عندما يصعد الشيعة... رؤية أمريكية

بواسطة الدكتور فالي نصر قراءة 348

عندما يصعد الشيعة... رؤية أمريكية

 

مختارات إيرانية/ العدد 74 ـ 9/2006

 

منذ أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق واحتلاله عام 2003 شهدت الساحة العراقية تحولات مهمة بالنسبة لأوضاع القوى السياسية في الداخل، حيث شهدت العراق صعوداً قوياً للشيعة وبعض القوى الأخرى مثل الأكراد، وفي نفس الوقت بدأ الدور السني داخل العراق في الانحسار خاصة في إطار العملية السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة بالتعاون مع الشيعة والأكراد. وقد أفرز هذا الصعود الشيعي داخل العراق تساؤلات عدة حول نتائج هذا الصعود وتداعياته على المستقبل السياسي للعراق من ناحية، وتأثير هذا كله على الجمهورية الإسلامية ومدى قدرتها على الاستفادة من كل هذه التطورات التي تمت بالأساس بأيد أمريكية وكان أخرها الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل والتي خرج منها حزب الله منتصراً عسكرياً الأمر الذي يصب في النهاية لمصلحة إيران ويقوى من فكرة الصعود الشيعي ليس داخل العراق فحسب وإنما في بعض الدول العربية الأخرى.

من هنا تكتسب هذه الدراسة ـ بعنوان (عندما يصعد الشيعة) التي أعدها الدكتور فالي نصر الأستاذ بالمدرسة العليا البحرية، والزميل في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة، والتي نشرتها مجلة فورين أفيرز ـ أهميتها، حيث تركز الدراسة على تأثير حرب العراق على تغير أوضاع الشيعة في المنطقة، وتركز أيضاً على الدور والنفوذ القوي لإيران داخل العراق والمخاوف السنية والأمريكية تجاه هذا الدور، بالإضافة إلى الحديث عن فرص قيام تنسيق أمريكي ـ إيراني بخصوص العراق قد يمتد لباقي ملفات الخلاف بينهما، وفيما يلي نص الدراسة:

مع انهيار نظام صدام حسين في العراق شجعت إدارة بوش وساعدت على انطلاق وتقوية الأغلبية الشيعية في العراق بشكل واسع قد يخل بالتوازن الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط لسنوات طويلة قادمة، هذا التطور أثار قلق بعض الحكومات العربية السنية، ولكن هذا التطور قد يمثل فرصة لواشنطن لبناء جسور وعلاقات قوية مع الشيعة في المنطقة خاصة في إيران.

 

ـ النموذج العراقي:

ساهمت حرب العراق في إحداث تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط، رغم أن هذه التغيرات لم تكن بالشكل الذي توقعته الولايات المتحدة. فعندما أسقطت الحكومة الأمريكية نظام صدام حسين عام 2003 اعتقدت أن تغيير النظام سوف يساهم في جلب الديمقراطية للعراق وبالتالي لباقي دول المنطقة. ونظرت إدارة بوش إلى السياسة على أساس العلاقات بين الأفراد والدولة، ولكنها فشلت في إدراك أن الشعوب في منطقة الشرق الأوسط تنظر للسياسة أيضاً كميزان للقوى بين الجماعات المختلفة داخل الدول. ولهذا بدلاً من أن يكون سقوط نظام صدام حسين فرصة لبناء ديمقراطية تحررية في العراق، وجد العديد من العراقيين في سقوط النظام البعثي فرصة للقضاء على الظلم في توزيع القوى بين الجماعات المختلفة داخل العراق. وبتحرير وتشجيع الأغلبية الشيعية في العراق ساعدت إدارة بوش على انطلاق وإحياء شيعي واسع سيخل بالتوازن الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط لسنوات قادمة. ثمة حقيقة لابد من وضعها في الاعتبار وهي أنه لا توجد قيادة موحدة للشيعة في المنطقة ولكن يمكن القول أن الشيعة يشتركون في وجهة نظر دينية متماسكة. ومنذ انشقاق الشيعة في القرن السابع وذلك بعد خلافهم مع السنة حول الخليفة الشرعي للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قاموا بتطوير وتأسيس مفاهيم متميزة من القوانين والممارسات الإسلامية. والحجم الحالي للشيعة في دول المنطقة يجعلهم اليوم رقماً انتخابياً قوياً، والدليل على هذا أن الشيعة يمثلون 90% من الإيرانيين، حوالي 70% من الذين يعيشون في منطقة الخليج (الفارسي)، وتقريباً 50% من الذي يعيشون بصفة إجمالية حوالي 140 مليون شخص. وقد ظل الكثير منهم مهمشاً لفترة طويلة، ولهذا فهم يطالبون بحقوق أكثر ووضع سياسي أفضل. وقد ساهمت التطورات الأخيرة في العراق في تعبئة شيعة المملكة العربية السعودية (حوالي 10%م السكان)، ففي الانتخابات البلدية في السعودية عام 2005 شهدت المناطق ذات الأغلبية الشيعية إقبالاً ملحوظاً، وقام حسن الصفار زعيم الشيعة في السعودية بتشجيع الشيعة على التوجه لصناديق التصويت وذلك مثلما حدث في العراق والعمل على الاستفادة قدر الإمكان من قاعدة المشاركة في الانتخابات.

وساعدت القاعدة السحرية التي تنص على "رجل واحد، صوت واحد" على نقل تأثير ما حدث في العراق إلى مناطق أخرى. فالشيعة في لبنان (الذين يبلغون حوالي 45% من السكان) استفادوا من هذه القاعدة، ونفس الأمر قد يحدث مع الشيعة في البحرين (الذين يمثلون 75% من السكان) الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في الخريف.

وقد أفرزت عملية تحرير العراق روابط سياسية واقتصادية وثقافية جديدة بين الجاليات الشيعية في الشرق الأوسط. منذ عام 2003 نشطت حركة الحجاج الشيعة إلى النجف والمدن الشيعية المقدسة الأخرى في العراق. كما زادت وظهرت العديد من مظاهر الشيعة في الدول الخليجية، فصور علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ورجل الدين اللبناني والزعيم الروحي لحزب الله اللبناني السيد حسين فضل الله موجودة في كل مكان في البحرين. أيضاً رجال الدين الشيعة في هذه الدول أصبحوا أكثر حرية وجرأة في الوقت الحاضر في ممارسة شعائرهم الدينية.

ولهذا فالشرق الأوسط الذي سيظهر من بوتقة الحرب في العراق قد لا يكون أكثر ديمقراطية لكنه بالتأكيد سيكون أكثر تشيعاً.

وربما يكفي القول هنا أن صعود الشيعة العراقيين إلى السلطة قد أعاد وأحيا الأمل لدى الشيعة في كافة أنحاء المنطقة الأمر الذي أثار قلق السنة في المنطقة. الأمر الذي قد ينذر بصراع من أجل السلطة بين المجموعتين قد يهدد استقرار المنطقة. فقد حذر الملك عبد الله ملك الأردن من تكوين "هلال شيعي جديد" يمتد من بيروت إلى طهران قد ينهي سيطرة الغالبية السنية المسيطرة في المنطقة.

ـ استئصال السياسات الطائفية المعادية قد يساهم في ترضية الشيعة بشكل كبير ولكنه سيزيد من قلق السنة في كافة أنحاء المنطقة. هذا التوازن الحساس سيلعب دوراً مركزياً في السياسة الشرق أوسطية في العقد التالي، كما سيعيد تعريف علاقات المنطقة أيضاً بالولايات المتحدة والدول الأخرى مثل البحرين، لبنان، المملكة العربية السعودية، ومناطق أخرى في الخليج (الفارسي).

ـ رغم هذا الصعود الشيعي فليس من الضروري أن يمثل أو يكون مصدر قلق للولايات المتحدة وذلك رغم أن هذا الصعود قد أثر على مكانة بعض الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فهذا التطور الجديد يمثل فرصة أمام واشنطن لزيادة اهتمامها بمصالحها في المنطقة وإعادة بناء جسور العلاقات مع شيعة المنطقة الأمر الذي قد يمثل الإنجاز الحقيقي لتدخل الولايات المتحدة في العراق. والنجاح في هذه المهمة يعني إمكانية قيام الولايات المتحدة ببناء علاقات مع شيعة إيران وهي الدولة التي تضم أكبر نسبة للشيعة في العالم والتي أصبحت قوة إقليمية هامة. ولديها قدرة على تأثير على شيعة المنطقة خاصة في العرق. وتنحصر العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية في التمركز حول بعض القضايا مثل المسألة النووية، والخطابات الدعائية الصادرة من إيران، ولكن على خلفية حرب العراق ونتائجها قد تظهر قضايا أخرى مثل المستقبل السياسي للشيعة في المنطقة.

ـ الاتصال الإيراني

منذ عام 2003 لعبت إيران دوراً بناءً في العراق، فقد كانت إيران الدولة الأولى في المنطقة التي تقوم بإرسال وفد رسمي إلى بغداد لإجراء محادثات مع مجلس الحكم العراقي وذلك للتعرف على السلطة الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة في العراق. وقد عرضت إيران الدعم المالي على العراق، كما عرضت المساعدة لإعادة بناء البنية والطاقة والكهرباء في العراق. وبعد أن قام رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري بتشكيل حكومة انتقالية في بغداد في إبريل 2005 زارت وفود عراقية رفيعة المستوى طهران، وتم التوصل لبعض الاتفاقيات مع إيران، وتم التفاوض على تقديم بليون دولار كمساعدات إيرانية للعراق وبعض الصفقات التجارية مثل تصدير الكهرباء وتبادل النفط العراقي الخام.

ويبدو تأثير إيران الغير رسمي أكثر وضوحاً في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث قامت إيران ببناء شبكة رائعة من الحلفاء والعملاء، وتراوحت هذه الشبكة بين موظفي استخبارات، وجيوش شعبية مسلحة، ويظهر التأثير الإيراني الواضح في العلاقات القوية التي تربط الأطراف الشيعية المختلفة بطهران وعلى سبيل المثال: معظم كوادر المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق وحزب الدعوة (بما في ذلك رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي) معظم هذه الكوادر أمضت وقتاً طويلاً في المنفى في إيران قبل العودة للعراق عام 2003، أيضاً تلقت العديد من المنظمات الشيعية العراقية تدريبها على يد الحرس الثوري الإيراني مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراق، وألوية الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي ألهب العواطف قبل ذلك بالخطابات المعادية لإيران. وقامت إيران وخاصة قوات الحرس الثوري بتقديم الدعم لجيش المهدي في مواجهته مع القوات الأمريكية في النجف عام 2004. وقامت إيران بتمويل بعض الأطراف الشيعية في العراق أثناء الانتخابات، وساعدت إيران على التوسط بين الشيعة والأكراد.

وقد أغضبت هذه الروابط والعلاقات بين إيران والعراق الولايات المتحدة، حيث توجه واشنطن اتهامات لطهران بدعم المتمردين، والعصابات الإجرامية والميليشيات الشعبية في العراق، كما تتهم واشنطن طهران بتسميم الرأي العام العراقي وتشجيعه على معاداة الولايات المتحدة. ويبدو أن واشنطن قد أخفقت في توقع تأثير إيران في العراق، حيث أساءت فهم تعقيد العلاقات لمدة طويلة بين البلدين. فرغم أن العلاقات بين البلدين كانت معقدة ومتوترة بسبب الحرب في فترة الثمانينيات، حيث كان هناك عدد كبير من الشيعة العراقيين في الجيش العراقي الذي تصدى للهجمات الإيرانية على الأراضي العراقية. ورغم كل هذا لم يقسم تراث الحرب الشيعة الإيرانيين والعراقيين كما اعتقدت الولايات المتحدة. فمن الواضح أن الشيعة العراقيين يبدون قلقاً متزايداً تجاه هيمنة السنة أكثر من تأثير طهران في بغداد.

فالإضافة إلى الروابط العسكرية والسياسية، هناك العديد من الروابط الأخرى بين العراق وإيران والتي جاءت كنتيجة لموجات الهجرة الشيعية المتعددة. ففي أوائل السبعينيات وفي محاولة منه لتعريب العراق قام صدام حسين بطرد عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين ذوي الأصل الإيراني والذين استقروا في دبي، الكويت، لبنان، سوريا، والجزء الأكبر منهم في إيران. وبعض اللاجئين العراقيين أصبحوا فيما بعد رجال دين كبار وقادة في الحرس الثوري، وأبرز مثال على ذلك هو آية الله محمد علي تسخيري الذي يعمل مستشاراً لخامنئي، وعميد كلية حقاني في قم، وقد عاد تسخيري سريعاً إلى النجف في عام 2004 للإشراف على عمل مؤسسة آل البيت والتي تستثمر عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع البناء في جنوب العراق وتروج لروابط ثقافية بين العراق وإيران. ويمارس تسخيري تأثيراً كبيراً على سياسة الحكومة نحو العراق وإيران.

على مدار الثمانينيات وبعد المذابح المعادية للشيعة عام 1991، لجأ حوالي مائة ألف شيعي عراقي إلي إيران. وفي السنوات المظلمة من التسعينيات مثلت إيران مأوى مهماً لشيعة العراق. وبعد الحرب على العراق عاد معظم هؤلاء إلى العراق ويمكن أن يكونوا الآن قد وجدوا أعمالا في المدارس، مراكز الشرطة المساجد، الأسواق، المحاكم، الجيوش الشعبية، والمجالس العشائرية من بغداد إلى البصرة، وكذلك في الحكومة. وقد أدى التنقل المتكرر للشيعة بين إيران والعراق على مر السنين إلى خلق ارتباطات وثيقة بين البلدين.

وتمتاز الروابط الدينية بين البلدين بأنها قوية، فالمنفيون العراقيون في إيران انجذبوا بشكل كبير تجاه آيات الله العراقيين مثل محمود شاهرودي (رئيس السلطة القضائية)، كاظم الحائري، ومحمد باقر الحكيم (زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي قتل عام 2003) وهو الذي أشرف على تأسيس المنظمات الدينية العراقية في طهران وقم وأحدثت تلك المنظمات تأثيراً كبيراً في إيران منذ الثمانينيات. العديد من رجال الدين الكبار وخريجي الكليات الشيعية العراقية في إيران انضموا إلى مؤسسات إيران السياسية وأصبح عدد كبير منهم قريب الصلة بخامنئي. وهؤلاء الرجال العراقيون عادوا لبلادهم عام 2003 للسيطرة على المساجد والكليات المختلفة وبالتالي ساهموا في خلق محور مهم للتعاون بين قم والنجف.

تصور الكثيرون خاصة في واشنطن قبل الحرب أن العراق عندما يتم تحريره فإن مدينة النجف سوف تنافس قم وتتحدى آيات الله الإيرانيين - على حد قولهم -، ولكن منذ عام 2003 والمدينتان تتعاونان وليس هناك شقة مذهبية واضحة بينهم أو أي نزوح جماعي لمنشقين من مدينة لأخرى. ولهذا نجد أن الموقع الإلكتروني  لعلى السيستاني (www.sistani.org) مقره قم، وأغلب الضرائب الدينية التي تجمع بواسطة مندوبية مازالوا في إيران.

وقد امتدت هذه الروابط بشكل كبير إلى ما بعد النخب، فافتتاح المزارات الشيعية في العراق كان له تأثير عاطفي كبير على الإيرانيين خصوصاً بالنسبة للطبقات الاجتماعية الأكثر تديناً والتي تدعم النظام. ومنذ عام 2003 قامت مئات الآلاف من الإيرانيين بزيارة المدن المقدسة مثل النجف وكربلاء. وقد عزر هذا الاتجاه زيادة اتجاه الشباب نحو العبادة في إيران، خلال العقد الماضي ظهر بشكل كبير أن الشباب الإيراني بدأ يتجه نحو العبادة والتدين وتقليد كبار الشيعة خاصة الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر لدى الشيعة).

ويعرف العديد من الإيرانيين  السيستاني باعتباره زعيمهم الديني الآن أكثر من الفترة التي سبقت عام 2003 والكثير منهم يوجهون الأموال إليه. ورغم أنه يتهكم بشكل كبير على زعمائهم الدينيين إلا أن عدداً كبيراً من الإيرانيين يحاول حالياً إحياء الهوية والثقافة الشيعية في العراق.

ويأتي العامل الاقتصادي تالياً للعامل الديني، فالحجاج الإيرانيون الذين يتوجهون للفنادق والأسواق في النجف وكربلاء يجلبون معهم استثمارات للعراق، حيث يمكن رؤية السلع والمنتجات الإيرانية الآن في كل مكان عبر وجنوب العراق، وبلدة ميهران الحدودية تعتبر من أكبر نقاط دخول السلع للعراق. والدليل على أن حجم التجارة بين البلدين وصل إلى بليون دولار، وتخلق هذه الروابط التجارية بين الإيرانيين خصوصاً التجار (البازار) مصلحة شخصية في ضرورة استقرار جنوب العراق.

هذه الروابط بين الشيعة في العراق وإيران قد تزيد من فهم الجاليتين بأنهم يواجهون تهديداً مشتركاً من السنة. ويبدو أنه لا يوجد شئ ساهم في زيادة التقارب بين شيعة العراق مع إيران سوى الشراسة التي كان عليها التمرد السني، بالإضافة إلى اهتزاز ثقة الشيعة في العراق بالولايات المتحدة خاصة عندما دعت إلى حل الميليشيات الشعبية، وتقديم مزيد من التنازلات للسنة للدخول في إطار العملية السياسية.

الدولة

 

 

نسبة الشيعة من إجمالى عدد السكان

 

 

إجمالي عدد السكان

عدد الشيعة

إيران

90%

67.7مليون نسمة

61.8مليون

باكستان

20%

165.8مليون نسمة

33.2مليون

العراق

65%

26.8مليون نسمة

17.4مليون

الهند

1%

مليار ومائة مليون نمسة

11.00مليوناً

أذربيجان

75%

8 ملايين نسمة

6 ملايين

أفغانستان

19%

31.1 مليون نسمة

5.9 مليون

السعودية

10%

27.0 مليون نسمة

2.7 مليون

لبنان

45%

3.9 مليون نسمة

1.7 مليون

الكويت

30%

2.4 مليون نسمة

730ألف نسمة

البحرين

75%

700 ألف نسمة

520ألف نسمة

سوريا

1%

18.9 مليون نسمة

190ألف نسمة

الإمارات

6%

2.6 مليون نسمة

160ألف نسمة

قطر

16%

890 ألف نسمة

140ألف نسمة

 

ملاحظات: يدخل ضمن أعداد الشيعية الموجودة في الجدول الشيعة الإثنى عشرية، ويستثنى من هذا الإسماعيليون والعلويون والزيديون. المصدر: ـ البيانات تم الاستناد إليها من خلال العديد من الإشارات العلمية، ومن بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط والغرب. ( هذه الأرقام غير صحيحة قارنها بالجدول المقارن لعدد الشيعة في المنطقة الذي نشرناه في الراصد عدد 39 باب دراسات )

 ـ المخاوف السنية:

قبل خمس سنوات كانت إيران محاطة ومحاصرة. بحائط من الأنظمة السنية العدائية، العراق والمملكة العربية السعودية في الغرب، باكستان وأفغانستان تحت حكم طالبان في الشرق. وأبدى الإيرانيون ترحيبهم بانهيار الحائط السني، ويرى الإيرانيون في صعود الشيعة في المنطقة وقاية ضد عودة السنة للهيمنة على المنطقة. ويبدي الإيرانيون ارتياحهم الشديد لسقوط نظام صدام حسين في العراق لأن العراق كان الشغل الشاغل للسياسة الخارجية الإيرانية طوال الخمسة عقود الماضية منذ أن سقط النظام الملكي في العراق وسيطرت عليه نزعة القومية العربية عام 1985. وقامت العراق في عهد صدام حسين بتهديد الجمهورية الإسلامية، واستمرت الحرب العراقية ـ الإيرانية خلال العقد الأول من ثورة آية الله الخميني، حيث دمرت هذه الحرب اقتصاد إيران وتركت أثاراً سلبية هائلة على الأوضاع الإيرانية الاجتماعية في إيران.

وتقوم الاستراتيجية الإيرانية في العراق اليوم على هدف أساسيا وهو ضمان عدم عودة العراق كمهدد لإيران، ويأتي هذا الهدف على رأس أولويات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومعظم قيادات الحرس الثوري، حيث يرون أن هدوء العراق يعد هدفاً استراتيجياً مهما لإيران، ويرون بأن العراق تحت القيادة الشيعية سيكون أكثر أماناً لهم وذلك على اعتبار أن الدول الشيعية لا تحارب بعضها البعض.

كل هذا يمثل جزءاً صغيراً من مخاوف السنة التي تتركز نتائج تطلعات إيران الإيديولوجية في الثمانينيات والمخاوف الحالية من الطموحات الإقليمية الجديدة لإيران. وخلال الربع قرن الماضي قدمت إيران الدعم للعديد من القوى الشيعية والميليشيات الشيعية، وأعمال التمرد في البحرين، العراق، الكويت، لبنان، باكستان، والمملكة العربية السعودية. وقد عملت الثورة الإيرانية على التأسيس لهوية شيعية معادية للغرب الأمر الذي انعكس في أزمة الرهائن عام 1979، وقصف الثكنات البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، ودعم طهران المستمر للإرهاب الدولي. وفي النهاية أخفقت الثورة الإيرانية في الوصول لأهدافها، وما عدا لبنان كان الصعود الشيعي في هذه الدول تافها.

يرى البعض أن الجمهورية الإسلامية الآن أصبحت ديكتاتورية، بينما يبدي آخرون قلقهم من تنامي وتوسيع طموحات إيران الإقليمية. وترى طهران نفسها قوة إقليمية ومركزاً للحضارة الفارسية إلى آسيا الوسطى، فقد تخلصت إيران من خطر طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق، وهي تعتلي الآن قمة موجة الإحياء الشيعي، وتواصل السعي في سبيل تحقيق طموحاتها النووية وتطالب بشدة باعتراف دولي بمصالحها في المنطقة.

يسعى زعماء وقادة طهران إلى خلق وإيجاد منطقة أكبر للتأثير والنفوذ الإيراني ربما تكون مشابهة أو قريبة من المفهوم الروسي "المجال القريب" وتقوم وجهة نظر طهران على أن جنوب العراق ربما يكون مجالاً مناسباً لإظهار قوة ومكانة إيران في المنطقة. ورغم ذلك لا يوجد أحد يتمسك بحلم الخميني بهيمنة وسيادة الشيعة على العراق، بمعنى آخر ينحصر هدف طهران في جنوب العراق في ممارسة نوع من التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي الذي قامت به إيران في غرب أفغانستان منذ التسعينيات. وبالرغم من أن إيران تسعى للقيام بدور هام وحيوي في العراق إلا أنها قد لا تهدف أو لا تكون قادرة على تحويل العراق إلى جمهورية إسلامية أخرى.

وبشكل متوقع أدت أهمية إيران المتزايدة إلى تعقد علاقاتها مع الجماعات الطائفية في المنطقة. وقد استغلت الحكومات السنية في المنطقة وطموحات طهران كعذر لمقاومة مطالب مواطنيها من الشيعة، وتجاهل نداءات واشنطن للإصلاح السياسي. ومنذ عام 2002 وجه الزعماء السنة في مصر، الأردن، والمملكة العربية السعودية اللوم المتكرر لإيران على الفوضى في العراق، وحذرت بأن إيران قد تمارس تأثيراً كبيراً في المنطقة إذا ما وصل الشيعة العراقيون للسلطة في بغداد. الرئيس مبارك قام بدق جرس الإنذار في أبريل الماضي حينما صرح قائلاً "أن الشيعة موالون دائماً لإيران وليس للدول التي يعيشون فيها" مثل هذه التصريحات قد تسمح لبعض القادة في المنطقة في تحويل الانتباه بعيداً عن مسئولياتهم الخاصة بالمشكلات التي تعاني منها دولهم، كما تعطي هذه الأمور أيضاً ذريعة أمام هذه الدول لمقاومة دعوة الولايات المتحدة للإصلاح السياسي في الداخل. حيث أرادت هذه الدول أن توجه رسالة للولايات المتحدة بأن جلب الديمقراطية للمنطقة سيشجع على زيادة نفوذ وقوة إيران والشيعة، ولهذا فمن الأفضل لواشنطن أن تتمسك بالدكتاتوريات السنية.

ورغم نفوذ إيران المتزايد فإنها لا تزال تحتاج إلى دعم جيرانها وإظهار "نية حسنة" لدى الشارع العربي لمقاومة الضغط الدولي على برنامجها النووي وحتى الآن تعمل إيران على تهدئة النزاعات الطائفية و عدم إثارة عداء السنة بشكل كبير، وبدلاً من هذا تعمل على تصعيد التوترات بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل. ولهذا يوجه القادة الإيرانيون اللوم للعنف الطائفي الدائم في العراق. والدليل على هذا أن طهران ألقت بمسئولية الهجوم على ضريح الإمام (العسكري) في سامراء في فبراير الماضي على "وكلاء الصهيونية" وذلك بهدف تقسيم المسلمين وفي نفس الوقت تواصل إيران جهودها في برنامجها النووي لتأكيد مكانتها وقوتها الإقليمية.

لقاء العقول:

تركت الطموحات الإيرانية واشنطن وطهران في وضع معقد، وفي مواجهة حادة بالطبع، فقد استفادت إيران بالفعل من الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في كابول وبغداد، لكن واشنطن يمكن أن تعيق أو تمنع إيران من الاستفادة بشكل كامل من الأوضاع الجديدة في أفغانستان والعراق، فالوجود العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة يهدد الجمهورية الإسلامية. وتبدو الأهداف الأمريكية والإيرانية متناقضة أو مختلفة على المدى القصير خاصة في العراق فإذا كانت واشنطن تسعى إلى الخروج من حالة الفوضى التي تعيشها داخل العراق فإن طهران سعيدة بهذا الوضع الحرج الذي عليه الولايات المتحدة في العراق. حتى الآن تفضل طهران سياسة الفوضى المسيطرة على العراق، وذلك كوسيلة هامة لإبقاء تعثر الحكومة الأمريكية وتقليل حماسها بخصوص مسألة تغيير النظام في إيران.

الاستراتيجية الإيرانية الحالية في العراق تبدو مختلفة عما كانت عليه في أفغانستان، فبعد سقوط طالبان تعاونت طهران مع واشنطن بشكل كبير لعودة الاستقرار لكابول وتنصيب حكومة حامد قرضاي والسبب في هذا أن استقرار الأوضاع كان لمصلحة إيران التي كانت تحتاج في هذا الوقت بشكل كبير إلى وجود عملاء لها في أفغانستان من الفرس والشيعة لحماية مصالح إيران داخل أفغانستان. ولكن حسابات طهران اختلفت في الحالة العراقية، فطهران لم تسع مثلما كان الوضع في أفغانستان إلى وجود عملاء لها لحماية مصالحها وذلك لأن لطهران وجوداً في العراق أقوى من الوجود الأمريكي نفسه وذلك بفضل الأغلبية الشيعية العراقية.

وبهذا فقد ثبت أن رؤية الرئيس بوش لحرب العراق كانت خاطئة، حيث تصور أنها ستكون طريقاً غير مباشراً لتغيير الزعماء ورجال الدين في إيران وأنها ستكون عاملاً مؤثراً في زيادة الضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي، فمن الواضح الآن أن إيران أصبحت أقوى نسبة إلى الولايات المتحدة عما كانت عليه عشية حرب العراق.

ورغم كل هذا، فعلى المدى الطويل ربما تتلاقى المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق. فكلتا الدولتان تريدان استقراراً في العراق على المدى الطويل، بالنسبة لواشنطن فهي تريد خروجاً مشرفاً لها من العراق، أما طهران فالاستقرار في العراق على المدى الطويل يضمن لها موقعاً مميزاً في كافة أنحاء المنطقة. وإيران بالطبع لديها مخاوف عديدة من نشوب حرب أهلية في العراق، لأن القتال في العراق قد يستقطب كافة دول المنطقة بما فيها إيران، بالإضافة إلى إمكانية انسحاب القتال إلى الأقليات والعرقيات داخل إيران مثل العرب البلوش، والمناطق الكردية الإيرانية، وكما حذر بهذا نائب وزير الخارجية الإيراني السابق عباس مالكي في تعليقه على أعمال العنف والفوضى في العراق بقوله: "الفوضى في العراق ليست في صالح إيران، إذا كان بيت جارك يحترق فهذا يعني أن بيتك في خطر". وحذر أيضاً من أن إيران قد وضعت نفسها في العديد من المشكلات لأنها تقوم بتعيين غالبية حكام الأقاليم من رجال الحرس الثوري.

هناك مجموعتان داخل إيران يمكن أن يقوما بدور مهم في إقناع القيادة الإيرانية بضرورة التعاون مع واشنطن بخصوص العراق.

المجموعة الأولى: هم اللاجئون العراقيون الذين يشكلون لوبي للدفاع عن المصالح الشيعية العراقية في طهران. وقد شجعوا الحكومة الإيرانية على السير في طريق المحادثات مع الولايات المتحدة.

ويرى هذا اللوبي أن تصعيد التوترات والمشكلات بين الحكومتين لا يخدم مصالح شيعة العراق، اللوبي لا يريد أن يرى العراق رهينة للمواجهة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.

أما المجموعة الثانية: فتتكون من العديد من الإيرانيين الذي يبدون قلقهم بخصوص الأماكن الشيعية والمدن المقدسة بالعراق، ويرون أن في وجود تنسيق بين القيادتين الأمريكية والإيرانية من شأنه أن يوفر الأمن لهذه المدن المقدسة.

ورغم كل هذا فإن إيران سوف تسعى بشكل نشيط إلى تحقيق الاستقرار في العراق عندما يكون هذا الاستقرار لصالحها، ولن تقوم إيران بهذا إلا عندما تشعر أن الولايات المتحدة لم تعد تشكل تهديداً بالنسبة لها.

تدشين المرحلة:

ثمة قضايا هامة سوف تواجه العراق خلال الشهور القادمة، ومن المتوقع أن تكون المفاوضات الدستورية على رأسها خاصة التساؤلات الاتحادية، ومسألة توزيع إيرادات النفط، ويبدو أن بوادر ذلك قد ظهرت فقط بعد أن قام السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد بمحاولات لإقناع الشيعة للموافقة على تغيير الدستور. حيث تحاول الولايات المتحدة التوصل لاتفاق يساعد على انخراط السنة في إطار العملية السياسية وذلك بهدف إضعاف التمرد السني، لكن فرص هذه الصفقة مازالت مجهولة، فالشيعة والسنة والأكراد لا يتصور أن يقوموا أية تنازلات بدون ممارسة ضغوط عليهم من جانب الولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها إجبار أحد الأطراف على تقديم تنازلات وإرضاء أطراف أخرى دون مخاطرة عزل بعض الأطراف.

وفي حالة فشل المفاوضات بخصوص الدستور، فمن الممكن أن يقوم السنة بترك العملية السياسية، وحتى في حالة مشاركة السنة. فمن المتوقع أن يكون حجم أو مستوى المساومة مع الشيعة أكثر تعقيداً من خلال زيادة حجم الاضطرابات في جنوب العراق.

خلال السنوات الثلاث الماضية، كان عند الشيعة استعداداً كبيراً للمشاركة في العملية السياسية ومقاومة استفزازات السنة وتمردهم، وذلك لأن الشيعة اعتقدوا بأن تأييد السياسة الأمريكية سوف يخدم مصالحهم. لكن إذا وجد الشيعة أن واشنطن أصبحت أكثر تلهفاً لشراء تعاون السنة على حسابهم فإن الشيعة سيكونون على استعداد لإعطاء ظهورهم للعملية السياسية، ومثل هذا التطور قد يفرز انتفاضة شيعية وفي هذا الإطار فإن الشيعة ليسوا بحاجة إلى السلاح للضغط على الولايات المتحدة، وذلك استناداً إلى أعدادهم الكبيرة، فالشيعة قادرون من خلال استغلال تفوقهم العددي على تغيير التوازن السياسي في داخل العراق. ففي يناير 2004 قام آية الله السيد علي السيستاني بحشد مئات الآلاف من الشيعة في مظاهرات ضخمة استمرت خمسة أيام وذلك احتجاجاً على الخطط الأمريكية الرامية إلى إسناد الانتخابات ما بعد صدام إلى نظام مؤتمر تحضيري. وقبل هذه الظاهرات دعا السيستاني حشود الشيعة إلى الاحتجاج على قصف ضريح الإمام العسكري. وكان هدف السيستاني من هذا كله هو أن تعي الحكومة الأمريكية القوة التي عليها التيار الشيعي في العراق، ومن خلال ممارسة نفوذها بين الشيعة في جنوب العراق يمكن لطهران أن تساعد على المحافظة على النظام الراهن بينما تظل المفاوضات الدستورية مستمرة، ويمكن أيضاً لإيران أن تضمن استمرار التنافس بين الأطراف الشيعية المختلفة مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وقوات الصدر وذلك دون خروج هذا التنافس عن السيطرة الإيرانية. كما يمكن لإيران أيضاً أن تعمل على الإبقاء على الهدوء في جنوب العراق بين الشيعة بشرط أن يكون لها دور حاسم في تحقيق هذا الهدف، لأن هذا الدور سوف يساعدها على مخاطبة الحاجات العراقية وإعادة بناء العراق بالإضافة إلى دعم الحكومة المركزية في بغداد.

ولكي تضمن إيران هذا التعاون فإنها بالطبع سوف تسعى لمخاطبة قضايا أوسع في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فطهران يمكن أن تنهي مسألة الدعم المالي والعسكري للميليشيات الشيعية المسلحة وباقي العصابات الإجرامية الأخرى في جنوب العراق في حالة تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية أوسع لإيران. إن الحالة العراقية تبدو مشابهة للحالة الأفغانية في 2001 حيث ظهر أن هناك إمكانية لتلاقي وتشابك المصالح الأمريكي والإيرانية ولكن الاختلاف أنه في الحالة العراقية تبدو المساومة أعلى وأكثر تعقيداً، فبعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان عملت كل من الولايات المتحدة وإيران على دخول العملية السياسية في أفغانستان وتم عقد الصفقات اللازمة في إطار مؤتمر بون حول مستقبل أفغانستان بين إيران والولايات المتحدة وذلك لضمان النجاح المبكر لحامد قرضاي ونظامه في أفغانستان. وأظهر مؤتمر بون أن هناك بوادر لفتح فصل جديد في تاريخ العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، لكن في هذا الوقت كانت واشنطن تبدي اهتماماً أقل بمسألة العلاقات مع إيران، حيث كانت واشنطن تنظر لنظام طهران بأنه نظام ضعيف سوف يسقط قريباً، وبالتالي ضيعت واشنطن فرصة كبيرة كانت أمامها.

والآن تقدم مشكلات العراق الراهنة الفرصة لواشنطن وطهران مرة أخرى ليس فقط لتطبيع العلاقات بينهما ولكن أيضاً للعمل على وضع حد للتوترات المستقبلية بين الشيعة والسنة في العراق التي من المتوقع أن تنتقل للدول المجاورة، وبالرغم من أنه من غير المحتمل أن تقدم واشنطن وطهران بحل خلافاتهم في القضايا الرئيسية وعلى رأسها قضية الملف النووي الإيراني في وقت قريب. إلا أنه من الممكن أن تساهم في تهدئة الأوضاع هناك، مثل تحسين الأمن في جنوب العراق، وحل الميليشيات الشيعية، وإقناع الأطراف الشيعية بتقديم بعض التنازلات.

لكن الخطورة هنا تكمن في حالة عدم قدرة واشنطن وطهران على إيجاد أرضية مشتركة وفي حالة فشل المفاوضات بخصوص الدستور فإن النتائج المحتملة ستكون مروعة ففي أحسن الأحوال سيدخل العراق في دائرة عنف أوسع بجانب تطور إلى حرب أهلية كاملة، وعندما ينهار العراق سوف يتحول بعد ذلك إلى ساحة لحرب إقليمية بين إيران، تركيا، وباقي جيران العراق من الدول العربية، حيث سيدخل الجميع في تنافس من أجل حماية مصالحهم في العراق المدمر. ومن المتوقع أن تكون الجبهة الرئيسية أو التحالفات في هذه الحرب مشابهة لتلك التي جاءت أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث من المتوقع أن يدعم الشيعة في العراق إيران والدول التي ساندتها في الحرب، أما الدول التي كانت قد وقفت بجانب العراق فإنها سوف تقدم الدعم للسنة.

في بعض الأوقات يتم مقارنة العراق بفيتنام في بداية السبعينيات أو يوجوسلافيا في نهاية الثمانينيات، ولكن يمكن هنا أن نقارنها بنموذج أوضح وهو الهند البريطانية في عام 1947، فلم يكن بالهند حرب أهلية، ولا جيوش شعبية مسلحة، ولا نظام مركزي للتطهير العراقي، ولا نزاع على الأرض، ورغم ذلك مات الملايين وتحول الكثير منهم إلى لاجئين، نجد أن جيش الهند البريطانية قد قسم البلاد إلى أغلبية هندوسية، ومناطق للأغلبية الإسلامية. ولم يتمكن هذه الجيش من تجسير الهوة الواسعة بين هذه المجموعات أو السيطرة على العنف، ولهذا أجبرت بريطانيا على الخروج بسرعة. نفس الأمر ينطبق على العراق اليوم، ففي الهند توقفت أو انتهت المشكلة عندما رأت الأقلية أن قدرها أن تحكم ومقابل ذلك قدمت بعض التنازلات للأغلبية للدخول في العملية السياسية.

إن العنف الطائفي الواسع الانتشار الآن في العراق يقدم رسائل تذكير مشئومة عن الذي حدث في الهند قبل حوالي 60 عاماً، وربما يكون أسوأ في العراق فالحالة العراقية تتدهور بشكل كبير الأمر الذي قد يترك تداعياته على الشرق الأوسط بالكامل وانتقال هذا النزاع الطائفي إلى الشيعة والسنة في باقي الدول.

 

 



مقالات ذات صلة