إيران تحرك خلايا "حزب الله" النائمة

بواسطة غسان الإمام قراءة 634

إيران تحرك خلايا "حزب الله" النائمة

 غسان الإمام

 

لست من هواة السيناريوهات المخابراتية، والاهتمامات بحركة الأساطيل الأميركية في المتوسط والخليج التي شغلت الصحافة اللبنانية، منذ ستينيات القرن الماضي. اهتمامي الأول يتناول حركة المجتمعات العربية. مشاكلها. صراعاتها السياسية والطائفية. قضايا التنمية والتطوير فيها. أبعادها وجذورها في التاريخ العربي، حديثه وقديمه.

غير أني اليوم مضطر، للاستعانة بظلال الحركة المخابراتية الإيرانية، في الكشف عن مظاهر التصعيد الخطير في الهجمة الإيرانية على العالم العربي. هذا التصعيد الذي بدا عمليا، منذ اغتيال المخابراتي عماد مغنية رجل التنسيق الأمني بين «حزب الله» وإيران وسورية، في شباط/ فبراير من العام الماضي، وصولا إلى ذروة التصعيد، بعد التجديد المُتَعَسِّف للرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو/ حزيران الماضي.

أذهب إلى الاعتقاد بأن المخابرات الإسرائيلية والغربية، لم تكن قادرة على صيد مغنية، لولا مراقبتها الدقيقة لشبكة الاتصالات الهاتفية، وحلُّها «الشيفرة» الدبلوماسية السرية، لأكثر من دولة في المنطقة.

أكتفي بالإشارة هنا إلى مراكز التنصت الإلكترونية الإسرائيلية والأميركية في الجولان المحتل، وفي القواعد الأميركية في العراق، وفى مركز التنصت البريطاني في قبرص. مقتل مغنية لم يكن كافيا لاتخاذ احتياطات أشد. بعد أشهر قليلة، اغتيل العميد محمد سلمان (2.8.2008) المستشار الأمني للرئيس السوري. يقال إن سلمان كان مسؤولا وثيق الاتصال بمغنية، وبالتنسيق مع إيران وحزب الله.

مقتل المخابراتي مغنية لم يكن السبب الوحيد لتحريك خلايا الحزب النائمة، في الخليج ومصر ولبنان وغزة. هناك أسباب سياسية واستراتيجية، أكثر أهمية من مغنية، لتفعيل الاختراق الإيراني للمنطقة العربية. أبدأ بالأسباب الداخلية، فأقول إن «تنجيح» نجاد في الانتخابات، يفسِّر حرص الحرس الثوري، على عدم السماح للإصلاحيين أو المحافظين، بعرقلة زحف هذه المؤسسة العسكرية لاستكمال سيطرتها على السلطة، بما يشبه الانقلاب على النظام الثيوقراطي (حكم رجال الدين).

غابت العمائم السوداء والبيضاء. تقدم تلامذة الخميني، كنجاد، الذين قاتلوا على الجبهة العراقية. الغرض استعادة زخم الثورة الخمينية في الداخل، واستئناف تصديرها إلى الخارج. لم يجد الحرس الثوري أي إحراج، في تزييف الاقتراع، وفي تصفية تمرد الإصلاحيين والمحافظين المعترضين (81 قتيلا)، واحتجاز الألوف، وإصدار أحكام الإعدام.

نجاد ليس تلميذا للفقيه علي خامنه ئي. في الواقع، هو تلميذ لآية الله مُتَّقي مصباح يزدي المتمسك بمبدأ ولاية الفقيه الذي استولده الخميني. متقي معارض بشدة للديمقراطية (غير المنسجمة مع الإسلام) وداعية قوي لإلغاء الانتخابات، أو... لتزييفها، إذا لم يكن بالإمكان منعها. نجاد، في استلهامه هذه الراديكالية الدينية، يري أن حكمه ونظامه هنا تمهيد لعودة الإمام الغائب. بعد «نجاحه» الانتخابي، زار نجاد مسجدا في ظاهر قم، حيث يقال إن الإمام الغائب شوهد، للمرة الأخيرة، قبل اختفائه، منذ أكثر من ألف سنة.

أين الفقيه علي خامنئي، في هذا القَضْمِ المستمر لسلطة نظامه الثيوقراطي؟ الحرس الثوري مضطر للإبقاء عليه، كرمز لولاية الفقيه. مرضُ خامنئي وشيخوخته المبكرة لا يساعدانه على المقاومة، سيما أن نجاد والحرس استقطبا نجله (مُجْتَبَى)، وسرّحا عشرة آلاف «كادر»، من البيروقراط والتكنوقراط المشكوك في ولائهم للسلطة الجديدة.

أسباب وظواهر كثيرة لتحريك الخلايا النائمة، وتشجيع الأقليات الاجتماعية الشيعية على إثارة الاضطراب، وهز الاستقرار. في مقدمتها الاعتقاد الإيراني بأن النظام العربي التقليدي بات مترهلا وجموديا. تصعيد الهجوم عليه يزيده ضعفا وارتباكا. للطرافة. هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة كون النظام العربي، أكثر استقرارا، وأقوى داخليا، بالمقارنة مع نظام إيراني فقد حماسة أجياله الجديدة والواعية.

وهكذا، فتصعيد الهجمة بتحريك الخلايا النائمة، للمسّ بالأمن الداخلي للنظام العربي، انتقل من طور الاختراق السياسي والدبلوماسي والمالي (شراء التنظيمات والصحافة)، وصولا إلى تقويض التعايش السلمي الطويل بين السنة والشيعة. الزيدية التي ينتسب إليها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لم تكن يوما تنطوي على هذا العنف الدموي الذي يصر عليه الحوثيون، لولا التحريض الإعلامي المنطلق ليلا نهارا من إعلام إيران وحزب الله. ولا أدري ما إذا كان صحيحا خبر ضبط سفينة إيرانية تحمل سلاحا إلى الحوثيين، أو أن مقاتلين لبنانيين عُثر عليهم في جبهة القتال.

هناك تركيز أيضا على محاولة اختراق أمن مصر. لعله ناجم عن الظن بأن الجدل المصري الداخلي حول الولاية الرئاسية، فرصة سانحة للتدخل. خلية حزب الله التي ضُبطت ضمّت لبنانيين وفلسطينيين، وجندت مصريين. وكان في نيتها القيام بعمليات تخريب وتدمير أيضا، هناك محاولات لتنشيط المذهب الشيعي، وشراء صحف وصحافيين.

الناطقون باسم الخلايا الشيعية اللبنانية التي تحركت في دولة الإمارات الخليجية، يحاولون تحريض منظمات حقوق الإنسان. فوزي صلوخ وزير خارجية «الثلث المعطّل» في حكومة تصريف الأعمال اشتكى. احتجّ. نبيه بري رئيس البرلمان وحليف «حزب الله» حمل وجاهة المنصب. ذهب إلى الإمارات. للتوسط. للتدخل. عاد صامتا. ربما مذهولا لقوة «مستمسكات» الأمن الإماراتي ضد الخلايا الحزبية المتحركة. المؤسسات الأمنية في أكثر من دولة خليجية تبدي قلقها، من تحريك المخابرات الإيرانية للتجمعات الشيعية ضد أنظمة الحكم السنية. السلطات السعودية حذرت إيران من أية محاولة لتسييس موسم الحج في هذا العام.

في لبنان، يترك حزب الله «لصهره» الماروني العماد ميشال عون مهمة عرقلة جهود رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بالإسراع بتشكيل الحكومة. عاد الحزب إلى تحريك خلاياه في الجنوب، لإطلاق صواريخ «طائشة» على الأرض المحتلة، ربما في إطار الاستعداد لاستخدام ألوف الصواريخ، في حالة اعتداء إسرائيل على المراكز النووية الإيرانية، من دون أي تقدير لموقف لبنان الرسمي، ومن دون أي اكتراث بجر سورية إلى مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل.

حزب الله في لبنان اليوم دولة داخل دولة. له جيشه. ميليشياه. صواريخه. أجهزته المخابراتية. شبكة تنصته الواسعة على الجيش والدولة وكل الاتصالات الداخلية والخارجية. رقابته البوليسية مفروضة على المطار لمتابعة الداخل والخارج. هيمنته الأمنية على بيروت السنية مستمرة، بعد سحب قواته العسكرية التي اجتاحت المنطقة في العام الماضي. كل ذلك من مظاهر وظواهر تفعيل جديد للنشاط الحزبي الأمني.

نجح الحزب من خلال التهديد بالزحف المسلح على جبل الدروز (الشوف) في تحييد وليد جنبلاط. لعل الزعيم الدرزي بات يعتقد أن الوجود العسكري السوري، غير المرغوب فيه، كان على الأقل، يُلْجِم الدور الأمني المسلح للحزب الإيراني، سيما أن الشكوك تتجه إلى وضع الحزب في دائرة الشبهة، في عمليات الاغتيالات المروعة، وذلك في ضوء ما تسرب من أوساط محكمة الحريري الدولية، بأن الحزب لم يكن بعيدا عن ملابسات اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق.

هجمة الحرس الثوري على العرب ليست كلها سمنا وعسلا. هناك معارضة في الداخل (لاريجاني. رفسنجاني. كروبي. خاتمي. موسوي...) ضد التضييق على الديمقراطية الضيقة أصلا. في المنطقة، تدخل تركيا السنية حلبة الصراع. إسرائيل ليست وحدها التي تملك القنبلة المخيفة. تركيا تُخَزِّن قنابل أميركا النووية على أرضها. تركيا والعرب قادرون على امتلاكها، إذا ما امتلكها الحرس الثوري اليوم أو غدا.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

 



مقالات ذات صلة