الإخوان وحزب ولاية الفقيه
هذا الكلام: "إن ولاية الفقيه المطلقة من العناوين البارزة للشرك " ليس لي وإنما هو لأحد أبرز مؤسسي نظام الجمهورية الإيرانية واحد أشهر المراجع الشيعية الحاليين ، إنه آية الله الشيخ "حسين علي منتظري" الذي كان خليفة الخميني قبل أن يتم عزله من منصبه بفترة قليلة من وفات الأخير ثم بعد ذلك فرضت عليه الإقامة الجبرية نتيجة اعتراضه على تنصيب آية الله علي خامنئي مرشداً للثورة ورأسا للنظام الإيراني.
المنتظري قال كلامه هذا يوم الاثنين 22 ديسمبر الماضي أثناء استقباله الدكتور إبراهيم يزدي رئيس حركة "نهضة الحرية" الإيرانية المعارضة وأول وزير خارجية إيران بعد الثورة، حيث تطرق المنتظري في ذلك اللقاء الى مخالفته لنظرية ولاية الفقيه المطلقة قائلاً: "إن رأي الفقيه مقدم على أراء الآخرين في مجال الفقه الشرعي فقط ، أما فيما يخص المسائل المتعلقة بالشؤون السياسية وبناء العلاقات مع الدول فهذا ليس من اختصاص الولي الفقيه ويجب أن تترك هذه المسائل لأصحاب الاختصاص . مضيفاً حين جرى إعادة النظر في الدستور الإيراني منتصف الثمانينيات عارضت توسيع صلاحيات الولي الفقيه و تحويلها الى ولاية مطلقة ، لاعتقادي أن الرسول الأكرم ذاته لم يكن يحضى بالولاية المطلقة ، فالآية القرآنية تأمر الرسول بالعمل وفق القانون الإسلامي لا حسب رأيه ، و لهذا فان القول بولاية الفقيه المطلقة تعد من جملة العناوين البارزة للشرك ".
وكان المنتظري يرد بهذا الرأي على الذين يؤيدون السلطة المطلقة التي يمارسها مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي والتي تعد تجاوزاً على الدستور والقانون ، حيث يستندُ أنصار خامنئي على رأي الخميني بشأن ولاية الفقيه المطلقة التي قال فيه: " إن تأسيس الحكومة وإدارتها جزءاً من الولاية المطلقة للرسول ( صلى الله عليه وآله و سلم ) وهي واحدة من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية ، بما فيها أحكام الصلاة والصوم والحج".
لقد استخدمت كلمة "ولاية الفقيه المطلقة" لأول مرة في إيران من قبل الخميني سنة 1982م و ذلك بعد مضي ثلاثة سنوات من انتصار الثورة ضد الشاه واستقرار الحكم لرجال الدين وتصفيتهم لجميع القوى والتيارات المشاركة بالثورة .
فبعد عامين من طرح الخميني موضوع ولاية الفقيه جرى تنصيصها في الدستور الإيراني الأمر الذي أدى الى بروز معارضة شديدة من جانب العديد من المرجعيات الشيعية ورجال السياسة الذين رؤى في هذه الموضوع تعزيزاً لسلطة الخميني و خطراً على الحياة السياسية في إيران حيث من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء الدستور وإدارة البلاد بواسطة الأحكام العرفية التي يصدرها الولي الفقيه ، وهذا ما هو حاصل حالياً.
تاريخياً يعد الفقيه الشيعي ، محمد بن مكي العاملي ( ولد في قرية جزين جنوب لبنان عام 729هـ وقتل في دمشق سنة 786هـ و سمى عند الشيعة بالشهيد الاول) أول من طرح موضوع ولاية الفقيه وعين نفسه نائباً للإمام المهدي والمهيأ لظهوره ، و كان أول من استخدم مصطلح "الفقيه الجامع للشرائط" في الفقه الشيعي، و أول من أفتى بضرورة أعطى الخمس للفقيه الجامع للشرائط، وأول من قال بعدم جواز إقامة صلاة الجمعة في ظل غيبة الإمام المهدي وأن الصلاة لا تصح إلا بوجوده. غير أنه لم يناقش موضوع ولاية الفقيه بشكل مستقل وتفصيلي في أي من كتبه ولكنه تطرق لها بشكل عابر في كتابه " اللمعة الدمشقية- سنة 782هـ " الذي هو من كتب الفقه الأساسية التي تدرس في الحوزة الدينية الشيعية ، وذكرها أيضاً في مقدمة كتابه " ذكرى الشيعة - سنة 784هـ " .
لقد عمل محمد بن مكي بعد عودته الى قريته جزين سنة 760هـ ، التي كان غادرها الى العراق بهدف طلب المزيد من العلم ، على بث دعوته وعين له وكلاء في المدن والبلدات اللبنانية لنشر عقائده وأفكاره وصار له أتباع ومريدون ولكن سرعان ما أخذ بتغيير هدفه وتحولت حركته الفقهية الى عصابة مسلحة تسعى في الوصول إلى السلطة ، ولهذا بدأ بعض أنصاره البارزين بالابتعاد عنه متهمينه بالغلو والانحراف في الفكر والعقيدة مما دفعه الى الإفتاء بقتل بعضهم. وأبرز من قتل من أصحابه المنشقين بحكم هذه الفتاوى ، شخص يدعى "محمد اليالوشي" الأمر الذي دفع أنصار اليالوشي وعلى رأسهم " تقي الدين الخيامي " للتعاون فيما بعد مع سلطة المماليك في دمشق لإلقاء القبض على بن مكي. وبعد القبض عليه قامت سلطة المماليك بجمع تواقيع سبعون من أعوانه ووكلائه بالإضافة جمع تواقيع المئات من علماء وشيوخ الإسلام ممن حكموا بارتداد بن مكي وجرت محاكمته بتهمة الارتداد وإثارة الفتن .
وبما أن العادة المتبعة حسب المذهب الشافعي آنذاك، كانت تقضي بترك المرتد أو الزنديق عاماً واحداً في السجين قبل إعدامه على أمل أن يتوب ويرجع عن ذنبه ، فقد طبق هذا الأمر على ابن مكي وقد أفتى أحد قضاة دمشق ويدعى "برهان الدين الشافعي" باستتابته ولكن قاضي القضاة رفض هذه الفتوى وأمر بإعدام محمد بن مكي. وعليه فقد جرى في اليوم التاسع من جمادي الاول لسنة 786هـ ضرب عنق أول رجل دينٍ شيعي قال بولاية الفقيه ونصب نفسه نائباً للإمام الغائب.
و يتبين من مراجعة المصادر التاريخية التي تناولت هذا الموضوع ، وأغلبها مصادر شيعية ومن أبرزها كتاب "هجرة علماء الشيعة من جبل عامل الى إيران في العصر الصفوي- لمؤلفه مهدي فرهاني منفرد " أن محمد بن مكي لم يكن مجرد رجل دينٍ شيعي يطرح مسألة فقهية معينة شأنه شأن أي فقيه آخر ، بل أن الرجل كان يحمل مشروع سياسي ذات بُعد عقائدي يهدف من وراءه الوصول الى السلطة عن طريق إثارة العصيان والثورة المسلحة. ومن هنا يتبين سبب عدم تبني أياً من المرجعيات الشيعة التقليدية لنظرية ابن مكي طوال العقود التي أعقبت مقتله ، وذلك لقناعة هذه المرجعيات بأنها نظرية مناقضة لأصول العقيدة إضافة الى استحالة تحقيقها .
لقد ربط الخميني مشروع تصدير الثورة بموضوع ولاية الفقيه المطلقة وعمل النظام الإيراني على تأسيس تنظيمات وأحزاب عديدة في البلدان والدول العربية والإسلامية على قاعدة الإيمان بولاية الفقيه المطلقة ، وقد اعترف أمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله أثناء أحداث بيروت الدامية في مايو/ أيار 2008م بذلك صراحة حين قال: " يتصورون إنهم يهينوننا عندما يقولون حزب ولاية الفقيه. افتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه ". وهذا يؤكد مرة أخرى أن "ولاية الفقيه" ليست مسألة فقهية دينية وإنما هي حزب سياسي يبيح لنفسه استخدام كافة السبل والوسائل لتحقيق غايته .
الأمر الذي يبعث على التعجب ليس في كلام المنتظري ولا في كلام حسن نصر الله، فهؤلاء جميعاً أبناء طائفة واحدة يتصارعون ويتصالحون ويصرحون حول ولاية الفقيه وغيرها من العقائد والأفكار وفقاً لمقتضيات مصلحة الطائفة ودولة الطائفة. ولكن ما يثير الاستغراب هو كلام ومواقف من هم خارج الطائفة والذين يفترض بهم أكثر الناس معارضة للمشاريع الطائفية ولكن تبين أنهم دعاة متحمسين لحزب ولاية الفقيه. وهذا ما قرأناه في مقابلة فضيلة مرشد جماعة إخوان المسلمين مع صحيفة "النهار" الكويتية الذي نشر في يوم الأربعاء،24 ديسمبر الماضي و الذي جاء كلامه ردًا على سؤال حول ما إذا كان يرحب بالمد الشيعي بالمنطقة، حيث أجاب قائلاً : " أرى أنه لا مانع في ذلك، فعندنا 56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي سنية، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الشيعية الوحيدة في العالم ".
فضيلة مرشد "جماعة الإخوان" غاب عن باله أن التشيع الذي تسعى إيران الى نشره ليس المذهب الفقهي الذي يتخيله الناس على أنه مجرد مذهباً فقهياً كسائر المذاهب الإسلامية ، وإنما ما تسعى إليه إيران هو نشر حزب ولاية الفقيه المطلقة ، الذي اعدم أول مؤسس له ومبشرِ به وهو محمد بن مكي العاملي بتهمة الارتداد والزندقة ، وفي هذا فرق كبير.
أن لا يعلم فضيلة المرشد الفرق بين الاثنين فهذه مصيبة وإما إذا كان يعلم، وهذا ما نحسبه ، فالمصيبة أكبر وأعظم لأنه بذلك يكون كمن قال فيها القرآن الكريم } كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا: 92سورة النحل{ . فكيف لجماعة مر على تأسيسها ما يقارب القرن وقدمت ما قدمت من التضحيات بدواعي الحرص على الإسلام وخدمة المسلمين، تتحول فجأة الى داعية لحزب ولاية الفقيه الذي من أبسط ما يسعى إليه إقامة حكومات طائفية تابعة للإمبراطورية الفارسية الجديدة. و لعل ما هو حاصل في العراق ولبنان ما يغني عن الشرح .
صباح الموسوي
كاتب احوازي
20/01/2009