الجزيرة والمعسكر الإيراني

بواسطة أحمد القايدي قراءة 766

الجزيرة والمعسكر الإيراني

 أحمد القايدي

التاريخ: 4/4/1432 الموافق 10-03-2011

 

 

يتفق المناصرون لقضايا أمتنا على أن قناة الجزيرة وقفت بصدق وشجاعة في نصرة الأمة، واجهت المحتل ونصرت المقاومة، و كشفت أنظمة ظالمة، وأزاحت ما تحت الغطاء، ونقلت معاناة المواطن،  وعلمته المواجهة، نصرت كثيراً من المظلومين، وعرضت قضاياهم العادلة، ونقلت وعي المشاهد العربي إلى أبعاد واسعة وجادة، وأوجدت عطشا وطلبا على الخبر والتحليل في إحياء منها للمعنى الشرعي (الجسد الواحد)، باختصار أحدثت نقلة على عدة أصعدة.

وتشهد الجزيرة في هذه الأيام هجمة ثقافية وتقنية من قبل أعداء الأمة من أنصار الغرب والأنظمة الظالمة، وكل ما يصفون الجزيرة به هو دليل على مصداقية هذه القناة وقربها من هموم أمتنا، و لا يضيرها دجل القوم و لا ينقص من قدرها، وعليه فإن هذه الكلمات لا تصب في مصلحة ذاك الفريق بل نحن ضد كل كذب وتشويه رميت به القناة، و هذه الكلمات هي رسالة مفتوحة  للقناة لعلها تراجع وتصحح طريقة تعاطيها مع المعسكر الإيراني.

ملف الفساد

في قضايا الفساد ونهب أموال الناس و المحسوبيات والخيانات، لم تترك الجزيرة بلداً من بلدان العالم العربي إلا وفتحت له ملف يختلف حجم الملف باختلاف البلدان، وبين فترة وأخرى تعيد فتح الملف، باستثناء سورية لا يشار إليها لا من قريب أو بعيد فضلا عن أن تواجهها الجزيرة بقضايا الفساد.

ظلم أجهزة الأمن

كشفت الجزيرة بتقاريرها الكثير مما يقع خلف القضبان في مصر وبلاد المغرب العربي ومنها الفلم الوثائقي الأشهر (وراء الشمس) والتقارير المتفرقة في نشراتها عن التعذيب الحاصل في مراكز الشرط، ولو اجتمع كل ما يحصل في بلدان عالمنا العربي لم يقارب ما يحدث في سوريا ومع هذا فالجزيرة تتجاهل هذا البلد العربي.

نصرة المعتقلين

لا يكاد يمر شهر إلا وتجد في شريط القناة خبر عن اعتقال شخص في مصر وآخر في موريتانيا والمغرب، بينما سورية يُعتقل فيها العشرات شهريا وتتجاهل الجزيرة كل ذلك ومثله في إيران، وعندما اختطفت إيران الرجل -عبدالملك ريغي زعيم حركة جند الله - والطائرة في الجو.. كل ما فعلته هو عرض الخبر بحيادية مفرطة، ومثله في سورية التي تجري فيها الاعتقالات الطائفية والسياسية لا تشير إليها الجزيرة إلا في حالات يحصل بعدها إطلاق المعتقل من السجون السورية خلال أسبوع أو أقل وكأن هناك تنسيق بين سورية والقناة على هذا النوع من التسويق المشترك.

وفي المقابل إذا اعتقل قيادي من إخوان مصر فإنها تقض -مشكورة- مضجع النظام في مصر، وأيضا إبان اعتداءات الحوثيين عرضت الكثير من أخبار معتقليهم، ثم مع بثها لأخبار المعتقلين هناك انتقائية للمعتقلين، فمن كان إخواني أو يساري أو قومي تنقل حالته باستمرار، أما المحسوبون على التيارات الإسلامية الأخرى لا تتناولهم بالذكر، وهي انتقائية سيئة لا تمارسها منظمات حقوقية أجنبية كافرة.

الاحتجاجات والمظاهرات

من المستحيلات أن ترى على شاشة الجزيرة خبر يتناول مظاهرات في سورية بينما لو اجتمع شخصان في القاهرة أو الرياض لجعلته الجزيرة خبرا رئيسيا متكررا في نشرتها، ونحن هنا لا نعيب عليها تسليط الضوء على أي احتجاج أو طلب لرفع الظلم عن الناس، بل هو أمر مطلوب منها، وإنما نعيب عليها تجاهل المعسكر الإيراني من التغطية، ثم هناك التعمية والتضليل في التعاطي مع مظاهرات مرتبطة بالمعسكر الإيراني، فلو كان الأمر يصب في مصلحة المعسكر في المنطقة فإن الجزيرة تقيم الدنيا من أجل إنجاح المظاهرة والتسويق لها عربيا، وتتجاهل أي غلط يكون سببه إضعاف التظاهر، بينما لو كان الأمر على خلاف ما تشتهي إيران فإنها تحاربه وتسعى لإفشاله بكل قوة، ونستشهد هنا بحدثين وقعا في أوقات متفرقة في بلد عربي واحد لبنان، فعندما خرج حزب الله إلى الشارع في 7 أيار وأذهب الأرواح وأفسد الممتلكات وأحرق المؤسسات وأغلق المطار والشوارع لم تصف الجزيرة في كل ما عرضته صنيع الحزب(شغب) أو(إرعاب) أو(تدمير)، ولم تطالب نصر الله بكف يد أتباعه، ولم تنشر صور حقيقية لحجم التدمير الذي حصل، وإنما مقتطفات من هنا وهناك.

وفي المقابل عندما خرج السنة في لبنان وتظاهروا في مناطقهم ولم يمسوا شخصا من أي طائفة أخرى بسوء أو يعتدوا على مناطق لطوائف أخرى ذكرت الجزيرة عن المظاهرات كل سوء وشر وضخمت الحدث، وحملت الحريري ودار الفتوى في لبنان جزءاً من المسؤولية، ومع خروج الحريري ورفضه لما حصل من إغلاق طرقات وحرق لسيارة الجزيرة فإن القناة استمرت في وصف الاحتجاجات -على حق سلب من أهل السنة في لبنان (رئاسة الوزراء) - بأقبح الأوصاف بينما الحزب الذي لم يسلب منه (حقه) ومازالت شبكة اتصالاته تعمل وأحرق بيروت وبارك سيده هذا الصنيع فإن الجزيرة لم تصف الحقيقة في كل ذلك، واكتفت بالتجاهل أحيانا وفي أخرى تبرر صنيع الحزب، وبين أيدينا اليوم مثال أخر وهو ما يجري في البحرين، فقد نقلت الجزيرة احتجاجات الشيعة على أنها احتجاجات شعب وليست احتجاجات طائفة، احتجاجات مضطهد لم تذكر بأنه يشكل أغلبية في البرلمان إلا مرة أو مرتين في تعمية منها على هذه الحقيقة، ولم تنقل صور التدمير الذي حصل في بعض الأسواق ولم تنقل صورا للمتظاهرين وهم يرفعون صور خامئني في خدمة منها لهم، وحجبت كل ما من شأنه أن يفسد هذه التظاهرة أو يشكك في أسباب خروجها.

وفي المقابل لم تنقل إلا صورة أو صورتين للمتظاهرين المؤيدين وتنقل موقفهم في سياق خبر فرعي أما الخبر الرئيسي فهو الرفض الشيعي في تقزيم لخبر وتضخيم لآخر، وفي مثل المثاليين السابقين قل في إيران والكويت والسعودية.

العراق...العراق

في العراق تغطيتها لا تقيم اعتبار لأحد ضد الإيرانيين، فالحكومة تذهب وتجيء وقت ما تشاء، وتتجاهل كل أحد، والشيعة يرفضون مقاومة المحتل، ويعملون معه، والجزيرة كل ما يعنيه الأمر لها خبر في الشريط أو في النشرة دون أن يتكرر، وربما عرض بشكل ضعيف في (المشهد العراقي) -برنامج مسجل مدته نصف ساعة في فترة العصر-، بينما لو قام أحد المتطرفين بتفجير في تجمع شيعي فالقناة تبثه كخبر رئيس ليوم كامل وأحيانا يومين وثلاثة، وعندما تحاول بعض الدول العربية التدخل في الشأن العراقي فإن الجزيرة تحرص على إظهار جانب العمالة فيه، بينما التدخل الإيراني في العراق مع عظم حجمه الأمني والسياسي والاقتصادي لا تتناوله إلا على استحياء، بل إن الإيرانيين عندما جلسوا مع الأمريكان للتناطح على الكعكة العراقية قدمته في سياق خبر مجرد من أي تعبئة ضد العملاء والخونة التي تقوم بها -مشكورة- في عرضها  للقاءات عباس واليهود.

وعندما تصدر هيئة علماء العراق بيانات وتصريحات تحذر من التدخلات الإيرانية في العراق فإنها تعرضها مقتضبة على الشريط الإخباري.

الحوثيون وجند الله في إيران

عند اعتداء الحوثيين على السعودية رفض كثير من محبي الجزيرة السعوديين طريقة القناة في تغطية الحدث فمن قائل بأن الأخبار تنشر من مكتب الحوثي، وآخر ينتقد حياد القناة البارد في تناول الحدث، في المقابل تعرض القناة عمليات جند الله في سياق دموي إجرامي يتماشى مع اتجاهات غربية، فبعد الخبر تنشر تصريح أمريكي ينفي علاقة أمريكا على طريقة الرفض الظاهر يفهم منه الدعم الباطن، وتعرض من الخبر صورة الدماء والدمار دون ذكر أو إشارة صادقة لأهداف المهاجمين.

التمييز بين المقاومة

ظلت القناة -مشكورة- تنشر وعلى استحياء في بدايات المقاومة العراقية مقطع من هنا ومن هناك لعمليات للمقاومة وبشكل تشكيكي في صحة ما تعرضه، في المقابل لو نطق نصر الله بكلمة تهديد فقط لليهود فإنها تعرضها كحق مبين متحقق، وتسوق لها أيام وأسابيع، وفي هذه الأيام تمر الأشهر و لا تنشر خبرا في الشريط  فضلا عن شريط مصور، وجهاد العراقيين مازال قائم، ونصر الله مازال التسويق له قائم في القناة مع أن حروبه موسمية.

دوافع الجزيرة

وضاح خنفر مدير القناة، أحمد الشيخ رئيس التحرير، أيمن جاب الله نائب رئيس التحرير سابقاً، هذه الشخصيات تعد من أهم الشخصيات في القناة وكل منهم يمثل اتجاه معين داخلها، ومع تغير منصب بعضهم إلى أن اتجاهاتهم مازلت ممثلة في أشخاص آخرين لا يقلون أهمية عنهم، هذه الاتجاهات لا ترى مشكلة في دعم سياسات إيرانية وسورية، والأسباب التي تدفع هؤلاء للتسويق والدفاع عن سياسات إيران وسورية، هو الغطاء والحضن السياسي الذي تقدمه إيران وسورية لهم، ففي دمشق وطهران وبيروت يستطيع هؤلاء ورموزهم الفكرية والسياسية والأمنية أن يختبئوا ويعيشوا ويجتمعوا ويخططوا ويأتمروا، ومشاريعهم ومؤسساتهم تدعم مادياً من إيران، وإيران تدافع عن قضاياهم رسمياً، فلا يمكن بعد كل هذا أن تقف الجزيرة وقفة صادقة من مخططات إيران وسورية.

على الأشقاء في الجزيرة أن يدركوا بأن في بلادنا العربية أشخاصاً ذهبت أرواحهم، وأُوذوا، وضحوا بالغالي والرخيص من أجل قضايا الأمة، لا يرضيهم تسويق الجزيرة لمشروعات إيران أو تجاهلها لمصائب خلقتها إيران في بلاد المسلمين، فالجزيرة مطالبة بتصحيح مسار تغطيتها في هذا الملف وأن لا تنحاز لإيران وعملائها، و لا يصح للجزيرة أن تقدم مصالح وقتية لفريق من أمتنا على حساب فريق آخر، وأيضا على حساب اعتداءات إيران على أمتنا، ولعل الجزيرة تستلهم من التغيرات الحاصلة حاليا في عالمنا العربي وتغير من طريقة نقل أخبار ورؤى المعسكر الإيراني، و تتحيز بشكل تام لمصالح أمتنا كما تفعل ذلك تماما مع المعسكر الأمريكي وعملائه في المنطقة.

 

http://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=882&ct=23&ax=5

 

المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث

 



مقالات ذات صلة