بين جيش المهدي وحزب الله ، ومقتدى الصدر ونصر الله
أحمد موفق زيدان
الكتابة بعيداً عن اللحظة الزمنية في غاية الصعوبة، كون الكاتب في بعض أحيانها يسبح ضد التيار ـ كما في حالتي اليوم ـ سيما إن كان تياراً جارفاً، شعاره، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أو لا صوت يعلو فوق صوت حزب الله، وشعاراته، أدرك أنني من ضمن هذه الفئة الشاذة في الأمة، وأدرك مدى الهزء الذي قد يثيره بعض المثقفين وتحديداً الإسلاميين منهم، وخاصة بعض أصدقائي الذين طالما لاموني وعاتبوني على هذه الأفكار الشاذة في عالمهم، ولكن ليكن كلامي شاذاً، ألم يسجل تدوين الفقه الإسلامي أراءً ومواقف شاذة لعلماء، وفقهاء كبار، فحسبي أن أكون واحداً من هؤلاء.
أعود إلى صلب الموضوع لأقول، على رسل كل من يرفع شعار المقاومة إلى جانب حزب الله اللبناني، فعلى هؤلاء جميعاً أن يتذكروا جملة حقائق في زحمة هذه الأحداث، التي لها ما بعدها في عالمنا العربي والإسلامي، وألا يكونوا أبواقاً للآخرين، وألا يكونوا وللأسف أتباع كل ناعق، كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالمسألة جد خطيرة، إذ بحجة البحث عن التغيير قد نقع فيما نحن أسوء فيه، أليس المثال العراقي صارخاً أمامنا، أليس بحجة وقوف البعض إلى جانب قوى الاحتلال الأميركي للإطاحة بمستبد مثل صدام حسين أوردنا المهالك التي نعيشها الآن .
عودة ثانية على الحقائق التي تحدثت عنها قبل قليل، الحقائق المرتبطة بحزب الله اللبناني فأقول :
1- ألم يمنع حزب الله منذ نشأته عام 1982 وحتى الآن أي مقاوم سني من الاقتراب من الجنوب اللبناني، وألم يمنع حليفته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من تنفيذ عملياتها بشكل منفصل عنه طوال الفترة الماضية، باستثناء مشاركات فردية تحت شعاره، وبعد تمرير المقاومين كما يقولون تحت المصحف الشيعي، بحسب تعبير العارفين بالأمر، لا أدري إن كان يختلف عن المصحف المعهود، ومن أراد أن يتحقق فليسأل قادة حماس الذين يثق ويثقون به ليفاتحوه ويصارحوه بالأمر.
2- لنتذكر كيف تمكن النظام الطائفي في سوريا من جمع السلاح من كل المقاومين في لبنان تحت ذريعة جمع السلاح، وكان الهدف الأساس من وراء عملية الجمع الجماعة الإسلامية اللبنانية السنية، والتي سلمت سلاحها ظناً منها أن الجميع مشمول في الأمر، وبالمناسبة فإن سلاحها كان أضعاف ما كان يملكه الحزب حينها، ولإكمال المسرحية سلم الحزب ما معه من سلاح، وما هي إلا أيام حتى أعاد النظام الطائفي السوري سلاح حزب الله، وتكشفت المؤامرة على الجماعة الإسلامية اللبنانية، التي رمت إلى تجريدها من سلاحها، أو بالأصح تجريد كل مقاوم سني من سلاحه.
3- ألا نسأل أنفسنا لماذا لم يدن حزب الله وزعيمه نصر الله الاحتلال الأميركي للعراق، فهل الاحتلالات تتجزأ ، ولماذا لم يدن الاحتلال الأميركي لأفغانستان، أم أن هذين الاحتلالين تمّا ضمن صفقة إيرانيةـ أميركية، أو شيعية أميركية بالأصح وللأسف، وبالتالي فمثل هذا الاحتلال مرغوب ومسموح به كونه يخدم أهدافهم ومصالحهم ، وهو ما تحدث عنه بوضوح زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار في أحد أشرطته الصوتية أخيراً، حيث قال لولا الشيعة في كابول وبغداد لما احتلت العاصمتين، وكان قادة إيران من أمثال رافسنجاني، وأبطحي وغيرهما تحدثا عن ذلك بوضوح، بأنه لولا التعاون الإيراني مع الأميركيين لما تمكنوا من احتلال العاصمتين بغداد وكابول .
4- حزب الله بالمناسبة، هو المليشيات المسلحة الوحيدة في العالم المسموح لها بعرض عضلاتها، وتملك أسلحة وصواريخ وعلاقات دولية ، وموازنة تقدر بمائتي مليون دولار ، وكل مؤهلات الدولة، في حين غير مسموح لوجود مثل هذه المليشيات في أية دولة على سطح كوكبنا، وحين تتهم أية مقاومة سنية أو مقاوم سني بشبهة يتم على الفور قتله أو توجيه صواريخ كروز إلى موقعه كما حصل في بغداد وخوست الأفغانية والخرطوم وغيرها.
5- يطالب الكثيرون الشعوب العربية والإسلامية بالوقوف إلى جانب حزب الله والسؤال المطروح هل يسمح حزب الله لأحد أن يقاتل الكيان الصهيوني من جنوب لبنان ، أنا شخصياً أتحدى أن يعلن ويسمح حزب الله للقوى السنية والوطنية لتقاتل لوحدها وتحت راياتها المنفصلة عن راياته ، وثانياً هل أعلن حزب الله عن مشروعه للقوى المتحالفة معه فضلاً أن يعلنه للملأ من وراء هذا التصعيد المفاجئ وغير المسبوق، وكيف لي أو للقوى المتحالفة معه أن أثق وأمشي في مشروع لا أعرف بداياته فضلاً عن نهاياته، وهل هو مشروع إسلامي، أو عربي ، أم أنه مشروع إيراني، وربما مشروع نظام إقليمي يهيئ إلى المنطقة، فلا أستطيع أن أقتنع بأن ما يحصل يجابه بهذا الشكل السلس والهين من قبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وللتذكير فإن حزب الله مشارك في البرلمان ومشارك في الحكومة، ومع هذا تجاوز الحكومة والبرلمان ونفذ عملياته الأخيرة دون التشاور مع أحد فمن باب أولى ألا يتشاور مع غير حكومته، فهل سمعتم هذا من قبل في السياسة الدولية، حزب له مليشيات، ومشارك في البرلمان والحكومة، ويفرض أجندته العسكرية، ويعلن حرب على كيان صهيوني مدعوم أميركياً ودولياً، دون إطلاع حلفائه في الحكومة اللبنانية .
6- لنتذكر أخيراً أن مقتدى الصدر حين أعلن هبتّه المعروفة العام الماضي كسب تأييداً من قبل الكثير من القوى الوطنية والإسلامية ، ثم رأينا مواقفه في تأييد الاحتلال وتأييد الحكومات التي جلبها الاحتلال، والتي أذاقت الشعب العراقي سوء العذاب ، وهو نفس الصدر الذي يغتصب الآن مساجد أهل السنة في بغداد والبصرة ، وهو نفس الصدر الذي يهيئ لجيش من مليون شخص لإعادة إعمار المرقدين في سامراء وتطهيرها من أهل السنة، فما أخشاه أن يتكرر ذلك في لبنان، سيما وبدأنا نسمع عن اغتصاب بعض مساجد أهل السنة في الجنوب اللبناني .
أخشى ما أخشاه أن يغطي ما يحصل في لبنان على الجرائم الصهيونية في فلسطين، ويرغم بذلك المشروع الإيراني ـ السوري مع حزب الله وبالتعاون مع الحكم في العراق، يرغم الجميع على التعامل مع نظام إقليمي جديد، تكون حماس وغير حماس تابعة لمشروع وليست قائدة لمشروع يخصها بشكل مباشر ، ولعل تصريحات وزيري خارجية كل من السعودية والكويت بأن أحلام وزير الخارجية السوري أحلام شيطانية أو وردية تؤشر إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، راجياً من كل قلبي أن أكون أنا الذي أحلم أحلاماً شيطانية أو وردية وليس الوزير السوري .