سياسة الأذرع؛ درب من دروب الهيمنة الإيرانية

بواسطة مركز التأصيل للدراسات والبحوث قراءة 1437
سياسة الأذرع؛ درب من دروب الهيمنة الإيرانية
سياسة الأذرع؛ درب من دروب الهيمنة الإيرانية

للاستعمار الجديد شكل مختلف عما كان عليه الاستعمار في الأزمنة السابقة، فقد كانت الحروب القديمة تدور بين مملكتين أو جماعتين إلى أن ينتصر أحدهما فيستولي على مقدرات الآخر، ويعلن سلطانه على أرجاء الوطن المهزوم، أما في عصرنا الحاضر فالأمر مختلف جداً، حيث ظهرت أشكال جديدة للاستعمار والحروب.

فمن ذلك الحروب الثقافية التي تعتمد على طمس هوية الآخر، وجعل المهزوم تابعاً لكل ما يصدر عن الطرف المنتصر، وهذه الحرب ليست في حاجة إلى أسلحة أو أدوات قتال، بل كل ما تحتاجه يعتمد بشكل أساسي على الأفكار، فيقوم الطرف المتغلب بفرض ثقافاته وفلسفاته وعاداته وتقاليده على الطرف المنهزم فكرياً وثقافياً.

ومن مظاهر الاختلاف استبدال الجيوش النظامية بالمليشيات المسلحة أو الجماعات الحزبية (كوكلاء)، فعن طريقهم يقوم المُوكِل بإملاء أوامره لتلك المليشيات، لتقوم هذه المليشيات بدورها بتنفيذ كل ما يطلب منها، دون الحاجة إلى تحريك الجيوش، أو خلق الأزمات السياسية والعسكرية بين الدول المعتدية والدول المعتدى عليها.

ومن أوضح الأمثلة على الدول التي تسعى إلى تكوين هذه المليشيات خارج أراضيها الدولة الإيرانية، حيث استطاعت هذه الدولة تجنيد عدة مليشيات مسلحة في أكثر من دولة إسلامية، بهدف الهيمنة على هذه الدول وزعزعة أمنها واستقرارها، ليسهل الانقضاض عليها فيما بعد ضمن مشروع الدولة الإيرانية الكبرى، التي يسعى الشيعة إلى تكوينها.

حيث استطاعت إيران خلال فترة ما بعد الثورة الإيرانية تكوين ذراع عسكري وسياسي قوى في لبنان، ويتمثل ذلك في حزب الله اللبناني، فالحزب وإن كان من الناحية الجغرافية لبناني، لكنه من الناحية الفكرية والسياسية والعقائدية إيراني حتى النخاع.

وتأكيداً لهذه الفكرة، أشاد مسؤول إيراني بما أسماه "دور حزب الله" في المنطقة، ووصفه بأنه "أهم من بعض الدول". حيث اعتبر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بأن "حزب الله لديه دور أكثر فاعلية من بعض الدول في المنطقة". وأوضح لاريجاني في تصريح له أن "الدول الناجحة هي التي تمتلك قدرة تنظير قوية، وميدانيًّا لديها قدرة تهيئة الأرضية اللازمة للدور المؤثر في المنطقة". وهو الأمر الذي تقوم به إيران- ويقوم به حزب الله اللبناني- بنجاح كبير.

والأمر نفسه ينطبق علىجماعة الحوثي في اليمن، فالجماعة وإن كانت زيدية المعتقد- أصلاً وقيادة- إلا أنها تتبع من الناحية الفكرية والسياسية كل ما يُملى عليها من قبل الدولة الإيرانية، وما اضطرابات اليمن إلا شكلاً من أشكال السيطرة الإيرانية على اليمن ومقدراته.

وما نزاعات سوريا والعراق عن سياسة الأذرع ببعيدة، فالعراق يطفح بالمليشيات الإيرانية التي تتبع إيران وتتلقى أوامرها من عمائم قم، وما حاكم العراق إلا صورة- ديكورية- لكي تتمكن إيران من تسيير أمور العراق من خارج المشهد العراقي، والوضع السوري لا ينفصل في ظروفه وأحواله عن الوضع في العراق، وإن كان الوضع أكثر ظهوراً في العراق عنه في سوريا.

فسياسة الأذرع هي السياسة الأكثر استخداماً في المشهد (الشيعي/السني)، والدولة الإيرانية هي الدولة الأكثر استخداماً لهذه السياسة، فهي سياسة خفية تتبع الحروب الناعمة، رغم دموية ما تقوم به هذه الأذرع في سبيل تحقيق أهداف الدولة الإيرانية دون أن تمثل لإيران أدنى إحراج سياسي أو ديني.

المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث



مقالات ذات صلة