دراسة إسرائيلية: لوبي طهران في القاهرة غير قادر على الترويج لإيران
الأحد 14 من ربيع الثاني1429هـ 20-4-2008م
أحمد الغريب
تنظر تل أبيب بعين الاهتمام, للتقارب الذي حدث في الآونة الماضية بين طهران والقاهرة وتخشى ما تخشى أن يفضي هذا التقارب إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بالسلب على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط , وفي هذا الإطار أعد مركز "ميمري" البحثي "الإسرائيلي" المتخصص في متابعة القضايا العربية الإستراتيجية دراسة شاملة حول مسألة استئناف العلاقات المصرية – الإيرانية، في ظل ما شهدته تلك العلاقات من تقدم خلال الأشهر الماضية وما تقوم به طهران من محاولات لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
وتناولت الدراسة "الإسرائيلية" التي حملت عنوان " Iran's Attempts to Renew Relations with Egypt" والتي أعدها كل من "أ.سفيون" و"منشهروف" وأزوراي" بمركز "ميمري" The Middle East Media Research Institute (MEMRI) خلفية تاريخية عن العلاقات المصرية – الإيرانية التي كانت قد قطعت عام 1981 بأمر مباشر من مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني, لاعتراضه على اتفاق السلام الذي وقعته مصر مع إسرائيل وما أقدمت عليه مصر بمنحها حق اللجوء السياسي للشاه الذي تم إقصاؤه عن السلطة في إيران, ولهذا فإن مبادرة إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة والتي جاءت بمبادرة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خير شاهد على التغير الواضح في سياسة إيران الخارجية, على الرغم من أن وسائل الإعلام الإيرانية المقربة من خصمه السياسي علي أكبر هاشمي رافسنجاني وكذلك الإصلاحيين الذي دأبوا على توجيه الانتقادات لسياسات أحمدي نجاد بسبب محاولاته التقرب من مصر, وهو ما بدا واضحًا في المقالات المتكررة الواردة بصحيفة جمهوري إسلامي.
بدايات محاولات التقارب الإيراني من القاهرة :
وبدأت محاولات طهران التقرب من القاهرة بإعلان نجاد استعداد إيران لاستئناف العلاقات, وذلك خلال الزيارة التي قام بها لدولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2007, وأفضى ذلك عن نتائج طيبة تضمنت تبادل الزيارات بين الجانبين المصري والإيراني ولازالت مستمرة حتى الآن, وفي هذا الإطار التقى الرئيس المصري حسني مبارك بمستشار الأمن القومي الإيراني علي لارجاني وعلي أكبر نطق نوري الذي يشغل منصب المستشار الخاص لنجاد، وكذلك رئيس مجلس الشورى الإيراني غولام علي حداد، والتقى كذلك برئيس لجنة الخارجية والأمن القومي بالبرلمان الإيراني .
ويُرجع خبراء المركز "الإسرائيلي" أسباب رغبة إيران في استئناف العلاقات مع مصر في الوقت الراهن إلى رغبة طهران في تغيير موازين القوى مع الولايات المتحدة الأمريكية, حيث تتطلع من أجل تنامي دورها وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط , وإيجاد مناطق جديدة غير تقليدية, مثل سوريا وحزب الله والمنظمات الفلسطينية, للعمل فيها والدخول في صداقة معها, وذلك بهدف انتشال مصر من محور الدول المعتدلة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد تتمكن من تحقيقه عبر استغلال الخصومة التي بدت واضحة بينها وبين المملكة العربية السعودية حول الرغبة في الزعامة والهيمنة على العالم العربي, وإذا ما نجحت طهران في ذلك فإنه ستكون بهذا قد سددت ضربة قوية للولايات المتحدة الأمريكية في صراع القوى الدائر بينهما منذ فترة.
ورصد خبراء مركز ميمري الاهتمام الذي أبدته وسائل الإعلام الإيرانية بمحاولات التقارب بين القاهرة وطهران, وحديثها عن أهمية استئناف العلاقات بينهما, وإمكانية مساهمة إيران في دعم مصر من أجل تعزيز مكانتها بارزة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي, وهو ما قد يأخذ أشكالاً وصورًا متعددة؛ منها تقديم مساعدات إيرانية لمصر من أجل تطوير برنامجها النووي, وكذلك إمكانية أن تقوم مصر بالاستعانة بإيران من أجل تنامي دورها في العالم الإسلامي خاصة في منطقة شرق آسيا وآسيا الوسطى.
وبحسب معدي الدراسة فإن على لارجاني مندوب القائد الأعلى للجمهورية الإيرانيية علي خمينئي أكد خلال وجوده في مصر أن إيران تعتبر علاقاتها مع مصر هدفًا إستراتيجيًا هامًا, وأنه لا يوجد أي عقبات تعترض طريق دفع العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين.
ويلاحظ خبراء مركز ميمري أنه وفي الوقت الذي تبدي فيه طهران صرامة من أجل دفع العلاقات مع القاهرة سريعًا وإعادتها ـ تبدي مصر من جانبها تباطأً في قرار استئناف العلاقات مع طهران, لخوفها من أن يكون ذلك بمثابة تجاوزها للخطوط الحمراء وإعلانًا عن انضمامها لمعسكر الدول الأصولية, وهو ما بدا واضحًا في تصريحات وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي والتي قال فيها: إن طهران كانت على شفا استئناف العلاقات مع القاهرة ولكن انتظرنا أي إشارة من الجانب المصري , فيما قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط "يمكنني القول إنه لا يوجد أي توتر من أي نوع في العلاقات بين البلدين ولكننا لازلنا في طور المباحثات والحوار من أجل الدفع بتلك العلاقات قدمًا.
وعما تراه القاهرة فائدة لها قد تجنيها من وراء العلاقات مع إيران, يرى خبراء "ميمري" أن مصر ترى في تلك العلاقات ورقة رابحة في إدارة أزمتها مع الغرب, وسط تنامي حثيث للمحادثات بين القاهرة وطهران على خلفية تنامي التوتر بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في أعقاب قرار الكونجرس الأمريكي تجميد جزء من المساعدات المالية المقدمة لمصر, وقرار البرلمان الأوروبي إدانة أوضاع حقوق الإنسان في مصر وما شهدته الأحداث على الحدود المصرية مع قطاع غزة من توتر.
ويرى خبراء المركز كذلك أنه على الرغم من تنامي الحوار بين القاهرة وإيران إلا أنه لازال هناك بعض الشك والريبة في مصر من الموقف الإيراني, وعلى الرغم من أن مصر تؤيد علنيًا حق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية, إلا أن الصحف المصرية ومن خلال متابعة ما يرد فيها يمكن أن يتضح حجم المخاوف من نوايا إيران العسكرية في المجال النووي, كما يمكن رصد ما تكتبه الصحف المصرية بشأن نشاط إيران في لبنان وما تقدمه من مساعدات لحزب الله وكذلك في مجال برنامجها النووي وكذلك علاقاتها مع دول الخليج وما تفعله في العراق ومع الفلسطينيين وهو ما يثير مخاوف مصر، الأمر الذي يجعلها تتريث قبل أن ترد على إيران بشأن استئناف العلاقات معها, خاصة وسط حديث عن تورط إيراني في اقتحام الحدود بين غزة ومصر, وهو ما يشكل إضرارًا قويًا بالأمن القومي لمصر.
مصلحة إيران في استئناف العلاقات مع مصر:
تناول معدو الدراسة في القسم الثاني من الدراسة مصلحة إيران في استئناف العلاقات مع مصر وهي تلك المصلحة التي تتراوح مابين الرغبة في الإضرار بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وبين السعي للعب دور بارز في الشرق الأوسط, في إشارة إلى التصريحات الصادرة عن كبار المسئولين الإيرانيين خاصة أولئك المنتمون والمؤيدون للقائد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خمينئي، وكذلك مع الحرس الثوري الإيراني, والتي تؤكد أن مصلحة إيران في العلاقات مع مصر هي طرد الولايات المتحدة من المنطقة وتغير ميزان القوى لصالح إيران, كما أدلى علي لارجاني بتصريحات قال فيها: إنه لا يمكن السماح للأمريكان ولآخرين بمصادرة حق طهران في الدخول في علاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط, وقال: إن إيران ترى في تلك العلاقات فرصة جيدة تساهم في تحقيق طهران لأهدافها, وهو ما قد يعزز مستقبلاً في صعود دول مهمة في المنطقة, خاصة في أعقاب انهيار المنظومة الأمريكية الأحادية وما لحق بأمريكا من هزائم, وأن تراجع قوة أمريكا في منطقة الشرق الأوسط يمنح إيران ومصر وهما أكبر دولتين في المنطقة الفرصة للعب دور أكبر في استقرار منطقة الشرق الأوسط, عبر دفع التعاون بينهما, وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع فيما بعد لترسيخ العلاقات بين كافة الدول العربية والإسلامية.
كما رصد معدو الدراسة التصريحات الصادرة من القائد بالحرس الثوري الإيراني "صادق صباح" والتي أكد فيها أن إيران يجب عليها أن تعزز من محاولات قياداتها للشرق الأوسط, استعدادًا لأي هجوم قد يشنه الغرب عليها, لأنها في حينه ستصبح زعيمة للعالم الإسلامي ورائدة الدفاع عن مصالح الأمة الإسلامية, وصاحبة السبق في عقد التحالفات الإقليمية وأن إيران يمكنها ويجب عليها أن تكون واضعة حجر الأساس في المنطقة للدفع بالعلاقات في منطقة الشرق الأوسط خاصة وأنه يعزز ويؤمن مصالح الأمة الإسلامية دون وجود أي تدخل أجنبي فيه, وكذلك ترى طهران أن تلك العلاقات من شأنها أن تنهي حالة الخوف من مسألة الخطر الإيراني في المنطقة العربية والسعي من أجل التعرف على التهديدات الحقيقية التي تهدد المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والثقافة الغربية, بدلاً من البحث عن تهديدات خيالية من قبل إيران على العالم الإسلامي.
ويؤكد خبراء المركز الإسرائيلي أن إيران وصلت لنتيجة، ألا وهي أن إيران حائط الدفاع والحصن الذي يحمي المنطقة العربية والإسلامية من أي هجوم قد يشنه العالم الغربي, خاصة أمريكا وإسرائيل, وأن تلك الفكرة قد تكون القاعدة الأساسية لفرصة استئناف العلاقات وإقامة التحالفات الإقليمية والدخول في شراكة مع دول المنطقة.
كما ترى إيران أن دخول المحاور المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط في علاقات من شأنه أن يهدد العالم الغربي خاصة أمريكا وإسرائيل ويقلقها, ولهذا فإنه يجب السعي وبقوة من أجل النأي بالمنطقة مما يحاك بها من مؤامرات وحملات إعلامية يشنها العالم الغربي.
الاعتراف الإيراني بأهمية دور مصر :
كما رصد خبراء مركز "ميمري" البحثي الإسرائيلي أسباب سعي طهران الدءوب للتقرب من مصر, مشيرين إلى أن مسئولين كبارًا في إيران أكدوا أن هناك أهمية إستراتيجية كبرى لمصر بالنسبة لإيران، ولهذا فإنه يجب أن تسعى طهران جاهدة نحو تطبيع العلاقات مع القاهرة, ونقلوا تصريحات مسئول عسكري إيراني بارز أوضح فيها الأهمية التي توليها إيران لمصر, وما تشكله القاهرة من مكانة جيوبوليتكية بارزة خاصة وأنها تعد همزة الوصل بين ثلاث قارات هي إفريقيا وآسيا وأوروبا وتسيطر على قناة السويس ولديها قدرات صناعية هائلة وكذلك تمتلك مقومات متعدد في مجال الزراعة والسياحة وحدودها المشتركة مع فلسطين وما تحويه من نشاط بارز لجماعة الإخوان المسلمين وعشرات التنظيمات الأخرى وهو ما يبرز دور مصر ويوليها أهمية إستراتيجية كبرى, وقال: إنه على الرغم من الصعود والهبوط في مكانة مصر خلال العقود الماضية في أعقاب التوقيع على اتفاق السلام مع إسرائيل, يحب أن نعترف أن مصر تتمتع بمؤهلات سياسية وثقافية ودينية واقتصادية وجيوبولتيكية واسعة وعميقة, كما أنها لا تزال الدولة العربية الرائدة في كافة المجالات, وتعد المنافس الرئيسي للسعودية التي ترى في نفسها أنها المسئولة عن كل العالم الإسلامي.
وتابع خبراء المركز الإسرائيلي دراستهم بالإشارة إلى أن إيران وعلى ضوء فهمها لدور ومكانة مصر الإقليمية فإنها لا يمكن أن تغض الطرف عن أي فرصة قد تراها مناسبة من أجل استئناف العلاقات مع مصر, وذلك لأسباب عدة, ومنها ما يمكن أن تشكله مصر من جسر لوصول إيران لدول شمال إفريقيا وتمهيد الأرض أمام فرصة إيران لإقامة علاقات مع دول مثل الجزائر والمغرب وتونس.
بل إن إيران ترى أن العلاقات مع مصر وإمكانية الدخول في علاقة أوسع مع دمشق وبغداد ومصر من شأنه أن يمهد لحل الأزمات الإقليمية وإضعاف الدور الأمريكي وإسرائيل وما يحاولان أن يقوما به لنقل مركز الثقل السياسي من القاهرة إلى الخليج العربي.
إيران ولعب دور في دفع مكانة مصر الإستراتيجية:
يرى معدو الدراسة "الإسرائيلية" أن إيران تروج لأن مصر وبدون طهران لا يمكن أن تصبح دولة رائدة في العالم العربي والإسلامي وإعادة مجدها الضائع, ولهذا تقوم طهران بتقديم بعض الإغراءات لمصر, مثل الاقتراح عليها بالتعاون معها في برنامجها النووي والسماح لها بدخول منطقة آسيا مقابل التنازل عن المساعدات الأمريكية, وظهر ذلك جليًا في التصريحات الصادرة عن قيادي إيراني قال فيها "إن مصر لا يمكنها أن تنجح في أن تعود إلى مكانتها كقوة إقليمية دون أن تستعين بإيران, ولذلك فإنه ليس أمامها مفر من السعي قدمًا نحو ترسيخ العلاقات بين البلدين.
وفصلت الدراسة "الإسرائيلية" ما تقوم به إيران من محاولات للدفع بمكانة مصر الإستراتيجية وعددت ذلك في نقاط عدة منها:
1. التعاون النووي بين مصر وإيران:
عبر الدعوة للتعاون بين الطرفين في هذا المجال وبمشاركة وكالة الطاقة الذرية، وإذا ما وافقت مصر على هذا فإن إيران سترحب, وسيعزز ذلك بحسب وجهة النظر الإيرانية من مكانة مصر في العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط وسيكون هذا التعاون فرصة جيدة لكي تقوم باقي الدول العربية بالسير في الطريق الذي سارت فيه القاهرة ومطالبة طهران بالحصول على مساعدة في برامج نووية مماثلة وبسعر أقل من الأسعار العالمية, دون تقديم أي تنازلات من جانبها.
2. إيران ومساعدة مصر لكي تصبح عنصرًا إقليميًا ذا تأثير:
تحاول إيران أن تقدم نفسها لمصر لكي تصبح قوة إقليمية, في المحيط العربي والإسلامي والآسيوي مقابل التنازل عن المساعدات المالية الأمريكية والتي تقدر بنحو 2 مليار دولار, خاصة وأن إيران تتمتع بقدرات هائلة وتلعب دورًا بارزًا في العراق وفلسطين ولبنان مما يؤهل القاهرة مرة أخرى لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة.
وترى إيران أنه عبر تنازل القاهرة عن المساعدات السنوية الأمريكية يمكنها أن تدخل آسيا عبر إيران وأن تصل إلى القوقاز وآسيا الوسطى, ويمكن أن تتعاون طهران مع القاهرة في مجالات الهندسة والطاقة وإرسال نحو نصف مليون سائح إيراني سنويًا لمصر, وإرسال خبراء في مجالات بناء السدود وتمهيد الطرق وبناء الموانئ والمطارات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وشبكات الاتصالات والأهم من ذلك إحياء العلاقات الثقافية والاجتماعية والدينية بين البلدين وهو ما يمكن أن يقدم نموذجًا يمكن الاحتذاء به للحضارة الإسلامية في العصر الحديث .
المخاوف المصرية من إيران
ثم تطرق كاتبو الدراسة في القسم الثالث منها إلى التردد الذي تبديه مصر من أجل دفع العلاقات مع إيران, وقالوا إنه إذا كانت طهران تبدي اهتمامًا بدفع العلاقات إلا أن مصر تبدو مترددة وهو ما بدا واضحًا في التصريحات الصادرة عن المسئولين المصريين, ومنهم وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي أكد أن إيران قوة ذات تأثير في منطقة الخليج خلال السنوات الماضية وأنها تحاول التدخل في لب المشاكل القائمة في المنطقة العربية لكي تستغل ذلك في التدخل فيما يحدث؛ ولهذا فإن مصر تعتقد أن إيران تشكل مشكلة للعالم العربي وأن تدخلها في المشاكل له تداعيات على المصالح العربية, مشيرًا إلى أن مصر تؤمن بهذا في الوقت الراهن.
وتشير الدراسة إلى أن مصر تحاول أن تبعث برأيها هذا لإيران وتسعى جاهدة لكي تبلغها أنه لو حاولت التدخل في مشاكل العالم العربي فإن ذلك قد يتبعه تطورات غير إيجابية ليست في صالح إيران, وسيكون لها تأثيرات على المنطقة ككل وهي المنطقة التي تسعى مصر من أجل استقرارها لأن الاستقرار معناه التنمية, كذلك تسعى مصر جاهدة لإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وأنه لا يمكن حل ذلك إلا عبر التوصل المشترك بين القوى الإقليمية في المنطقة وهي مصر والسعودية وإيران وتركيا, كما أن مصر لا يمكنها غض الطرف عن تدخل إيران في لبنان والعراق وفلسطين, ولهذا فإنه من غير المعقول أن توافق مصر على علاقات طبيعية كاملة مع إيران في الوقت الذي لازالت فيه تعلق صورة قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات, بل إن هناك إجماعًا مصريًا على عدم القيام بذلك.
من يؤيد استئناف العلاقات مع إيران في مصر :
ثم رصدت الدراسة بعضًا من المقالات الواردة في الصحف المصرية والتي تتحدث عن استئناف العلاقات مع طهران, خاصة تلك الواردة في الصحف القومية المصرية مثل الأهرام التي كتب فيها محمد السعيد عبد المؤمن الخبير المصري في الشئون الإيرانية, مؤكدًا أنه يجب إعادة النظر في موقف مصر وعلاقاتها مع إيران وأنه لا يجب أن تقاس هذه العلاقات طبقًا للصراعات الإعلامية بين إيران والغرب أو إيران وإسرائيل ولكن على عكس ذلك يجب استغلال تلك الحرب الإعلامية في تحقيق المصالح الوطنية بعدة أشكال وصور مختلفة، أن تلعب الدبلوماسية المصرية دور الوسيط وهو ما نجحت فيه مرات عدة بل إنها نجحت في حل الكثير من الأزمات, ويمكنها عبر هذا أن تحقق لنفسها مكانة عالية, وتجني من وراء ذلك مكاسب اقتصادية وثقافية وسياسية.
وقال: إن هناك من سيرى أن دخول مصر في علاقات مع إيران من شأنه أن يحسبه البعض تحديًا في العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة, لكن دومًا كان هناك من يقول إن العلاقات بين دولتين تعود بالنفع على طرف ثالث مثل العلاقات المصرية الإسرائيلية تنفع أمريكا والعلاقات بين إيران والخليج تنفع أمريكا, أي إن أمريكا سوف تجني مكاسب من وراء هذه العلاقات إذا ما نجحت مصر في لعب دور الوسيط وسعت من وراء لعب دور إيجابي في دفع العلاقات بين إيران وأمريكا وحل القضايا العالقة بينهما.
ويرى الكاتب أن أحمدي نجاد سعى من وراء استئناف العلاقات مع مصر في أعقاب نجاح الجولات التي قام بها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي مما أدى إلى اندلاع تنافس بين المحافظين والإصلاحيين, لأن مصر بالنسبة للطرفين ورقة رابحة, فالأصوليون في إيران يسعون من أجل إقامة محور إسلامي يضم مصر وإيران والسعودية وهو ما قد يؤدي بعد ذلك إلى توحيد الخطاب الإسلامي, كذلك فإن مصر تعد رأس إفريقيا وأي نشاط إيراني في إفريقيا يتطلب التعاون مع مصر.
من يعارض استئناف العلاقات مع إيران في مصر :
ترصد الدراسة بعض الآراء المعارضة لاستئناف العلاقات مع إيران ومنها ما يراه سامح عبد الله رئيس لجنة الشئون الخارجية بنقابة الصحفيين المصرية والذي أكد في مقال له بصحيفة الأهرام أنه يجب على مصر والعالم العربي الاستعداد لإمكانية امتلاك إيران لسلاح نووي, وقال إن من يعتقد أن إيران يمكن أن تقف بجانب العالم العربي في صراعها مع إسرائيل فهو مخطئ، بل يتناقض والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية, بل يتنافى مع الواقع التاريخي الذي يؤكد أن الحدود بين العرب والفرس متوترة وتواجه دومًا بكثير من الصدام ولكن من فترة لأخرى يمكن أن تتلاقى, وقال: إن امتلاك إيران لسلاح نووي لا يعني سوى زيادة في الفارق بميزان القوى في الخليج وهو ما سيهدد مصالح الدول العربية والخليجية وسيهدد مكانة مصر, ودعا لاستعداد تلك الدول لكي تواجه اليوم الذي تحصل فيه إيران على السلاح النووي عبر تعاون عسكري عربي قوي وإيجاد مصدر ردع قوي من شأنه أن يحافظ على ميزان الردع مع إيران.
تقييم للعلاقات المصرية – الإيرانية :
يقول معدو الدراسة إن بعض الأمور ظلت عاملاً قويًا في عدم تقارب العلاقات بين القاهرة وطهران, ومنها على سبيل المثال أزمة الصورة المعلقة في أحد شوارع طهران ويظهر فيها خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس الراحل أنور السادات, وهو ما يغضب القاهرة حتى الآن وتعتبره إضرارًا بمشاعرها, ولهذا فإن مصر لا تسارع في إعادة العلاقات مع إيران, لكن كل ما تقوم به ينحصر في البحث عن سبل تمهيد الأرض نحو إعادتها, خاصة وأن إيران تحيط نفسها بدائرة من الشكوك, ولا تعرف أن الاستمرار في التمسك بتعليق صورة الإسلامبولي يعني أنها تؤيد القتلة والإرهابيين وأنها تتدخل في شئون داخلية سعيًا منها لتنفيذ ما تصبو إليه من أحلام نشر الثورة الإسلامية بهدف تكدير الأمن والاستقرار في الدول المحيطة بها .
كما عارضت إيران اتفاق السلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل وقالت إنها ستسعى وبقوة من أجل إلغائه عبر التدخل في القضية الفلسطينية دون أن يراق دم إيراني واحد على أرض فلسطين ودون أن تطلق رصاصة واحدة, وبحسب كتاب مصريين فإن إيران لا تحترم وجهة نظر الشعب المصري الذي اختار السلام بعد سنوات الحرب الصعبة ودفع ثمنًا ذلك الكثير, ليس بالشعارات والخطابات والمتاجرة بالآخرين وأن إيران لم تؤيد مطلقًا الشعب الفلسطيني ولن تفعل ذلك, خاصة من أجل إيمان بأن النصرة للشيعة فقط وليست لأهل السنة كذلك, والدليل على ذلك ما تقدمه من دعم لحزب الله من مال وسلاح على الرغم من أن مغامراته وحربه مع إسرائيل لم تجلب سوى الكثير من الخسائر على الشعب اللبناني, وتسأل هؤلاء الكتاب أنه إذا كانت لدى إسرائيل الشجاعة على إصدار تقرير لجنة فينوجراد الخاص بالحرب مع حزب الله, فهل لدى حزب الله واللوبي الإيراني في مصر الشجاعة والقدرة على نشر تقرير مماثل عما لحق بالشعب اللبناني من أذى؟.
وتخلص الدراسة إلى أن مصر وبحسب بعض الكتاب فيها أصرت على الإعلان قبل زيارة بوش وبوضوح عن معارضتها لأي عمل عسكري ضد إيران وأنه ليس هناك سر إذا ما قلنا إن الرئيس مبارك قدم المشورة عدة مرات للإدارة الأمريكية بعدم الدخول في مغامرات غير محسوبة تجلب الدمار للمنطقة كلها, خاصة وأنها ستصبح إذا ما اندلعت تلك الحرب بؤرة لتلاقي كافة المنظمات والفصائل الإرهابية من حول العالم, وأن مصر لا تدير مسألة العلاقات مع إيران من أجل أمريكا لذلك لا يعنيها ما يقوله الرئيس بوش ولا ما تنوي أمريكا القيام به, وكل ما يعنيها هو عدم اندلاع حروب أخرى في المنطقة مما سيكون له تأثير مستقبلي على الأوضاع في مصر, وأن أمريكا وليس إيران, تشكل خطرًا في الوقت الراهن بسبب تهديدها المستمر بشن عملية عسكرية ضد إيران.
وبحسب الدراسة فإن القاهرة تخشى من إيران كثيرًا ويساورها الشك في العديد من الأنشطة التي تقوم بها وتؤكد دومًا أن ما تفعله لا يؤدي إلا لإثارة الشكوك منها, وأن إيران لا تعمل من أجل تهدئة مخاوف جيرانها, بل تؤدي إلى تأجيج تلك المخاوف كما هو الحال في الملف النووي الإيراني, وكذلك لا تفعل شيئًا لتهدئة المخاوف العربية بأن إيران تسعى من أجل أن تصبح القوة الإقليمية الوحيدة رغبة منها في السيطرة على كافة دول المنطقة وتصبح بديلاً للوجود الأمريكي فيه, بل إن إيران ذاتها تصر على إطلاق مصطلح الخليج الفارسي بدلاً من الخليج العربي, وتقوم بإشعال النعرات الطائفية والإثنية وتسعى وبقوة لسفك دماء بين السنة والشيعة وتقوم بارتكاب فظائع في العراق وتعبث بأمنه وتلعب بورقة حزب الله في لبنان وتصر على الاحتفاظ بالجزر الإماراتية وتؤكد على سيطرتها على مياه الخليج, أي إن كل ما تقوم به يندرج ضمن خطوات انعدام الثقة بل الهدف منه إثارة الشكوك.
ويرون في الخليج أن إيران لم تتقرب منهم إلا بهدف خدمة مصالحها وعدم إيجاد لوبي عربي – أمريكي ضدها كما فعل صدام في السابق, خاصة وأن طهران ترغب في أن تستظل بمظلة عربية خلال أوقات الضيق والشدة, وتنتهي الدراسة بالقول"إن اللوبي الإيراني في مصر لا يشكل سوى أقلية معدومة التأثير لا يفكر أحد فيما يقوله ويطرحه من أفكار لا تتضمن سوى الكراهية.
وبعيدًا عما تراه إسرائيل التي لا هم لها سوى مصالحها فإن التقارب من طهران لا يشكل سوى مصلحة إيرانية بحتة تتعارض ومصالح المنطقة العربية خاصة لما ستجنيه إيران من وراء هذا التقارب وسط سعيها المستمر لنشر المذهب الشيعي في أرجاء العالمين العربي والإسلامي, ولهذا فإن الحل ليس في التقارب العربي الإيراني ولكن الحل يبقى في التقارب العربي – العربي وتقوية محيطنا العربي والإسلامي الذي وإن قوي فلن يقدر عليه أن يخترقه كيان صهيوني طامع أو كيان فارسي لا يريد بالمنطقة سوى الشر.