الشيعة والسنة
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية، ومن أول يوم قلب فيه صفحة التاريخ الجديد، التاريخ الإسلامي المشرق، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين، وخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفي البلاد العربية المجاورة لها والمجوس في إيران، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية، فبدؤوا يكيدون للإسلام كيداً، ويمكرون بالمسلمين مكراً، قاصدين أن يسدوا سبل هذا النور، ويطفؤوا هذه الدعوة النيرة فيأبى الله إلا أن يتم نوره، كما قال في كتابه المجيد: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]
ولكنهم مع هزيماتهم وانكساراتهم لم يتفلل فلول حقدهم وضغينتهم، فما زالوا داسين، دابرين.
وأول دس دسه أبناء اليهودية البغيضة، المردودة، بعد طلوع فجر الإسلام، دس في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام، حتى يسهل اصطياد المسلمين، الجهلة عن عقائد الإسلام، ومعتقداتهم الصحيحة، الصافية، فان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين، المتظاهرين بالإسلام، والمبطنين الكفر أشد الكفر والنفاق، والباغين عليه، عبدالله بن سبأ اليهودي، الخبيث الذي أراد مزاحمة الاسلام ومخالفته والحيلولة دونه، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها، واكتسح مملكة الروم من جانب، وسلطنة الفرس من جهة أخرى، وبلغت فتوحاته من أقصى أفريقيا إلى أقصى آسيا، وبدأت تخفق راياته على سواحل أوروبا وأبوابها، وتحقق قول الله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [النور: 55]
وبدأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده، وأمده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، وقال معلناً الحق: فما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جزانه، ومتبوءاً أوطانه.
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه، ولا الوقوف في سبيله جيشاً لجيش، ومعركة بعد معركة، فإن أسلافهم بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ومنكوبين، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل أثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وعاصمة الخلافة في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ورضيه ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فبدؤوا يبسطون حبالهم، ويمدون أشواكهم، منتظرين الفرص المتواطئة ومترقبين المواقع المتلائمة، وجعلوا علياً ترساً لهم يتولونه ويتشيعون به، ويتظاهرون بحبه، وولائه (وعلي منهم بريء) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد محرضينهم على خليفة رسول الله عثمان رضي الله عنه، الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى ما لم يساعدهم أحد، حتى قال له الرسول صلى الله عليه وسلم الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة <<ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم>>
وبشره بالجنة مرات ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة.
وطفق هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام من أصلها وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء.
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام، والدس في تعاليمه والنقمة عليه، والانتقام منه، وسمت نفسها "الشيعة لعلي" ولا علاقة لها به، وقد تبرأ منهم، وعذبهم أشد العذاب في حياته، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده، ولعنوا عليهم، وأبعدوهم عنهم، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن، وغابت عن المسلمين، وفازت اليهودية بعد ما وافقتها المجوسية من ناحية والهندوسية من ناحية أخرى، فازت في مقاصدها الخبيثة ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية.
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم فهذا الكشي كبير علماء التراجم المتقدمين عندهم الذي قالوا فيه، إنه ثقة، عين، بصير بالأخيار والرجال، كثير العلم، حسن الاعتقاد، مستقيم المذهب.
والذي قالوا في كتابه في التراجم: أهم الكتب في الرجال، هي أربعة كتب عليها المعول وأهمها وأقدمها هو "معرفة النافلين عن الأئمة الصادقين" المعروف برجال الكشي.
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب: وذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلون فقال في إسلامه بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه، وكفّرهم ومن هنا قال من خالف الشيعة إن أهل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية.
ونقل المامقاني إمام الجرح والتعديل مثل هذا عن الكشي في كتابه (تنقيح المقال) ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجل الشيعى الشهير النجاشي: الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي المتكلم المبرز على نظرائه في زمانه، قبل الثلاثمائة وبعد.
وقال الطوسى: أبو محمد، متكلم، فيسلوف وكان إماماً شيعياً حسن الاعتقاد ثقة وهو من معالم العلماء.
ويقول نور الله التستري، الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلماً فيلسوفاً إمامي الاعتقاد.
يقول هذا النوبختي: في كتابه "فرق الشيعة" عبد الله بن سبأ ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله فصاح الناس إليه، يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتكم والبراءة من أعدائكم، فسيره إلى المدائن (عاصمة إيران آنذاك) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام، إن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، فمن هناك قال من خالف الشيعة: أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية: ولما بلغ عبدالله بن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: "كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً، لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض".
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في "روضة الصفا" إن عبدالله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان) كثيرون هناك، فتظاهر بالعلم والتقوى حتى أفتن الناس به، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه، ومنه أن لكل نبي وصي وخليفة فوصي رسول الله وخليفته ليس إلا علي، المتحلي بالعلم والفتوى والمتزين بالكرم والشجاعة والمتصف بالأمانة والتقي، وقال: "إن الأمة ظلمت علياً، وغصبت حقه (حق الخلافة) والولاية ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته وخلع طاعة عثمان وبيعته فتأثر كثير من المصرين بأقواله وآرائه وخرجوا على الخليفة عثمان.
فهذه هي الشهادات الشيعية أنفسهم، يشهدون بها عليهم ويتلخص منها أشياء:
أولاً: تكوين اليهود فئة باسم الإسلام تحت قيادة عبدالله بن سبأ، يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر، وينشرون بين المسلمين عقائد وآراء يهودية كافرة.
ثانياً: دس الفتنة بين المسلمين، والتآمر على الخليفة الثالث الراشد، الإمام المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشق عصا الطاعة له، حتى يقع الحرج والمرج، فينقطع فتوحات الإسلام، وتقف راياته النيرة، المشرقة الرفرافة على بلاد الكفر، والمجوسية واليهودية ويتفلل سيوف المسليمن ما بينهم ويذهب حدها حتى لا يبرق وميضها ولمعانها على رؤوس الكفرة والملحدين.
فهذه كانت حصيلة المؤامرة، وقد حصلت فعلاً ووا آسفا.
فوقع القتال بين المسلمين وسل السيف واستل ما بينهم، وذهب ضحيتها الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعشرات الألوف من خيرة الرجال، ووقع الشقاق بين فئتين عظيمتين من المسلمين إلى ما وقع، وبقي أثره إلى يومنا هذا بعد ما انقضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وانقبضت أشعة النور بعد ما انبسطت على بقاع الأرض كلها.
ثالثاً: غرس الحقد والضغينة في قلوب الناس ضد أبي بكر وعمر، وباقي الصحابة من العشرة المبشرة لهم بالجنة، إلى صغيرهم وكبيرهم، حملة الدين، وورثة النبي الكريم، المبلغين رسالته، والناشرين دعوته، والرافعين رايته، والمجاهدين في سبيل الله، والممدوحين في كلام الله، حتى لا يبق للمسلمين تاريخ يمجدونه ورجال يفتخرون بهم، والمثل العليا يقتدون بهم، وقدوة يهتدون بها، فيقعوا في خيار الأمة حتى ينجروا إلى الخوض في سيد الخلق، ورسول رب العالمين، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ويبتعدوا عن القرآن الكريم ويشكوا فيه، القرآن الذي أنزله الله على نبيه وفيه مدح لهؤلاء، والرضا عليهم، والمباهاة بهم.
رابعاً: تكفير الصحابة كلهم سوى المعدودين منهم، حتى لا يبق الاعتماد والعمدة على شيء حيث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين سمعوا من رسول الله القرآن وحملوه منه، ورؤوا رسول الله يشرحه ويفسره ويبينه بقوله وعمله، كانوا كفرة مرتدين، فمن ينقل ويروي القرآن وتفسيره المعنى بالسنة؟
ثم وأي إنتاج أنتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي دعوة ورسالة أداها إلى الناس، وأي فوج دخل في دين الله حيث يقول الله عز وجل: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [سورة النصر]
ومن هنا يقف الموكب الزاخر، موكب النور والرحمة إلى الكون، موكب السلام والأمن إلى الدنيا قاطبة، فهذا هو المقصود الذي أرادوه ومن هنا جاء عدم الإيمان بالقرآن الموجود بأيدي الناس، والقول بأن القرآن المنزل على النبي هو عند المهدي المنتظر وصله بطريق الوحي لأن الخونة (عياذاً بالله) من أصحاب النبي غيروه وبدلوه، ونقصوا منه وزادوا فيه.
فالتوقف والانتظار إلى أن يخرج القائم الذي لن يخرج أبد الدهر.
خامساً: ترويج العقيدة اليهودية بين المسلمين، ألا وهي عقيدة الوصاية والولاية التي لم يأت بها القرآن ولا السنة الصحيحة، الثابتة، بل اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علي لرسول الله كذباً وزوراً، كي يتمكنوا من زرع بذور الفساد فيهم، وشب نيران الحروب والفتنة ما بينهم حتى ينقلب مساعيهم عن الجهاد في سبيل الله ضد الكفرة والمشركين من اليهود والمجوس إلى القتال بين أنفسهم، فانظر عبارة الكشي، فيقول: "وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه"
ويقول التوبختي: "إن عبدالله بن سبأ يهودياً فأسلم ووالى عليا وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذا المقالة، في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
سادساً: نشر الأفكار اليهودية كالرجعة، وعدم الموت، وملك الأرض، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد الخلق، والعلم بما لا يعلم أحد، وإثبات (البداء) والنسيان لله عز وجل وغير ذلك من الخرافات والترهات.
هذا ما اقترفته اليهودية وزرعته، وعلي والطيبون من أهل بيته منهم براء، لأنه قد ثبت عن علي رضي الله عنه، أنه أنكر عليهم القول واستنكرهم، كما ذكره النوبختي في ما مر، ويؤيد هذا ما رواه يحي بن حمزة الزيدي في كتابه (طول الحمامة في مباحث الإمامة) عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت يقوم ينتقضون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأخبرت علياً كرم الله وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترؤوا على ذلك، منهم عبدالله بن سبأ، فقال علي رضي الله عنه: "نعوذ بالله، رحمنا الله، ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء، فجعلت دموعه تتحادر عليها، وجعل ينظر إلى القاع حتى اجتمع الناس، ثم خطب، فقال: "ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه، وصاحبيه وسيدي قريش، وأبوي المسلمين، وأنا بريء مما يذكرون، وعليه معاقب، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحب، والوفاء والجد في أمر الله يأمران وينهيان ويغضبان ويعاقبان ولا يرى رسول الله كرأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً، لما يرى من عزمهما في أمر الله، فقبض وهو منهما راض، والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأيه صلى الله عليه وسلم، وأمره في حياته وبعد موته، فقبضا على ذلك رحمهما الله، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما إلا شقي مارق، وحبهما قربة وبغضهما مروق".