الموالد والأضرحة في مصر .. "بيزنس" وخرافات وشعوذة
جمال عرفة
مواقع صوفية تصف مشايخ الأولياء بالأنجليزية بأنهم "قديسين" ..Saint (!)
أضرحة "أولياء الله" - الوهمية - متخصصة في الشفاء كالمستشفيات .. هذا لعلاج العقم وذاك للعظام وثالث لإعادة المسروقات !؟
الموالد .. عنوان أكبر موسم تجاري وميدان للتحرش الجنسي أيضا !!
حسناً فعلت محافظة القاهرة ووزارة الصحة المصرية حينما قرروا منع الموالد الإسلامية والمسيحية التي تقام في ذكري ميلاد بعض آل البيت في مساجد بعينها في مصر أو في أديرة مسيحية تيمنا بقساوسة ، فقد كانت مرتعا خصبا للجهل والتوسل والتحرش والمرض أيضا ، ورب "أنفلونزا خنازير" نافعة !
والحقيقة أنه عندما أراد أحد المواقع الصوفية في مصر أن يُذكر "أتباعه" بمواعيد مناسبات موالد "أولياء الله الصالحين " وضع جدولا بأسماء الموالد واسم صاحب كل مولد باللغة العربية وأمامه باللغة الأنجليزية تعريف "الولي" بأنه ( Saint) التي تعني في اللغة الكهنوتية الكنسية ( القديس) !
وبعيدا عن الصوفية بمعناها التعبدي والتجرد لله سبحانه ، فقد تحولت ممارسات بعض الطرق الصوفية والموالد وأضرحة "أولياء الله الصالحين" في مصر إلى خرافات وشعوذة وبيزنيس (تجارة) وكل شيء ، إلا كونها تعبدا وذكرا لله ، بل وأصبح الاختلاط بين الرجال والنساء فيما يسمي حلقات الذكر و"التحرش" بالنساء هو سمة هذه الموالد .
وقد وصلت السخرية بهذه الموالد و"حلقات الذكر" حد تصوير المخرج خالد يوسف في فيلمه الأخير (دكان شحاته) أشخاصا في "حلقة ذكر" بأحد الموالد ، وهم يتمايلون جهة اليمين وجهة اليسار للذكر ، ثم يتوقفون فجأة عندما تصعد بطلة الفيلم لتركب "مرجيحة" يتطاير منها فستانها القصير لتظهر مفاتنها ، فيبدأون في التمايل يمينا ويسارا ، لا مع الذكر وإنما مع مفاتن هذه المرأة التي يظهرها الفستان الطائر وهي تركب المراجيح ؟!
ولا تقتصر البدع والخرافات علي هذه الموالد ولكنها تشمل الأضرحة والزوايا وأماكن تسمى بأنها "مبروكة" يشد إليها الجهلة الرحال للبحث عن شفاء المريض بواسطة الولي ، والطريف – إمعانا في النصب – أن بعض الأضرحة تعمل بنظام التخصص الطبي ..فبعضها مخصص لعلاج أمراض معينة لا غيرها مثل ضريح الشيخ أو الولي "فلان" لعلاج العظام وآخر لعلاج العقم وهكذا .. فهناك ضريح باسم "راكب الحجر" في شمال القاهرة بجوار بئر مخصص لعلاج العقم فقط، حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم بخلافات طلبات أخرى شاذة .
وغالبا ما يتحول ضريح لشيخ أو ولي من أولياء الله الصالحين – كما يطلق عليه، وربما لا يكون فيه أحد أصلا - لمكان ذي قدسية خاصة لأهالى المنطقة والمناطق المجاورة ، ويتحول "الولي" إلى "قديس" .." سره باتع" يشفي الأمراض العضال وسبباً فى شفاء كثير من حالات العقم التى فشل الأطباء فى علاجها .
وقد أكدت دراسة علمية مصرية أن بعض المصريين الذين يؤمنون بالخرافات والدجل والكرامات وغيرها ينفقون قرابة 10 مليار جنية مصري (حوالي 2 مليار دولار) على الدجالين والمشعوذين الذين يلجأون إليهم بهدف إخراج جن أو "فك عمل" أو عمل "حجاب" يقي صاحبه شرا ما !
وقالت الدراسة التي أعدها الباحث محمد عبد العظيم بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن هناك قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية في دور هؤلاء الدجالين في حل الكثير من المشاكل المستعصية مثل تأخر سن الزواج أو عدم الإنجاب والعقم أو وفك السحر والاعمال ، وأن كم الخرافات والخزعبلات التي تتحكم في سلوك المصريين يصل إلى 274 خرافة !
موالد مسيحية أيضا !
وفي البلاد غير المسلمة أو التي توجد بها أقليات دينية ، لا تقتصر المسألة على المشايخ وأولياء الله الصالحين بافتراض أنهم كذلك ، لكنها تمتد لتشمل القساوسة والقديسين وهو أمر منتشر في قرى في جنوب مصر بها أقليات مسيحية كبيرة مثل مقام القديس عبد المسيح المقارى وموالد ماري جرجس والسيدة العذراء ، التي تنشر الصحف المصرية عنها قصص غريبة لمسلمين ومسيحيين يذهبون إليها طلبا للشفاء ، حيث كرامات القديسين هناك - طبقاً لحكايات الأهالى - تشمل شفاء المرضى والحيوانات والطيور ، ومزاعم أن أكثر من 100 ألف مسلم ومسيحى يحرصون على زيارة هؤلاء القديسين !
والكارثة الكبرى هي وجود موالد للنصارى يحضرها - مع الأسف - بعض عوام المسلمين، كما يوجد مولد لليهود اسمه مولد «أبي حصيرة» في محافظة البحيرة شمال مصر ، ولا تكاد تخلو مدينة مصرية من عدة أضرحة تُقام حولها الموالد السنوية ، ومن أشهر هذه الموالد: الحسين، والرفاعي، والبدوي، والسيدة زينب، والقناوي .
موالد مصر .. جهل وتحرش
وغالبا ما يحتفل الصوفيون في مصر بذكرى المولد النبوي الشريف في مصر بتسيير مسيرة مليونية طولها نصف كيلو تضم نحو نصف مليون صوفي من أبناء نحو 77 طريقة بمباركة أجهزة الأمن ورعايتها لها بحيث تخرج بالأعلام والأناشيد والهتافات والرايات من مسجد الشيخ صالح الجعفرى بـ"الدراسة" قرب منطقة الأزهر وتتجه إلى مسجد الحسين فى تقليد عمره نحو 1000 عام "منذ عهد الدولة الفاطمية"،ويتقدم كل شيخ طريقة أتباعه ومريديه من جميع أنحاء مصر .
ويواكب المسيرة ترديد الأناشيد الصوفية المعروفة فى حب الرسول، وحمل الأعلام الخضراء، والتكبير والتهليل ، حتي الوصول الي مسجد الحسين وزيارة الضريح وقراءة الفاتحة ، بيد أن مناسبة المولد تشهد زحاما شديدا وتجاوزات دينية من قبل بعض منتسبي هذه الطرق الصوفية والقيام بأفعال لا علاقة لها بالدين وأقرب للدروشة والعادات .
وتقول دراسة للباحث عمرو توفيق نشرت على موقع (الصوفية) عن البدع في هذه الموالد ، أن سر انتشار هذه الموالد والأضرحة وتبرك الناس بها يرجع - مع تقادم الزمن - لتخلِّي بعض العلماء عن مهمته؛ فانحرفت فئات من المسلمين عن جادة الطريق، وزيَّنت لهم شياطين الإنس والجن ما لم يُنزِل به الله من سلطان؛ مثل تقديس القبور والأضرحة واتخاذها واسطة للتقرُّب إلى الله عز وجل؛ وصرف صنوف من العبادة لها مثل: الذبح والاستغاثة والتوسل.. إلخ، وتتعاظم الخطورة مع إقامة الاحتفالات السنوية عند هذه القبور فيما يسمى بظاهرة «الموالد» حيث تجتمع الانحرافات السلوكية والمظاهر البدعية والشركية في صعيد واحد ووقت واحد .
ويربط الدكتور فاروق أحمد مصطفى أستاذ الاجتماع في جامعة الإسكندرية في دراسة بعنوان «الموالد.. دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر" ، بين الموالد وبين الاحتفالات الفرعونية القديمة التي انتقلت للمسيحية ثم للمسلمين لاحقا ، ويقول: إن أهم ملامح الاحتفالات الفرعونية هي تقديس الآلهة والفرعون وتقديم القرابين، والجانب الفلكلوري مثل: الموسيقا والغناء والرقص ، كما أن هناك عبارات التقديس التي كانت تُطلق على الفرعون؛ فهو الذي يهب الحـياة، وهو النور الذي يهدي الناس، وهو إما الإله أو من سلالة الآلهة. وهذه الصفات نفسها نجد كثيراً منها مستخدَماً حتى الآن في تقديس الأولياء والقديسين .
تجارة الموالد والأضرحة
ولأنها تجارة مربحة لكل من يرتبط بها سواء كان أصحاب الضريح أو القائمين عليه والمحال التجارية والتجار القريبين منه ، فهناك حرص على تنمية هذه التجارة عبر الترويج لـ "كرامات" أولياء هذه الأضرحة وأهميتها بين الجهلة وضعاف الدين والمحبطين والمحبطات من العاقرات والعاطلين والباحثين عن حلول لمشكلاتهم المستعصية حتي أصبح أكثر زوار هذه الاضرحة والموالد والمشعوذين هم من الطبقات الغنية والمتعلمة والمثقفة !
وفي حوار سابق مع صحيفة(الأخبار) المصرية كشف وزير الأوقاف المصري عن أن حصيلة "النــذور" في الفتــرة من 1/7 /2005م إلى 30/6/2006م فقط بلغت 52 مليوناً و67 ألفاً و579 جنيها ، ولو أضفنا ما ينفقه المصريون خلال الموالد على اللهو والمأكولات؛ تتبين الضخامة المادية لعوائد الأضرحة والموالد، فجدول أعمال أصحاب الأغاني والموسيقى والألعاب النارية مزدحم بالموالد في أرجاء مصر، كما أن الباعة وأصحاب الفنادق الرخيصة بالقرب من مواقع الموالد تنتعش تجارتهم في تلك المواسم، فضلاً عن المنافع الواسعة للقائمين على الموالد؛ خاصة فيما يتعلق بالنذور والوجاهة والمكانة الاجتماعية والدينية وكسب الولاء الديني والاستزادة من الأتباع والمريدين .
فالمولد اصبح سوقا تجارية تعرض فيه البضائع والمأكولات ولوازم خدمة زوار أهل البيت ، ويختلف المولد بحسب مكانه فمعظم الموالد في القري والريف تكون موجهة اساسا لتجارة المواشي والحيوانات والحبوب الزراعية اما في المدن فتكون مخصصة لتجارة السلع الأخري مثل الملابس والماكولات والأجهزة وبعض المنتجات اليدوية التي يحضرها أهل الريف معهم .
ويقول الخبير المصري بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية د. علي فهمي في كتابه "دين الحرافيش في مصر المحروسة أن "مواسم الموالد ترتبط في الأقاليم المصرية بمواسم تصريف محاصيل زراعية بعينها ، وتقترن مواعيدها بمواعيد الانتهاء من جني المحصول الذي يشتهر به الإقليم الذي يقام فيه المولد" .
ولو تصورنا أن بعض الموالد يشارك فيها ما يقارب نصف مليون إلى مليوني شخص لأدركنا الحرص على الاستفادة التجارية من الإبقاء على هذه الموالد ، وهذا بخلاف تجارة الملاهي والغناء والفرق الاستعراضية التي أصبحت مرتبطة بالموالد برغم أنها لا علاقة بينهما .
2850 مولدا للأولياء !
ويرصد عالم الاجتماع الراحل د. سيد عويس في كتابه الشهير "موسوعة المجتمع المصري"، "أن مصر تضم حوالي 2850 مولدا للأولياء الصالحين، يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة" ، ولا يتقيد أهالي كل قرية ومدينة بوليهم المحلي، حيث أسقط المصريون حاجز المكان، بتوجه سكان أسوان إلى طنطا للاحتفال بمولد "السيد البدوي"، وبتوجه سكان الإسكندرية للاحتفال بمولد "سيدي أبو الحجاج" بالأقصر، وسكان حلوان للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدي مار برسوم العريان بالقاهرة .
ولأنها ظاهرة اجتماعية دينية هامة ، فقد بدات وزارة الثقافة المصرية مؤخرا في إقامة أول قاعدة بيانات في مصر لاحتفالات المصريين بموالد الأولياء والقديسين ، ممثلة فيما سمي (أطلس الفولكلور المصري) ، حيث يقوم باحثي الأطلس حاليا بالتوثيق الحي لبعض الموالد الإسلامية والمسيحية التي أقيمت منذ شهر يوليو 2008 ، بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والحكايات الشعبية والأشعار، والهتافات ، والموسيقا والترانيم وغيرها .