبل أن تتراجع السلطات الإيطالية وتصحح الخبر وتقول أن نظام الأسد و"حزب الله" هما من كان وراء إنتاج شحنة المخدرات وشحنها عبر موانئهما إلى إيطاليا، وإن كانت أحياناً الشحنات تأخذ طرق متفرعة ومتعددة ومختلفة للتمويه والخداع، ويٌعتقد أن سلطات مصر التي وصلتها شحنات مموهة بمادة التفاح تارة ومادة الحليب المجفف أحياناً أو ضمن عبوات "ورق الغار" تارة أخرى وبأشكال مختلفة، ضاقت ذرعاً وأيضاً قد تكون مع سلطات اليونان وقبرص ودول الخليج قد طالبوا الإنتربول الدولي بالتحقيق والملاحقة، خاصة مع معلومات مؤكدة أنه حتى حفارات الآبار السورية يتم استغلال قسم منها بنقل المخدرات عن طريق الكابل الذي تحويه الحفارة وطوله 500 متر، حيث يتم تفريغه بطريقة فنية وتعبئة حبوب "الكبتاغون" فيه، ومن ثم يتم شحن تلك الحفارات إلى موانئ المغرب العربي عن طريق ميناء طرطوس ومن هناك يعاد شحنها للموانئ السعودية كنوع من التمويه.
ما الحل الجذري لوقف زراعة وتصنيع المخدرات في سوريا ولبنان والعراق (منطقة جرف الصخر)؟؟
الواضح أن المخدرات أصبحت وسيلة لخدمة إرهاب أنظمة الأسد وإيران وأذرعها بالمنطقة العربية، وأن الحل لوقف زراعة وتجارة المخدرات التي تعصف بأرواح ومستقبل شباب المنطقة العربية ومحيطها لا يمكن الوصول إليه بجهود فردية أو حتى من قبل دول المنطقة منفردة.
فالدويلات التي تمارس تلك الجريمة هي أنظمة فاشلة ومشاركة ومسؤولة عن زراعة وصناعة المخدرات وتقوم بترويجها وأصبحت تعتبرها الدخل القومي للالتفاف على الخسارات التي تلحق بها نتيجة تطبيق العقوبات الغربية عليها ونتيجة تطبيق قانون "قيصر" وأنها الوسيلة الوحيدة لاستمرارها بسلطتها والمقصود دويلة نظام الأسد ونظام الملالي ودويلة "حزب الله" التي التهمت الدولة اللبنانية.
وبالتالي للوصول إلى حل جذري يجب أن يكون هناك جهد عربي- إقليمي- دولي يستطيع اقتلاع جذور هذا المشروع المدمر من لبنان وسوريا والعراق وإيران وبما يخص سوريا ولبنان يجب إيجاد آلية لبسط سلطات دولية- أممية على تلك المنطقة (الحدود السورية _اللبنانية) وبأعماق متفاوتة من كلا الجانبين وطرد "حزب الله" وميليشيات إيران والفرقة الرابعة من كامل المنطقة.
وبدون تلك الخطوات أو خطوات مماثلة ستبقى زراعة المخدرات وستبقى أدوات تصنيع المخدرات وستبقى شحنات المخدرات تغزو دول المنطقة وأوروبا, وستبقى موانئ أوروبا وشرق المتوسط وموانئ الخليج العربي تتحايل جاهدة لتكشف الجزء اليسير منها أو لتتغلب على أساليب تهريبها ومنعها من الوصول لمواطنيها.
أورينت نت
25/5/1442
9/1/2021