أسامة شحادة
2-1-2012
لا شك أن الرئيس المصري محمد مرسي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي القيادي بحزب الدعوة الشيعي، يمثلان مشروعين سياسيين صاعدين ومختلفين؛ فمشروع الإخوان السياسي القائم في مصر وغزة، والقادم ربما في تونس وليبيا وسوريا بعد سقوط بشار، هو في حالة تنافس الآن مع المشروع السياسي الشيعي المتمثل في إيران والعراق وسوريا بشار، والزاحف في اليمن والبحرين والكويت ربما.
ومما يدلل على هذا التنافس انحياز كافة أطياف جماعة الإخوان المسلمين للثورة السورية مقابل انحياز كافة التجمعات الشيعية خلف بشار الأسد، وأيضاً تسود حالة من الصدام الآن بين أطياف الإخوان المسلمين وأعضاء المشروع السياسي الشيعي في سوريا والبحرين واليمن والكويت، فضلاً عن فتور وتغييب للإخوان المسلمين في العراق ولبنان وإيران نفسها.
هذا الصراع المكتوم بين نموذجين لما يسمى بـ (الإسلام السياسي) لا يتم تسليط الضوء عليه بوضوح في الإعلام، بل تجد أن هناك حالة متعمدة من نشر الضبابية حوله وتركيز العدسات والإضاءة على جزء محدود من هذا الصراع وهو الجزء المتعلق بالمشروع الإخواني، أما المشروع السياسي الشيعي فيتم ابعاده عن الأضواء برغم أنه مشروع يستخدم العنف والعنف المسلح ولا يلتزم بقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية !!
والعجيب هو تناقض مواقف مؤيدي بشار - من العلمانيين والتقدميين والناصريين- الذين يشنون حرباً شعواء على الإخوان المسلمين باسم محاربة الإسلام السياسي وأخونة الدولة، في الوقت الذي يتحالفون فيه مع آخر أشكال الحكم الثيوقراطي في العالم؛ المتمثل بنظام ملالي طهران، ووكلائها في العراق وحزب الله في لبنان.
فهؤلاء العلمانيون، وخاصة اليساريين منهم، يلصقون بالإخوان كل نقيصة وتهمة تخطر بالبال بحجة وبغير حجة، بل يتهمونهم ويدينونهم بأن في نيتهم فعل كل هذه التهم مستقبلاً حين يتمكنوا !! ويقومون في نفس اللحظة بالتغاضي عن كل هذه الجرائم التي يقوم بها محور الإسلام السياسي الشيعي جهاراً نهاراً منذ سنين!!
ولو أخذنا نتتبع السياسات القائمة على الأرض من قبل المشروع السياسي الشيعي مما ينكره اليساريون على الإخوان المسلمين، وجعلنا من سياسات المالكي نموذجاَ لذلك فسيتضح لنا التالي:
* تم تسليم حكم العراق للشيعة بحجة أن الديمقراطية هي حكم الأكثرية، وهي مغالطة فالعرب السنة والأكراد السنة يشكلون غالبية العراق، ولكنهم يخلطون التقسيم بين مكون مذهبي: شيعي وسني، ومكون عرقي: عربي كردي، لتظهر نسبة الشيعة أكبر! واليوم في مصر بعد ظهور النتائج لصالح الإسلاميين يرفضون هذه الديمقراطية ويقولون إن جوهر الديمقراطية لا يعني حكم الأغلبية بل مراعاة حقوق الأقليات، وبدأ يظهر كلام شبيه بهذا بخصوص مستقبل سوريا.
أما سنة العراق فلم يحصلوا لا على حكم الأغلبية ولا حقوق الأقليات، بل كان نصيبهم الإبادة الطائفية العلنية وتغاضي العالم ومنظماته الرسمية والحقوقية عن كل ما يجري لهم!!
* تم اعتماد الدستور العراقي برغم مقاطعة المكون السني العربي العراقي على الاستفتاء عليه بسبب دسترته لفكرة تقسيم العراق، ولم يهتم أحد من هؤلاء العلمانيين المدنيين والديمقراطيين بهذه المقاطعة لحوالى ثلث سكان العراق، ولم نسمع منهم إسطوانة ضرورة التوافق الوطني، وأن الدستور لا ينفرد فصيل بكتابته كما يتشدقون اليوم بخصوص مصر وتونس!!
* تجاوز سنة العراق العقدة الطائفية وانضووا تحت قائمة وطنية (سنية وشيعية) وبقيادة إياد علاوى العلماني الشيعي، وفازت قائمتهم العراقية بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي سنة 2010م في انتخابات أشرفت عليها حكومة المالكي، وكان المرشح لرئاسة الوزراء إياد علاوي الشيعي، ومع هذا تم حرمانهم من حقهم بتشكيل الحكومة وتم فرض المالكي رئيساً للوزراء برغم خسارته، وذلك بعد أن عطلوا عمل البرلمان العراقي 8 شهور في تكرار لسياسة حزب الله بتعطيل الحكومة اللبنانية لحين الحصول على الثلث المعطل سنة 2009م.
* ولأن الدستور العراقي منح رئيس الوزراء صلاحيات خرافية فقد حرص المالكي/الشيعة الأصوليون على عدم مغادرة هذا المنصب أبداً، رغم أن العراق ليس فيه توزيع أدوار سياسية بين مكوناته لكنها سياسة فرض القوة والأمر الواقع، ولذلك ها هو المالكي يواصل رئاسة حكومة العراق منذ سنة 2006م ويطمع بولاية ثالثة، وقد تسلم رئاسة الحكومة من إبراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة الشيعي كذلك!!
* وبرغم أن العراق دولة نفطية وأن أسعار البترول شهدت ارتفاعاً مهولاً فإن حال العراق لا يسر، وبرغم أن البرلمان العراقي بعد صدام أقر أربع ميزانيات بقيمة 311 مليار دولار إلا أن العراق ينافس دولاً كثيرة على تصدر قائمة الدول الفاشلة والفاسدة، وذلك بفضل سياسات المالكي الطائفية والأمنية!!
* شاهد العالم كله تفاقم السياسية الطائفية ضد السنة العرب، والتي شملت إقصاء كل رموزهم السياسيين ولم يسلم منها حتى طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الإسلامي الذي يمثل جماعة الإخوان سابقاً، والذي أصدر القضاء بحقه خمسة أحكام بالإعدام!! ولم يسلم منه أعضاء البرلمان السنة ولا وزراؤهم وآخرهم وزير المالية السني رافع العيساوي.
* لقد تغول المالكي على كافة سلطات الدولة، فالبرلمان العراقي رهن إشارته ولذلك فشل في إقصائه أكثر من مرة، وكانت كل محاولة لإقصاء المالكي نتيجتها تدحرج عضوية الساعين لذلك من البرلمان بفتح ملفات ملفقة لهم وتقديمهم لقضاء يأتمر بأمر المالكي وقد فضحت عدسات التلفزة تلك المحاكمات الصورية بصرخات المتهمين بأنهم عذبوا وأجبروا على الإقرار بالتهم الملفقة، أما السلطة التنفيذية فهي كالخاتم في يده، وحقيقة دور الوزراء الذين لا يخضعون له أن يكون دور شرفيا وإلا كان جزاؤه كجزاء العيساوي تلفق له تهمة ويتم التخلص منه.
* ولم يخرج الإعلام عن نطاق سيطرة المالكي، فلا صحافة حرة في العراق إلا لمن يؤيد سياسة المالكي.
* وأحكم المالكي قبضته على الجيش والأمن فلم تعد تمثل الدولة بقدر ما تمثله شخصياً، ولذلك تجد مناطق العرب السنة والأكراد تنتفض ضد ممارساتها الميلشياوية بحقهم.
ولو دققنا النظر في سياسات حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وشيعة البحرين لوجدناها لا تخرج عن هذا الإطار، فهي قوى مسلحة ولها ميلشيات وتنتهج مسار العنف، وتهدف للاستيلاء على السلطة وإقصاء المخالفين وإبادتهم، وهي تقيم علاقات خارجية ضد مصالح دولها وتشارك في تنفيذ أجندات إيرانية في دولها ودول أخرى كما يحدث في سوريا التى استعانت بميشليات حزب الله والحوثيين وجيش المهدي.
هذه أبرز ملامح السياسة القائمة في العراق من قبل المالكي وأصدقائه في المنطقة، ومع هذا تجد أن قطاعا كبيرا من (المناضلين/ الثوار/ الشرفاء/ المثقفين/ المدنيين) لا يجدون أدنى حرج من الاصطفاف معه في خندق واحد خلف بشار الأسد ومصالح إيران.
وفي المقابل نجد الإخوان يرضون بحكم المحكمة بحل البرلمان ولا يستأنفون الحكم، ولما حاول مرسي أن يعيد البرلمان ورفضت المحكمة انصاع لها، والمظاهرات والاعتصامات المعارضة لمرسى لا تتوقف، والصحافة والإعلام تجاوزا كثيرا من قواعد المهنية والموضوعية، نعم لا يخلو أداء الإخوان ومرسى من أخطاء لكنها ليست كخطايا وخطيئات المالكي.
إن من يريد أن نصدقه في اتهاماته لسياسة الإخوان وأنها سياسة دينية ديكتاتورية ثيوقراطية تلتحف بالدين وتسعى للاستبداد، عليه أن يكون متوازنا في طرحه ويكيل بمكيال واحد، صادقاً مع نفسه وما يعتقد به من مبادئ، ويدين ويستنكر هذه السياسات الشيعية الدينية الطائفية، ويكسر تحالفه الوثيق معها، حتى يكون هناك فرصة لنسمع اتهاماته للإخوان ونفحصها ونتأكد من صدقها أو عدمها، أما أن تدعي العلمانية والدولة المدنية والمطالبة بالحرية، ثم تتحالف مع أبشع صور المتاجرة بالدين والتعصب والطائفية والوحشية فهذه سماجة بشعة.