9-8-2015
يمثل الباطنييون أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور الأمة الإسلامية، حيث كانوا يعتمدون على عقائد اليهود والزرادتشتيه وغيرها من الملل والنحل والفرق الأرضية التي كانت تنخر في جسد الأمة.
وقد أدت حروب المغول والتتار والصليبيين إلى ضعف الأمة الإسلامية وتفرقها, مما جعل المجال خصبا أمام الباطنيين، فنشطوا في دعوتهم، واستغلوا الفرص لنشر مبادئهم الهدامة.
وقد وضح لنا أبو حامد الغزالي رحمه الله، الباطنية ومبادئهم وأهدافهم توضيحا دقيقا في مقالته (مما تطابق عليه نقلة المقالات قاطبة أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة، ولا معتقد لنحله معتضد بنبوة، فإن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين كانسلال الشعرة من العجين، ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية، وشرذمة من الثنوية الملحدين، وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين، ضربوا سهام الرأي في استنباط تدبير يخفف عنه ما نابهم من استيلاء أهل الدين، وينفس عنهم كربة ما دهاهم من أمر المسلمين، حتى أخرسوا ألسنتهم عن النطق بما هو معتقدهم، من إنكار الصانع وتكذيب الرسل، وجحد الحشر والنشر، والمعاد إلى الله في آخر الأمور، وزعموا أنا بعد أن عرفنا الأنبياء كلهم مخرقون منمسون (1) : فإنهم يستعبدون الخلق بما يخيلونه إليهم من فنون الشعوذة – وقد تفاقم أمر محمد، واستطارت في الأقطار دعوته، واتسعت ولايته، واتسقت أسبابه وشوكته، حتى استولوا على ملك أسلافنا، وانهمكوا في التنعم في الولايات مستحقرين عقولنا، وقد طبقوا وجه الأرض ذات الطول والعرض، ولا مطمع في مقاومتهم بقتال، ولا سبيل إلى استنزالهم عما أصروا عليه إلا بمكر واحتيال، ولو شافهناهم بالدعاء إلى مذهبنا لتنمروا علينا، وامتنعوا عن الإصغاء إلينا، فسبيلنا أن ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم، هم أركهم عقولا، وأسخفهم رأيا، وألينهم عريكة، لقبول المجالات وأطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات، وهم الروافض، ونتحصن بالانتساب إليهم، والاعتزاء إلى أهل البيت عن شرهم، ونتودد إليهم بما يلائم طبعهم: من ذكر ما تم على سلفهم من الظلم العظيم، والذل الهائل، ونتباكى على ما حل بآل محمد – صلى الله عليه وسلم – ونتوصل به إلى تطويل اللسان في أئمة سلفهم الذين هم أسوتهم وقدوتهم، حتى إذا قبحنا أحوالهم في أعينهم وما ينقل إليهم شرعهم بنقلهم وروايتهم – اشتد عليهم باب الرجوع إلى الشرع، وسهل علينا استدراجهم إلى الانخلاع عن الدين، وإن بقي عندهم معتصم من ظواهر القرآن ومتواتر الأخبار أوهمنا عندهم أن تلك الظواهر لها أسرار وبواطن، وأن إمارة الأحمق الانخداع بظواهرها، وعلامة الفطنة اعتقاد بواطنها، ثم نبث إليهم عقائدنا، ونزعم أنها المراد بظواهر القرآن، ثم إذا تكثرنا بهؤلاء، سهل علينا استدراج سائر الفرق بعد التحيز إلى هؤلاء، والتظاهر بنصرهم.
ثم قالوا: طريقنا أن نختار رجلا ممن يساعدنا على المذهب، ونزعم أنه من أهل البيت، وأنه يجب على كافة الخلق مبايعته، وتتعين عليهم طاعته، فإنه خليفة رسول الله، ومعصوم عن الخطأ والزلل من جهة الله تعالى، ثم لا نظهر هذه الدعوة على القرب من جوار الخليفة الذي وسمناه بالعاصمة، فإن قرب الدار ربما يهتك هذه الأستار، وإذا بعدت الشقة، وطالت المسافة فمتى يقدر المستجيب إلى الدعوة أن يفتش عن حاله، وأن يطلع على حقيقة أمره. ومقصدهم بذلك كله الملك والاستيلاء والتبسط في أموال المسلمين وحريمهم، والانتقام منهم فيما اعتقدوه فيهم، وعالجوهم به من النهب والسفك، وأفاضوا عليهم من فنون البلاء.
وقد جرت الباطنية على العالم الإسلامي من ويلات وخطوب، فلطالما عاثت في ربوعه فسادا، وجاست خلاله حرابا، وقد كانت الكوباء، إذا أتت على شيء جعلته كالرميم، بلقعا يبابا، كأن لم تغن بالأمس، حتى الكعبة المقدسة لم تسلم من سطواتها المخربة، ولم تنج من حملاتها المدمرة.
أصول فرق الباطنية:
أصل هؤلاء كلهم المجوس الذين ذهب ملكهم على يد الفاتحين من المسلمين، فمكروا وتحركوا لإعادة نار المجوس الذين يعظمون الأنوار والثيران والماء والأرض، ويقرون بنبوة زرادشت، ولهم شرائع يرجعون إليها
المصدر : الدرر السنية