الشيعة والتشيع بالمغرب الأقصى.. البداية والمسار

بواسطة قاسم العلوش قراءة 712

الشيعة والتشيع بالمغرب الأقصى.. البداية والمسار

قاسم العلوش

تاريخياً اشتهرت بلاد المغرب الأقصى بشكل عام بأنها بلاد أهل السنة على مستوى العقيدة والسلوك، وتعتمد الإمام مالك في الفقه مذهبا رسميا، وعلى هذا المنوال توارث المغاربة أمور الدين عندهم جيل بعد جيل في غياب أي وجود لأي طائفية أو تعددية عقائدية وفقهية، تعكر وحدة المغاربة الفقهية والعقائدية.

وظل الأمر على هذا الحال حتى السنوات الأخيرة، حيث بدأنا نقرأ على صفحات بعض الجرائد الوطنية، وكذلك نسمع في غرف برنامج الحوار العالمي (البالتولك) على الانترنيت، من وقت لآخر أفراداً من المغاربة اعتنقوا عقائد الشيعة "الاثنا عشرية".

فكيف كانت بدايات التغلغل الشيعي "الاثنا عشري" في المغرب المعاصر؟ وما أسباب ذلك؟ وهل يمكن أن نتحدث عن وجود طائفة أو تنظيم شيعي مغربي؟ أم أن الأمر لا يعدو مجموعة من أفراد متناثرين هنا وهناك، دون أي تنظيم أو غطاء قانوني يجمعهم؟ وما هي تجليات التشيع بالمغرب؟

أولا: بدايات وأسباب التغلغل الشيعي بالمغرب السني؟

بداية لا بد أن نشير إلى أن التشيع الذي نتحدث عنه في هذا المقال هو "التشيع الاثناعشري"، الذي نشأ في العصور المتأخرة عن عصور أئمة آل البيت، وخاصة عصر علي والحسن والحسين رضوان الله عليهم، واتخذ أصحابه عقائد تخالف ما كان عليه أئمة آل البيت الكرام، من ادعاء العصمة فيهم، وأنهم منصبون إلهيا بعد النبي لقيادة المسلمين دون غيرهم.

في زمانهم، كان التشيع ذا صبغة سياسية وليس عقدية، بمعنى كان الاختلاف حول من الأولى: هل القصاص من قتلة الخليفة الشرعي عثمان بن عفان رضي الله عنه، أم استقرار أمر الخلافة والدولة، الذي اهتز نتيجة الفتنة بين الصحابة، كما أنه في زمانهم لم يكن هناك أحد ممن ناصر علي وشايعه بصدق في مواقفه، يكفر الصحابة ويحكم عليهم بالردة أو يدعي أنهم غصبوا حق آل البيت في الإمامة، إذا ما استثنينا أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي كان أحد رؤوس الفتنة آنذاك.

1- أسرة ابن الصديق ودورها في إدخال التشيع الاثناعشري للمغرب في العصر الحديث:

يقرر بعض المهتمين بدراسة ظاهرة التشيع بالمغرب الأقصى، أن الطريقة "الصديقة" تتحمل مسؤولية كبيرة في تسهيل التغلغل الشيعي بالمغرب، منذ الزيارة التي قام بها أحمد بن الصديق إلى المشرق في عز تصاعد المد المعتزلي، حيث تأثر بكتابات محمد بن عقيل (من الشيعة الإمامية) مؤلف كتاب "العتب الجميل لأهل الجرح والتعديل"، الذي تهجم فيه على أهل السنة والحديث، وقد تأثر بشيوخ من حضرموت باليمن، فلما عاد إلى المغرب، بدأ ينشر أفكار وعقائد الشيعة بين مريديه وتلامذته، وقد خلفه في تكميل مهمته، عبد العزيز بن الصديق، الذي كان له ميول واستعداد لذلك التوجه، وهنا تجدر الإشارة إلى المكتبة التي تحمل اسمه في مدينة طنجة ودورها بشكل أو بآخر في نشر الفكر الشيعي من خلال المؤلفات والكتب التي تعرضها هناك (أركيولجيا التشيع بالمغرب).

2- الثورة الإيرانية الخمينية ودورها في تلميع التشيع الرافضي في نفوس بعض المغاربة:

كما لا يخفى على الجميع، فإن الثورة التي عرفتها إيران على نظام الشاه سنة 1979م بزعامة "الخميني"، كان لها التأثير الكبير في وقتها وطيلة سنوات الثمانينيات من القرن العشرين على باقي بلاد المسلمين من أهل السنة، بما في ذلك بلاد المغرب الأقصى، وقد كان للشعارات التي صاحبت تلك الثورة الخمينية، والتي حملت صبغة إسلامية، وقع السحر على قلوب بعض الدعاة والشباب بالمغرب، المتعطشين إلى إقامة نظام حكم إسلامي، فراحوا يبحثون في الفكر الشيعي وعقائده، لعلهم يجدون فيه ما يحقق آمالهم، فكانوا كالمستجير بالرمضاء من النار.

3- دور السفارة الإيرانية وأثرها بين الباحثين والطلاب:

يمكن القول إن تصدير أفكار وعقائد الثورة الخمينية، انطلق منذ السنوات الأولى لنظام (الملالي) الجديد بإيران، وذلك عن طريق الإمكانيات المادية التي وفرها النظام الجديد في إيران لسفاراته، لتحقق نوعا من التطبيع مع أهل السنة في بلدانهم، ولم لا الدعوة للمعتقدات الشيعية بين فئات المثقفين والطلبة، وذلك عند طريق مراكزها الثقافية، عبر تشجيع الطلبة بالتوجه للدراسة في الحوزات الشيعية وجامعاتها في كل من إيران وسوريا، وقد تأثر بهذا بعض طلبة المغرب وتوجهوا للدراسة هناك، وكمثال على هذا من يعد أعلى مرجعية للشيعة المغاربة، والذي أفصح عن نفسه على صفحات بعض الجرائد الوطنية، وهو المدعو "إدريس هانئ الحسيني"، الذي زعم بأن لديه علاقات متينة مع الكثير من علماء إيران البارزين وآخرين بسوريا، حيث كان يدرس مادة "العقائد" الشيعية، كما تربطه علاقات إدارية مع سفارة إيران بالمغرب، نظرا للدعوات الكثيرة التي يتلقاها لزيارة إيران (حوار مع أسبوعية "ماروك ايبدو انترناسيونال").

4- دور القنوات الفضائية الشيعية و"انتصارات" (حزب الله) في جنوب لبنان:

معلوم عند الجميع دور وسائل الدعاية وأثرها في توجيه وتغيير أفكار ومعتقدات الأفراد والجماعات، وقد استعملت الثورة الخمينية وسائل الدعاية المختلفة في ترويج أفكارها ومعتقداتها، بهدف تصديرها لباقي شعوب وبلدان العالم الإسلامي السني، غير أن أخطر جهة كلفت للقيام بهذه المهمة في العالم العربي، هي قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني الشيعي، عراب المذهب الشيعي الجعفري الإمامي في البلاد العربية، وقد تأثرت فئات من المغاربة بما تذيعه تلك القناة من أفكار ومعتقدات، مستغلة صراع "حزب الله اللبناني" في الجنوب ضد الكيان الصهيوني، للإقناع بصحة المنهج الشيعي وقدرته على محاربة وهزم العدو الصهيوني، في الوقت الذي عجزت فيها تنظيمات المقاومة السنية عن فعل ذلك، كما يرى البعض، بما في ذلك الأنظمة السياسية لأهل السنة، حسب زعم القناة المذكورة في كثير من برامجها ونشراتها الإخبارية الممجدة لانجازات ذلك الحزب.

وقد اعترف بهذا الدور الخطير لقناة المنار الشيعية الاثناعشرية، ودور حزب الجنوب، أحد أفراد الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا، والذي استقطبه المد الشيعي، حيث يقول: "ومن أهم الأسباب التي دعتهم ـ أي المتشيعين المغاربة ـ في البداية للبحث وطلب الحقيقة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وانتصارات حزب الله في لبنان وقناة المنار" (موقع العقائد الشيعية على شبكة الإنترنيت، قسم المتشيعون ببلجيكا).

وهناك قنوات فضائية وإعلامية أخرى تقوم بالمهمة نفسها، كقناة العالم والتنوير والكوثر والفيحاء والنور والفرات وغيرها كثير، والتي انطلقت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، ناهيك عن غرف الحوار والدردشة الموجودة على برنامج "البالتولك"، إذ وصل الأمر بشيعة المشرق إلى التواطؤ مع بعض المتشيعين من المغاربة المقيمين بأوربا، إلى إنشاء غرف باسم المغرب والمغاربة على هذا البرنامج، لإيهام الناس أن هناك في المغرب شيعة، ولهم وجود مهم في البلاد، ودعوتهم لاعتناق عقائد "الشيعة الاثناعشرية".

5- بعض أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوربا وبوابة "الاختراق الشيعي" للمغرب:

لقد أشرنا من قبل للدور الخطير الذي تلعبه السفارات الإيرانية في الترويج للمعتقدات الشيعية بين أهل السنة، وهي تتجه إليهم حيثما كانوا ولو خارج بلدانهم الأصلية، وقد تعرض بعض أفراد الجالية المغربية بالخارج لنفس ما تعرض له إخوانهم في الداخل للآلة الدعائية الخمينية الشيعية، فوقع بعضهم في مستنقع تلك العقائد المكفرة لخير الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الصحابة الكرام، وخاصة المغاربة المقيمون بـ"بلجيكا"، "هولاندا" و"إسبانيا"، وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين المغاربة: "تجمع العديد من الشهادات الدول الإسلامية الحركية على أن أهم آليات الاختراق الشيعي في المغرب، مرت عبر العمال المغاربة في العديد من الدول الأوروبية، وخاصة في إسبانيا وبلجيكا، عبر عناصر جزائرية على الخصوص، وموازاة مع هذه الأنشطة، كانت العديد من المؤسسات الشيعية التي تحتضن "المستبصرين"، وهناك منشورات ترسل من قبل إيران لهؤلاء" (منتصر حمادة أركيولجيا التشيع بالمغرب).

6- دور بعض الجماعات الإسلامية في الترويج للفكر الشيعي الاثناعشري:

في هذا الإطار، تتم الإشارة بالبنان لكل من حركة "البديل الحضاري"، التي تحولت إلى حزب سياسي سنة 2005م و"الحركة من أجل الأمة"، بالإضافة إلي جماعة "العدل والإحسان"، فبالنسبة للحركتين الأوليين، لمسنا تأثرهما بالمنهج والدعاية "الخمينية" في التفكير والسياسة والأسلوب عند طلبتهم، الذين كان لهم وجود ملحوظ في بعض المواقع الجامعية المغربية، حينما أفصحوا عن أنفسهم باسم "طلبة الميثاق" و"طلبة الجند"، كما يمكن للمتتبع أن يلاحظ وجودهم بين المتظاهرين في المظاهرات التي كانت تنظم للتضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي، من خلال رفعهم لشعارات وأعلام "حزب الله" اللبناني.

أما فيما يتعلق بدور جماعة "العدل والإحسان" في الترويج لأفكار التيار الشيعي، فهو يتجلى في الحماس الزائد الذي أبداه مرشدها العام عبد السلام ياسين لثورة الشيعة في إيران، وتمجيده لخروجهم على ولاة الأمر عبر التاريخ، طاعنا في أهل السنة تقاليد الخضوع للحاكم أيا كان، منذ الانكسار التاريخي كما يصفه في كثير من كتبه، وكيف انحدرت من أجيال الشيعة تقاليد رفض الرضوخ للحاكم، هذا الانكسار يبتدئ، بنظر الشيخ ياسين، بمقتل عثمان رضي الله عنه، وجذَره علماء السنة ونظروا له، فإذا كان الإمام الحسين رضي الله عنه قد واجه وقاتل، وكذالك زيد بن علي وكذا محمد النفس الزكية وإدريس أخوه وإبراهيم ويحيى من بعده كلهم قاتلوا، وهم جميعا من آل البيت، فإن أئمة السنة، بنظر الشيخ ياسين، أبا حنيفة ومالكا والشافعي، رضي الله عنهم، كان لهم ميل بل مساندة فعلية لهؤلاء القائمين (نظرات في الفقه والتاريخ: ص، 27-28-32).

كما يلتمس الأعذار للشيعة الاثناعشرية، مدافعا عن جرائمهم في حق علماء أهل السنة، بعد نجاح ثورتهم سنة 1979م التي رفعت شعار الإسلام، فيقول في كتابه الإحسان: "تصدر فتاوى مأجورة بتكفير الشيعة عامة، وإن كان الثوار الإيرانيون سجنوا علماء السنة واضطهدوا السنيين...فالهيجان الثوري كان ولا يزال في كل مكان"، كتاب الإحسان ص 66، طبعة: 1998.

ثانيا: كيف يعبر معتنقو عقيدة الاثناعشرية أو "المستبصرون"عن وجودهم؟

يلفت الانتباه الاسم الجديد الذي يعطى للمتشيعين الجدد من أهل السنة، وهو "المستبصرون"، وفي الواقع، حينما نريد معرفة العدد الفعلي لهؤلاء المستبصرين بالمغرب الأقصى، فإننا نواجه بشح كبير في المعلومات الإحصائية، ذلك لكون الظاهرة جديدة ودخيلة على المجتمع المغربي، وبالتالي لا نجد هناك أي تقدير محدد لأعداد معتنقي عقيدة الشيعة الاثناعشرية الجدد أو "المستبصرون"، كما يطلق عليهم بالمغرب، وذلك بسبب التكتم الشديد الذي يمارسه هؤلاء الأفراد فيما يخص عددهم داخل المجتمع المغربي، عملا بمبدأ التقية المعروف عند القوم من جهة، وطغيان الهاجس الأمني عليهم من جهة أخرى، ناهيك عن غياب أية دراسة علمية أو إحصائيات دقيقة.

غير أن هذا لا يمنع أن يقوم بعض "المتشيعين" بمدينة مكناس بتأسيس جمعية تسمى "الغدير"، وهذا لا يعني بحسب بعض المقربين من هذه الجمعية (أن الحالة الشيعية مهيكلة بهذه المدينة... فالحديث عن قوة شيعية بمكناس غير صحيح، إنهم أفراد فقط هنا وهناك، ولهم قناعات عقائدية معينة)، (سعد بوعشرين، الصحفية المغربية العدد31).

 



مقالات ذات صلة