عبد الرحمن مسلم / غزة
12-11-2015
تعيش حركة الجهاد الإسلامي في السنوات الأخيرة حالة انقسام لم تشهدْها منذ انطلاقها، وتمرُّ بمأزقٍ كبيرٍ، ومُنعطفٍ حادٍّ يُهدِّدُ وجودَها، وذلك بسبب اختلاف وجهات النظر لدى قياداتها البارزة تجاه الثَّورة السوريَّة، والموقف من إيران بشكلٍ عام، خصوصًا بعد الضغط الإيراني على الحركة للإعلان عن مواقفها الداعمة لإيران وحلفائها بشكلٍ أكثر صراحة ووضوحًا.
ولقد شهدت الحركة في السنوات الأخيرة انشقاق عددٍ من قادتها، وخروجهم عليها، وارتمائهم في الحضن الإيراني مقابل المال الإيراني؛ مثل المتشيِّع هشام سالم القيادي السابق في الحركة والذي أسَّس حركة الصابرين – المعروفة بولائها لإيران-، وكذلك المُتشيِّع محمد حرب أحد قادة الحركة السابقين في محافظة رفح جنوب قطاع غزَّة، وغيرهما.
كما تمرُّ حركة الجهاد الإسلامي بأزمةٍ ماليَّةٍ خانقة في الوقت الحاضر؛ بسبب توقُّف الدعم الإيراني الذي كانت تُقدِّمه للحركة، واقتصار وصول الدَّعم للمنشقِّين عنها، والذي انضووا تحت راية حركة الصَّابرين.
ولقد بات واضحًا وجليًّا أنَّ هناك تقاربًا بين حركتي (حماس والجهاد الإسلامي) في عدد من القضايا الرئيسة؛ كالاتفاق على تصعيد الميدان العسكري أو تهدئته، وكذا الاتفاق على إبقاء جذوة انتفاضة القدس مشتعلة، وهذا ما يُفسِّر خروج الحركتين في مسيرات مشتركة في عددٍ من المناطق الفلسطينيَّة، وكذا الاتفاق على رؤى مشتركة للخروج من حالة الانقسام والتشظي الفلسطينيَّة، وغير ذلك.
ولعلَّ من القواسم المشتركة بين الحركتين انقطاع الدعم الإيرانيِّ عنهما؛ لكن هذا الدعم المنقطع عن عناصر الجهاد الإسلامي هو فقط يمسّ العناصر الذين يُطلق عليهم (الشرعيِّين) في إشارة إلى تفكُّك الحركة، وانقسامها على نفسها، ودعم إيران لتيَّاراتٍ وخطوطٍ فيها!
وممَّا يُفسِّر انقسام حركة الجهاد الإسلامي، وطرْدها للمتشيِّعين من صفوفها ما كتبه محمد حرب أحد المنشقِّين عن الحركة، والذي أصبح منظِّرًا لحركة الصابرين: " لست مزايدًا أو مناكفًا أحد ... لو كان المعلم الشقاقي حيًّا بيننا لتَمَّ فصله من حركته وملاحقته من الأجهزة الأمنية باتهامات فكرية وتحريضية على الفعل المقاوم !!! إن شئتم كذبوني وأعيدوا نشر تراثه وإنتاجه الفكري وترجموا مضامين ثقافته المقاومة بإبقاء جذوة الصراع مشتعلة".
وكذلك منشورٌ آخر فيه:" إحياء ذكرى المعلم الشقاقي لا تكون بالتراكيب الإنشائية والثناء الأجوف فيما تجري عملية فرار جماعي من العناوين الثقافية التي كان يدعوا لها ويرفعها عاليًا...
الوحدة الإسلامية بين جميع مذاهب المسلمين وبالخصوص السنة والشيعة وعدم الاحتكام للمدخلات التراثية الفاقدة للحجج والبراهين الشرعية والعقلية."
ولوْ أردْنا تتُبَّع هذا المنشور وتحْليله فإنَّنا نستنتج التالي:
1- كاتب هذا المنشور اسمه/ محمد حرب، من سكَّان محافظة رفح، في العقد الرابع من عمره، كان يعمل مُدرِّسًا في إحدى المدارس الحكوميَّة، وترك التَّدريس، انضمَّ لصفوف حركة الجهاد الإسلامي منذ عقود، وعمل في صفوفها، ولكنَّه أظهر تشيُّعه منذ عقد من الزَّمن تقريبًا، وهو الآن مطلوبٌ للأجهزة الأمنيَّة في غزَّة على خلفيَّة نشر عقائد ضالَّة، وإفساد المجتمع، ومُختبئٌ منذ أشهر، ومُتوارٍ عن الأنظار، ويقتصر وجوده عبر الفيس بوك، وقد قامت الأجهزة الأمنيَّة في شهر رمضان الماضي بمداهمة منزله للبحث عنه، واعتقلت اثنين من أشقَّائه؛ في محاولةٍ لمعرفة مكان اختبائه.
2- يعترف (محمد حرب) في منشوره السَّابق، وفي غيره من المنشورات بأنَّ الشقاقي مُعلِّمه، ومُلْهمه... إلخ، وبالتالي يُرسِّخ الفكرة، ويؤكِّد المُثْبت، من أن الشقاقي هو الذي بذر بذرة التشيُّع في فلسطين.
3- يُقرّ (محمد حرب) بشكلٍ ضمنيٍ بأنَّ حركة الجهاد الإسلامي تخلَّت عن المتشيِّعين وطردتهم من صفوفها، وهو كذلك تأكيد على تشيُّع الشقاقي بدليل قوله : ( لو كان المعلم الشقاقي حيًّا بيننا لتَمَّ فصله من حركته).
4- يؤكِّد (محمد حرب) بأنَّ الأجهزة الأمنيَّة في غزة تُلاحِق أصحاب الفكر الضال، والعقائد الفاسدة، وهو ما دفعه ليكتب: " لو كان المعلم الشقاقي حيًّا بيننا لتَمَّ فصله من حركته وملاحقته من الأجهزة الأمنية باتهامات فكرية ".
لكنَّ كلَّ ما سبق لا يُمَكِّنُنا من القول بأنَّ الحركة قد غيَّرت من فكْرها بشكلٍ جذْريٍّ؛ خصوصًا إذا ما علمْنا بأنَّ مؤسس الحركة، ومفكِّرها الأول (فتحي الشقاقي) تعجُّ كتاباته ورسائله بتمجيد الفكر الشيعي، والثورة الإيرانية، والدِّفاع عنها بشكل مُسْتميت، بل إنَّ الحركة انطلقت بُعيْد الثورة الإيرانية، واستمدَّت بعض أفكارها من هذه الثورة التي ما فتئ مؤسسها من الثناء عليها والتنظير لها في عديد المحافل، وما كتبه (الخميني الحل الإسلامي والبديل)، (السنَّة والشيعة الضجَّة المفتعلة)، (رحلة الدَّم الذي هزم السَّيْف) عنَّا ببعيد!
كذلك بعض المواقف التي تُطالعُنا بها بعض القيادات البارزة في الحركة من ثناء على إيران، في محاولةٍ لكسْب وُدِّها ورضائها، عسى أن يعود الدَّعْم من جديد، وهذا الموقف لا تختلف فيه الجهاد الإسلامي عن حماس، فهما في هذا الأمر سواء!
وختامًا: إذا أرادت حركة الجهاد الإسلامي تغيير جلْدها، والقفز على أفكار مؤسِّسها فإنَّه من الواجب عليها الإعلان لكوادِرها عن الخطأ الفكْري الذي مرَّت به في المرحلة السَّابقة وتغذَّى عليه أفرداها ومناصريها، وكذلك التبرؤ من كلِّ كتابات ومبادئ مؤسِّسها (الشقاقي) لا الإحتفاء به وتخليد ذكرى وفاته في كل عام مرَّة!