دَور التشيّع والصوفية بترويج المخدّرات في إيران

بواسطة السياسي الإلكترونية قراءة 963

دَور التشيّع والصوفية بترويج المخدّرات في إيران

 

 عبد الرؤوف مدلّل

 

التاريخ: 18/12/1430 الموافق 06-12-2009

 

كل مكان تتواجد فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، للمصادفة، أو لغير المصادفة، يكون مكاناً لترويج المخدرات، أو زراعته وترويجه كما في أفغانستان. مسألة محيّرة بالفعل. يمكن أن يكون السبب انتهازياً، من خلال تعمد المخابرات الإيرانية العمل في ترويج المخدرات لتأمين تجنيد العملاء بسهولة، كون العامل في ترويج المخدرات، في الأصل، يتطلب قدرا كبيرا من المعلومات الأمنية الدقيقة لتأمين انتقال البضاعة الممنوع تداولها بشكل غير شرعي.

هذا الأمر قام به حزب الله مع الإسرائيليين. وبدورها قامت إسرائيل بالأمر نفسه مع حزب الله. إلا أن الغلبة كانت لإسرائيل لمقدرتها على تأمين مواد كثيرة من الكوكائين وتهريبها دوليا، فاضطر حزب الله إلى إيقاف العمل بترويج المخدرات، لا بل إنه أصدر فتوى شرعية تحرّم التعامل به.

إذا انتبهنا الى خريطة النفوذ الإيراني في المنطقة أو في بعض دول العالم، نجد أنها الخريطة ذاتها لحركة زراعة وتنقل المخدرات. أولا أفغانستان. ثانياً لبنان. ثالثا اليمن من خلال القات. رابعًا مصدر الكوكائين في العالم وهو أمريكا اللاتينية التي تحرص طهران على تعزيز علاقاتها معها. وأخيرا انتهى الرئيس الإيراني من زيارة بعض دول أمريكا اللاتينية.

كما يُعرف بأن لإيران تحركاً واسعا في دول القارة اللاتينية، وتشير إسرائيل كثرا الى تغلغل الإيرانيين هناك. كما لا ننسى أن من أسواق توزيع المخدرات هي أفريقيا، وهي المكان الذي يتواجد فيه حزب الله وإيران معاً، كما هو معلوم. وللإضافة حاولت إيران استغلال الشارع المصري الذي تزدهر فيه الحشيشة على نطاق واسع، إلا أن السلطات قمعت هذا التدخل الذي كان على شكل مجموعات عسكرية تابعة لحزب الله بستار العمل ضد إسرائيل.

ارتباط ترويج المخدرات بالمهمات المخابراتية

في الدرجة الأولى، المخدرات أداة ذات طابع أمني استخباري. لأنها تتوفر على جزء كبير يمس صميم عمل أي مؤسسة أمنية في العالم. فهي أولاً تتطلب السرية في العمل.

 وثانيا، تفترض علاقة غير مباشرة ما بين منتج السلعة ومستقبِلها وموزعها ومستهلكها. وثالثاً، تقوم على جمع المعلومات لاستخدامها في ضمان عملية انتقال السلعة من بلد الإنتاج الى بلد الإتجار والتوزيع والاستهلاك.

 رابعًا، تؤمّن بالكامل مسألة قابلية الأشخاص للقيام بأية مهمة ابتغاء تأمين الأمن الشخصي الذي يتعرض بعض أصحابه للابتزاز، مقابل خدمات معلوماتية أو لوجستية معينة.

خامسًا، بسبب سرية عمل الإتجار بالمخدرات، فإن الغطاء على أهداف الإتجار بها تصبح أداة لتأمين أهداف مبطّنة في ثنايا أهداف معلنة، مثل الطلب من التاجر معرفة أسماء الضباط الأمنيين المتواجدين في مكان ما، فيما تكون الإفادة من هذه المعلومات لطبيعة تجسسية، وليس لعبور المخدرات في الأصل.

من هنا تتأتى خطورة الإتجار بالمخدرات. فهي فضلا عن خطورتها المعروفة. إلا أنها تفترض تجنيدا أوتوماتيكيا للأشخاص للقيام بمهمات ظاهرها تجاري وباطنها استخباري. هذا إن لم يكن الأشخاص من تلقاء أنفسهم يجمعون بين مهمتي الإتجار والتجسس!

التصوف والمسكرات.. علاقة تبادلية

لكن علاقة الجمهورية الإسلامية بالمخدرات، ترجع إلى ما هو أبعد من الاستخدام الاستخباري أو التجاري، بسبب القابلية العقيدية للعمل في تصنيع وترويج واستهلاك هذه المادة المنتجة. ولا سبب أقوى من التصوف نفسه الذي جعل من الكحول والحشيشة، في السابق طريقا إلى معرفة الله، على حد زعم بعضٍ من الفكر التصوفي الشيعي.

ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي والحشيشة، مثلاً، معروفة في العالم الإسلامي. حيث كان يستخدمها حسن الصباح مكافأة لجنوده البارزين الذين يؤدون مهماتهم بنجاح. وعرفت فرقته في ما بعد، على ذلك، بالحشاشين. وبصفة عامة، فإن الأفيون ينتمي تاريخيا الى وسط آسيا لعشرات القرون التي تصل الى ما قبل الميلاد. حيث ابتُدئ العمل به كعلاج، واستخدمه السومريون والفرس. حتى إن ابن سينا كان يقدمه وصفة للمرضى.

ومن المعروف أن تعاطي الخمر، على سبيل المثال، في الشعر الصوفي العربي الإسلامي، كان يحمل دلالة الاستغراق العبودي في ذات الله تعالى، ليصبح الخمر معرفة أو طريقا الى المعرفة. وأشهر مثال لا ديني في هذا السياق، هو أبو نواس، الشاعر "الخمورجي" الذي ظن الناس أن ميله غلى الخمر مجرد خلاعة أو انحلال خلقي. فيما حقيقة الأمر أن رمزية الخمر عند أبي نواس هي ذات أساس ديني تصوفي في المقام الأول. هذا مع التذكير بأن أبي نواس ينتمي في أصوله الى الفرس، بل كان يفتخر بذلك ويهين العرب، كما تذكر مروياته الشعرية المعروفة.

يقول أبو نواس في بعض خمرياته:" دَعْ عنكَ يَا صَاحِ الفكَر/ فِيمَنْ تغيّرَ أو هَجَر/ واشْرَبْ كُمَيتًا مُزّةً عنَسَتْ وأقعدها الكِبَر/ منْ كَفِّ ظبِيٍ ناعمٍ غَنِجٍ بِمُقلَتِه حوَر". الى آخر القصيدة. والشحنة الدلالية الخفية في ما ذهب إليه أبو نواس، تتمركز في صفة التعتيق والقِدم التي منحها للخمر، بإشارته إلى صفة العانس على الخمر، أي التي لم يمسسها رجل.

وللعلم فإن صفة القِدم في الخمر تتصل بصفة القِدم والشيخوخة في القمر في حالة الهلال. وهي الإشارات التي تكررها المتصوفة كثيرا في شعرها. الظبي الناعم هو، صوفيا، حركة القمر في أول ظهوره، ويشير الصوفيون إلى تماثل الصفتين ما بين ما يسمى "الظهور الإلهي" وإشراقة الضوء القمري. أما الرابط فهو في الخمر التي هي قديمة كالقمر وكالعانس التي لم يمسسها أي أحد.

هذا المدلول المعطَى للخمر، يظهر بوضوح أكثر عند الشاعر منتجب الدين العاني، وهو من شعراء التشيع الذين عرف عن شعرهم الترقق بالألفاظ. إذ يقول عن الخمر: "وأرادَ إتمامَ الكمالِ لشأنِها     فأتى لهَا التّحريمُ في قرآنِه".

أي أن تحريم الخمر، قرآنيا، تم لأجل رفع شأنها، كونها ليست مجرد مادة مسكرة. وطبعا الكلام، شرحاً وتفسيرا يعود لأصحاب القول نفسه. ويمكن الرجوع الى الدراسات التي ألفها الدكتور أسعد علي عن الشاعر منتجب الدين العاني، في كتاب يحمل اسمه، وفيه الكثير الظاهر من هذه المسائل. العاني نفسه يقول في مكان آخر:"وفكَّ عن الدّنِّ تلكَ الختومَ/ وداوِ بشربِ الحَمِيّا الهمومَ". وكثير من شعره في الاتجاه ذاته.

لأبي نواس كثير من هذه الإشارات، لا بل إن أغلب شعره الخمري مرمّز لصالح المدلول التصوفي للخمر. إذ يقول في بعض خمرياته: "صهباءُ لا تَنزِلُ الأحزانُ ساحتَها، لو مسّها حجرٌ مسّته سرّاءُ. الصهباء "الغشاشة" هنا، هي لمعان الشمس، الأخيرة التي تستخدمها بعض الأقليات الصوفية كإشارة الى "التجلي الإلهي". إلا أن أبي نواس يلعب هنا لعبته الشعرية الذكية، في إظهاره للتعارض ما بين الصفرة الدالة على الحزن والكآبة والصفرةِ الدالة على الخمر ولمعان الشمس.

لهذا قال "صهباء [إلا أنها] لا تنزل الأحزان [في وجودها]. على اعتبار أن من معالم الحزن الصفرة والذبول. لكن التفجير الدلالي هنا، والذي يظهر ما ستره الشاعر، هو في قوله "لو مسّها حجرٌ مسّته سرّاءُ". والحجر هنا كناية عن الموت والعدم واللاوجود. وباستطاعة هذه الصفرة [لمعان الشمس. قوة الفعل الإلهي] أن توجِد الحياة في قلب الحجر، من العدم. فالذات الإلهية أحدثت الوجود من العدم، كما أن هذه الذات تقدر على إحياء العظام "وهي رميم". المعنى ذاته، بمفردات مختلفة للعاشق الصوفي الشهير ابن الفارض الذي عاش أسير أحاسيسه تلك في شكل تجاوز به المتصوف الأشهر الحلاج. يقول ابن الفارض:

وَلَو نَضَحُوا منهَـا ثَرَى قَبْرِ مَيّـتٍ            لَعَادَتْ إِلَيْه الرّوحُ وانْتَعَشَ الجِسْـمُ

وبالمناسبة، يعزز ابن الفارض اتجاه تفعيل رمزية الخمر، إنما في شكل أكثر مباشرة وشرحاً وتفسيرا. ذلك أن ابن الفارض كتب شعره في أرض مصر بدون أن يكون تضاد ما بين المؤسسة الدينية والرؤى الصوفية، الذي كان أحد أسباب الترميز في بغداد. وذلك في قصيدته الشهيرة التي يفتتحها بقوله:

شرِبنا على ذِكْرِ الـحبيبِ مُدَامَــةً          سَكِرنا بِهَا من قبْلِ أنْ يُخْلَق الكَـرْمُ

لها البدْرُ كأْسٌ وهي شمسٌ يُدِيرُهـا          هـلالٌ وَكَمْ يبدُو إذا مُزِجَتْ نـجـمُ

ولولا شـذاها مَـا اهْتَدَيْتُ لِحَانِهَـا          ولوْلا سَنَاها ما تصوَّرَها الـوَهْــمُ

لا حاجة لأية إشارة لما ورد في قصيدة ابن الفارض. فهي واضحة تماماً، كما أن من ميزة هذه المقاطع الشعرية أنها جمعت، دفعة واحدة، ما بين الأجرام السماوية والخمر. ذلك الذي كان يتكتم عليه أبو نواس في قوله "صفراء" مخفيا الشمس أو ضوء القمر.

الخميني متصوّف يمجّد الخمرة في شعره

وبانعطافة سريعة الى استمرار استخدام هذه الرموز الدينية الشيعية الأصل، نجد أن أشعار مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الخميني، قد دأب على نقل واستخدام الرموز ذاتها، بالتوظيف نفسه، وبالأدوات نفسها. حيث كان للخميني تجربة شعرية معروفة وتمت ترجمتها وطباعتها الى اللغة العربية في القاهرة عام 2003، ومنها:

"قد ناء الصوفي والعارف من هذه البيداء، فاحتسى الخمر من المطرب فهو هاديك إلى الصفاء، إن أرشدني إلى باب شيخ الحانة، فلأسلكن لا بقدمي بل برأسي وروحي الطريق إليه".

وفي مكان آخر يقول:" أقبلَ رمضانُ، هوتِ الخمرةُ وتداعتِ الحانةُ. أَجِّلِ، العشقَ والطربَ والخمرةَ يا صاحِ لأوانِ السَّحَر! فقد أفطرني حبيبي الدرويشُ نبيذًا قلتُ: قد أورقَ صيامُكَ وأثمرَ، بالخمرة توضأ، ففي مذهبِ العابثين سينالُ عملُك الحُسنَى.

ومنه أيضاً:" ألا أيها الساقي أملأن بالخمر كأسي، فإنه يخلص من الخير والشر روحي.. املأن كأسي بالخمر التي تغني روحي وأخرج وجود الخداع والخيال من وجودي".

طبعا، سياق العلاقة ما بين التصوف ذي الأصول الاثني عشرية، والخمر، هو سياق طويل يرتبط بتدخلات فلسفية جمة مسيحية وهندية. إلا أن التصوف الإسلامي في عمومه، تأثر في الأصل بالمنظور الشيعي الباطني "التقية". حيث ترد الألفاظ بعامتها بما يتناقض مع سياقها الإسلامي العام.

فالخمر تعتبر محرمة، وإن وردت في شعر أحدهم، فإنها ترد كخمر مسكرة فقط، دون تحميلها دلالة ذات طابع ديني خاصةً. وعلى الرغم من أن الإيرانيين بدأوا بتطبيق عقوبات رادعة ضد مستهلكي ومروجي المخدرات مع بداية ثورة الخميني، إلا أن القاعدة الشعبية كانت قد اعتادت التعاطي في مثل هذه الأنواع، حتى باتت إيران تضم أعلى نسبة مدمني مخدرات في العالم، كما ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة.

إيران تضم أكبر نسبة مدمنين في العالم!

وفي نظرة عامة على واقع تعاطي وتجارة المخدرات في الجمهورية التي يرجعها البعض الى قربها من أفغانستان، وبالتالي انخفاض أسعارها، يجد أن ظاهرة الإدمان في إيران قاربت أن تكون وباء قوميا لما تشير إليه الإحصاءات. ففضلا عن أنها تضم أكبر نسبة مدمنين في العالم، فإن 50 % من النساء الإيرانيات السجينات مدمنات! كما رصدت المراكز الاجتماعية حوالي 300 ألف امرأة مدمنة في البلاد. ولتأكيد الصورة يقول محمد رضا جمني رئيس منظمة السلامة الاجتماعية في إيران إن 3% من مجموع السكان مدمنون. وهو من أعلى الأرقام في العالم. خصوصا أن النسبة تنسحب على فئة الشباب في الجمهورية خاصة.

وعلى ذلك، فإن إيران تستهلك أكبر نسبة من هذه المادة طبقا لعدد السكان. فقد صرح قائد شرطة خراسان الشرقية حميد رضا شرفي، بأنه في الأشهر القليلة الماضية ضبطت إيران ما يزيد عن عشرين طنا من المخدرات. حتى أصبحت إيران "الممر الذهبي" للأفيون والهيرويين.

يذكر تقرير أمريكي أن عادة تعاطي المخدرات، ترجع في الأصل الى الحضارة الفارسية القديمة. إلا أن هذه البنية لم تكن لتستمر لولا أن دافعاً داعماً ساهم بتفعيل هذه الخاصية. هذا الدافع، في الأساس، هو التعامل مع المُسكِر أو المفضي الى الغيبوبة، كأنه طريق أو مساعد الى المعرفة أو الاتصال الإلهي. فكيف لمؤسس الثورة الإسلامية في إيران، كما قدمنا سالفا، أن يتحدث عن الخمر والسكر، رمزيا، إلا لأن المسكر المفضي الى الغيبوبة جزء مساعد في التواصلية "مع الله"! نزولا عند اللعب الصوفي الذي اشتهر به المتصوفة كالحلاج، وابن الفارض. لا بل إن الحلاج كان يقوم بألعاب بهلوانية وكيميائية للتأثير على الناس وإقناعهم بقدرته على معرفة الغيب واختراق الجُدُر(!).

إن البنية المساعدة التي هي أساس صوفي، ساهمت بمقبولية الترويج والاستهلاك في شكل ما. وحتى يتم فهم المسألة أكثر، يمكن ذكر أن أغلب النخب الثقافية في الغرب ما بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أيضا كانت تتعامل مع المخدرات من منطلق كشف الأجواء وزيادة الإلهام!

وهذا بلا شك أثّر على مقبوليتها كثيراً. فالسورياليون في فرنسا والدادائيون كانوا من الجماعات الأدبية التي تظهر فيها المخدرات كعامل على تقوية الإلهام، واختراق الواقع والذات. كذلك فإن الأدب الأمريكي في مرحلة الحرب الباردة كان أغلب أسمائه من الفوضويين الذين كانت الماريوانا جزءا من تفعيل الإلهام الأدبي لديهم.

الطبيعة المزدوجة للنشاط غير الشرعي

من هنا، فإن التعامل الإيراني مع المخدرات ذو طبيعة مزدوجة، سياسية ودينية. فمن جهة تتأمن شبكة اتصال مستترة تضم عددا لا محدودا من الأفراد القابلين للتوظيف، واختراق البلدان. ومن جهة ثانية فإن التخدير، أو الغيبوبة أو السُّكر، ليس غريبا عن الحس الصوفي الذي نشأ وترعرع في ظل حركات التشيع والمد الشيعي في المنطقة العربية والإسلامية، منذ القرن الثالث عشر الميلادي.

إيران بدأت تعاني الآن من الاختراق العكسي، كما حصل مع حزب الله بالضبط. أي عوضا من أن تتحول شبكة المروجين إلى أدوات اختراق لصالح مؤسسة الأمن الإيرانية، تحول المروجون والمستهلكون الإيرانيون إلى أدوات اختراق للمؤسسة الأمنية الإيرانية من الداخل. وهذا هو السر الذي دفع بالسلطات هناك إلى الكشف عن حقيقة الأرقام المهولة التي بدأت تتكشف عن الواقع الإيراني، وتظهره بأنه أكبر مجتمع مدمن في العالم.

وإن أعلن الإيرانيون بأن القرب من أفغانستان سهّل ترويج المخدرات وتعاطيها في إيران، فإن الواقع يثبت عكس ذلك. فأفغانستان قريبة من باكستان أيضا، فلماذا لم تظهر هذه الأرقام المهولة عن المتعاطين في إسلام أباد؟! الحقيقة في الواقع نفسه. وفي البنية العقيدية التي تتعامل مع هذا المنتج، كما تعامل معه الأدباء، كمسهّل إلهامي يعزل الأنا المعذبة عن العالم.

وهي ظاهرة رافقت تاريخ التصوف الإسلامي الشيعي، أو التصوف الإسلامي اللاّسُنّي. فحلقات الطرب والرقص والدوران حول الجسد، والتصفيق والسقوط أرضا، وخروج البعض عارين في الشوارع، وكذلك التفوه بعبارات الحلول مكان الله علناً وجهاراً أمام أعين العامة.. كل هذا كانت التعبير المباشر للوقوع في حالة السكر والغياب عن الرقابة الاجتماعية الصارمة.

لهذا السبب كانت حلقات التصوف المنفلتة تبتعد شيئا فشيئا عن المدينة الإسلامية، وتقترب من الأرياف أو الجبال. خصوصا في الفترة التي تلت سقوط بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث توزعت الأقليات الصوفية ذات النزعة الجسدية الانفعالية، ما بين سورية ولبنان على الأخص، ووجدت هناك مكاناً آمناً لممارسة الطقوس التعبيرية عن مفهومها لعلاقة الله بالعالم.

 

المصدر: السياسي الإلكترونية

 



مقالات ذات صلة