دور يهود إيران في التهدئة
بين طهران وأمريكا و إسرائيل
الوطن العربي ـ 1/11/2006
المعلومات الواردة من داخل إيران تؤكد أن نظام الملالى يشعر بالراحة إزاء أسلوب التعاطي الأمريكي مع التفجير النووي الذي أجرته كوريا الشمالية ، باعتباره مؤشراً على أسلوب تعاطي واشنطن مع الملف النووي الإيراني ، وفي الوقت نفسه كشفت مصادر في واشنطن ، عن دور يلعبه يهود إيران في تهدئة الأجواء بين طهران وواشنطن ، وكذلك عن دور تقوم به منظمات أهلية أمريكية – إيرانية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين إزاء مستقبل إيران النووي .
وحسب المعلومات الواردة من مصادر قريبة من دوائر الحكم في طهران، فإن القيادات المسؤولة في إيران، في مؤسسة الرئاسة ومجلس تشخيص النظام، والأجهزة الأمنية تدارست بعناية رد الفعل الأميركي والعالمي تجاه التفجير النووي الكوري الشمالي ورأت هذه القيادات أن رد الفعل الأميركي اتسم بالتردد والتخبط والضعف، ويعكس عدم وجود خطة مسبقة لمواجهة مثل هذه المواقف وحتى العقوبات التي فرضتها وتحاول أن تفرضها واشنطن على كوريا، ليست بمستوى الحدث، ولا تحظى بقبول عالمي، خاصة من دول مؤثرة مثل روسيا والصين اللتين تطالبان بعدم إغلاق باب الحوار، واللجوء إلى سلاح الدبلوماسية بدل سلاح المقاطعة والحصار.
وتقول المعلومات، إن القيادات الإيرانية المعنية، شعرت بالارتياح، واعتبرت أن الأسلوب الأميركي والعالمي مع الملف الكوري، هو صورة من الأسلوب الذي سيتم فيه التعامل مع الملف الإيراني، خاصة أن أوروبا مازالت تفضل الحوار مع إيران، رغم التهديدات المتواصلة باللجوء إلى مجلس الأمن مرة ثانية، مما يعطي طهران فرصة إضافية للمضي في برنامجها النووي، دون خوف من عقوبات أو من رد فعل غير مألوف، مثل العمل العسكري.
قنوات اتصال
ولكن حسب المعلومات الواردة من واشنطن، فإن إيران لم تركن إلى الراحة مكتفية بالشعور بالاطمئنان، بل إنها تستخدم قنوات مختلفة، لتقريب وجهات النظر مع أميركا ولطمأنة أميركا وإسرائيل بأن ملفها النووي لا يشكل خطرا على إسرائيل ولا على المصالح الأميركية في المتعلقة.
وكشف المعلومات، أن طهران تستخدم لتحقيق هذا الغرض قناة بالغة الأهمية، منطلقة من قاعدة حساسة وتاريخية وهي المكانة العالمية التي يخص بها اليهود أرض إيران، ولقد لفت نظر المراقبين الاهتمام الإيراني حاليا، بإبراز النظرة التقديسية التي يتطلع بها اليهود إلى إيران، والتركيز على قدم الرابطة بين الإيرانيين واليهود، والحديث عن الشواهد التاريخية واللغوية والدينية الموجودة في الأسفار، ووصف كورش ملك فارس بأنه الملك العادل ومخلص اليهود من الأسر البابلي وفاتح أبوب فارس أمامهم.
عودة إلى التاريخ
ويقول أحد الكتاب الإيرانيين أن أرض إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش مخلصهم، وفيها ضريح إستر ومردخاي، وفيها توفى النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، وهي وطن شوشندخت الزوجة اليهودية للملك يزدجر الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق النبي يوسف عليه السلام، ويذكر كاتب أخر أن أحد أنبياء بني إسرائيل كان حارسا لمعبد الملك سليمان في القدس، وقد وقع مع النبي دانيال وآخرون في أسر ملك بابل نبوخذ نصر، وأمضى سنوات طويلة في السجن، وعندما فتح كورش بابل، أطلق الأسرى، وقدم النبي "حبقوق" إلى إيران واستقر في همدان، ودفن حين توفى في تويسركان.
وحسب المصادر الإيرانية، فإن نظام الملالي يعتمد على هذه الخلفية الدينية، للانطلاق في حملته لتهدئة مخاوف إسرائيل وأميركا. خاصة أن موريس معتمد ممثل اليهود في البرلمان الإيراني يصف علاقة الأقلية اليهودية، وهي أكبر تجمع لليهود في الشرق الأوسط خارج إسرائيل بنظام الملالي بأنها جيدة جداً، موضحا أن اليهود موجودين في هذه الدولة منذ 2100عام.
ويقدر عدد اليهود في إيران بـ 25 ألف يهودي موزعين على ثلاث مدن رئيسية هي طهران وأصفهان وشيراز، فضلا عن بعض اليهود في مدينة مشهد. ولعبت الطائفة اليهودية دوراً بارز في الحياة السياسية أيام نظام الشاه محمد رضى بهلوي حيث احتلوا مناصب حكومية وتواجدوا في البلاط الحكومي.
ويفضل يهود إيران البقاء بعيداً عن الحياة السياسية ويفضلون الاهتمام بالتجارة على الوظائف الحكومية وبشكل خاص تجارة السجاد وهم حريصون دائما على تأكيد انتمائهم لإيران ويتسابقون لاتخاذ مواقف في صالح الحكومة الإيرانية.
حتى إن ممثلهم في البرلمان موريس معتمد أعلن صراحة تأييد اليهود القوي للبرنامج النووي الإيراني. ويتحدث معتمد عن علاقة يهود إيران مع إسرائيل قائلا: "ليس لدينا علاقات مع إسرائيل أبدا ولكن الحكومة الإيرانية تسمح لنا بالسفر إلى إسرائيل"
ويذكر أن الأب الروحي ليهود إيران هو الحاخام يديديا شوفط، وأبرز معالمهم المقدسة توجد في مدينة أصفهان، ومقبرة النبي دانيال في شوش، ويقول موريس معتمد إن لدى اليهود 80 كنيسا في إيران وأبرز مقدساتهم مقبرة النبي دانيال والبي حبقوق ومعابد أخرى أيضا في همدان.
وفي بداية الثورة الخمينية كانت علاقة اليهود شبه متوترة مع النظام وكانوا يتصورون أن النظام الجديد سيعاملهم معاملة سيئة وحصلت هجرة كبيرة إلى أميركا وإسرائيل وأوروبا وبعد فترة تعودوا على الوضع الجديد وانطلقت علاقات جيدة مع النظام الإيراني وصار لهم تمثيل في البرلمان وحصلوا على حقوقهم وصار لديهم مقرات للاجتماعات ولديهم صالات ومستشفى ومكتبة كبيرة جدا كما تنتشر معابدهم في طهران وأصفهان ورغم ذلك يرفض اليهود الاندماج في المجتمع الإيراني حيث اتخذوا من مناطق محددة من طهران مكانا لسكنهم في أماكن بعيدة عن الحماس المذهبي مثل شمال طهران ومناطق جديدة لا تصنف الناس وفق انتمائهم الطائفي بل وفق وضعهم المالي والاقتصادي.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن ما يزيد على 50 ألف يهودي إيراني تركوا البلاد منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 رغم أن الحكومة في طهران تعترف بوضعهم كأقلية دينية، وتسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وتعليم اللغة العبرية وتشكيل الجمعيات الاجتماعية.
وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد كشفت عن أن ثلاثة يهود إسرائيليين هاجروا من إيران قبل 20 عاماً عادوا إلى طهران زائرين بعد أن استصدروا جوازات سفر إيرانية في تركيا.
ووفقا لتقرير الصحيفة الإسرائيلية فإن العشرات من اليهود الإيرانيين الذين هاجروا من إيران إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة يتوجهون إلى سفارة إيران في إستانبول ويستصدرون جوازات سفر إيرانية وأن السفارة والسلطات الإيرانية تعرف بالضبط موقع سكنهم الحالي.
وسردت الصحيفة في تقريرها قصة سفر ثلاثة أشخاص إسرائيليين إلى إيران الأصغر من بينهم "42عام" وأكبرهم "60عاما" وكيف أنهم توجهوا إلى السفارة الإيرانية بتركيا وقاموا بإجراءات دامت عاما كاملاً حتى حصلوا على جواز السفر "دون أي إعاقات أمنية إيرانية" وأن السلطات الإيرانية استكفت بأوراق ثبوتية تؤكد أنهم ولدوا في إيران.
وأكد الثلاثة أنهم خلال تجوالهم في مسقط رأسهم لم يخفوا هويتهم الحالية وأنهم تجولوا في أماكن كثيرة وأنهم كانوا يجرون اتصالات هاتفية مباشرة من إيران إلى إسرائيل... كما أنهم تلقوا مكالمات هاتفية دون أية عوائق وحواجز.
ونقلت الصحيفة عن أحد الثلاثة قوله "إن الشعب الإيراني شعب طيب واليهود يعيشون هناك بشكل جيد أكثر من إسرائيل ومن بينهم من يعيشون كالملوك".. مشيرا إلى أن العشرات من الإسرائيليين يتوجهون إلى إيران سنوياً وعلى ما يبدو غالبيتهم الساحقة من أصل إيراني ويعتبرونها زيارات إلى مسقط رأسهم.
رسائل ود متبادلة
ولاحظت مصادر دبلوماسية غربية متابعة للأوضاع في الشرق الأوسط أن القيادات الإيرانية حرصت على تطمين الإسرائيليين وإزالة مخاوفهم، وفي هذا السياق وضعوا تراجع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن تصريحاته التي أنكر فيها حدوث المحرقة، وكذلك تأكيداته مع مسؤولين إيرانيين آخرين بأن البرنامج النووي الإيراني ليس موجهاً ضد إسرائيل، وأن طهران لا تنوي قصف إسرائيل بالصواريخ، وفي المقابل لاحظت هذه المصادر أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين حرصوا على التأكيد بأن البرنامج النووي الإيراني لا يمثل خطراً على إسرائيل وأن إسرائيل لا تنوي مواجهة أهداف نووية إيرانية. ومن هؤلاء المسؤولين، وزير الدفاع شاؤول موفاز وهو من أصل إيراني، مثله مثل دان حالوتس رئيس أركان الجيش خلال حرب إسرائيل على لبنان، وكذلك رئيس الدولة موشيه كاتساف (قصاب) الذي كان يتحدث باعتدال عن إيران، قبل أن تنفجر في وجهه فضيحة تحرشه بموظفات، ومما يذكر أن وزير الدفاع الأسبق موشيه دايان هو من أصل إيراني أيضا.
ويقول محللون غربيون أن طهران تنطلق من وقائع التاريخ، وبالاعتماد على أقليتها اليهودية، لفتح قنوات اتصال مع أميركا وإسرائيل، ولتبديد المخاوف من البرنامج النووي الإيراني وبرامج التسلح بصفة عامة.
ولكن حسب المصادر الغربية، فإن قنوات الاتصال مفتوحة أيضاً عبر منظمات أميركية ـ إيرانية تعمل في الولايات المتحدة وبحرية ويستشهدون بمناظرة تمت على شاشة أحد التلفزيونات الأميركية، تحدث فيها الدكتور هوشانغ أمير أحمدي من جامعة روتغرز والعضو في المجلس الأميركي ـ الإيراني الذي يوصف بأنه محامي إيران في الولايات المتحدة، فقد دعا في هذه المناظرة الإدارة الأميركية الحالية إلى فتح باب الحوار مع نظام الملالي بدل استخدام لغة التهديد وأن تفعل كما فعل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في زيارته للصين، التي أسفرت عن تحسين العلاقات بين بكين وواشنطن، وعندما سئل عن التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل والغرب قال بوضوح إنها "بروباغندا للدعاية الداخلية ولا تمثل سياسة إيران الواقعية".
وتقول المصادر أنه إضافة إلى يهود إيران واتصالاتهم باللوبي اليهودي الأميركي، فإن المنظمات الأهلية تلعب دوراً كبيرا في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وإيران، مثل المجلس الأميركي ـ الإيراني واتحاد مسلمي إيران في شمال أميركا.
وتضيف المصادر الأميركية إلى أن اللوبي الشيعي في الولايات المتحدة، يضم عدداً يتراوح بين مليونين و3 ملايين شخص، من بينهم حوالي مليون شخص من أصل إيراني يتبع معظمهم ولاية السيستاني والآخرون يتبعون آية الله خامنئي والشيخ محمد حسين فضل الله، وتقدر المصادر الأميركية أن المرجعية الإيرانية تعتمد على وقف شيعي كبير للإنفاق على النشاطات التي تتضمن تحسين صورة نظام الملالي الإيراني داخل الولايات المتحدة.
وتشير المصادر إلى أن مؤسسة "بيناد علوي" في الولايات المتحدة، تشكل قناة مهمة في تقريب وجهات النظر، وخاصة أنها تعتمد على إمكانيات مالية ضخمة، وهذه المؤسسة التي يقع مقرها في الجادة الخامسة في نيويورك، أنشئت العام 1973 تحت اسم "بيناد بهلوي" تغير اسمها بعد أن سيطر عليها الملالي إلى "بيناد مستضعفان" ثم "بيناد علوي" وتضيف أن مجلس إدارة المؤسسة مقره في إيران، ولكن سفير إيران في واشنطن يسيطر على معظم قرارتها، وتقول ملفاتها إنها أنفقت حوالي 5 ملايين دولار لدعم التنظيمات الشيعية في الولايات المتحدة، وإن رأسمالها يفوق الـ 90 مليون دولار.
وتكشف معلومات في واشنطن أن اللوبي الصهيوني استطاع أن يقيم قاعدة للاتصال والتعاون مع المؤسسات الإيرانية ـ الأميركية، وتقول المعلومات إن المؤسسات الإيرانية هي التي مهدت الطريق لهذه الاتصالات، ضمن خطة إيرانية لاستخدام قنوات يهودية في إيصال رسالة من طهران إلى الإدارة الأميركية تهدئ من مخاوفها وتؤكد لها أن إيران التي تسعى عبر التسلح إلى دور إقليمي، لا يمكن أن تتعرض على الإطلاق لا إلى المصالح الأميركية في المنطقة ولا إلى إسرائيل. وتؤكد بعض الدوائر الغربية، أن الحملة الإيرانية متعددة الرؤوس، نجحت إلى حد ما في حمل إدارة بوش على اللجوء إلى سلاح الصبر في تعامله مع الملف النووي الإيراني، بشكل أثار استغراب حلفاء الولايات المتحدة الغربيين.
وتتوقع الدوائر الغربية، أن يطرأ مزيد من التباطؤ الأميركي ـ الغربي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وخاصة أن العالم مشغول الآن بالملف الكوري الذي يثير مخاوف حلفاء أميركا الآسيويين بشكل خاص.