الهرولة باتجاه إيران!!
علي حسين باكير
الإسلام اليوم / بعد سيل التقارير التي انهمرت على القارئ والتي تتحدّث عن ضرب إيران وشنّ الحرب عليها كتقارير "سيمون هيرش" التي ما فتئت تُكَرَّر علينا منذ العام 2003، ها نحن نشهد سباقًا محمومًا باتجاه طهران خاصّة بعد صدور تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي عن البرنامج النووي الإيراني في 3-12-2007 والذي أشار إلى أنّ "إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري السري في العام 2003" والذي بدا وكأنه صفقة محترمة باتجاه إنهاء ألازمة النووية بشكلها العسكري مقابل قيام إيران بالمساعدة على تحقيق الاستقرار النسبي في العراق.
نعم هكذا تكون الصفقات في دبلوماسية الأبواب الخلفية، وبينما يغرق الجمهور المتحمس لتفاصيل التُّرَّهات اليومية التي نشاهدها في الإعلام في المشهد الجزئي ويستنزفه تحليلاً وتفصيلاً، يكون المشهد الخلفي قد مرّ!! ويبدو أنّ بعض البلدان العربية أيقنت هذه الحقيقة متأخرة كعادتها، وهي تسعى الآن إلى تحقيق نوع من التوازن في علاقتها مع إيران خوفًا من أن يقوم حليفها الأمريكي بالتحالف العلني هذه المرّة مع طهران فتكون هذه الدول دفعت الثمن مرتين، وخرجت من المعادلة بخُفَّي حنين.
ويتخوف الأمريكيون من جانبهم أيضًا من أن يؤدي وضعهم الحرج وسياستهم غير الثابتة وغير الواضحة تجاه طهران إلى دفع الدول العربية لعقد صفقة مع إيران على قاعدة "مجبر أخاك لا بطل"، بحيث تصبّ جميع الامتيازات الاقتصادية والمالية والبشرية والعسكرية في طهران. بل إنّ الأمر وصل إلى حد مجاهرة أحد صقور الإدارة الأمريكية السابقين "جون بولتون" بالقول: "لقد اتبعنا الخيار الدبلوماسي مع إيران لمدة 5 سنوت، وما يقلقني أنّه إذا لم نتحرك قبل حصولها على النووي، فستعقد دول الخليج صفقة لا يحبذونها مع طهران، لكنها ستكون ضرورية للحفاظ على بلادهم... ويبدو للأسف أنّ السياسة تسير في هذا الاتجاه".
السباق المحموم للوصول إلى طهران قد بدأ منذ فترة، فالأمريكيون عقدوا اجتماعات "علنية مباشرة" مع نظرائهم الإيرانيين للمرة الأولى منذ العام 1979 في العراق، فيما ذهب الخليجيون أبعد من ذلك عندما استضافوا إيران للمرة الأولى في التاريخ ضمن القمّة الخليجية التي انعقدت في الدوحة مترافقًا مع مساعي حثيثة لتطبيع العلاقات المقطوعة بين إيران ومصر والمتضررة بين إيران وليبيا!!
وبدلاً من أن تستثمر طهران القمة الخليجية التي دعيت إليها، وبدل أن يُطمّئن رئيسها هذه الدول إلى نوايا دولته المستقبلية وإلى طبيعة برنامجها النووي، راح يعرض عليهم الخطط الاقتصادية لفتح الأسواق وتبادل المنتجات والسياحة والسفر!!
وجميعنا يعلم أنّ قبول دول الخليج لمثل هذا الأمر من دون ضوابط وقبل التباحث في الأمور الأكثر أهمية وجديّة، سيجعل منها مستعمرة إيرانية إزاء المدّ البشري والمذهبي وإزاء تدفق البضائع والمنتجات مع ما يستتبعه من أمور تثير الحساسية والصدام كما يعلم الجميع.
المؤسف في الأمر في كل ما يحصل، أن يكون التخريب والتعطيل والتفجير والتدمير والاختراق والعبث في مقدرات الدول من الأوراق الممتازة التي تساعد على جرّ الطرف الآخر إلى طاولة المفاوضات. لقد وعت إيران هذه الحقائق منذ زمن بعيد ونفّذتها بحذافيرها في العديد من البلدان العربية وخاصة في العراق الذي تحوّل جثّة هامدة بعد الاحتلال الأمريكي، وراح ضحية مساومات بين هذا الطرف وذاك، أحدهم يسعى إلى السمو الإقليمي وتسيُّد المنّطقة وشعوبها وأممها والثاني يسعى إلى النفط والانتصار السياسي الداخلي عبر الادعاء بإنجاز الديمقراطية في العراق الجديد.
وبين هذا المشهد وذاك، يتم تسخين الأجواء بين الفينة والأخرى، وأكبر دليل على ذلك ما شهده مضيق هرمز من تحرشات لقوارب إيرانية سريعة ببوارج أمريكية في الأسبوع الماضي. إذ طالما أنّ هذه القوارب تابعة للحرس الثوري الإيراني كما ذكر الإعلام الأمريكي، فلماذا لم يتم فتح النار عليها خاصّة أنّ منظّمة الحرس الثوري ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأمريكية!! وهل يسمح أصلاً لقوارب سريعة بالاقتراب مسافة كافية من البوارج دون فتح النار عليها، خاصة بعد عملية المدمرة كول في اليمن؟!
وهل يخاطر ربّان البارجة الأمريكية ببارجته ورجاله وعتاده وأرواح الأمريكيين على متن سفينته من أجل التأكد من هوية قوارب سريعة اقتربت أكثر من الحدّ اللازم والمسموح وهي تبث اتصالاً "أننا نقترب منكم، سنفجركم بعد ثوانٍ"؟!
بغضّ النظر عن رواية الطرفين، فالأكيد أنّ حصول هذه الزوبعة مترافقة مع زيارة بوش للخليج تهدف من ضمن ما تهدف إلى تسخين مبيعات الأسلحة التي باتت تتكدّس في المخازن العربية دون أن يكون لها أي تأثير على مستوى التوازن العسكري في المنطقة أو على المستوى الدفاعي كحدّ أدنى.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هناك تحوّل واضح في النهج الأمريكي حول طبيعة التعامل مع إيران؟ أم أنّ هذا مجرّد تكتيك عرضي تمليه مصالح الدولتين اللتين لطالما التقت مصالحهما في المنطقة؟