نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء الثالث

بواسطة قناة حركة التاريخ قراءة 827
نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء الثالث
نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء الثالث

ويواصل الشنقيطي حديثه عن البويهيين واستمرار صعود التشيع حتى عهد الخليفة العباسي القادر بالله (481 - 422 هجرية/ 991 - 1031م ) فيقول الشنقيطي ما نصه : ( وبدأت الانعطافة السياسية والفكرية ضد التشيع لصالح التسنن عموما والمذهب الحنبلي خصوصا على يد الخليفة القادر ، في العقود الأخيرة من حكم البويهيين...وقد شجع القادر على هذا التوجه - فيما يبدو - ضعف السلطة البويهيية في بغداد بعد رحيل روادها الكبار ، وصعود القوة الغزنوية التركية المناهضة للشيعة في بلاد فارس ، وبلاد ما وراء النهر ، والجزء الشمالي من الهند. ويعتبر الخليفة القادر أول خليفة مسلم يصدر عقيدة رسمية مفصلة للدولة ، دافعا الثقافة الإسلامية دفعة قوية للانتقال من حقبة الإيمان المفتوح الى حقبة العقيدة المغلقة. وقد جاءت تلك العقيدة الرسمية - التي سماها المؤرخون المسلمون " البيان القادري " مُسبغة الشرعية على التفسير الحنبلي للعقائد الإسلامية ، ونازعة الشرعية عن غيره من التفسيرات والفهوم بنبرة احتكارية إقصائية فجة ).

وهكذا يطبق الشنقيطي مفهومه المنحرف عن العقيدة الإسلامية وكأنها لم تستقر إلا على يد القادر كـ"عقيدة مغلقة" . وقد رأينا فيما سبق تشبيهه الإسلام بما حدث للنصرانية من صياغة لعقيدتها في مجمع نيقية . وزعم انه لم يكن قبل القادر إلا "حقبة الايمان المفتوح".
فلماذا لم يقبل الصحابة "الإيمان المفتوح" من القبائل التي امتنعت عن دفع الزكاة مع إقرارها بالشهادتين.
وأيضا الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ، بسبب فهمهم الخاطئ لبعض عقائد القرآن ومحاورة الصحابة لهم وعلى رأسهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، الذي استأذن علي رضي الله عنه ، في حوارهم فأذِنَ له فذهب إليهم وحاورهم قبل معركة النهروان ورجع منهم الفان مع بعض زعمائهم بعد ان تبين لهم الحق.
والمصنفات التي تناولت العقيدة الإسلامية قبل عهد القادر - التي يسميها الشنقيطي "حقبة الإيمان المفتوح" - من الصعب حصرها: فكل علماء التابعين مثل الحسن البصري ومكحول الشامي وتلاميذ ابن عباس شرحوا مسائل العقيدة . ونشأ مذهب المعتزلة على يد واصل بن عطاء "الميت سنة 131هجرية" وصنف واصل في مسائل العقيدة ما خالف به الصحابة وإجماع خير القرون ، فرد عليه الكثير من التابعين ومنهم من ناظره في المسائل العقدية التي أثارها. وأبو حنيفة رحمه الله(ت 150 هجرية) صنّف كتاب الفقه الأكبر ، وحدد فيه عقيدة أهل السنة تحديدا منهجيا ، وردّ فيه على المعتزلة والقدرية والجهمية والشيعة. واشتمل الكتاب على خمسة أبواب : الاول في القدر ، والثاني والثالث في المشيئة ، والرابع عن من يُكفِّر بالذنب ، والخامس في الإيمان. كما تحدث فيه عن الأسماء والصفات والفطرة وعصمة الأنبياء عيهم السلام ، ومكانة الصحابة رضي الله عنهم - التي لم يحترمها الشنقيطي كما رأينا سابقا -.
وبهذا يكون الإمام أبو حنيفة أول من فصّل علم التوحيد. كما ان الإمام مالك وضع فيه رسالة. ولا ننسى ان إنشاء الخليفة المهدي لمنصب " صاحب الزنادقة " كان هدفه محاربة كل من يريد أن يبدل أو يغير او يشوه عقائد الإسلام او يدس فيها....الخ.
وهناك كتاب الإيمان لأبي القاسم بن سلام" ت 224 هجرية " وتبعه كثيرون.
وكل من كتب في عقيدة الإسلام من أهل السنة لم يأت بشيء مبتدع وإنما كان عرضا وشرحا لتلك العقائد بالأدلة الواضحة من القرآن والسنة . وهكذا يتجاهل - أو يجهل - الشنقيطي تلك المؤلفات العظيمة السابقة في العقيدة ويزعم ان القادر اول من اصدر عقيدة رسمية!!!.
ويزعم الشنقيطي ص 99 أن الخليفة القادر بالله بعث سنة387 هجرية - اي قبل مجيء الحملة الصليبية الاولى بأكثر من قرن - الى محمود الغزنوي يحضه على التضييق على الشيعة في مناطق سلطته ... ثم يأتي الشنقيطي في ص 100 ويقول ما نصه : ( ولم يضيّع محمود الغزنوي الفرصة السانحة ، فانتزع الري - قرب طهران اليوم - وبدأ حرب اضطهاد قاسية ضد الشيعة ، وكل من كانوا مبتدعة في رأيه ، سنة كانوا أو شيعة ، فسجن منهم وقتل وصلب ونفى من الأرض ، وأمر خطباء المنابر بلعنهم في مملكته على المنابر. وأصبحت للحنابلة صولة في مشرق العالم الإسلامي الذي يحكمه السلطان محمود الغزنوي مثل صولتهم في بغداد في ظل الخليفة القادر ).

وهذه القصة التي صاغها الشنقيطي بعبارة قاسية ضد محمود الغزنوي وضد الحنابلة جرت قبل 103 سنوات من مجيء الصليبيين وفي أقصى شرق عالم الإسلام بعيدا عن الشام الذي كان هدف الحملة الصليبية الاولى. وعنوان فصله هذا " الخريطة الطائفية عشية الحروب الصليبية ".
ولنا ان نتساءل هنا لماذا لم يذكر الشنقيطي حرفا واحدا عن المذبحة المروعة التي اقترفها الفاطميون في مدينة صور سنة 490 هجرية والحملة الصليبية الأولى تشق طريقها عبر آسيا الصغرى في طريقها الى بلاد الشام؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
ففي سنة 490 عصى والي صور ويُدعى الكتيلة فارسل الفاطميون حملة بحرية حاصرت صور حتى اقتحمتها ونهبت أموالها وقتلت معظم سكانها السنة.
وكان الفاطميون قبل اربع سنوات 486 هجرية قد نهبوا صور وفرضوا على أهلها دفع مبلغ كبير من المال.
وقصة هذه المظالم الفاطمية موجودة في تاريخ ابن القلانسي؛ وابن الأثير ؛ والمقريزي : اتعاظ الحنفا ؛ وابن ميسر: أخبار مصر ؛ والعظيمي ؛ وابن تغري بردي؛ وعزالدين بن شداد في كتابه الاعلاق الخطيرة ؛ وسبط بن الجوزي: مرآة الزمان.
وبعض هذه المصادر ضمن مراجع الشنقيطي. فلماذا لم يتحدث عن نهب الفاطميين لصور وقتل أهلها؟؟؟؟؟؟؟.

المتأمل في هذا الفصل يلاحظ شدة الخلط الاضطراب عند الشنقيطي وعدم التزامه بالتسلسل التاريخي فتارة يعود قرون الى الخلف ثم يقفز فجأة الى عصر الحروب الصليبية والاستطراد المخل في موضوعات لا صلة لها بموضوع البحث.

ويسهب الشنقيطي في فصله هذا عن الحديث عن الخلافات بين الأشاعرة والحنابلة في العراق بينما يهمل الحديث عن الخريطة الطائفية في بلاد الشام عشية الحروب الصليبية ولا يشير إلى كيف استولى الفاطميون على الشام لأنها تتضمن مذابح مروعة ارتكبوها بحق سكان الشام ولا يقدم عن هذا الموضوع إلا هذه الفقرة ، قال في ص 112 مانصه : ( غزا الفاطميون مصر عام 358هجرية/ 963م واتخذوها قاعدة لغزواتهم المشرقية فأرسلوا جيوشهم بانتظام لانتزاع الشام من الدولة العباسية ونجحوا في السيطرة على دمشق والقدس ومدنا شامية أخرى اكثر من مرة. ولكن نفوذهم في بلاد الشام غالبا ما كان ينحسر أمام القوة السلجوقية الجديدة في جنوب الشام ، والقوة البيزنطية القديمة في شمال الشام. ثم إن شيعة الشام كانوا إمامية في غالبيتهم العظمى ، ولم تطب نفوسهم تماما بالهيمنة الفاطمية). ولم يقدم الشنقيطي مصدرا لهذه الفقرة المضطربة.
فأولا : - السلاجقة لم يصلوا الى جنوب الشام إلا بعد أكثر من مئة سنة من بداية غزو الفاطميين للشام سنة 360 هجرية.
ثانيا : - العقبة الاولى التي واجهت الفاطميين في الشام هي القرامطة ، والتي لم يشر إليها الشنقيطي البتة بينما أسهب في الحديث عن الخلافات الفكرية بين الحنابلة والأشاعرة في بغداد!!!.
فالقرامطة كانت تربطهم بالفاطميين - قبل احتلالهم مصر - علاقات طيبة لأنهم يدينون بالعقيدة الإسماعيلية ، واعترفوا بالخليفة الفاطمي كخليفة شرعي يدينون له بالطاعة ، إلا أن تضارب المصالح بين الطرفيين أدى إلى تغيير تلك العلاقة ، فقد كان القرامطة يحصلون من الأخشيديين على إتاوة سنوية قدرها ثلاثمائة الف دينار - مقابل وقف اعتداءآتهم على مملكة الأخشيديين ، وانقطعت تلك الآتاوة بعد دخول الجيش الفاطمي دمشق سنة 360 هجرية. وسار الحسن بن احمد القرمطي من الأحساء إلى الشام سنة 360هجرية/ 971م بعد أن تلقى المساعدة من الملك البويهي بختيار ، والتقى الحسن القرمطي بجعفر بن فلاح قائد جيش الفاطميين في بلاد الشام وقتله مع كثير من جنوده المغاربة ، ودخل القرمطي إلى دمشق ، ثم سار إلى الرملة واستولى عليها ، واقام الخطبة للعباسيين وحذف خطبة الفاطميين. ثم سار القرمطي بجموعه الى مصر ، وهدد مدينة القاهرة ، إلا أن القائد الفاطمي جوهر الصقلي تمكن من صده عنها ، وهزمه هزيمة شديدة سنة 361هجرية 972م وانسحب بعدها الحسن القرمطي إلى الأحساء.
وقد أرسل الخليفة الفاطمي المعز سنة 362هجرية خطابا طويلا للحسن القرمطي فيه الكثير من ضروب الوعظ والتهديد والوعيد. فرد القرمطي على خطاب المعز بغزو الشام بعد أن انضم إليه ابن جراح الطائي بقومه ، وقصد مصر واقترب من القاهرة ، لكن الفاطميين تمكنوا من استمالة ابن جراح بالمال فانسحب عند اول اشتباك ، فحلت الهزيمة بقوات القرمطي وعاد مهزوما الى الأحساء سنة 363 هجرية.
وحاول المعز توطيد الحكم الفاطمي في الشام فقلد ظالم بن موهوب العقيلي ولاية دمشق ، وارسل إليه جيشا لمعاونته بقيادة ابي محمود بن جعفر ، ولكن جنود الفاطميين مارسوا أعمال الفساد وانتهاك الحرمات وقطع الطريق ونهب الأموال ، فثار عليهم احداث دمشق (أي شبابها وكانوا منظمين كهيئة معروفة ومعظمهم من الفقراء والعامة ولهم مقدم يسمى رئيس البلد وكانوا بضعة الاف). وعزل المعز ابا محمود بن جعغر وعيّن ريان الخادم واليا على دمشق ولكنه عجز عن استعادة الامن والنظام إلى المدينة. وفي هذا الوقت سار الى دمشق احد قادة بغداد الأتراك بعد هزيمته امام الديلم فرحب به أهل دمشق وطلبوا مساعدته ضد الفاطميين فانظم إليهم واقام الخطبة للخليفة الطائع العباسي بدلا من المعز الفاطمي.
وجهز الخليفة الفاطمي العزيز جيشا كبيرا بقيادة جوهر الصقلي لانتزاع دمشق من افتكين التركي ، فوقف اهل دمشق مع افتكين وأشاروا عليه بالاستنجاد بالحسن القرمطي ،فارسل أفتكين الى القرمطي يطلب مساعدته ، فسار القرمطي الى الشام ، ولما اقترب من دمشق انسحب عنها جوهر وسار الى عسقلان ، فلحق به القرمطي وافتكين ، وحاصراه بعسقلان ، فاضطر جوهر الى طلب الصلح من افتكين ، فوافق وأقنع حليفه القرمطي بقبوله. ونص الصلح على ان يدفع جوهر مبلغا من المال وأن يخرج بجنوده من تحت سيف افتكين ورمح القرمطي بعد أن يعلقان على باب عسقلان.
وهكذا عاد جوهر الصقلي الى مصر بعد أن تعرض للاهانة والمذلة ، وأوضح لخليفته العزيز حقيقة الوضع في بلاد الشام وما أصاب سلطان الفاطميين بها من ضعف وانهيار.
وسار الخليفة العزيز بنفسه الى الشام للقضاء على تحالف القرمطي مع افتكين التركي ، وحاول العزيز استمالة افتكين فلم ينجح ، واخيرا وقعت المعركة بين الفريقين قرب الرملة ، فحلت الهزيمة بافتكين ووقع في أسر الفاطميين وهرب القرمطي الى الأحساء ، ورغم هزيمة القرامطة إلا ان نجاحهم في هزيمة الفاطميين عدة مرات أسقط هيبة الفاطميين وشجع أهل الشام على رفض الحكم الفاطمي ومقاومته بدليل ان دمشق لم تسقط بيد الفاطميين - بعد هزيمة القرمطي - وظلت مستقلة تحت زعامة رئيس الاحداث بها ويُسمى قسّام التراب.
وهنا نتسأءل لماذا لم يشر الشنقيطي ابداً الى شيء من هذه الحوادث المرتبطة بتاريخ الشام وخريطته الطائفية عشية الحروب الصليبية. في حين رجع خمسة قرون ليقدّم إساءآته واتهاماته بالجملة لاصحاب السقيفة والفتوح الاسلامية بقادتها وجيوشها!!!.

وإذا كان الشنقيطي قد جهل هذه الكتلة الضخمة من الحروب بين القرامطة والفاطمييين فإنه تجاهل المذابح والمظالم التي اقترفها الفاطميون في بلاد الشام منذ سنة 360 وحتى سنة 490 هجرية حين وصلت الحملة الصليبية الاولى إلى شمال الشام.
وقبل الحديث في هذا الموضوع نشير إلى أنه تحدث في ص 114 - 115 باسهاب عن قتل عوام السنة للشيعة في شمال أفريقيا بسبب ما كانوا يسمعونه منهم من سب لابي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال ما نصه : ( وحينما فقد الفاطميون سلطتهم في شمال أفريقيا دفع الشيعة هناك ثمنا باهظا ، بإغضاء وتحريض السلطة السياسية السنية. ففي عام 408هجرية / 1017م قتَّل عوام السنة عددا وافرا من الشيعة في مدينة القيروان ، وفي مدينة المهدية " العاصمة السابقة للدولة الفاطمية " حرّقوهم أحياء ، وأجاعوهم حتى الموت ، ونهبوا مساكنهم ومتاجرهم ). ثم أورد ما ذكره ابن كثير وابن الأثير عن هذه الحوادث.
وهنا تظهر لنا انتقائية الشنقيطي لإبراز ما يسمونه مظلومية الشيعة وإثارة التعاطف معهم!!! فلماذا لم يتحدث الشنقيطي عن المذابح الرسمية التي ارتكبتها الدولة الفاطمية بحق أهل السنة في شمال أفريقية وبخاصة ضد مسلمي صقلية فقد ولىّ المعز الفاطمي خليل بن اسحاق على صقلية سنة 326 وظل واليا عليها حتى سنة 329 هجرية وخلال ولايته هدم أسوار المدن وأحرق مدن وبلدات كاملة على من فيها من المسلمين وافتخر بعد نهاية ولايته في مجلس خليفته المعز فقال : (قتلت خلال ولايتي على صقلية ألف ألف انسان) فرد عليه احد عقلاء تلك الدولة بقوله : "يكفيك نفس واحدة يا ابا إسحاق .
فلماذا لم يذكر الشنقيطي شيئا عن هذه الجرائم والمذابح التي قتلت مليون مسلم باعتراف الوالي الفاطمي نفسه والتي ترتب عليها ضعف صقلية الإسلامية وخلوها من معظم سكانها المسلمين الأمر الذي سهّل سقوطها بسهولة في أيدي النورمان الصليبيين!!!.
أما ما فعله الفاطميون في الشام فيكاد يكون تطهيرا عرقيا لأهل السنة ، ولم يذكر عنه الشنقيطي شيئا. ولكن قبل عرض أمثلة من هذه الجرائم نذكر نص اورده ابن القلانسي ينسف الأكاذيب التي زعمها الشنقيطي في نهاية فصله بأن غالبية سكان الشام عشية الحروب الصليبية كانوا شيعة مُردّدا أقوال كُتّاب الضاحية الجنوبية في بيروت مثل محمد حمادة ، وجعفر المهاجر.
فقد أخبرنا مؤرخ دمشق ابن القلانسي - الميت سنة ٥٥٥ هجرية - بأن أهل الشام وعلى راسهم اهل دمشق سنة يرفضون حكم الفاطميين الذين يسمونهم " المغاربة لأنهم جاءوا من المغرب. ويكنون لهم أشد الكراهية لأسباب ثلاثة أوضحها بقوله : ( وكان أهل دمشق يأبون المغاربة لمخالفتهم في الاعتقاد ولأنهم امويون ولِقُبح سيرة الناظرين الذين كانوا عليهم ) ذيل تاريخ دمشق ؛ ص 16 . وهذا النص الذي قاله ابن القلانسي يوضح ان الموقف العدائي لاهالي دمشق ، ومعهم سكان الشام ، أزاء الفاطميين ، يعود إلى الخلاف العقدي ، فأهل الشام كما هو معروف على عقيدة أهل السنة، بينما الفاطميون اسماعيليو العقيدة وقد حكم بكفرهم كبار العلماء الذين عاصروهم مثل النابلسي وابن حزم ، وكل علماء السنة الذين جاءوا بعدهم. وكان الفاطميون يريدون نشر عقائدهم في كل المناطق التي يسيطرون عليها. كما أن سكان الشام كانوا في ذلك الوقت يذكرون العصر الأموي عندما كانت الشام مركز العالم الإسلامي ، وكان أهل الشام جنود الخلافة ورجالها المخلصين. كما أن سياسة الولاة الفاطميين اتصفت بالقسوة في معاملة اهل الشام الأمر الذي حفز أهل الشام على الثورة ضد الفاطميين. ومن الأمثلة على سوء سياسة الولاة الفاطميين تجاه سكان الشام - التي لم يذكر منها الشنقيطي شيئا وذهب يتقيأ حقده على خير القرون - أن القائد الفاطمي جعفر بن فلاح لما استولى على دمشق ارسل إليه أهلها وفدا يطلب منه إصلاح شؤون مدينتهم فقبض على أعضاء الوفد جنود جعفر المغاربة وأهانوهم وسلبوا ثيابهم واخرجوهم من عنده عراة. انظروا : المقريزي ؛ اتعاظ الحنفا ج1 ص 124 - 125 .
وقام جنود جعفر بن فلاح بالعبث بالنظام العام والاعتداء على سكان دمشق وانتهاك حرماتهم فاضطر اهل دمشق لمقاتلتهم فرد الوالي الفاطمي جعفر بالقبض على زعماء دمشق وضرب أعناقهم. انظروا ؛ ابن الاثير : الكامل ، ج 8 ص 591 - 592 . وقد زاد ذلك في كراهية سكان الشام للفاطميين وجعلهم يتحينون الفرص للتخلص من سيطرتهم. وقد انضم سكان الشام الى القرامطة وافتكين التركي في حروبهم ضد الفاطميين ، إذ يذكر ابن القلانسي انه عندما سار القرمطي وافتكين التركي لمطاردة جوهر الصقلي ( اجتمع اليهما من رجال الشام وعربها تقدير خمسين ألف فارس وراجل ).
وكان الحكم الفاطمي في الشام يتصف بحكم العصابات تجاه عامة الناس وليس بمنطق الدولة المسؤولة. والدليل على هذا ما قاله ابن القلانسي : ( إن الرعية تكره المغاربة في الفساد وقطع الطريق على الصدار والوراد ).وفي سنة 363 هجرية وصل جيش فاطمي بقيادة ابي محمود بن ابراهيم بن جعفر بهدف حماية دمشق من هجمات القرامطة لكن جنوده نهبوا اسواق دمشق وزاد عبثهم وفسادهم فثار عليهم احداث دمشق وقادوا حركة المقاومة ضدهم واشعل جنود الفاطميين النار في أكثر أحياء دمشق ، واخيرا تمكن الأحداث بقيادة الماورد - رئيس شطار الأحداث - من وضع المتاريس داخل احياء دمشق لمنع الجيش الفاطمي من دخولها ، وظلت الحرب مشتعلة بين الجانبين اكثر من شهر إلى ان تم الصلح بينهما عندما تولى دمشق جيش بن محمد بن الصمصامة من قبل خاله القائد ابي محمد بن جعفر......
مذبحة الاحداث : وهي مذبحة مروعه ارتكبها الفاطميون بحق شباب دمشق الذين يسمون " الأحداث" .
وبسبب السياسة القاسية للوالي الفاطمي وجنوده تجاه سكان دمشق نهض الاحداث سنة 387 هجرية وطردوا الوالي الفاطمي سليمان بن فلاح وجنوده من دمشق ، فعينت الدولة الفاطمية في السنة التالية جيش بن محمد بن الصمصامة واليا على دمشق ، فجاء بجشه وعسكر خارج دمشق وأخذ يقيم علاقة الود والصداقة مع زعماء الأحداث ويقدم لهم الهدايا والأموال حتى وثقوا به فعمل لهم مأدبة كبيرة ودعاهم لها. ورتب الأمر بحيث كل واحد منهم ينتهي من الطعام يؤخذ الى المكان المُعد لغسل الأيدي وهناك تُضرب عنقه. وبالفعل تم قتل آلاف من شباب دمشق . انظروا ، ابن القلانسي ص 53 - 54 وهذه المذبحة الفاطمية لشباب دمشق تفوق في حجمها مذبحة محمد علي للمماليك سنة 1226 هجرية ولكنها لم تنل الشهرة التي نالتها مذبحة المماليك. فلماذا لم يشر الشنقيطي البتة لهذه المذبحة التي تشكل تطهيرا عرقيا طائفيا لأهل السنة في بلاد الشام وهو يتحدث عن الخريطة الطائفية في الشام عشية الحروب وذهب بعيدا يتحدث عن ما أسماه "الأزمة الدستورية" التي بدأت يوم السقيفة بزعمه الكذوب . ثم أطال الأكاذيب فيما أسماه بـ"الإيمان المفتوح" و"العقيدة المغلقة".

ولم يشر الشنقيطي ولا بكلمة واحدة - وهو يرسم بزعمه الخريطة الطائفية في بلاد الشام عشية الحروب الصليبية - لإمارة قبيلة طيء في جنوب الشام لأنها كانت قبيلة سنية وقاومت الحكم الفاطمي وقاتلت جيوش الفاطميين زمنا طويلا . فقد أسس المفرج بن دغفل بن الجراح الطائي إمارة طائية في جنوب الشام سنة 360 هجرية واتخذ من الرملة عاصمة له. وجرت بين آل جراح الطائيين والفاطميين وقائع يطول شرحها. ولعل اخطر حركة قام بها الطائيون ضد النفوذ الفاطمي في الشام هي ما حدث سنة 400 هجرية حين قتل الخليفة الفاطمي الحاكم والد وزيره أبو القاسم بن الحسين بن علي بن المغربي ، كما قتل عم الوزير وأخويه ، ففر الوزير إلى الشام ولجأ إلى حسان بن المفرج بن الجراح الطائي وأصبح مستشارا له. وحرّض الوزير ابن المغربي حسان الطائي وأولاده على خلع طاعة الحاكم ، ومراسلة أمير مكة أبي الفتوح بن جعفر العلوي ومبايعته خليفة للمسلمين " فإنه لامغمز في نسبه " مثل الفاطميين كما يقول مؤلف كتاب ذيل تجارب الأمم ج 3 ، ص 236 . وسار ابن المغربي الى مكة وأقنع أبا الفتوح بقبول الخلافة ووعده بتأييد قبائل الشام . وسار أبو الفتوح مع ابن المغربي إلى الشام ، وأخذ الوزير البيعة لأبي الفتوح من بني الجراح ، وضرب السكة باسمه ، وانضمت قبائل الشام إلى أبي الفتوح الذي نزل بدار الإمارة بالرملة ، وسيطر على أكثر بلاد الشام. ولكن خليفة الفاطميين الحاكم لجأ إلى سلاح المال لتفريق جموع أبي الفتوح ، فراسل حسان بن المفرج يفاوضه على التخلي عن أبي الفتوح " وترددت الرسل حتى تقرر أنه يدفع يدفع إليه خمسين ألف دينار عينا ولكل واحد من اخوته كذلك ، سوى هدايا وثياب وحظايا تُهدى إليه وإلى اخوته ، وسيّر ذلك جميعه فمالوا عن أبي الفتوح " كما يقول : ابن ظافر الأزدي في كتابه " أخبار الدول المنقطعة " ص 50 . وسعى بنو الجراح لعقد حلف مع قبيلتي كلاب بزعامة صالح بن مرداس ، وقبيلة كلب بزعامة سنان بن عليان . وفي سنة 414 هجرية اجتمع حسان بن جراح مع صالح بن مرداس وسنان بن عليان وتعاهدوا على توحيد قواهم ضد الفاطميين ونص الحلف على أن تكون فلسطين وما برسمها لحسان بن الجراح حتى باب مصر ولأخيه محمود بن جراح طبرية وما يتصل بها من الساحل ، ولسنان بن عليان دمشق وسوادها ، وحلب وما يتبعها لصالح بن مرداس. ووقعت بين الجانبين حروب طويلة كان لها آثار سيئة على احوال الشام حتى سنة 419 هجرية حين مات زعيم قبيلة كلب سنان بن عليان وخلفه في زعامة القبيلة ابن أخيه رافع بن أبي الليل بن عليان فدخل بقبيلته في طاعة الظاهر الفاطمي. وفي سنة 419 هجرية أرسل الفاطميون حملة عسكرية كبيرة إلى الشام بقيادة انوشتكين الدزبري وانضمت اليها قبيلة كلب بقيادة رافع بن ابي الليل وبعض بطون قبيلة فزارة وسار الجميع وتمكنوا من هزيمة قوات طيء وكلاب مجتمعة في معركة الاقحوانة سنة 420 هجرية. وقُتل صالح بن مرداس وابنه ، وقد أدت تلك المعركة إلى انحسار نفوذ القبائل العربية وأعاد الفاطميون سيطرتهم على جنوب ووسط الشام. كما جرت بين الفاطميين وقبيلة كلاب حروب للسيطرة على حلب ترتب عليها نتائج شبيهة بما حدث في جنوب الشام . أما دمشق فقد تدهورت أحوالها خلال الحكم الفاطمي. فعلى سبيل المثال وقع نزاع بين جنود الحامية الفاطمية وسكان دمشق سنة 460 هجرية ، ونشب القتال بين الجانبين ، وقام جنود الحامية الفاطمي بعمليات النهب ، وأشعلوا النار في بعض أحياء دمشق ، وامتد الحريق الى الجامع الأموي ، ودمره تدميرا شاملا بحيث لم يبق منه إلا جدرانه الأربعة. وظلت دمشق تعاني مما أصابها حتى تغلب عليها القائد الفاطمي معلى بن حيدرة بن منزو الكتامي سنة 461 هجرية. وانتهج فيها سياسة بالغة القسوة فعامل أهل دمشق معاملة سيئة ، وصادر أموالهم واستولى على غلات الفلاحين وفرض عليهم المكوس الباهظة مما أجبر الكثير من مزارعي دمشق على الفرار وترك حقولهم لما عانوه من بطشه وقهره. انظر: ابن القلانسي ص 95 - 96
وقد وصف لنا المؤرخ المعاصر لتلك الحقبة غرس النعمة محمد بن هلال الصابي الحالة التي أصبحت فيها دمشق آخر الحكم الفاطمي فقال : ( ولم يبق من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف افناهم الفقر والغلاء والجلاء. وكان بها مائتان وأربعون خبازا فصار بها خبازان ، والأسواق خالية، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار يُنادى عليها عشرة دنانير فلا يشتريها أحد......وأُكِلت الكلاب والسنانير وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم...) وصف غرس النعمة هذا نقله سبط بن الجوزي في كتابه مرآة الزمان ج 13 B ورقة 40 أ-ب وهذا الجزء لايزال مخطوطا.
فهل رأيتم كيف أصبحت حال دمشق في العهد الفاطمي بعد تطهير عرقي ديني دام زهاء مئة عام . وهذه الحالة لم يذكر الشنقيطي عنها شيئا لأنه يريد فقط بناء شرعية تاريخية للفكر الصفوي عن طريق الكذب والتزوير وطمس الحقائق.
حتى ولو سلمنا جدلا بكذب الشنقيطي أن غالبية سكان الشام كانوا شيعة عشية الحروب الصليبية فإن ذلك نتيجة هذا التطهير البشع الذي اقترفوه في مدن الشام مثل دمشق وصور غيرها ولم يشر الشنقيطي الى أي من هذه الجرائم ولا بكلمة واحدة!!!!!.

 

قناة حركة التاريخ

للأستاذ :الدكتور / علي محمد عودة الغامدي

 



مقالات ذات صلة