المثلث السني و الهلال الشيعي !

بواسطة عمـرو نبيل قراءة 746

المثلث السني و الهلال الشيعي !

 

عمـرو نبيل

 

تشهد الساحة السياسية العالمية تحولًا كبيرًا على مستوى التحالفات الإستراتيجية، وأهم ما يميز هذه المرحلة التي يعيشها العالم الآن، هو تغير موازين القوى الإقليمية، التي ظلت ثابته طيلة عقودٍ مضت؛ حيث يصب تراجع النفوذ الأمريكي على المستوى العالمي في صالح القوى الإقليمية الصاعدة على حساب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.

ولقد بدأت دلالات هذا التحول العالمي تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم؛ حيث نجحت روسيا في التصدي لمشروع الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا الشرقية، وواجهت جورجيا – حليفة أمريكا - عسكريًا، فيما بدأت فرنسا وألمانيا في تشكيل تحالف أوروبي جديد لتحجيم نفوذ بريطانيا – أكبر حلفاء أمريكا- داخل القارة الأوروبية، وفي آسيا أعلنت الصين وكوريا الشمالية عن رغبتهما في تعميق التعاون المشترك بينهما، وهو الأمر الذي أثار قلق اليابان وكوريا الجنوبية – حليفتا أمريكا في آسيا-.

وإذا كانت التحالفات السياسية في أوروبا وآسيا تحكمها العوامل الاقتصادية أوالجغرافية أوالعسكرية؛ إلا أن الأمر لم يكن كذلك في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؛ حيث طغى البعد الطائفي على المجريات السياسية، خلال الآونة الأخيرة، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة لغزو أفغانستان والعراق بدأت معالم المشروع الإيراني الشيعي تتكشف يومًا بعد الآخر، وهو الأمر الذي دفع العديد من الأنظمة العربية – الحليفة لأمريكا - إلى دق ناقوس الخطر بعدما تبين لها التعاون الإستراتيجي الخفي بين واشنطن وطهران. 

فإيران التي بادرت بعرض مساعدتها على أمريكا إبان غزوها لأفغانستان والعراق كانت تستهدف من وراء ذلك تحقيق هدفين إستراتيجيين غاية في الأهمية بالنسبة لمشروعها الشيعي، أولهما إسقاط نظاميين سنيين يقفان على حدودها كحجر عثرة أمام مشروعها وهما نظام طالبان ونظام صدام، والثاني الحصول على اعتراف أمريكي بها كقوة إقليمية؛ حيث استخدمت طهران موقعها الجغرافي الإستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة لقربه من منابع النفط ومن مناطق تواجد المقاومة السنية، واستعرضت قدراتها على تحريك الشيعة - الذين يدينون لها بالولاء على حساب أوطانهم – في العراق ولبنان والخليج واليمن وغيرها، وأظهرتهم لواشنطن على أنهم سلاح ذو حدين يمكن استخدامه لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة أو ضدها. 

ولم تراهن إيران على أمريكا وحدها في تنفيذ مشروعها الشيعي بل عززت علاقاتها مع القوى العالمية المنافسة للولايات المتحدة كالصين وروسيا، خاصةً وأن هذه القوى في حاجة إلى النفط الإيراني وصفقات السلاح التي تسعى إيران لإبرامها.

وأمام هذا التحول العالمي بصفةٍ عامة، والتحركات الإيرانية الطائفية في المنطقة بصفةٍ خاصة باتت الأنظمة العربية أمام تحدٍّ مصيري يتمثل في تراجع نفوذ الولايات المتحدة - الحليف الأول لهذه الأنظمة - وتنامي النفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة، وهو الأمر الذي يفرض على الأنظمة العربية إعادة ترتيب أوراقها لتشكيل تحالفات سياسية تتناسب مع طبيعة تحديات المرحلة؛ فمما لا شك فيه أن رهان الأنظمة العربية على الدور الأمريكي في مواجهة المشروع الإيراني أصبح عديم الجدوى، فضلًا عن فشل الرهان على ما يسمى بـ"القومية العربية"، بعدما نحجت إيران في استقطاب أنظمة عربية إلى محورها.

إن التحالفات تشكل لمواجهة مخاطر مشتركة، وبما أن إيران تسعى لأن تكون القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة، من خلال مشروعها الشيعي؛ فإن هذا المشروع الإيراني يهدد أول ما يهدد الدول السنية ذات الثقل الإقليمي في المنطقة وأهمها مصر والسعودية، وهما الدولتان اللتان كانتا تشكلان مع سوريا ما كان يعرف بـ "المثلث العربي"، ولكن لأن طبيعة التحالفات تحولت من "العربية" إلى "الطائفية" اختار النظام السوري العلوي المحور الإيراني الشيعي في تحالفاته السياسية ( لم يمنع ذلك سوريا من تحسين علاقاتها مع دول مجاورة لكسب مكاسب مختلفة طبقا لاستراتيجية أهداف المحور كما لم يمنع ذلك ايران من مد يد الرغبة في التعاون مع الدول السنية أيضا )

غير أن الضلعين السعودي والمصري يمكنهما الاهتمام بضلعٍ أعمق تأثيرًا على الساحة الإقليمية لتشكيل "مثلث سني" قوي قادر على مواجهة "الهلال الشيعي" ألا وهو الضلع التركي؛ فالتهديد الإيراني الإستراتيجي لتركيا، - التي ظهرت في الآونة الأخيرة كلاعب إقليمي مؤثر يحظى بثقة الغرب قبل الشرق -، لا يقل عن التهديد الإيراني لمصر والسعودية، خاصةً وأن تركيا بها أقلية علوية أثارت العديد من المتاعب في الداخل التركي، ومن السهل على إيران تسخير علويي تركيا لخدمة مشروعها كما تسخر الأقليات الشيعية في الدول العربية، ذلك فضلًا عن أن النفوذ التركي المتنامي في المنطقة يهدد المشروع الإيراني، خاصةً وأن تركيا دولة سنية، وبالتالي فهي تمثل منافسًا قويًا لإيران.

والمتابع للخطوط العريضة للسياسات الخارجية التركية، في ظل رئاسة حزب "العدالة والتنمية"، يجد العديد من المؤشرات على تحول تركيا باتجاه عمقها الإسلامي، خاصةً وأن رفض الاتحاد الأوروبي "العلماني" منح تركيا عضوية دائمة يرجع لكونها دولة إسلامية، وأكثر هذه المؤشرات وضوحًا هو المواقف التركي "المشرف" من الصراع العربي - "الإسرائيلي"، الذي أعلنت الحكومة "الإسرائيلية" أنه أيضًا صراع ديني بعد محاولاتٍ تصوير "إسرائيل" على أنها "دولة علمانية"؛ حيث طالبت هذه الحكومة العرب بالاعتراف بـ "يهودية إسرائيل"، وهو الأمر الذي بادرت كل من مصر والسعودية إلى رفضه.

إن العالم الآن آخذ في التحول لتكلات تجمعها مصالح مشتركة تسعى لتحقيقها وتهددها مخاطر مشتركة تسعى لمواجهتها، وهذا المثلث (مصر والسعودية وتركيا) بموقعه الإستراتيجي في قلب العالم، من شأنه أن يزيد من نفوذ هذه الدول ليس في المنطقة فحسب بل في أفريقيا حيث الثقل المصري، وفي الخليج وآسيا حيث الثقل السعودي، وفي آسيا الوسطى وأوروبا حيث الثقل التركي، فضلاً عن أنه سيحدث انقلابًا في موازين القوى بالمنطقة لصالح هذه الدول، ويمكّنها من "قلب الطاولة" على إيران، حيث أن الدول الكبرى بمجرد عقدها لمقارنة إستراتيجية بسيطة بين هذا "المثلث السني" و"الهلال الشيعي" ستجد مصالحها داخل أضلاع هذا المثلث.

 



مقالات ذات صلة