يومٌ للقدس .. ودهرٌ للرّجس

بواسطة الحقيقة قراءة 730
يومٌ للقدس .. ودهرٌ للرّجس
يومٌ للقدس .. ودهرٌ للرّجس

 

[يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ]

[التوبة: 64]

 

[يجبُ أنْ نحلّلَ الإنسانَ في ضوءِ دورِه الوظيفيّ، وفي ضوء بُنْيَتِهِ الحقيقيّة، لا في ضوءِ ادّعاءاتِه عن نفسِه]

المفكّر الراحل

عبد الوهاب المسيري

 

"يوم القدس العالمي"

[يومٌ للقدس .. ودهرٌ للرّجس]

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمّا بعد:

فهذه ورقاتٌ نبيّن فيها لعموم المسلمين حقيقةَ هذا الحَدَث المسمّى (يوم القدس العالمي) الذي اقترحَه خميني، "المرشد الأعلى للجمهوريّة الإيرانيّة"، و"قائد ثورتها"، وأبرز رجل دين شيعي في العصر الحديث.

التاريخ والنشأة والأهداف

عقب انتصار "الثورة" في إيران على نظام الشاه، ألقى خميني خطبةً في شهر آب من عام 1979م، جاء فيها: «...وإنّني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل، من شهر رمضان المبارك، ليكون يوم القدس، وإعلان التّضامن الدّولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين.

لسنوات عديدة، قمتُ بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكّله إسرائيل الغاصبة، والتي اليوم تكثّف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي، في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرّة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني.

وأطلب من جميع المسلمين في العالم، والحكومات الإسلامية، على العمل معًا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها، وإنّني أدعو جميع المسلمين في العالم، لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم -الذي هو في حدّ ذاته فترة محدّدة، يمكن أيضاً أن يكون العامل المحدّد لمصير الشعب الفلسطيني-، وخلال حفل يدلّ على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم، أسأل الله العليّ القدير أنْ ينصر المسلمين على الكافرين».

منذ أنْ ألقى خميني هذه الخطبة، ولم تكفّ ألسنة وأقلام الرموز الشيعيّة من كتّاب ومفكّرين وخطباء، بل ولا نظراؤُهم المتأثّرين بهم من أهل السّنّة، عن استعادة (مقاصد) و(هدايات) هذه الخطبة، بإعادةِ الشّرحِ، وشرحِ الشرحِ، لِمَا أرادَ خميني بالضبط من هذا الإعلان وهذه الدّعوة.

وعلى المسار نفسِه، لم يمضِ عامٌ واحدٌ أثناء الاحتفالات بيومِ القدس، إلّا وولَّدَت الحركات والأحزاب الشيعيّة في العالم الإسلامي عنه أجندةَ عملٍ محلّيٍّ لا تستهدفُ بالإيذاءِ والضّرر إلا المسلمين، وآخرُ ما يمكن أن ينتفعَ بها هو مدينة القدس المغتصَبة، والمسجد الأقصى السليب.

العام الماضي فقط، عام 2020، في شهر حزيران منه، صدر العدد 365 من مجلّة الوحدة، التي تصدر في إيران باللغة العربية، وتُسوَّق في العالم الإسلامي، وكانت صورة خميني تتصدّر الغلاف، وفي خلفيّة الصورة المسجد الأقصى المبارك ، في عدد خاصّ بـ"يوم القدس العالمي".

المقال الأوّل منها (ص5-7) يحمل عنوان: «يوم القدس العالمي في فكر الإمام الخميني والقائد الخامنئي».

يصف محرّرو هذا المقال الافتتاحي في (ص5) مكانة المسجد الأقصى والقدس بقولهم: «وهي عندنا كذلك منتهى رحلة الإسراء، وانطلاق رحلة المعراج لنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، حتى بلغَ قاب قوسين أو أدنى»، وعلى القارئ الكريم قبل أن ينبهر بهذه الدّيباجَةِ، أنْ يقارنَ هذا بما سيأتي عند كشف حقيقةِ معتقدِهِم فيها، لا سيما وهم يشيرون إلى مصادر خميني والخامنئي في تقريرِ هذه المكانة للمسجد الأقصى بأنها: «القرآن الكريم والسّنّة النبويّة وأحاديث المعصومين -عليهم السلام-»، كما في (ص6)، وسيأتي الكلام المنسوب إلى "المعصومين" على حدّ تعبيرهم.

وممّا جاءَ فيه (ص6)، بعد إيرادِ عدّة اقتباساتٍ من خُطَبٍ سابقة للخميني، قولُ المحرّرين:

«وبهذا نرى أنَّ الإمام الخميني (قدس سره) يرى أنّ قتال إسرائيل وإزالتها من الوجود هو واجب عقائدي وشرعي وديني وأخلاقي وإنساني، لأنّ خطرها لا يقتصر على فلسطين والقدس، بل يشمل الإنسانيّة كلّها...».

وينقلون أيضاً (ص7) عن خطبة علي خامنئي التي ألقاها بمناسبة يوم القدس عام 2020 قوله: «إنَّ محور هذا الكفاح الحسّاس والخطير ضدّ إسرائيل هو الشعب الفلسطيني الشجاع المظلوم الذي عاش المصائب بكلّ وجوده، والذي يشكّل خطراً عظيماً على العدوّ ببركة التمسك بالإسلام وبجهاده المتواصل داخل الوطن المحتلّ...».

ثمّ يخلُص المحرّرون من خلال استقرائهم لأطروحات خميني وخَلَفِه خامنئي، إلى أنَّ السّمات العامّة والمقاصد الأساسيّة ليوم القدس العالمي هي (ص7):

يوم الإسلام، ويومُ إحياء الإسلام.

يوم ينبغي فيه للمستضعفين أن يُعِدُّوا لمواجهة المستكبرين.

يوم ينبغي فيه على كلّ مسلم أنْ يجهّز نفسه لمواجهة إسرائيل، ولا بدّ أن تعود القدس إلى المسلمين.

يوم الفصل بين الحقّ والباطل، يومٌ يُفضح فيه المتآمرون الموالون لإسرائيل.

يوم يجب أنْ نسعى فيه جميعاً لإنقاذ القدس من براثن الصهاينة الغاصبين.

يوم إنذار الاستكبار العالمي بأنَّ الإسلام لن يعود يرضخ لسيطرته، أو لسيطرة عملائِه وأزلامه...انتهى.

ونحن نقول:

ومَنْ الذي يمكن أنْ يعترضَ على هذا؟ وأيُّ مسلمٍ ينزعجُ من هذه الأهداف؟ وهل هناك مسلم ينطوي قلبُه على أقلّ قدرٍ من محبّة الله ورسولِه وموالاةِ المؤمنين يمكن أنْ لا يكون مُعيناً ومناصراً لمن يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف؟

لكن؛ هل كان خميني وخامنئي وشيعتهما حقًّا يسعيان إلى ذلك؟ وهل سلوكهما السياسي، وسلوك دولتهما بكلّ أجهزتها، وسلوك الجيوب والمليشيات المسلحة والأحزاب الشيعيّة التي تأتمر بأمر إيران مصرّحةً بذلك بلا مواربة، يدلّ على حرصٍ ومصداقيّةٍ  لهذه الأهداف؟

لنرجع إلى الحكايةِ من جذورها ..!

حقيقة معتقد الشيعة في المسجد الأقصى

إنَّ طائفةَ الشيعةِ الإماميَّةِ التي ينتمي إليها خميني، بل كان يُعَدُّ أبرز رموزها ومراجعها السياسيّة والدّينيّة في حياته، طائفةٌ قديمة، وتراثها ممتدّ عبر قرون، وإنْ كان تراثاً متهافتاً لا يقوم على أصول، لكنّها قد دوّنت معتقداتها، وأعلنتها، وتعاقب شيوخها على تنقيحها وشرحها وتهذيبها وتقريبها للناس.

فالذي نقصدُ قولَه، أنَّ خمينيّ بوصفِه مرجعاً دينيًّا، يوم اقترحَ "يوم القدس العالمي" يومَ انتفاضةٍ من أجل القدس والمسجد الأقصى، كان يدرك بلا شكّ طبيعةَ ما تحتوي عليه كتب طائفتِه وتراثها المكتوب حول المسجد الأقصى! ذلك التراث الذي يُدرَّسُ في الحوزاتِ والجامعاتِ والمعاهد التي تعدُّ خمينيَّ مرجعَها الأكبر.

فهل للمسجد الأقصى في مراجعِ الشيعةِ فضلٌ أو مكانةٌ عبر التاريخ كما زعمَ خميني وخلفاؤُه؟

هنا الجواب:

جاء في «تفسير العيّاشي»(2/302) المتوفى (320هـ): «عن سالم الحنّاط عن رجلٍ، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألتُه عن المساجد التي لها الفضل، فقال: المسجد الحرام ومسجد الرسول. قلت: والمسجد الاقصى جُعلتُ فداك؟ فقال: ذاك في السماء! إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وآله. فقلت: إنّ النّاس يقولون: إنّه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه!».

وفي «تفسير الصافي»(3/166) للفيض الكاشاني (ت 1091هـ)، أنَّ الإسراءَ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، كان إسراءً به «إلى ملكوتِ المسجد الأقصى الذي هو في السماءِ كما يظهر من الأخبار».

وأوردَ في الصفحةِ نفسِها روايةً منسوبةً إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله، أنَّه «كان جالسًا في المسجد الحرام، فنظر إلى السماء مرّة، وإلى الكعبة مرة، ثمّ قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } ، وكرّر ذلك ثلاث مرّات، ثم التفتَ إلى إسماعيل الجعفي فقال: أيَّ شيءٍ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقيّ؟ قال: يقولون: أُسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس. فقال: ليس كما يقولون! ولكنه أُسرى به من هذه إلى هذه -وأشار بيده إلى السماء، وقال: ما بينهما حَرَم».

وفي كتاب «كامل الزيارات»(ص80-81) لابن قولويه القُمّي (ت 368هـ)، «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في مسجد الكوفة، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فردّ عليه السلام، فقال: جُعلت فداك، إنّي أردتُ المسجد الأقصى، فأردتُ أنْ أسلّم عليك وأودّعك.

فقال: أيَّ شيءٍ أردتَ بذلك؟

فقال: الفضلَ، جُعلتُ فداك!

قال: فبِعْ راحلتك، وكُلْ زادَكَ، وصَلِّ في هذا المسجد! فإنّ الصلاة المكتوبةَ فيه حَجَّةٌ مبرورة، والنّافلةَ عمرة مبرورة، والبركة منه على اثنَيْ عشر ميلًا، يمينُه يُمْنٌ ويساره مَكْرٌ، وفي وسطه عينٌ من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء شرابًا للمؤمنين، وعين من ماءٍ طهرًا للمؤمنين، منه سارت سفينة نوح، وكان فيه نسر ويغوث ويعوق، وصلّى فيه سبعون نبيًّا، وسبعون وصيًّا، أنا أحدُهُم -وقال بيده في صدره-، ما دعا فيه مكروبٌ بمسألة في حاجةٍ من الحوائج إلّا أجابَه الله وفرّج عنه كربه».

والروايات ذاتُها، والمقولاتُ نفسُها، تجدها تتردّد في «فروع الكافي»(3/491) لأبي جعفر الكليني (ت 329هـ)، وفي «البرهان في تفسير القرآن»(4/522) لهاشم البحراني (1109هـ)، وفي «بحار الأنوار»(22/90) للمجلسي (ت 1111هـ)، وفي تفسير «نور الثقلين»(3/97) للحويزي (ت 1112هـ)..الخ.

فهل يا ترى هذه عقيدةٌ مندثرة أو منسيّة أو مهجورة أو منبوذة كما ينبغي أن تكون؟

وهل تبرأ منها الشيعة؟

وهل سمعتَ أيّها القارئُ بأنَّ خميني بعد أنْ صار ممثّلاً لشيعةِ العالَم، قد دعا إلى تأسيسِ مراكز بحثيّةٍ خاصّة بتنقيةِ تراث الشيعةِ من هذه الخزعبلات؟ من أجل أنْ تحدُث الثورة الفكريّة غيرةً على المسجد الأقصى قبل أن تشتعل ثورة السلاح كما هو التسلسل المنطقيّ للإعداد الجهاديّ؟

أم هل سمعتَ واحدًا من مراجعِ الشيعةِ من أتباعِ خميني وروّاد مدرستِه يشتكي من وجودِ هذه القبائح والأكاذيب في كتبهم المعتمدة؟

وهل مرّ بكَ اعترافٌ من مراجعِ الشيعةِ بأنَّ هذه الخرافات والأكاذيب في حقّ المسجد الأقصى تصبّ في صالح العدوّ الصهيونيّ؟

كلّا، إنّ شيئًا من ذلك لم يكن، بل عكسُه هو الذي كان!

لقد كتب الشيخ جعفر مرتضى العاملي، كتاباً كبيراً بعنوان «الصحيح من سيرة الرسول الأعظم»، يقع في (35) مجلّدًا، والكتابُ قد صدرَت طبعته الأولى سنة (1980م)، يعني مع انتصار الثورة الإيرانيّة وتحوُّل خميني إلى أيقونةٍ، وإلى المرجع الشيعيّ الأبرز والأقوى في العالم.

لقد ردّد جعفر مرتضى العاملي في كتابه هذا نفس الروايات السابقة، التي تتضمّن هذا الاعتقادَ المُخجِل في حقّ المسجد الأقصى، فجدّد بذلك خدمةً جليلةً للكيان الصهيونيّ وباحثيهِ المُغرِضين، وسياسيّيه المجرمين.

ثمّ بدلاً من أن يتنبّه السياسيّون الإيرانيّون إلى خطورةِ ذلك، ويلفتوا نظر العلماء والباحثين إلى خطورةِ نبشِ هذه الخزايا! ويوجّهوهم إلى ضرورة نقضِها والبراءة منها، قام الرئيس الإيرانيّ الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني بتكريم جعفر مرتضى العاملي بجائزة الجمهوريّة الإيرانيّة! لا عن مجموع جهودِه العلميّة في مجملها مثلاً، لا، بل عن هذا الكتاب تحديداً !

نعم، لقد حصل جعفر مرتضى العاملي سنة 1992م على جائزة الجمهوريّة الإيرانيّة عن تأليفِه كتاباً يقرّر فيه باستماتةٍ أنَّ المسجد الأقصى الذي بفلسطين لا مزيّة له، وليس هو المذكور في القرآن، وليس له أدنى فضيلةٍ تُعرَف في الإسلام، وأنَّ المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء يقع في السماء!

فهل يمكن أنْ يحصل كتابٌ على جائزةٍ رسميَّةٍ بهذا الحجم دون مراجعتِه وتقييمه؟ بالطبع لا.

ولم يتوقّف الأمر هنا، ولم تُسْتَر هذه العورةُ أبدًا! فقد كتب جعفر مرتضى العاملي هذا نفسُه كتاباً في تفسير آياتٍ من سورة الإسراء، بعنوان «إسرائيل في آيات سورة بني إسرائيل»، وعاد فيه ليؤكّد أنّ المسجد الأقصى هو مصلى الملائكة في السماء، كما في (ص58)، و(ص59)، و(ص76) منه.

بل قال بالحرف: «وقد زعمَ القائلونَ بأنَّ المُرادَ بالبركةِ هو مجرّد الزيادةِ والنّماء، ولو من موقع المحبّة! بأنَّ المرادَ بالمسجد الأقصى هو هذا المسجد الموجود في فلسطين، في مدينة القدس ...»(ص74)، وهذه الحقيقةُ الصّارخةُ التي لا يختلفُ عليها مسلمانِ، سمّاها زَعمًا! ولم يتردّد في نفيِه وتكذيبِه طَرْفَةَ عين.

بل الفصل الثالث من هذا الكتاب هو بعنوان: «المسجد الأقصى هو البيت المعمور»!(ص90).

وقد افتتحه بقوله (ص92): «لا دليلَ على أنَّ المقصودَ بالمسجد الأقصى المذكورِ في هذه الآيةِ هو ذلك الذي في بيت المقدس في فلسطين، بل هو مصلّى الملائكةِ في السماء الرابعة».

وخمّن أيّها القارئُ بعضَ حُجَجِه التي يؤيّد بها قولَه ماذا ستكون؟

لقد قال بأنَّ قولَه تعالى: { الذي بارَكْنَا حَوْلَه } يوضّح المقصود، فلا بركةَ فيما حولَ المسجد الأقصى أصلاً، بل الواقع يقول بأنَّ هناك أماكن أكثر بركةً من بيت المقدس، مثل (كربلاء) و(النجف) و(وادي طوى)! كما في (ص93) من الكتاب المذكور.

وأمّا ما وردَ في فضلِ المسجدِ الأقصى من الأحاديث، فكلّها عندهم كذبٌ بأمر عبد الملك بن مروان، بعد أنْ أمرَ النّاسَ بالحجّ إلى القدس بديلاً عن الكعبةِ المشرّفة التي كانت تحت ولاية عبد الله بن الزبير في حينه! كما في (ص94).

ثمّ ساقَ الرواياتِ التي ذكرناها آنفاً.

ولك أن تتخيّلَ أيَّها القارئُ، أنّ الإسفافَ، وإنْ شئتَ فقُل: الخبث، قد بلغَ ببعضِ المفترينَ، إلى تحريفِ الحديثِ النبويّ الذي هو بين المسلمين بمثل شُهرةِ سورة الفاتحة، وهو حديثُ شدّ الرّحالِ إلى المساجدِ الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبويّ، والمسجد الأقصى، ليصبِحَ عند الشيعةِ بهذه الصياغة:

أوردَ الشيخ الصّدوق (ت 381هـ) في كتابه «من لا يحضره الفقيه»(1/231) برقم (694): قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تُشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة»!

فماذا فعل خميني حيالَ ذلك؟

الجواب: لا شيء!

فدونكَ كتبُه وأحاديثُه ورسائله وخطاباته، هل تجد فيها إنكاراً أو تحرُّجًا من حرفٍ واحدٍ من هذه الخزايا والرزايا والتحريفات؟

وهل تجد فيها أيَّ رُجوعٍ في هذه الهدايا المُهداةِ إلى الحاخامات والصهاينة؟

إنَّ ذلك لم يحدُث منه، ولا ممّن قبلَه ولا ممّن بعدَه.

صدى الروايات الشيعيّة في الكتابات الصهيونيّة :

لقد وظّف جماعةٌ من الكُتّاب والباحثين والعاملين في الصحافة الصهيونيّة هذه الخزعبلات الشيعية في بثّ الشبهات، والتشكيك، وفي إيحائِهم لممثّليهم السياسيّين بأنْ يتعرّضوا إلى الفكرة القائلة بأنَّ المسجد الأقصى لا قداسةَ له عند المسلمين، ولا ذِكْرَ له في القرآن الكريم.

ومن الأمثلةِ على ذلك:

الباحث إسحاق حسون: باحث يهودي، وعضو في معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية في الجامعة العبرية، قام بتحقيق كتاب «فضائل البيت المقدّس» لمحمد بن أحمد الواسطي، فقال في دراسته (ص35): «ومعروفٌ أنَّ فرقًا من الشيعةِ لا ترى لمسجد بيت المقدس فضلاً على غيره من المساجد»، وسردَ لأجلِ التدليلِ على ذلك رواياتٍ من كتب الشيعة. ثمّ شعرَ أنَّه اقتنصَ بُغيَتَه عندما أهدته مراجعُ الشيعةِ هذه الهديّة ليطعنَ في إجماعِ المسلمين على فضيلةِ المسجد الأقصى، فقال في كتابةٍ أخرى: «إنّ علماء المسلمين لم يتّفقوا على جميعاً على أنَّ المسجد الأقصى هو مسجد القدس، إذ رأى بعضهم أنّه مسجدٌ في السماء، يقع مباشرةً فوق القدس أو مكّة».

نقلَ ذلكَ الدكتور محمود إبراهيم في كتابه «فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربيّة قديمة» (ص41).

البروفسور كِسْتَر: وهو يهودي من أصول بلجيكية، وهو باحث معروف في تاريخ القدس، يقول في أحد كتاباتِه المُغرضة كعادتهم جميعاً: «إنَّ هناك جدلاً بين المسلمين حول أفضليّة المسجد الأقصى»، ويضيف الدكتور محمود إبراهيم في الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً (ص40) موضّحاً مستندات كستر في هذا التشكيك: «واستعان بعددٍ من الأحاديث التي أوردَها للتشكيك في مكانة القدس عند المسلمين، بأحاديث نُسب رُواتها إلى الشيعة».

فتأمّل هذه النّماذج، فإنَّ وراءَها من أمثالها الكثير، واسأل نفسَك أيّها القارئُ الكريم: من هي تلك الفئة التي خرقت إجماعَ الأمّة الإسلاميّة على تحديد المسجد الأقصى بمسجد بيت المقدس، وعلى أنَّه ثالث المسجدين؟ ستجد الجوابَ بأنَّها طائفةُ خميني! الذي لم يفعل شيئًا لتصحيحِ هذا الانحراف إذا كان يراه انحرافاً أصلاً، بل تولّت مدرستُه وأتباعُه من بعده ترسيخَه وترويجه والدّفاع عنه وتكريمَ مروّجيه!

للاستزادة:

كتاب "الشيعة والمسجد الأقصى"، تأليف: طارق أحمد حجازي، وهو من إصدارات (لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السُّنَّةِ) في فلسطين.

موقف إيران من قضايا الأمّة الإسلاميّة

إنَّ الصّادقَ صاحبَ المبادئِ يُعرَفُ من تناسُق مواقفِه، وانسجامِها مع بعضِها البعض، ووضوحِ منطلقاتِه فيها، ووضوحِ أهدافه منها، فإنَّ الذي له معاييرُ صحيحةٌ، لا يستحي من الإفصاحِ عنها، ولا يتحرّج من انكشافها، بل لا يقع ذلك التحرُّجُ من صاحبُ الدّسائسِ والمكر.

إنَّ الذي تراهُ يعادي عدوَّكَ في المساء، ويحالفُه ضدّك في الصّباح، ويقتُلُ إخوانكَ في مكانٍ آخَر، لا يمكن أنْ يكون مثلكَ، ولا يرى الأمور بعينك، ولا يؤمن بما تؤمن به، ولا يخافُ ما تخاف، ولا يرجو ما ترجو.

إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو الإمامُ والقدوةُ والأسوةُ، لمّا بايعَ الأنصارَ ليلة العقبة، فبايعوهُ على ما يسرّ قلبَه ويُرضِيه، أرادَ أبو الهيثم ابن التّيّهان رضي الله عنه أن يستوثقَ من طبيعةِ التّبعاتِ التي قد يتعرّض لها هو وقومُه الأنصار، إذ لم يكن الأمر سهلاً، فقال رضي الله عنه: يا رسول الله! إنّ بيننا وبين الرّجالِ حبالًا، وإنّا قاطِعُوها-يعني العهود-، فهل عسيتَ إنْ نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهركَ الله، أنْ ترجعَ إلى قومك وتدَعَنا؟

فتبسّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: « بل الدَّمُ الدَّمُ، والهَدْمُ الهَدْمُ، أنا منكم، وأنتم منّي، أحاربُ من حاربتُم، وأُسالمُ من سالَمْتُم » أخرجه أحمد (3/461)، وصححه الألباني في تعليقه على «فقه السيرة» للغزالي (ص146).

وهذا يعني إنَّ ذِمَّةَ المسلمين واحدة، وأنَّ المسلمَ أخو المسلمِ، لا يخذلُه ولا يتخلّى عنه ولا يخدعُه، فضلاً عن أن يقتُلَه وينتهكَ حُرمتَه وينهبَ مالَه.

فهل شيعةُ خُمينيّ تقفُ من عامّة المسلمين هذا الموقف ؟

الجواب: لا، بل هي على النّقيضِ منه، تُعادي المسلمين وتسفكُ دماءَهم وتنتهكُ حُرُماتِهِم كما يفعلُ عدوّهم الكافرُ، بل في كثيرٍ من الأحيان: أشدّ من ذلك.

ومن الأمثلةِ على ذلك في السنوات العشرين الأخيرة، حيثُ يفترَضُ أنْ تكونَ هذه الطائفة التي تقدّس خميني قد نضجت لديها فكرة الجهاد لتحرير بيت المقدس وتفرّغت لها، هذه الأمثلة:

أوّلاً: مأساةُ أهلِ السُّنَّةِ في العراق.

لقد صرخَ الزعيم السياسي، ورئيس الوقْف السنّي الأسبق عدنان الدليمي رحمه الله، صرخةً مدويّةً لخّصت كلَّ شيءٍ بخصوص أحوال أهل السّنّة في العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين، وذلك في "مؤتمر نصرة الشعب العراقي" الذي عُقد في اسطنبول عام 2006، فقال: «لماذا تجعلوه مؤتمر نصرة الشعب العراقي؟ اجعلوه مؤتمر نصرة أهل السنة في العراق»!

وقد نُشرت هذه الكلمة في معظم الصحف ووسائل الإعلام في حينها، وهي تقول كلَّ ما ينبغي أنْ يُقال، وهو: إنَّ غضبَ الاحتلال الأمريكي، وأعوانه من المليشيات الطائفيّة الشيعيّة الدمويّة، لم يكن موجّهاً إلّا لهدف واحد هو استئصال وجود أهل السّنّة في العراق، وفي بغداد خاصّة.

منذ احتلال العراق، وإيران هي صاحبة الكلمة الأولى التي تأتمر بأمرها الجهات الأقوى الممثّلة لشيعة العراق، لا سيما المليشيات الشيعية المسلحة مثل "فيلق بدر" و"جيش المهدي" و"الحشد الشعبي" لاحقًا، بل وزارة الداخليّة العراقيّة نفسها، المسيطرة على الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، قد لعبت ضدّ أهل السّنة دور المليشيات أيضاً، لا سيما في عهد وزير الداخليّة الرافضي المتعصّب (باقر جبر صولاغ) الذي كان وزيراً للداخليّة في حكومة إبراهيم الجعفري التي تولّت عام 2005م، وارتكبت ما لا يحصى من الجرائم.

لقد نشرت منظمة الرسالة العالمية لحقوق الإنسان تقريراً مفصّلاً باللغتين العربيّة والإنجليزية، رصدت فيه جرائم المليشيات الشيعية الدمويّة التابعة لمقتدى الصدر ضدّ أهل السّنّة عموماً، ومنهم اللاجئون الفلسطينيّون في العراق، وملخّصه في الآتي:

القيام بحملة مسعورة استهدفت أهل السنة في بغداد ومحافظات الوسط وجنوب العراق، قُتل على أثرها الآلاف من أهل السنة على الهوية، من قبل مليشيا جيش المهدي.

تفجير أكثر من 200 مسجد في بغداد لأهل السنة، وما زال عالقًا في الأذهان إلى الآن مشهد تعليق مؤذن جامع فتاح باشا في بغداد في المئذنة وتفجير المئذنة به، واستولى جيش مقتدى على مساجد أخرى، ومساجد أخرى حُوّلت إلى مكبّات للنفايات.

الاستيلاء على الآلاف من المنازل للعرب في مناطق بغداد والمحافظات بعد تهجير أهلها منها أو قتل من وقع منهم بين أيديهم.

الاستيلاء على عدد كبير من البنايات التابعة للوقف من محالّ ومخازن ومصادرتها لتصبح تحت تصرف مليشيا جيش المهدي.

الاستيلاء على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في مناطق ديالى وبابل وحزام بغداد خصوصًا، وجعلها ملكًا لعناصر ميليشيا جيش مقتدى.

ارتكبت مليشيات مقتدى الصدر بالتحالف مع مليشيات عراقية أخرى (الحشد الشعبي) مجازر وجرائم ضد الإنسانية بالعراق وسوريا، وقامت بتنفيد مخططات إيران بالمنطقة، كذلك قامت مليشياته بمذبحة ضد الفلسطينيين بالمخيمات في العراق.

نشر فتاوى التطرف والإرهاب والدعوة إلى الثورات والفوضى بعدد من الدول العربية وذلك بالتنسيق والاتفاق مع النظام الايراني.

فتح معسكرات خارج بغداد تحت إشراف قادة من حرس الثوري الإيراني لتدريب إرهابيين عرب لأجل بثّ الفوضى والعنف في عدد من الدول العربية.

نُشر هذا الملخّص الذي انتقينا منه بعض البنود في صحيفة أخبار الخليج بتاريخ 2 أيار 2019م.

وهذه هي كما نرى، الاهتمامات والأدوار الوظيفية التي تؤدّيها المليشيات الشيعية، وهي مراكز قوى لا يُستهان بها، ومع ذلك فلا شأن لما تقوم به بالقدس ولا بالمسجد الأقصى، بل إنّ ضحاياها من فلسطينيي العراق بالمئات، والمشرّدون في لجوء مكرّر إلى منافي العالم من مخيّمات العراق، بالآلاف أيضاً.

فأين هو النّهج خميني ورُعاتُه و"جمهوريّته الإسلاميّة" عن كلّ هذا؟

مراجع للاستبصار والتوثيق :

1- مقابلة مجلّة البيان مع الزعيم عدنان الدليمي بتاريخ 5كانون أول 2013م (https://www.albayan.co.uk/article2.aspx?ID=3327).

2- صحيفة أخبار الخليج تنقل ملخّص تقرير منظمة الرسالة العالمية لحقوق الإنسان حول جرائم مليشيات مقتدى الصدر ضد أهل السنة في العراق (http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1165361).

3- تقرير منظّمة العفو الدولية الذي ينصّ على جرائم المليشيات الشيعية بالاسم، بحقّ المسلمين من أهل السّنّة بالاسم أيضاً: (https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2014/10/iraq-evidence-war-crimes-government-backed-shi-militias/).

ثانياً: مأساةُ أهلِ السّنة في سوريا.

إذا كان الكثير ممّا قيل عن العراق، قد كلَّفَ المؤسّساتِ الحقوقيّة والقانونيّة جهودًا مُضنيةً لتوثيقِه، لأنَّ السّمومَ الطائفيَّةَ قد انفجرت على نحو غير متوقَّع عند كثيرٍ من النّاس، فإنَّ ما جرى لأهل السّنّة في سوريا لا حاجةَ بنا لنقولَ عنه الكثير.

فعلى الرغم من أنَّ جرائمَ النّظام النّصيري الشيعيّ ضدّ أهلِ السّنّةِ قديمة، ومن أهمّها مجزرتي سجن تدمر (1980م) ومدينة حماة (1982)، وأنّ المجرمين ما زالوا يفلتون من العقاب إلى الآن، فإنَّ ما جرى للشعب السوري المسلم السُّنّيّ -وما زال يجري منذ عام 2011م وحتى الآن- يجري على مرأى المسلمِ والكافر حول العالم!

ومنذ لحظتِه الأولى، والذي يجري منه خارجَ السّجون والمعتقلات وأقبيةِ التحقيق التي يُشرِفُ عليها ضبّاطُ النّظام النّصيريّ الشيعيّ، وُثّق بما يكفي على امتداد 10 سنوات.

أمّا ما يجري داخلَ السّجون، ممّا أفلتت حولَه بعضُ الشهادات والصُّوَر، فشيءٌ لا يحيطُ بوحشيّتِه ولاإنسانيّته وصفٌ، ولا تعبّر عن دمويّته وإجرامِه لغة، ومجملُ ذلك، سُجّلت حولَه آلافُ الشهادتِ، وآلافُ الدّعاوى القانونيّة التي ما زال لا يعبأ بها أحد، لا سيما في الغرب، في مشهدٍ يبيّن مدى استخفافِ الغربِ والرافضةِ معاً بدماء أهل السّنّة.

فمن هو الحليفُ الأساسُ للنّظام السوريّ في هذه الحرب على أهل السُّنَّة؟ هل كان غير إيران؟

وما هي القضيّة الأساسُ التي يتاجرُ به النّظام السوريُّ وحليفُه الإيرانيُّ؟ أليست قضية فلسطين، والمقاومة، والممانعة؟

إنَّ هذه الدّيباجة هي الأغلى ثمناً لدى الشيعةِ الرافضة، لكثرةِ ما حقّقوا بسببها من مكاسب، وما مارسوا باسمِها من خداعٍ!

وُجّهَت إلى النّظام السوري رسميًّا، تُهَمٌ موثّقة بمئات الأدلّة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة حتى قبل عام 2011، منها:

أعمال قتل، عقاب جماعي، إعدامات جماعية، عمليّات تعذيب، اغتصاب، أعمال سلب، تدمير أماكن عبادة ومستشفيات.

وردَ كلُّ ذلك في (ص6) من الدعوى التي رفعتها مجموعة "ترايال الدولية" القانونيّة، التي رفعت إلى السلطات السويسريّة عام 2013 دعوى على رفعت الأسد عمّ الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، وأثناء وجوده في جنيف، اقتناصاً من هذه المجموعة القانونيّة الدوليّة اهتمام سويسرا بمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، على حدّ تعبيرها، وأساسُ هذه الدعوى هو أنّ رفعت الأسد كان قائداً لسرايا الدّفاع التي ارتكبت إلى جانب قوى أمنيّة أخرى مجزرة سجن تدمر ومجزرة حماة مطلعَ ثمانينيّات القرن الماضي.

ما بين 30 إلى 40 ألف قتيل، و88 مسجداً مهدّمًا، بل معظمُ مباني المدينة، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمفقودين، كانت حصيلة مجزرة حماة 1982م.

و1000 قتيل في سجن تدمر (1980) في فورة غضبٍ لسرايا الدّفاع النصيريّة الباطنيّة الشيعية على محاولةِ اغتيالٍ تعرّض لها حافظ الأسد، فأُعدِمَ 1000 مسلم كانوا في السجن قبل أن يحدث ذلك !

وما حلّ هذا العام 2021، حتى كان المسلمون في سوريا وهم أهلُ سُنّة، قد فقدوا 400 ألف قتيل، (11.6) مليون من اللاجئين والمشرّدين داخل سوريا وخارجها، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وما لا يحصى من حالات السلب والنّهب واغتصاب المسلمات، لا سيما داخلَ سجون النّظام السوريّ.

في كلّ ذلك كانت المليشيات الشيعيّة من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان شركاء مباشرين في قتل أهل السّنّة، ولم يطلقوا على الكيان الصهيونيّ رصاصةً واحدةً، ولا حجراً ! وكلّ أفعالِها كانت بدعمٍ إيرانيّ ورعايةٍ إيرانيّة.

وإنّها لنِعمَت المقاومة للصهاينة، ونِعمَتْ الممانعة لأجل القدس، ولا حول ولا قوّة إلا بالله !

مراجع للاستبصار والتوثيق:

1- الموقع الرسمي للمرصد السوري لـ"حقوق الإنسان" (www.syriahr.com).

2- الصفحة الخاصة بسوريا على موقع منظمة العفو الدولية (https://www.amnesty.org/ar/search/?country=38557).

ثالثاً: مأساةُ أهل السّنّةِ في اليمن.

ارتكبت الحركة الحوثيّة المدعومة من إيران، الفظائعَ والمجازر ضدّ المسلمين العُزَّل من أهلِ السُّنَّةِ، كما اعتدت على طلبة العلم الشرعيّ، وخرّبت دار الحديث النبويّ التي أسّسها الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في صَعْدة شمالَ اليمن، واختطفت النساءَ والفتيات وقامت بتزويجهنَّ قَسْرًا من أعضاءِ التنظيمِ باسمِ المتعةِ.

وقد حظيت هذه الجماعةُ بدعم الجمهوريّة الإيرانيّة وقادتها منذ سنة 1982م، كما اعترفَ بذلك مؤسّسوها الأوائل في شكلها التنظيميّ المسلّح: محمد بدر الدّين الحوثي ومحمد سالم عزّان.

وعلى الرغم من كون هذه الجماعة قد اتخذت شعاراً تردّده حتى بعد الصلوات المكتوبة! وهو: «الله أكبر، الموتُ لأمريكا، الموتُ لإسرائيل، اللعنةُ على اليهود، النّصر للإسلام»، فإنَّه لا أمريكا، ولا إسرائيل، قد نالَهما أدنى إزعاجٍ من هذا التنظيم، على الرغم من قدراته العسكريّة الهائلة، وتعاوُنه مع أذرُع إيران المسلّحة الأخرى كحزب الله اللبناني، من أجل التدريب وتبادُل الخبرات العسكريّة.

إنَّ أوَّلَ اعتداءٍ نفَّذَه تنظيم الحوثي المسلَّح سنة 2004 على بعض الجنود والمواطنين اليمنيّين، واستتبعَ ردًّا من الحكومةِ اليمنيّة، استلزمَ مباشرةً أن يصدُرَ بيانٌ عن مجموعةٍ من علماء الدّين في إيران يستنكرون فيه ردَّ الحكومة اليمنيّة ويحتجّون عليه، كما احتشدَ متظاهرون أمام السفارة اليمنيّة في طهران للمطالبةِ بطردِ السفير! وبتغيير اسمِ الشارع الذي تقع عليه السفارةُ إلى اسم الحوثي.

فهذه هي إيران خميني، وهذه علاقاتها، وهذه هي اهتماماتُ نُخَبِهَا الحقيقيّة.

مراجع للاستبصار والتوثيق:

1- كتاب: "الحركة الحوثيّة، دراسة منهجيّة شاملة" تأليف: نايف بن سعيد الدوسري.

2- كتاب: "الحوثيّون"، تأليف: هدى المالكي.

3- كتاب: "بروتوكولات آيات قُم والنجف حول اليمن"، تأليف: عبد السلام الحسني.

موقف إيران من القضيّة الفلسطينيّة

لقد بلغَ هوَس خميني في تجاهُل القضيّة الفلسطينيّة، حدَّ أنْ يزعُم أنَّ اجتياح الصهاينة لبيروت لطرد المقاتلين الفلسطينيّين الذين كانوا أكبر جبهة ضدّ الكيان الصهيوني، ما هو إلّا حربٌ مدبّرة من أجل أنْ ينشغلَ النّاسُ في العالَم عن الحرب العراقيّة – الإيرانيّة! وأنَّها محاولة لإنقاذ النظام العراقي! أي من تبعات الحرب التي اندلعت بين عامي (1980-1988).

وقد قال ذلك في خطبة الجمعة من شهر حزيران 1982، ولم يقله في السّر! نعم، إلى هذا الحدّ وصل هوس خميني في سبيل تحقيق المصلحة الإيرانيّة الشيعيّة فقط! من دونِ أنْ يُرهِقَ عقْلَه في التفكير في قضيّة فلسطين، ولا في النكبة الجديدة التي وقعت للفلسطينيّين في الشتات منذ عام 1982.

وعندما بدأ العدوان الدّموي من حركة (أمل) الشيعيّة، المدعومة من قيادات إيرانيّة ومن النّظام السوري، على المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان سنة 1985، لم يحرّك نظام خميني ساكنًا.

بل على الرغم من وضوح الحقّ والباطل في ذلك العدوان، وكون حركة (أمل) الشيعية هي التي اعتدت على الفلسطينيّين، فإنَّ كل رموز النظام الإيراني الكبرى، وأهمّها: علي خامنئي الذي كان رئيساً للجمهوريّة حينها (1985)، قد اكتفى بالدّعوة إلى وقف القتال!

أمّا خميني نفسُه، فلم يتعجّل في التعليق على الأمر، واعتذر عنه نوّابُه بأنَّه معتكفٌ في العشر الأخيرة من رمضان من ذلك العام، ثمّ لمّا خرجَ من اعتكافه ألقى خطبة العيد في (حسينية جمران)، وكان الجميعُ ينتظرُ منه موقفًا تجاهَ ذبح الفلسطينيّين على يد حركة شيعيّة تستقوي عليهم بدولتِه وبالنّظام السوري الحليف! لم يُشِرْ خميني إلى الدّم الفلسطينيّ المسفوك على يد إخوانِه بحرفٍ واحد! بل طَفِقَ يحلّل دَلالة المسيرات التي خرجت في طهران بمناسبة (يوم القدس العالمي)، والتي هتفت بحرارة من أجل الاستمرار في الحرب مع العراق ..![1]

يقول الأستاذ فهمي هويدي: «كنتُ أحد الذين استمعوا إلى خطبة الإمام صبيحة ذلك اليوم (20 يونيو) ولم أستطع أن أخفي دهشتي من تجاهله لما يجري في لبنان، ليس فقط لأنّ الفلسطينيّين هم ضحيّته، ولكن لأنّ الجاني منسوب إلى الشيعة. ونقلتُ انطباعاتي إلى صديق خبير بالسياسة الإيرانيّة، فكان ردُّه أنَّ الإمام له حساباته وتوازناتُه»[2].

حسابات وتوازُنات الإمام هذه، كانت تتجاهل جراح المسلمين الفلسطينيّين السُّنَّة، وآهات الأطفال والنّساء والشيوخ العُزَّل الذين اعتدت عليهم حركة أمل الشيعية لأربع سنوات متتالية بين عامي (1985 – 1989).

في مخيّم البرج الشمالي في (صور) وحدَه، اعتُقل 1000 فلسطيني تتراوح أعمارهم بين (15-60) سنة، وقضى عشرات تحت التعذيب، وتم التضييق على الأهالي وخنق حياتهم بالكامل، هذا في المخيّم الذي لم يخُضْ أيّ مقاومة ضدّ حركة أمل نظرًا لضعف إمكانيّات الأهالي بعد انسحاب المقاتلين سنة 1982م من المخيّمات، وكان قد توصّل إلى تفاهم مع حركة أمل بأنْ لا يخوض الحرب![3]

دُمّر 90% من مخيّم "شاتيلّا" في بيروت، وقُتل فيه نحو 100 من المسلمين العُزَّل في المرحلة الأولى من العدوان، وما جاء عام 1986، حتى كان يرقد في مقبرة المخيّم (575) جثّة لضحايا المجزرة[4].

أما ما لاقاه أهالي مخيّم برج البراجنة في بيروت على يدي عناصر حركة (أمل)، فقد وصفوه بأنَّه الأقسى عليهم منذ نكبتهم عام 1948! انجلى العدوان عن 600 من القتلى، وآلاف الجرحى، ومئات الإعاقات الدائمة، في حصارٍ قال سكّان المخيّم بأنّه الأقسى بين كلّ ما لاقوه في حياتهم[5]، وعن أعدادٍ كبيرة من النازحين نزوحاً مكرّراً، لكن هذه المرة على يدي أتباع آيات إيران الدّاعية إلى الاحتفال بـ (يوم القدس العالمي).

وماذا نقول عن مجزرة مخيّم (تلّ الزعتر)، وعن دور الجيش السوريّ النُّصيريّ الشيعيّ فيها؟ يومَ طلبُ الفلسطينيّون المحاصَرون فتوى تُبيحُ أكل الجثث، بعد أن تكدّست بينهم جثث ما يزيد على 3000 قتيل من ذويهم! اذهب أيّها القارئُ إلى بيروت الآن، لترى حُطامَ مخيّم تل الزعتر على حالِه إلى اليوم، بعد أنْ سوّتْهُ الجرّافاتُ بالأرض.

مراجع للاستبصار والتوثيق:

1- كتاب: "أمل والمخيمات الفلسطينية"، تأليف: عبد الله الغريب.

2- كتاب: "ماذا تعرف عن حزب الله؟"، تأليف: علي الصادق.

3- كتاب: "مأساة المخيمات الفلسطينية في لبنان"، تأليف: محمد سرور زين العابدين.

لماذا تهتم بالقدس؟

والآن، أنتَ أيّها المسلمُ في كلّ بقاعِ الأرضِ، دعنا نطرح عليكَ، واطرح على نفسكَ معنا السؤال الآتي:

إذا لم تكن فلسطينيًّا، فلماذا تهتمّ بالقدس وبالمسجد الأقصى؟

ستُجيبُ بلا شك: لأنّ الفلسطينيّين مسلمون، وهم إخوانٌ لي مستضعفون ومظلومون، ولأنَّ المسجد الأقصى هو قبلتنا الأولى، وثالث مساجدنا المعظّمة، وله في ديننا فضلٌ عظيمٌ ومكانةٌ سامقة.

سنقول لك: صدقتَ في كلّ ما تقول، وإنّنا معك فيه، ونقولُ مثلَما قلتَ تماماً.

فإذا كان الإسلامُ والإيمانُ والقرآنُ هو الذي يحرّك اهتمامك بالقدس والمسجد الأقصى، ويثير أوجاعكَ على سلبهما وفقدهما من المسلمين، وتسعى بكلّ ما أوتيتَ من قوّة لاستردادهما من الغاصبين، فإنّنا نذكّر أنفسنا، ونذكّرك، ونذكّر سائرَ المسلمين بالآتي:

أوّلاً: المسلمون كلُّهُم يدٌ واحدة، وذمّتهم واحدة، وآلامهم واحدة، وأوجاعُهُم واحدة، وآمالُهُم واحدة، وحاجتهم إلى الخلاص من الظلم واحدة، فكيف ينصاعُ مسلمٌ للترويجِ لقَتَلَةِ المسلمين ورموزهم ومؤسساتهم ومرجعيّاتهم الدمويّة الحاقدةِ على المسلمين، لأجلِ أنّهم يزعمون أنّهم يُناصرون فئةً من المسلمين (أهل فلسطين) على العدوّ الصهيونيّ؟ وبأيّ شيءٍ نُجيبُ ربّنا إذا سألنا عن صرخاتِ الحرائرِ في سجون النّظام السوريّ وعلى يدي ميليشيات حزب الله اللبناني الرافضي؟ والله تعالى هو القائل: {إنّما المؤمنونَ إخوة}، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلّم هو القائلُ: «مَثَلُ المؤمنين في توادّهم، وتراحُمِهِم، وتعاطُفهم، مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» أخرجه مسلم.

لا وجهَ أبداً للتفريقِ بين قضيّة وقضيّة، ولا سجنٍ وسجن، ولا مظلومٍ ومظلوم، ولا مقهورٍ ومقهور، ومَنْ كان قاتلاً للمسلمين في سوريا والعراق، لن يشفعَ له مجرّد مزاعمَ يلقيها حول قضيّة المسلمين الأولى: المسجد الأقصى المبارك.

ثانياً: إنَّ كلّ نصّ في القرآن الكريم، أو السّنّة المطهّرة، يدعو إلى إعانةِ مظلومٍ، فهو يصيبُ أهل السّنّة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، كما يصيبُ أهل السّنّة في فلسطين، وكلّ نصّ يدعو إلى ردعِ ظالمٍ ومجرم وإلى الأخذ على يدِه بل قطعِها عن المظلوم، فهو يصيبُ اليهودَ والرافضةَ معاً، ويعظّم جُرْمَ المتعاونين مع اليهودِ والرافضةِ معًا.

ثالثًا: إنّ ما قد نلمسُه من تقصير من أهل السّنّة في حقّ قضيّة فلسطين، لا سيما على الصعيد السياسي، وفيما يخصّ العقد الأخير خاصّة، لا ينبغي أنْ يكونَ دافعاً للإحباطِ أو اليأس من استنهاضِ الهمم، بل يجبُ وجوبًا مؤكّداً أنْ يكونَ دافعاً نحو ملء هذا الفراغ، واستنهاضِ همم العاملين لأجل ملئه، وليس الإلقاء بالنّفس في أحضان الروافض ودعايتهم المشبوهة، المجيّرة لمصالحهم الطائفيّة فقط، ولم تنتفع بها القدس في يومٍ من الأيام.

رابعاً: لولا الإسلامُ وأخوّةُ الدّين، لَما كان لاهتمامكَ أيّها المسلمُ بالقدس والمسجد الأقصى أيُّ معنى، ولكُنْتَ مثل غيرك من سكّان هذا العالم الذين لا تُجاوز اهتماماتهم حدود بلدانهم وما يتعلّق بجنسيّاتهم من مواضيع، فإذا كان الأمرُ كذلك، فإنّه يدعوك إلى التفكير: كيف لأولئكَ الذين يطعنون في القرآن الكريم بدعوى التحريف، وفي مقامِ النبوّة بتسويتِه بمقامِ الأئمّةِ المعصومين عندهم، وفي سُنّة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وفي أصحابِه الكرام، وفي أزواجِه الطاهرات، أنْ يكونَ صوتُهُم عالياً بكلّ هذه الجعجعةِ والادعاءات بالانتصارِ للمسجدِ الأقصى، وهم ينتهكونَ حُرْمَةَ مصادر الإسلامِ المقدّسةِ (القرآن والسُّنَّة) التي ما عرفَ المسلمون قَدْرَ المسجدِ الأقصى ولا مكانتَه إلّا منها؟! ألم يتقدّم كلامُ "المعصومين" عند الشيعةِ بأنَّ المسجد الأقصى ليس في القدس، ولا في الأرضِ كلّها، بل هو في السماء؟! أمّا أنتَ أيّها المسلمُ المتّبعُ لرسولكَ محمّد صلى الله عليه وسلم، فإنّك تعرفُ من القرآنِ أنّه أُسريَ به إلى المسجد الأقصى بفلسطين ولا يخطر ببالك أن يكون غيره، وتعرفُ من سُنَّةِ النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّ المسجد الأقصى في القدس هو الذي تُشَدُّ إليه الرحال، لا مسجد الكوفة! لكنّ مصالحَ السياسةِ والطائفةِ هي التي تُمْلِي عليهم إخفاء حقيقةِ معتقدِهِم في المسجد الأقصى، وتجعلُ أصواتَهُم أعلى من صوتكَ في ترديدِ عقيدتِك التي يطعنون في مصادرها الكبرى، فتنبّه لهذه الملاحظة تنكشف لك حقيقة دعايتهم الزائفة.

خامساً: إنَّ الدّعوى قد سقطت، وإنَّ المخبوءَ قدْ بانَ، فإنّنا اليوم نتحدّث بعدَ أربعين سنةً من إعلان خمينيّ الجمعة الأخيرة من رمضان (يوم القدس العالمي)، فأين هو الذي صنعوه للقدس؟ ما نقوله لا نقوله بسوء الظّنّ، وإنّما عُمّر النّاسُ من السّنين مدّة كافيةً تجعلهم شهودًا أحياء على الفِرْيَةِ والكِذْبَة.

إنّ "حزب الله" الشيعيّ اللبنانيّ يبتلعُ بإمكانيّاتِه العسكريّة الدّولةَ اللبنانيّة ذاتَها كما لا يخفى على أحد، وكما يقرّ الحزبُ نفسُه، وكما تقرّ الدّولةُ نفسُها، ومع ذلك، يُدَكُّ قطاعُ غزّة المحاصر منذ أكثر من عشر سنواتٍ بحروبٍ متتاليةٍ أحرقت الأخضر واليابس، وأزهقت أرواحَ الرجالِ والشيوخ والنساء والأطفال بقصف الطائرات الصهيونيّة، ومع ذلك لم يشهد أحدٌ "مجاملةً" عسكريّةً من حزب الله للمسلمين في فلسطين، هذا الحزب الذي يخلقُ من كلّ حدثٍ صغيرٍ مناسبةً واحتفالاً، يفرشُ فيها الأعلامَ الصهيونيّة على الأرض ويطلبُ من الآلاف من جنودِه وكشّافته وأتباعه أن يدوسوا عليها، استدراراً للعواطف، واستجلاباً للتأكيد، وتحقيقاً للمكاسب الطائفيّة الدنيئةِ، وتضخيماً للدّعايةِ الجهاديّة.

 


[1] انظر: إيران من الداخل (ص403).

[2] إيران من الداخل (ص404).

[3] انظر التفاصيل في: مخيّم البرج الشمالي، حيث يشيخ الألم (ص56).

[4] انظر التفاصيل في: مخيم شاتيلا لحن الجراح والكفاح (ص67-68).

[5] انظر تفاصيل الفظاعات في: مخيم برج البراجنة، ظل الموت والحياة (ص70- 81).

 



مقالات ذات صلة