التشيع في خدمة المشروع الإيراني
أسامة شحادة
المشروع الإيراني في المنطقة حقيقة يقر بها الجميع مع الاختلاف حول الموقف منه، فبعضهم يرفضه لما يرمي إليه من توسع وهيمنة بقوة السلاح التي قد تصل إلى حد امتلاك القنبلة النووية، وبقوة التأثير على التجمعات الشيعية والقوى السنية المدعومة من إيران، فضلاً عن المزاج الشعبي المتعاطف مع إيران.
فيما يؤيد آخرون المشروع الإيراني معتبرين أنه يناهض المشروعين الصهيونى والأمريكي، إضافة إلى اعتبار أن إيران جارة مسلمة على كل حال.
هذا الاختلاف يذكر بموقف الكثيرين إبان مرحلة صراع القطبين، فالعديد من القوى - لمعارضتها للإمبريالية الأمريكية - رضيت بكل الجرائم والمجازر والإحتلالات الروسية الشيوعية!
وهذا المشروع الإيراني مشروع ممتد في التاريخ من إمبراطورية فارس إلى الجمهورية الإيرانية مروراً بالدولتين الصفوية والشاهنشاهية، ولم يتوقف هذا المشروع إلا في الفترة الواقعة من فتح بلاد فارس زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب وحتى قيام الدولة الصفوية، حيث امتزج الشعب الإيراني بالدعوة الإسلامية العامة دون تمايز عقدى أو مذهبي، مما نتج عنه إسهامات إيرانية عظيمة في خدمة الإسلام.
وهذا الامتداد التاريخي للمشروع الإيراني وتبدل هوية القائمين على رعايته وتنفيذه لا يؤثر على جوهر وأساس المشروع من الناحية الإستراتيجية وإن كان له تأثير على المستوى التكتيكي والعملياتي.
وهذا واضح جداً بمقارنة سياسة الجمهورية الإيرانية بسياسة الشاه التوسعية، فكل ما قام به الشاه من استيلاء على أراضي دول الخليج تبنته وراكمت عليه الثورة الإيرانية!!
ومن التكتيكات التي تستخدمها الجمهورية الإيرانية اليوم لتنفيذ مشروعها التوسعي للهيمنة والنفوذ، استخدام ورقة التشيع على مستوى الشيعة العرب في المنطقة، وعلى مستوى التبشير بالتشيع الديني والسياسي في أوساط أهل السنة أفراداً أو حركات وجماعات.
وهذا أمر يشاهد الجميع تطبيقاته في لبنان بواسطة حزب الله، أو العراق عبر الأحزاب والقوى الشيعية الموالية لإيران، أو سلوكيات بعض القوى الشيعية في البحرين والكويت.
أما على صعيد التبشير بالتشيع في أوساط أهل السنة، فوكالات الأنباء والصحف والفضائيات لا تكاد تخلو من ذكر أخبار هذا التشيع في سوريا ومصر والأردن وفلسطين والسودان وأيضا بعض الدول المسلمة في أفريقيا وآسيا، وقد لوحظ على المتشيعين كثرة ترددهم على إيران أو مراكز نفوذها كلبنان وسوريا، وهناك وقائع عديدة أثبتت ارتباط كثير من هؤلاء المتشيعين بالأجهزة الأمنية الإيرانية أو وكلائها مثل حزب الله ، كما في اعتقالات السلطات المغربية لقيادات بحزب البديل الحضاري ومراسل قناة المنار الشيعية بالمغرب مؤخراً بتهمة تشكيل تنظيم عسكري بدعم من حزب الله بلبنان.
والعارفون بطبيعة التشيع يدركون أن التشيع يقوم على فصل المتشيع عن محيطه الذي نشأ وترعرع فيه إلى وسط آخر وهو التشيع، عبر هدم أي مرجعية سوى مرجعية آل البيت التي لا يمكن معرفتها إلا بواسطة مجتهد شيعي حي!!
وهذا المرجع لا يمثل نفسه بل يمثل الله!! كما أعلن وكشف عن ذلك قبل شهرين رئيس المجلس الإسلامي العلمائي بالبحرين الشيخ عيسى قاسم، من أن الدليل بعد الأئمة المعصومين، هم الفقهاء العدول، ومن ردّ عليهم ردّ على الأئمة عليهم السلام، ومن رد على الأئمة، رد على رسول الله (ص)، والراد على النبي راد على الله!
ولتأكيد فصل هذا المتشيع عن محيطه يتم التأكيد على عدم جواز التعبد بالمذاهب الأربعة السنية بالرغم من كل مؤتمرات ولقاءات التقريب، وذلك من أكثر مراجع الشيعة المعاصرين اعتدالاً وبعداً عن المشروع الإيراني!! وهو المرجع اللبناني الكبير محمد حسين فضل الله.
حيث أصر فضل الله في مكاشفاته مع الأستاذ عبد العزيز القاسم، بجريدة عكاظ السعودية (28/2/2008) على الفتوى التي نشرها في كتابه "مسائل عقدية" بعدم جواز التعبّد بالمذاهب الأربعة قائلاً "لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة". ص110.
وهذا الفصل بين المتشيع ومحيطه يبدأ في النواحي الفكرية والدينية كما ترسخه القنوات الفضائية الشيعية بالتركيز على أن من لا يشهد بالولاية لعلي بن أبي طالب فليس مؤمناً!! ويمتد فصل المتشيع عن محيطه هذا ليصل إلى الموقف السياسي، ولعل أوضح مثال على هذا هو العقيدة السياسية لحزب الله اللبناني، والتي تجعل من حسن نصر الله أمين عام الحزب تابعا لرئيس دولة أخرى وهي إيران عبر كونه وكيل المرجع الديني علي خامنئي والمفوض من قبله بقبض الخمس وإيصالها له، أو صرفها فيما يراه الخامنئي مناسبا، كما أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يقرر في كتابه "حزب الله" مبحث ولاية الفقيه (ص 72) أن "الولي الفقيه (خامنئي) هو الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم".
أما الأمين العام لـ «حزب الله - إيران» سيد محمد باقر خرازي فقد أعلن هدف إيران من دعم بعض القوي السنية في فلسطين بقوله:«قدمنا كل أشكال الدعم لقوى التحرر الإسلامية، لكن ما الذي حصلت عليه إيران؟ وإذا كنا نقدم اليوم الدعم لفلسطين فيجب على فلسطين أن تسير في طريق أهل بيت النبوة، وإذا لم يحصل ذلك فما هو الفرق بينها وبين إسرائيل؟ ويمكن مشاهدة ذلك على الرابط التالي:
http://www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121304
والتكتيك المتمثل بتسخير التشيع لخدمة المشروع الإيراني يعد من أخطر الأساليب الحديثة التي تتوسل بها إيران لخدمة مشروعها، والتي تشمل الغزو التجاري، حيث يوجد في دولة الإمارات 10 آلاف شركة إيرانية ! وتشمل تأسيس أحزاب ومؤسسات شيعية في البلاد العربية من قبل إيرانيين متجنسين أو متشيعين من أهل البلد نفسه في زمن مؤسسات المجتمع المدني!! كما تشمل توطين الإيرانيين في دول الخليج من حملة الجنسيات الغربية.
وتتعاظم خطورة استخدام التشيع لمصلحة المشروع الإيراني في هذا الوقت الحرج والحساس بإعلان موقع شيعة نيوز:
www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121501
عن أن الحكومة الإيرانية رصدت ميزانية ضخمة جداً لتبليغ التشيع وإرسال مبلغين والفعاليات المذهبية لعام 1387هـ ش ( التقويم الإيراني يبدأ من مقتل علي بن أبي طالب) بلغت قيمتها 215.620 مليار تومان إيراني (حوالي 2.3 مليار دولار)، بزيادة قدرها سبعة أضعاف ميزانية العام الماضي 1386هـ ش.
وهذه الميزانية الضخمة والتي لم يعرفها تاريخ التبشير بالتشيع تنبئ بجهود ضخمة قادمة لنشر التشيع، مما سيذكي الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وقد عودتنا إيران أن تذرف الدموع على خطر الصراع الشيعي السني ومن ثم تقوم بإدامته ونشره وتوسيعه عبر سياساتها على أرض الواقع بما يخدم مشروعها للهيمنة والتوسع، كما في تنديدها مؤخراً بموقف الحكومة الكويتية من تأبين مغنية بدلاً من أن تطالب قيادة حزب الله الكويتي بمراعاة مشاعر الأغلبية السنية في الكويت الذين سبق لمغنية أن اعتدى عليهم بخطف طائرة الجابرية وقتل اثنين من ركابها.
إن بيد إيران إشعال صراع شيعي سني في المنطقة وبيدها منعه عبر ترشيد سلوكها السياسي ووقف النشاط التبشيري الشيعي في أوساط الشيعة العرب وأهل السنة، فهل تفعل إيران؟