الإرهاب أداة المشروع السياسي الشيعي الإيراني

بواسطة الراصد قراءة 1245
الإرهاب أداة المشروع السياسي الشيعي الإيراني
الإرهاب أداة المشروع السياسي الشيعي الإيراني

 أسامة شحادة – كاتب وباحث أردني

تمهيد[1]

منذ بداية هيمنة الخميني على حكم إيران صدع العلماء بالتحذير من خطر عدوان هذا النظام على جيرانه، لأنهم عارفون بعقيدة الخميني وفكره ومعتقد الشيعة الإثنى عشرية الذي يتبناه الخميني ويدعو له، والذي يقوم على تكفير أهل السنة واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم([2])، ولكن هذه الصرخات والتحذيرات لم تجد عقلاً حاضرا ولا أذنا صاغية، ومع اشتعال حرب الخليج الأولى (1980- 1988م) اصطفّ الغالبية من "التيار الإسلامي" مع ملالي طهران تحت راية "الوحدة الإسلامية" ومحاربة الإمبريالية ورأس الشر ورأس الشيطان أمريكا و"إسرائيل"!

واليوم وبعد مرور ما يقرب من 4 عقود على نظام الملالي صُدم كثير من العلماء والدعاة والساسة والإعلاميين والمثقفين والعامة بوحشية المشروع الطائفي الشيعي الذي يتبناه "الولي الفقيه" الإيراني، حيث سالت الدماء أنهارا في العراق وسوريا، جهاراً نهاراً، على يد مرتزقة المليشيات الشيعية الطائفية الإرهابية التي جُلبت من أقطار الأرض المختلفة لتنفذ أمر "المرشد" الإيراني بحرق الثوار على أرضٍ عربيةٍ مسلمةٍ.

إن ما جرى ولا يزال يجري في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد جرى مثله من قبل مرارا لكنه كان يفتقد للتوثيق والإعلام المباشر، وهو الذي حدث هذه المرة، وبرغم ذلك فإن الأخطبوط الإعلامي الشيعي والإيراني قد تمكن للأسف من تعمية الحقيقة عن ملايين "مملينة" في هذا العالم!

لقد كان أركان نظام الملالي في غاية الوقاحة في تصريحاتهم التي لم تخفِ حقيقة مشروعهم السياسي العدواني والتوسعي، فهذا علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني يعلن أن «إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»!

وصرح حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد، والذي صرح بأن "إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية كما قال رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو"، وإن ""الثورة" الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة"، مؤكداً أن "جماعة الحوثيين في اليمن هي إحدى نتاجات "الثورة" الإيرانية".

أما الخلاصة لهذه الأطماع الطائفية والإرهابية فكانت على لسان الجنرال رحيم صفوي، المستشار العسكري لـ"مرشد" الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، الذي ادّعى أن "القرن الحالي سيشهد تشكل "حكومة إسلامية" عالمية، ستكون إيران مركزاً لها".

من أجل فهم خلفيات هذا المشروع الشيعي الإيراني العدواني والتوسعي والإرهابي، جاءت هذه الورقة لتبيّن تجذّر رؤية العدوان والتوسع والإرهاب في الفكر والمشروع السياسي لنظام ملالي طهران من اللحظة الأولى لهم، وبيان اعتمادهم المطلق على آلية الإرهاب في تنفيذ مشروعهم السياسي العدواني الإرهابي التوسعي.

المشروع السياسي العدواني والإرهابي لملالي طهران

منذ تشكل دولة الخميني في طهران عقب الإطاحة بالشاه في عام 1979م بدأ النهج الطائفي للخميني يظهر للعيان في قراراته وسياساته وهيكلة الدولة والمجتمع بعد أن كانت مبثوثة في كتبه ومحاضراته([3]).

ومع إعلان الدستور الإيراني الجديد ظهرت الأطماع الطائفية للخميني، ونواياه العدوانية والإرهابية تجاه الآخرين في إيران من خصومه السياسيين أو العرقيات والقوميات والمذاهب الأخرى، أو تجاه دول الجوار المسلمة.

ففي دستور الخميني تقرر اعتماد التشيع كمذهب وحيد للدولة، في مخالفةٍ لدساتير كل الدول الإسلامية التي لم تَذكر مع دين الدولة الإسلام أي مذهب، وذلك رغما عن اعتراضات شركاء وفرقاء الوطن في لجنة إعداد الدستور على هذا التوجه، مما يكشف عن ترسخ الطائفية في هذا النظام، وكيف أن هذه الطائفية سوف تنعكس على مبادئه وسياساته واستراتيجياته.

وتضمنت ديباجة الدستور التصريح بأن مجال عمل الجيش العقائدي لإيران هو العالم كله، فقالت الديباجة: "ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية والحراسة للحدود فحسب، بل تَحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي: الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل نشر أحكام الشريعة الإلهية في العالم"!

ومن ثم تم التنصيص في الدستور على أن مسؤولية الدولة الإيرانية الشيعية هي نصرة المستضعفين في كل العالم([4])، مما كشف عن مطامعها في التوسع والهيمنة والاختراق لدول الجوار وغيرها بهذه الشعارات البراقة، والتي رأى العالم حقيقة نصرة المستضعفين في العراق وسوريا واليمن، من خلال تأييد الطغاة والفاسدين ضد الشعوب المستضعفة والمظلومة!

محاولات إيران السياسية لتحقيق الأحلام الطائفية التوسعية العدوانية:

سعى نظام ملالي طهران لتحقيق حلمهم بالهيمنة والنفوذ على المنطقة المجاورة لهم خصوصا، والعالم الإسلامي عموما، من خلال ثلاثة مشاريع سياسية، هي:

1- تصدير "الثورة": والتي نادى بها الخميني من بداية تسلّمه الحكم، حيث قال في خطاب له بتاريخ 11/2/1980: "سنصدّر ثورتنا إلى كل دول العالم".

ويقول الدكتور وليد عبد الناصر: "وقد جسّد "الحزب الجمهوري الإسلامي" – الذي سيطر على الحكم في إيران منذ إقصاء الدكتور أبو الحسن بني صدر عن رئاسة الجمهورية في يونيو 1981 حتى حل "الحزب" عقب نهاية الحرب مع العراق – نظرية تصدير "الثورة".

بل إن البعض اعتبر الخلاف بين "الحزب" وبين الدكتور أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لجمهورية إيران، هو – في أحد أبعاده – خلاف بين المفهوم الوطني للإسلام وحركة الإسلام العالمية.

فاعتبر "الحزب" نفسه – في برنامجه الأساسي- "حزب" المسلمين في كافة أنحاء العالم وليس في إيران وحدها، وذكر برنامجه أن عالمية "الثورة الإسلامية" ومبدأ تصدير "الثورة" وجهان لعملة واحدة، وبالتالي حدد مهمة إيران "الثورة" في "إنقاذ المسلمين والبشرية بأجمعها".

وقد برر الدكتور حسن آيات – أحد منظري "الحزب" – تدخل "الثورة" الإيرانية في شئون الدول الإسلامية الأخرى بأن على إيران نصرة المستضعفين في كل مكان حتى يتم ضمان استمرارية "الثورة" واتساع دائرة إشعاعها"([5]).

ولذلك تم الإشادة والدعم لعدد من التمردات الشيعية في المنطقة، مثل تمرد شيعة المنطقة الشرقية بالسعودية سنة 1979م([6])، ومحاولة شيعة البحرين الانقلاب سنة 1981م، وتفجيرات الكويت ثم محاولة اغتيال أميرها جابر الأحمد سنة 1985م، والاعتداء على الحجاج في مكة عدة مرات في سنوات 1986 /1987 / 1989.

وتمشيا مع سياسة تصدير "الثورة" تم الإشادة بـ"خالد الإسلامبولي"، قاتل السادات، واستقبال قادة "الجماعة الإسلامية" المصرية الفارين من مصر، ودعم بعض المجموعات في سيناء، كما تم دعم الجماعات المسلحة الجزائرية بالتدريب والمال والسلاح؛ وبعد فشل مشروع تصدير "الثورة" بخسارتهم في الحرب مع العراق ظهر مشروع جديد.

2- نظرية أم القرى: والتي سعت لجعل مدينة قُم الشيعية عاصمة "مقدسة للعالم الإسلامي" بدلا من مكة بحجة قيام "الحكم الإسلامي"، يقول محمد جواد لاريجاني صاحب النظرية: "اليوم، وبينما ""الثورة" الإسلامية"، أسقطت حكومة الجور والفساد في إيران، وحلّت محلها "الحكومة الإسلامية". وطبقاً لرؤية سماحة الإمام الخميني - قدس سره الشريف - فإن الواجب الرئيسي لكل فرد مسلم في الدرجة الأولى هو المحافظة على "إيران الإسلامية"، إيران التي هي دون أدنى شك أم القرى في العالم الإسلامي"([7]). ومن هذه العاصمة المقدسة تتشكل "حكومة إسلامية عالمية" بقيادة "الولي الفقيه"! وقد فشلت هذه النظرية تماماً كسابقتها.

3- الجيوبوليتيك الشيعي: وهو الهيمنة والنفوذ وراء الحدود الإيرانية بما يحقق مصالح إيران وفقا لمجالها الحيوي للسيطرة على الأرض والمساحة التي تليق بإيران، اعتمادا على مبدأ الحدود الشفافة التي تتحدد بناء على مصالح إيران!([8]) وهذا المشروع يعتمد على أدوات التمدد الشيعي:

- التشيع الناعم المعتمِد على الأدوات الإعلامية والثقافية والخيرية.

- تسييس التشيع من خلال الحصول على غطاء سياسي للجيوب الشيعية والمتشيعة في الدول الأخرى، ومن ثم تحويل ولائهم لملالي طهران.

- التشيع الخشن ويقصد به عسكرة الجيوب الشيعية والمتشيعة.

- إدماج التشيع في النظم الحاكمة لإضفاء طابع قانوني ورسمي على تحركاتها لتنفيذ أجندة الولي الفقيه الإيراني([9]).

هذه هي غايات المشروع الإيراني الطائفي، وهذه هي مشاريعه السياسية وآلياته لتنفيذها، ويمكن وبوضوح أن نتبين أن قوة إيران الحقيقية هي في وجود إرادة سياسية لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية وتسخير القدرات الاقتصادية والجيوبولوتيكية لذلك، وأكبر أداة لذلك هي صناعة الحلفاء خلف خطوط العدو واللعب على التناقضات عند خصومها للوصول لأغراضها، حيث أن إيران لا تتميز بقوة زائدة عن الدول العربية، بل قد تكون دول الخليج أكثر تسليحاً عدداً ونوعية!!

الإرهاب إستراتيجية معتمدة في كل المشاريع السياسية الطائفية العدوانية لإيران:

تعتمد سياسة ملالي طهران طيلة تاريخها على العنف والقتل والإكراه للوصول إلى غاياتها وأهدافها، وذلك عبر:

أولا – إنشاء مؤسسات لهذه الغاية وعلى رأسها "الحرس الثوري" الذي يضم الباسيج وفيلق القدس([10]).

عقب تشكل حكم الخميني تم تأسيس "الحرس الثوري" كبديل عن جيش الشاه ليكون ملتزما بولاية الفقيه والدفاع عنها ونشرها في العالم، ولذلك تضخّم دور "الحرس الثوري" فأصبحت ميزانيته تفوق ميزانية الجيش بأضعاف، إضافة إلى سيطرة "الحرس الثوري" على كثير من اقتصاد إيران عبر شركاته التجارية، ومن ثم أصبح دور "الحرس الثوري" السياسي كبيرا مما سببّ صدامات علنية (آخرها صراع روحاني مع "الحرس الثوري" قبيل حفل تنصيبه في 8/2017).

وأصبح من مهام "الحرس الثوري" دعم حركات التحرر ونصرة الشعوب المستضعفة في العالم، وتولي عملية الاستخبارات في الدول المعادية، وإنشاء خلايا نائمة في أنحاء العالم، ومساعدة المنظمات والميلشيات المسلحة في الدول لتنفيذ أجندة إيران، وتنفيذ عمليات إرهابية بحق خصوم نظام الملالي، وإدارة ملفات سياسية خارجية في بعض الدول لترسيخ النفوذ الإيراني كما في لبنان والعراق وسوريا واليمن.

ومن سجل الأعمال الإرهابية لـ"الحرس الثوري" في دول متعددة ما يلي:

* اغتيال قادة المعارضة الإيرانية:

ففي العام 1989 اغتيل في فيينا عبد الرحمن قاسملو زعيم "الحزب الديمقراطي" الكردستاني الإيراني ومساعده عبد الله آذر.

وفي باريس عام 1991 تم اغتيال شاهبور بختيار آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه.

وفي برلين عام 1992 اغتالت إيران الأمين العام لـ"لحزب الديمقراطي" الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي وثلاثة من مساعديه هم فتاح عبدلي وهمایون أردلان ونوري دهکردي.

* اغتيال دبلوماسيين سعوديين([11]): ففي عامي 1989-1990 تورط النظام الإيراني باغتيال 4 دبلوماسيين سعوديين في تايلاند وهم: عبد الله المالكي، وعبد الله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف.

وفي العام 2011م أشارت الاتهامات لـ"الحرس الثوري" باغتيال الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني في مدينة كراتشي.

* عمليات تخريب: ففي العام 1994م أصدرت الخارجية الفنزويلية بياناً صحافياً يفيد بتورط 4 دبلوماسيين إيرانيين بشكل مباشر بالأحداث الخطرة التي جرت في مطار سيمون بوليفر الدولي بكراكاس، والتي كان هدفها إجبار اللاجئين الإيرانيين على العودة إلى بلادهم.

وفي العام 2012م تم الكشف عن مخطط لاغتيال مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين في باكو، عاصمة أذربيجان.

وفي يناير 2016م اعترفت إيران رسميا على لسان قائد "الحرس الثوري" الإيراني محمد علي جعفري بوجود 200 ألف مقاتل إيراني خارج بلادهم في (سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن).

وفي شهادة لماثيو ليفنت مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط ووسط آسيا التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 25/7/2012 قال: "يوظف النظام في طهران أيضاً سياسة خارجية عدوانية تعتمد بشكل كبير على نشر أصول سرية في الخارج لجمع المعلومات الاستخباراتية ودعم العمليات الخارجية. وكون إيران أنشط دولة راعية للإرهاب في العالم وتشجع «حزب الله» أيضاً على القيام بذلك، فهي تعتمد على العمليات الإرهابية لدعم مصالح السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية....

وخلال الأشهر السبعة الماضية أوضحت سلسلة من المخططات الإرهابية التي استهدفت المصالح الأمريكية نزوع إيران نحو رعاية هجمات في الخارج. وقد تم إحباط البعض منها بما فيها مخططات في تايلاند وبلغاريا وسنغافورة وكينيا وقبرص وأذربيجان، بينما تم تنفيذ البعض الآخر وشمل ذلك وقوع تفجيرات في الهند وجورجيا.

ونُفذت بعض هذه العمليات من قبل عملاء إيرانيين، بينما قام «حزب الله» - وكيل إيران الرئيسي في أعمال الإرهاب بتنفيذ البعض الآخر. وكان عددٌ قليلٌ منها عبارة عن عمليات مشتركة نفذها نشطاء «حزب الله» الذين يعملون مع الاستخبارات الإيرانية أو أعضاء في "قوة القدس"، وكان مخطط محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن في تشرين الأول / أكتوبر 2011 الأكثر جرأة وغرابة من بين هذه العمليات"([12]).

* عمليات "حزب الله" الإرهابية في جنوب شرق آسيا([13]): لـ"حزب الله" اللبناني سجّل قديم وحافل بالعمليات الإرهابية في المنطقة، تتنوع بين توريد بعض الأسلحة والمتفجرات لعمليات خارج المنطقة، وبين تنفيذ عمليات هناك ضد دول أخرى، كاختطاف الطائرة الكويتية من بانكوك سنة 1988، واعتقال عضو محلي لحزب الله في مطار مانيلا بالفلبين سنة 1999 ويقيم بماليزيا، كشف عن شبكة إرهابية سريّة لـ"حزب الله" في تايلاند تستخدم جوازات سفر فلبينية مزورة ومخابئ أسلحة في تايلاند والفلبين والتي يتم شراؤها من أندونيسيا. وفي سنة 2012 تم اعتقال عميل لبناني تابع لـ"حزب الله" في مطار تايلاند متورط بنقل أسلحة لصالح "الحزب".

وفي مطلع سنة 2016 كشفت صحف فلبينية عن مخطط لـ"الحرس الثوري" الإيراني باستهداف طائرات ركاب سعودية في منطقة جنوب شرق آسيا([14]).

ثانياً - عسكرة وتسييس الجيوب الشيعية والمتشيعة خارج إيران وإلحاقها بها

منذ بداية تصدير "الثورة" التفتت إيران إلى أهمية عسكرة الجيوب الشيعية لتنفيذ مخططاتها الإرهابية والعدوانية، وكانت البداية مع شيعة لبنان والخليج، فتمّ صناعة "حزب الله" اللبناني وتمويله وتدريبه على يد "الحرس الثوري" ليصبح ذراع إيران في لبنان وما حولها من بلدان، ولذلك يفتخر حسن نصر الله علنًا بتبعيته لـ"الولي الفقيه" الإيراني وأنه هو القائد الحقيقي لـ"الحزب"، وسطر ذلك نائبه نعيم قاسم([15])، بأن قرار الحرب والسلم في "حزب الله" ھو بِرھن قرار "المرشد الأعلى" الإیراني، إذ یقول في مبحث ولایة الفقيه: "وھو (الولي الفقيه) الذي یملك صلاحیة قرار الحرب أو السلم"، ويضيف: "لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته ... والإمام الخمیني (قده) كولي على المسلمین كان یدیر الدولة الإسلامیة في إیران كـ"مرشد"... وكان یحدد التكلیف السیاسي لعامة المسلمین في البلدان المختلفة في معاداة الاستكبار"!

ومن هنا جاءت مسيرة "الحزب" الإرهابية في الداخل والخارج لتنفيذ أمر "الولي الفقيه" الإيراني، ومن سجل الإرهاب هذا ما يلى:

في 1983، تفجير السفارة الأمريكية في بيروت.

في 1983 أيضا، تفجيرات الكويت بالتعاون مع "حزب الدعوة" العراقي.

في 1988، خطف طائرة كويتية تحمل 111 راكبا على متنها، والهبوط في مدينة مشهد الإيرانية من أجل الإفراج عن 17 مقاتل شيعي مسجونين في الكويت.

في 1996، تفجير أبراج الخُبر في السعودية.

في 2005، اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

في 2011، مشاركة نظام بشار الأسد في قتل الشعب السوري الثائر.

ولاحقاً تم العمل على تسييس "حزب الله" وإدخاله في العملية السياسية، فشارك في انتخابات البرلمان اللبناني وأصبح له وزراء في الحكومة، وفرض الثلث الضامن أو المعطل على بقية الأطياف السياسية، بحيث أصبح هو المسؤول عن حالة الشلل السياسي التي يعاني منها لبنان!

 أما عسكرة جيوب الشيعة في الخليج فهي تتمثل في دعم إيران لشيعة البحرين للقيام بانقلاب عام 1981، وتأسيس خلايا إرهابية متعددة، وتهريب أسلحة لهم، وقد كانت أحداث الدوار في 2011 النموذج الأكبر لهذه العسكرة من خلال سيطرتهم على الدوار ومركز السليمانية الطبي واستخدامهم للسلاح في وجه قوات الأمن.

أما تسييس شيعة البحرين فيتمثل في حركة الوفاق التي أظهرت العمل السلمي السياسي وأبطنت العمل العسكري الإرهابي، مما استدعى حلّها وتقديمها للمحاكمة.

وقد تكرر ذلك في الكويت حيث ساهم شيعة الكويت في ثمانينيات القرن الماضي بتنفيذ تفجيرات مكة المكرمة بإيعاز من "الحرس الثوري" الإيراني، ومن ثم شاركوا في العملية السياسية مع ارتباطهم الإرهابي بإيران، كما تكشّف في قضية خلية العبدلي سنة 2015 بالتعاون مع "حزب الله" اللبناني.

أما شيعة السعودية فقد كان تنظيم "الثورة الإسلامية" في الجزيرة العربية قد أقام معسكرات تدريب عسكرية لأتباعه السعوديين في إيران برعاية "الحرس الثوري" كما فضح ذلك عادل اللباد في مذكراته (الانقلاب: بيع الوهم على الذات)، وكما يتكشف حاليا من خلال المصادمات مع رجال الأمن في القطيف والعوامية.

هذا هو الحال في زمن تصدير "الثورة" في مرحلة الخميني، ومع مرحلة خامنئي تم توسيع الدائرة وعسكرة وتسييس الكثير من الجيوب الشيعية واعتماد هذه السياسة.

يقول الأستاذ طلعت رميح حول غاية هذه الإستراتيجية أنها: "عسكرة المجموعات السكانية الشيعية في الخارج وتحويلها إلى وضعية قادرة على الوصول إلى سلطة الحكم في بلدانها بقوة السلاح إن تمكنت أو تفكيك وإضعاف الدول التي تعيش فيها تلك المجموعات السكانية، لتصبح إيران في وضع أقوى، فيما تدخل تلك الدول في وضع الجاهزية للاحتلال، عبر افتقادها القدرة على مواجهة إيران"([16]).

ويضرب الرميح مثلاً لهذه العسكرة فيقول: "قدمت لنا سيرة ومسيرة التشيع في نيجيريا نموذجا واضحا لفكرة وحالة النشاط الإيراني وصولا إلى عسكرة التشيع في بلد معين، فقد بدأت حركة التشيع لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، عبر إبراهيم الزكزاكي، الذي ظل يعمل دون إعلان تشيعه لنحو 15 عاما، تمكّن خلالها - بدعم من "الحرس الثوري" الإيراني ومن ميلشيا نصر الله– من تشكيل عشرات الهيئات وعلى رأسها "المنظمة الإسلامية" التي صار لها مراكز ثقافية وتجارية وحسينيات ومستشفيات ومدارس، قامت بدورها بدفع عناصر مختارة إلى إيران، تحت عنوان الدراسة في المعاهد والجامعات الإيرانية، وفي عام 1995 بدا أن الأمور قد استقرت وصار ممكنا العمل وفق إعلان شيعي واضح، فأعلن الزكزاكي تشيعه، وهو ما أدى لحدوث انقسام كبير في المنظمة.

كانت تلك هي بداية المرحلة الجديدة من نشاط التشيع، أو كانت بداية الإعلان عن عسكرة التشيع، وهنا حدث الصدام مع الجيش النيجيري ووقعت الاشتباكات التي أدّت لمقتل العديد منهم، وانتهت باعتقال الزكزاكي.

ومَن تابع مقاطع احتفالات جماعة الزكزاكي يجد بوضوح الطابع العسكري للاحتفال من خلال المراسم التي تتم فيها ومن خلال الملابس شبه العسكرية التي تبدأ بها تحت ستار فتيان الكشافة والجوالة، وهو نفس الأمر الذي يلاحظ على احتفالات الحوثيين في البداية، ثم ظهرت الاستعراضات العسكرية على طريقة "حزب الله" اللبناني في مراسم دفن جثة حسين الحوثي قبل سنين.

هذا النموذج، يطرح أبعادا عميقة في خطة التمدد الإيراني، بقدر ما يطرح ضرورات إدراك الجميع بأن لا دولة آمنة من وصول ظاهرة التشيع العسكري أو عسكرة التشيع في داخلها.

كما تكشف تلك التجربة عن فكرة اعتماد إيران لنشاطها في دولة لتكون دولة أساس ومحور في نشر التشيع وعسكرته في إقليمها، بل في آفاق بعيدة، ولعل هذا ما جعل كتابا وإعلاميين يطلقون مصطلح ""حزب الله" النيجيري" على حركة الزكزاكي باعتبار الأخير شكّل قاعدة أساس للانتشار في أفريقيا، مثلما شكلت مليشيا نصر الله قاعدة أساس في نشر التشيع وعسكرته في البلاد العربية بل في نيجيريا ذاتها".

وهذه العسكرة للتشيع بدت بشكل واضح في العراق وسوريا، ففي العراق عمل "الحرس الثوري" على إدارة العراق، وكان قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني هو الذي يمارس ذلك  نيابة عن إيران، ويقول لماثيو ليفنت إنه بعث برسالة إلى قائد قوات التحالف الجنرال بيتريوس في أوائل عام 2008 يقول له فيها: "ينبغي أن تعرف أنني قاسم سليماني - الشخص الذي يتحكم في السياسة الإيرانية التي تخصّ العراق ولبنان وغزة وأفغانستان. وفي الواقع، أن سفيرنا في بغداد هو عضو في "قوة القدس" ومن سيخلفه هو عضو في "قوة القدس" أيضاً"([17]).

ولذلك ظهر في العراق ما يزيد عن 50 مليشيا شيعية طائفية مدعومة من إيران و"الحرس الثوري" وشكلت لاحقا ما عرف بالحشد الشعبي، وقد ارتكبت أبشع المجازر الطائفية بحق المواطنين العراقيين، وخاصة أهل السنة منهم.

أما في سوريا فقد استجلب "الحرس الثوري" مليشيات شيعية طائفية إرهابية من دول متعددة كأفغانستان وباكستان واليمن والكويت والسعودية والبحرين ولبنان والخليج والعراق وأفريقيا وأذربيجان ومن دول شرق آسيا، ويقدر عدد أفراد هذه المليشيات بحوالي 80 ألف إرهابي، ويقال إن "الحرس الثوري" كان قد شكل في 2009 قوات من مرتزقة شيعة من عدد من البلدان أطلق عليهم لقب (نخسا) وأنهم هم المتواجدون في سوريا([18])، وبغضّ النظر عن دقة المعلومة هذه، لكن من الثابت أن العسكرة تطال غالب الجيوب الشيعية، وأن أفراد هذه المليشيات الشيعية في العالم مستعدون للتحرك والقتال في أي مكان بالعالم بما يخدم الأجندة الإرهابية الإيرانية.

وفي اليمن نجد مثال الحوثيين الذين صنعتهم إيران عبر فيلق القدس و"حزب الله"، بحيث أصبح لهم منابر إعلامية وسياسية ومليشيا عسكرية قاتلت الدولة 6 مرات، وتوجت بانقلاب عسكري طائفي إرهابي على الدولة والمواطنين كافة.

ومن مظاهر العسكرة للجيوب الشيعية حرص إيران على تهريب السلاح لهذه الجيوب، ولو أخذنا حالة أفريقيا لوجدنا أن إيران تورطت بالعديد من حالات تهريب السلاح لجيوب شيعية وجماعات معارضة، فقد "كشف تقرير ميداني أعدّه مركز بحوث تسليح الصراع بالتعاون مع العديد من المؤسسات بين سنتي (2006 و2012) عن أنه مِن بين 14 حالة كشف فيها عن وجود أسلحة إيرانية هناك فقط 4 حالات كانت مع الحكومات والعشر الباقية مع جماعات غير نظامية، حيث كانت تدعم الانفصاليين في منطقة «كاسامانس» في السنغال ومتمردي ساحل العاج، وجامبيا، وفي نيجيريا حركة إبراهيم الزكزاكي، الأمر الذي تسبب لاحقا بقطع حكومات هذه الدول علاقاتها مع إيران"([19])، وقد استخدم شيعة نيجيريا السلاح في الصدام مع الجيش النيجيري سنة 2016.

"وتشكل منطقة شرق أفريقيا إحدى المحطات الإستراتيجية المهمة لإيران لتعميق وجودها في البحر الأحمر، ففي أعقاب زيارة الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي لطهران في 2008 تردد أن إيران حصلت على تسهيلات في ميناء عصب على البحر الأحمر، وهو ما يعطيها نقطة ارتكاز تمكّنها من القيام بمهام استخبارية ولوجستية في المنطقة لدعم الموالين لها في أفريقيا واليمن، ولعل سعي إيران لتطوير علاقاتها مع دول شرق أفريقيا الأخرى مثل كينيا وتنزانيا وجزر القمر يؤكد هذا المنحى الإستراتيجي في الاختراق الإيراني لأفريقيا"([20]).

ولا يقتصر هذا التسليح للجيوب الشيعية على أفريقيا ومناطق التوتر في اليمن والبحرين والكويت، والتي قبض فيها مرارا على شحنات أسلحة إيرانية لخلاياها النائمة، بل حتى في باكستان عَثرت الشرطة على مخازن أسلحة في سرداب لمزار شيعي في منطقة كوهات جنوب بيشاور بباكستان، حيث عثروا على مدافع رشاشة ثقيلة ومئات من القذائف المضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، إضافة إلى كميات كبيرة من صناديق الذخيرة والأسلحة المتنوعة([21])!!

كما أن إيران قطعت شوطا كبيرا في تكوين مليشيات شيعية ضخمة في باكستان (الزينبيون)، وفي أفغانستان (الفاطميون)، وقد بلغ عدد المرتزقة من الشيعة الأفغان الذين قاتلوا "الثورة" السورية بجانب قوات بشار الأسد 14 ألف مرتزق! وقد قتل منهم 1000 فرد([22]).

وبجوار عسكرة جيوب التشيع هناك سعي حثيث لتسييس الجيوب الشيعية من خلال انخراطها في الأحزاب السياسية القائمة أو تشكيل "حزب" خاص بهم، والترشح للبرلمانات والتواصل مع الإعلاميين وإنشاء منابر إعلامية خاصة بهم، وذلك للحفاظ على مكتسباتهم والتدخل في عملية صناعة القوانين بما يخدمهم، وهذا أصبح ظاهرة عامة في دول تسلل لها التشيع مؤخرا مثل أندونيسيا والفلبين وماليزيا من دول الآسيان، وفي مصر والمغرب في الحالة العربية.

ومن أمثلة الواجهات السياسية للجيوب الشيعية والمتشيعة: "التحالف الإسلامي الوطني" بالكويت، "حزب" الحق وأنصار الله باليمن، "حزب" الوحدة في تونس، "حركة الصابرين" في غزة، "حزب الوحدة الإسلامية" بأفغانستان، حركة تطبيق الفقه الجعفري بباكستان، وغيرها([23]).

وفي ماليزيا، وبرغم قلة عدد المتشيعين (حوالي 2000 شخص فقط)([24]) بسبب سياسات الحكومة باعتبار التشيع فرقة ضالة ومنحرفة ومحظورة، إلاّ أنه من الواضح وجود تركيز على تسييس المتشيعين من خلال استقطاب بعض القيادات السياسية للتشيع، ومن خلال تسييس مَن تشيّع ودفعهم للانخراط في الأحزاب السياسية الماليزية المتنوعة، فهناك شخصيات متشيعة في "الحزب" الحاكم، وهو "الحزب الوطني"، وهناك شخصيات في أحزاب المعارضة، خاصة "الحزب الإسلامي" و"حزب العدالة"، وأخيرا أسس أحد قيادات المتشيعين، والذي كان "نائب الحزب الإسلامي"، "حزبا" جديدا باسم "حزب الأمانة الوطني"، واستقطب الكثير منهم فيه، للتأثير في عملية صنع القرار ولحماية مشروعهم عبر البوابة السياسية في المستقبل([25]). 

ومن خلال الواقع كان هناك مساران للعسكرة والتسييس، الأول العسكرة ثم التسييس كـ"حزب الله" اللبناني، والثاني من السياسة للعسكرة مثل الحوثيين و"حزب الحق" في اليمن.

ولكن الثابت أن سياسة إيران تسعى دوما للجمع بين الأمرين لكن نضج الظروف هو ما يحدد البدء في موضوع السلاح لكونه أخطر، بينما المسار السياسي أصبح قضية معتمدة ولازمة لترسيخ النفوذ الإيراني في الدول المستهدفة عبر هذه الواجهات الوطنية!

ثالثا - دعم ورعاية وتمويل تنظيمات إرهابية عالمية ومحلية

منذ بداية مسيرة نظام الملالي تم اعتماد سياسة دعم وتمويل جماعات العنف و"الثورة" من مختلف البلدان والأديان طالما أنها تتقاطع مع مصالح ملالي طهران، فآوت إيران قادة "الجماعة الإسلامية" المصرية مطلع الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، ثم تواصل ذلك بدعم تنظيم القاعدة وداعش على صعيد التطرف الإسلامي وجبهة تحرير فلسطين اليسارية بزعامة أحمد جبريل، ونفس الوقت كان لطهران صلات بعصابات تهريب المخدرات العالمية والمافيا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأيضا أقام "الحرس الثوري" صلات قوية بالعديد من تنظيمات المعارضة المسلحة في أفريقيا.

وسنقصر حديثنا على توظيف وتمويل وإيواء "الحرس الثوري" وفيلق القدس للتنظيمات الإرهابية الإسلامية للعدوان على الدول الإسلامية المخالفة لإيران لفرض إرادتها وأجندتها عليها.

حيث تم احتضان ودعم "الجماعة الإسلامية" بإيواء قياداتها الهاربة من مصر عقب اغتيال السادات وفتحت لهم إذاعة طهران العربية يحرّضون منها ضد مصر([26])، قبل أن يتحول موقف "الجماعة الإسلامية" لاحقاً من إيران عقب "الثورة" المصرية 2011، وتم دعم مصطفى بويعلى وجماعته في الجزائر([27])، في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي مطلع التسعينيات نسجت علاقات دعم وتدريب بين "الحرس الثوري" و"حزب الله" من جهة وتنظيم الجهاد وأسامة بن لادن حينما كان في السودان، وكان عماد مغنية عرّاب هذه العلاقة والتدريب لكوادر الجهاد والقاعدة في لبنان بمعسكرات "حزب الله"، كما قام مستشارون من "الحرس الثوري" بتدريب عدد آخر في السودان([28]).

وبعد هذه التجربة اكتشف الإيرانيون أهمية تصدير شباب الجماعات السنية في واجهة مقاومة الدول السنية، ولذلك اعتمدوا هذه السياسة، فنصّت الخطة الخمسينية السرية الإيرانية على ضرورة تثوير الشباب السني ضد حكوماته مع تقريب الشيعة من الأنظمة القائمة، وفعلاً عقب هزيمة إيران أمام العراق وموت الخميني، وتسلم خامنئي ورفسنجاني الحكم ثم مجيء خاتمي، تحول الشيعة من الصدام مع دول الخليج (تفجيرات مكة، تفجيرات الكويت، محاولة اغتيال أمير الكويت، محاولة انقلاب بالبحرين) إلى حلفاء ورفقاء سلميين في العملية الديمقراطية، وتحول السنة من حلفاء إلى معارضة!

ففي التسعينيات قامت إيران بدعم الجماعات المتطرفة في سيناء ولا تزال تدعمها لليوم، فقد "كشفت وثائق ويكيليكس عن محاولات إيران لتجنيد بدو سيناء للمساعدة في تهريب الأسلحة، ومساعيها لتشييد بنية تحتية هناك وتجنيد عملاء لها في أنحاء مختلفة في مصر وهو الأمر الذي أكده الكشف عن خلية "حزب الله" التي تم ضبطها في عام 2010، ولم يكن خافياً عنها أصابع إيران، فيما رصدت الأجهزة الأمنية المصرية – وبحسب بعض المواقع الصحفية -جهود إيران في تأسيس المزيد من الميليشيات الشيعية المسلحة على حدود مصر الشرقية والغربية والجنوبية وذلك من خلال الإعلان عن تأسيس أول جماعة شيعية مسلحة في غزة باسم "حركة الصابرين" يتم تسريبها عبر الأنفاق إلى داخل سيناء لخلق بؤر مسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية، ليس فقط في سيناء بل وفي داخل العمق المصري....

وفي هذا السياق تأتي أهمية الشهادة التي أدلت بها عام 2012 بعض قيادات "الجماعة الإسلامية" المصرية خلال ندوة استضافتها صحيفة الأهرام ... إذ لم تتردد "الجماعة الإسلامية" على لسان بعض قادتها (الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة، والدكتور طارق الزمر رئيس المكتب السياسي لـ"حزب البناء والتنمية"، والدكتور صفوت عبد الغني المتحدث الرسمي وعضو شورى الجماعة) أن تشير بأصابع الاتهام إلى إيران باعتبارها طرفا مستفيدا من توتر الأجواء في سيناء، وبالتالي فإنها يمكن أن تكون متورطة بالفعل في هذه الحادثة"([29]).

وهو ما تكرر في الجزائر حيث تلقت ""الجماعات الإسلامية" المسلحة من إيران دعماً تمثل في الدورات التدريبية لبعض عناصرها في ثكنات لـ"ألحرس الثوري" بطهران، ومعاقل "حزب الله" في جنوب لبنان، فقد ألقت السلطات الأمنية الجزائرية القبض على مجموعة من "الإسلاميين" المسلحين المنتمين لتنظيم "الفيدا"([30]) اعترف عناصرها بأنهم تلقوا تدريبات موسّعة على حرب العصابات في إحدى ثكنات "الحرس الثوري" الإيراني في طهران([31]).

وفي تفاصيل هذا الموضوع الذي يكتنفه الكثير من الغموض يبرز اسم "محفوظ طاجين" الذي كان النائب الأول لأمير "الجماعة الإسلامية المسلحة" شريف قوسمي، الذي خلفه بعد مقتله في 1994، وقد كان "طاجين" متهما بالجزأرة([32]) والتشيع، وهو مَن كان يقف وراء إرسال مقاتلين للتدرب في لبنان، وهذا أحد الأسباب التي أثارت الشكوك حوله"([33]).

وكانت السفارة الإيرانية بالجزائر هي من تتولى دعم هذه الجماعات المتطرفة، وبعد قطع العلاقات الإيرانية الجزائرية أكملت المشوار بعض السفارات الإيرانية في أوروبا، وخاصة بريطانيا وفرنسا، من خلال نشطاء التنظيمات المتطرفة والمقيمين هناك([34]).

وفي القرن الواحد والعشرين تم زيادة احتواء وتمويل وتوظيف "جماعات العنف الإسلامية" ضد دولها، فعقب أحداث 11 سبتمبر، والإطاحة بإمارة طالبان تم الترحيب بلجوء قادة تنظيم القاعدة لإيران([35])، ومن ثم تم إصدار بعض قادة القاعدة في إيران أوامر لتنظيم الجهاد في جزيرة العرب لتنفيذ عمليات إرهابية في السعودية عام 2003([36])، وقد اعترف بتقاطع المصالح مع طهران أبو محمد العدناني، الناطق الإعلامي لداعش([37])، وأبو حفص الموريتاني، مفتي القاعدة([38])، حيث كانت إيران هي معبر الأموال والأفراد للتنظيم وأثبتت ذلك وثائق ابن لادن في أبوت أباد([39])، كما كشف عن مرور غالبية منفذي هجمات سبتمبر بإيران، ولذلك أدانت المحاكم الأمريكية إيران بالمسؤولية عن تفجيرات 11 سبتمبر.

كما قامت إيران برعاية أبي مصعب الزرقاوي لنشر الفوضى في العراق ورفضت تسليمه للأردن، وفعلا تم تسهيل دخوله للعراق وإمداده بالسلاح والخدمات اللوجستية وجعله في واجهة مقاومة الأمريكان مع الهجوم على الشيعة العراقيين ليزيد تشبث الشيعية العراقيين بالنجدة الإيرانية([40])!

وقد قام نظام بشار الأسد برعاية تسلل القاعدة للعراق عقب الاحتلال الأمريكي حتى اضطر نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي لتقديم شكوى ضد سوريا في مجلس الأمن عام 2009([41]).

ومع قدوم الربيع العربي لسوريا وبدء "الثورة" السورية، سرعان ما ظهر تنظيم داعش، الذي هو نسخة أكثر تطرفا وغلوا من القاعدة والذي لقي دعما غير مباشر من إيران ووكلائها في العراق وسوريا، بإفراج بشار عن كثير من أعضاء وقادة القاعدة المعتقلين بسجن صيدنايا عام 2011([42])، وعبر تسهيل الأمن العراقي فرار بعض قادة القاعدة من سجن أبو غريب لسوريا سنة 2013 بحسب اتهامات وزير العدل العراقي حسين الشمري([43])، فظهرت داعش بإعلان أبي بكر البغدادي قيام "دولة الإسلام" في العراق وسوريا.

وهنا نجد أن الجيش العراقي ينسحب بأمر من نوري المالكي من الموصل دون سبب مقنع ويسلّمها إلى داعش بما فيها من مئات الملايين ومليارات الذخائر ولذلك أوصى البرلمان العراقي بتحميله المسؤولية عن ذلك وتقديمه للقضاء([44])، وبالمقابل نجد الجيش السوري ينسحب من أمام داعش في سوريا بشكل غير منطقي.

ثم تكشف الأيام عن قيام داعش بغزو مناطق الثوار والاستيلاء عليها ومن ثم تجريد هذه المناطق من السلاح وتفرض على السكان اتّباع تعليماتها وبعد ذلك تنشر بينهم فكرها الإرهابي ثم تقوم بالانسحاب من هذه المناطق وتسليمها لنظام بشار والمالكي ومليشيات الشيعة وإيران الطائفية والإرهابية كما حصل في العراق أو تدمر بسوريا، أو تبقى بها وتحارب بطريقة تجلب الدمار التام للمدينة ومن ثم ينسحب/ يتبخر جنود داعش منها ويبقى أهلها ضحايا القصف والتدمير والتهجير والاعتقال والاضطهاد كما حدث في الموصل.

موقع ماليزيا من المشروع الإيراني:

هناك اهتمام للمشروع الإيراني بمنطقة جنوب شرق آسيا عموماً، وبماليزيا تحديداً، ومَن يراقب النشاط التبشيري في دول المنطقة (أندونيسيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبورما وماليزيا) يلاحظ بسهولة الجهود الإيرانية المتعاظمة في نشر التشيع بتكثيف استقطاب الطلبة للدراسة في طهران أو جامعة المصطفى بأندونيسيا، وسيلاحظ الدور الواسع للسفارات والبعثات الثقافية الإيرانية في اختراق المؤسسات التعليمية والسياسية في هذه الدول، وسيرى التوسع في محاولة توظيف الاقتصاد والتجارة لترسيخ النفوذ الشيعي والإيراني فيها([45])، كما سيجد بوادر تسييس الشيعة فيها من خلال العمل "الحزبي" والإعلامي، وقد يكون في المستقبل تكرار لنموذج "الملشنة" الشيعية كما حدث في باكستان وأفغانستان. 

ومما يؤكد أهمية ماليزيا في المشروع الإيراني حجم الطلبة الشيعة الإيرانيين والعراقيين الذين يدرسون في ماليزيا والذي يفوق 10 آلاف طالب([46]) ومعلوم أن جزءا لا يستهان به منهم مرتبط بـ"الحرس الثوري" ومشروع نشر التشيع وتكوين الخلايا النائمة.

وقام محمد رضا موحدي مؤلف كتاب (توجيهات للسفير) -وهو مخصص لدعاة الشيعة في الحج لكيفية التعامل مع حجاج أهل السنة- بتخصيص أهل ماليزيا بفصل خاص فقال عنهم: "إنهم مؤدبون، ويجيبون على الأسئلة بالسهولة، يستمعون جيدا، ويجيبون مع كمال الوقار والأدب، حتى لو كان مخالفا"([47])، مما يكشف عن خطة معدة بإتقان للتعرف على خصائص الشعوب وكيفية اختراقها والتسلل بينها لنشر التشيع ومن ثم الولاء والتبعية لملالي طهران وقم.

واختراق ماليزيا وكسبها للمشروع الإيراني يعد هدفا كبيرا لِما لماليزيا من قوة علمية واقتصادية يمكن أن ترفد المشروع الإيراني بعناصر نافعة وثمينة.

توصيات:

- فضح البنية الفكرية الإرهابية والطائفية التي تأسس عليها نظام الملالي.

- تقديم هذا النظام للمحاكمة على جرائمه الإرهابية ودعمه للتنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية.

- العمل على مساعدة الشعب الإيراني للحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية والعيش بكرامة وسلام مع الدول المجاورة.

 


[1] - قدم هذا البحث في مؤتمر خير أمة في ماليزيا بتاريخ 26/11/2017، باختصار يسير.

[2] - انظر تفاصيل ذلك في كتاب التكفير عند الإمامية الإثني عشرية، د. صفية بنت سليمان الراجحي.

[3]- يَعتقد الخميني أن التحاكُم إلى قُضاة المسلمين السُّنَّة وحكَّامهم يُعدّ تحاكمًا إلى الطاغوت، كما في كتابه "الحكومة الإسلامية"، ص 74، والذي ألّفه في العراق قبل الثورة بسنين، حيث يورد رواية -مكذوبة- عن الإمام جعفر أنه كان ينهى عن الرجوع إلى السلاطين وقضاتهم، ويَعتبر الرجوع إليهم رجوعًا إلى الطاغوت.

[4]- المادة 3 من الدستور، نقطة 16.

[5]- كتابه: إيران دراسة عن "الثورة" والدولة، دار الشروق، ص

[6]- تمرد شيعة القطيف عام 1400، توبي كريغ جونر، ترجمة حمد العيسى، مدارك، ص 31.

[7]- كتابه: مقولات في الإستراتيجية الوطنية، ص 46.

[8]- الجيوبوليتيك الشيعي الواقع والمستقبل، د. محمد السلمي ود. عبد الرؤوف الغنيمي، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد الأول، ص 37.

[9]- المصدر السابق، ص 51.

[10]- مقارنة بين وضع "الحرس الثوري" والجيش في بنية النظام الإيراني، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد الأول، ص 134.

[11] - انظر بيان الخارجية السعودية عن سجل إيران الإرهابي على الرابط التالي: http://cutt.us/I0cSa

[13] -"حزب الله" في جنوب شرق آسيا: تهديد متصاعد، موقع معهد واشنطن، على الرابط:

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/hizballah-in-southeast-asia-a-resurgent-threat

[14] - صحيفة القدس العربي 23/2/2016، http://www.alquds.co.uk/?p=487595

[15]- في كتابه "حزب الله" المنهج التجربة المستقبل، ص 72، 75.

[16]- عسكرة التشيع، طلعت رميح، مجلة الراصد الإلكترونية، عدد 151.

[17]- المصدر السابق.

[18]http://cutt.us/QTuR4

[19]- السلاح الإيراني في أفريقيا، محمد خليفة صديق، الراصد عدد 151.

 

[20]- المصدر السابق.

[21]- صحيفة الحياة 28/12/2016 على الرابط التالي: http://cutt.us/ScX79

[23] - الجيوبوليتيك الشيعي الواقع والمستقبل، د. محمد السلمي ود. عبد الرؤوف الغنيمي، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد الأول، ص 53.

[24] - دعوة الشيعة الإمامية الإثني عشرية في ماليزيا، محمد حفيظ بن عبد البصير، رسالة جامعية غير منشورة، ص 104.

[25] - المصدر السابق، ص 76.

[26]- من تاريخ "الحركات الإسلامية" مع الشيعة وإيران، أسامة شحادة، ص 141.

[27]- الجماعات المتطرفة وإيران، سعيد بن حازم السويدي، ص 84.

[28]- المصدر السابق، ص 102.

[29]- إيران وسيناء.. محاولة للبحث عن الدور الخفي، أسامة الهتيمي، الراصد العدد 156.

[30] - اختصار بالفرنسي لتنظيم "الجبهة الإسلامية" للجهاد في الجزائر.

[31]- أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر، أنور مالك، ص 48.

[32] - "مجموعة إسلامية جزائرية" ترفض عالمية القيادة لـ"الحركة الإسلامية" (الإخوان المسلمين) وتتبنى القيادة القطرية المحلية الجزائرية لتنظيمها. 

[33]- هل دعمت إيران الإرهاب في الجزائر؟ بوزيدي يحيى، الراصد عدد 155.

[34]- أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر، ص 56.

[35]- الجماعات المتطرفة وإيران، سعيد بن حازم السويدي، ص 125.

[36]- المصدر السابق، ص 168.          

[37]- المصدر السابق، ص 172.

[38]- مقابلته مع قناة الآن http://cutt.us/79ZBb

[40]- الجماعات المتطرفة وإيران، سعيد بن حازم السويدي، ص 138، 179.

[46] - دعوة الشيعة الإمامية الإثني عشرية في ماليزيا، مصدر سابق، ص 67.

[47] - التشيع في أفريقيا، تقرير ميداني، إصدار مركز نماء، ص 113.

 

المصدر : الراصد

17/12/2017



مقالات ذات صلة