أبو عمر الرميمة
26-7-2012
الحوثية: حركة عقائدية جارودية، وهذه الفرقة الجارودية وإن كانت تنسب للشيعة الزيدية لكنها سلكت مسلك الروافض، ولذلك فإن شيخ الشيعة المفيد اعتبر الجارودية هي الشيعة، وما عداها من فرق الزيدية فليسوا بشيعة، وذلك لأن طائفة الجارودية هي التي تشاركه في أساس مذهبه في الرفض. [انظر: المفيد/ أوائل المقالات ص: 39].
"والجارودية تنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الكوفي. قال عنه أبو حاتم: كان رافضياً، يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ... ومن مقالة الجارودية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على علي -رضي الله عنه- بالإشارة والوصف دون التسمية والتعيين، وأن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره ..." [أصول مذهب الشعية الإمامية الإثني عشرية عرض ونقد للشيخ ناصر بن عبد الله بن علي القفاري (1/ 36)].
وهي أيضاً حركة سياسية شعارها: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وهذا الشعار من وجهة نظر الكاتب جميل ولا غبار عليه في ظاهره؛ فمن منا ذاك الذي يحب أمريكا أو يحب اليهود، خاصة بعد أن سمعنا قول الله تعالى: ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [المجادلة: 22].
ولا شك ولا ريب أنه لو كان هذا الشعار المرفوع والذي يلخص أهداف الحركة المعلنة.. لو كان هذا الشعار يصدقه الواقع ويشهد له، لكان لقي تعاطفاً وتشجيعاً من كثير من الناس الناقمين على أمريكا، والمتذمرين من ظلمهما، وعداوتها، وحربها على الإسلام والمسلمين، لكن المشاهد أن خدعة هذا الشعار لم تنطلِ على كثير من الناس لسببين:
أولاهما: ظاهر واضح: يبرز بطلانه من خلال تكذيب الواقع له؛ لأنه لم يحرك عند أمريكا مجرد الشعور المحتمل بالخطر، بل الحال كما قال السفير الأمريكي في اليمن: "ليس كل ما يقال حقيقة"، بل اعتراف أحد زعماء الحوثية في الخارج على شاشة قناة الجزيرة عندما قال: "ما يقوله إخواننا من شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل كلام... الحمد لله أمريكا موجودة وإسرائيل موجودة". وبالفعل هو مجرد كلام لأننا نرى الحوثيين قد سلم من إيذائها كل أمريكي وكل يهودي، وصبت جامَّ أذاها على اليمنيين في صعدة وحجة والجوف، ولو كانت أمريكا شعرت ولو بنسبة ضئيلة من القلق لكنا وجدنا أقل ما يمكن أن تعمله أن تدرج الحوثية ضمن قائمة الإرهاب، خاصة وقد طلبت الحكومة اليمنية ذلك ولم يستجب لها. وغير ذلك من المبررات الكثيرة التي يطول بيانها.
ثانيهما: أن الوسائل المعلن عنها أيضاً لتحقيق ذلكم الشعار وسائل منحرفة وباطلة بنص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، واعتبارها والعمل بها سيؤدي إلى مفاسد لا أقول مساوية أو راجحة.. بل إلى مفاسد محققة، ولذلك فالوسائل إن كانت موصوفة بما ذكرنا وتؤدي إلى مفاسد محققة كما بينا فهي وسائل ممنوعة شرعاً وعرفاً.
من هذه المقدمة نثبت أن شعار الحوثيين باطل، ونجزم بأنهم لن يصلوا إلى تحقيق أهدافهم المعلنة والمضمنة في هذا الشعار بسبب أنهم استعملوا وسيلة وحيدة لا غير يرون فيها -بحسب تصريحاتهم- الحل والمخرج والطريق لتحقيق أهدافهم، فإذا ثبت بطلان هذه الوسيلة وعدم شرعيتها، وكونها تؤدي إلى نتائج وآثار مدمرة، فالسكوت عن هذه الحركة وتركها تمضي في تحقيق هذا الشعار بل ومعاونته على تحقيقها ضرب من الجنون، حيث أن الوصول إلى هذا الهدف وتحقيقه وبتلك الوسيلة سيئة الذكر محققة المفاسد، سيجعل مصلحة تحرير القدس من الاستعمار اليهود، ومصلحة التحرر من الهيمنة الأمريكية بوضعها الحالي لا تقارن بالمفاسد العظيمة الكبيرة التي ستلحق الأمة إن هي صدقت الحوثي وسار في تحقيق هذا الشعار وبالوسيلة الوحيدة التي اعتمدها ونص عليها.
تحرير القدس والتخلص من هيمنة العدو مقصد شرعي وغاية نبيلة، ولا يمكن أن يتم تحقيقه إلا بوسائل مشروعة منصوص عليها في القرآن والسنة وفي كتب العلماء قديماً وحديثاً، وليس منها كما نعلم هذه الوسيلة الخبيثة السيئة التي نص عليها الحوثيون واعتمدوها؛ ذلك أن الحوثيين وعلى لسان زعيمهم المؤسس حسين الحوثي -وبحسب ملازمه ومحاضراته التي تعد المنهجية الثقافية والدعوية للحركة الحوثية- يصرحون بالحل للخروج من هيمنة أمريكا وإسرائيل، وينظّرون لوسيلة يعدونها هامة لهزيمتهما وكسر شوكتهما. هذا الحل الذي نص عليه حسين الحوثي في أكثر من موضع من دروسه ومحاضراته هو من جعل من هذه الحركة غير مقبولة لدى غالب الشعب اليمني المسلم، وحتى أن كثيراً ممن تراه انضم إلى هذه الحركة منبهراً بشعاراتها ودعوتها العصبية والسلالية، أو طمعاً في المال الإيراني المتدفق إليها، تراه -إما نتيجة الجهل بهذه الحركة ومأربها أو استعمالاً للتقية- يتهرب من الاعتراف بهذه الوسيلة، وينكر نسبتها إلى الحركة، وينفيها عنها، ويعتبر التهمة بها مجرد مكايدات سياسية، وأكاذيب إعلامية. مما يدل ظاهراً على عدم قبول الكثير منهم لمثل هذا الحل ولمثل هذه الوسيلة.. أتدرون ما هو هذا الحل؟ وما هي هذه الوسيلة؟ وما هي مبررات الحوثي لاعتبار هذه الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه؟ وما هي الآثار الإيجابية والحسنة التي ستتحقق من جراء اعتبار هذه الوسيلة؟ وما هي المفاسد العظيمة والآثار السيئة التي ستنتج إن تمكن الوحي من تحقيق هذا الهدف بواسطة هذه الوسيلة؟
إن الحل والشرط الوحيد والهام والمجدي والفاعل للتخلص من الهيمنة الصهيوأمريكية بل وهزيمتها وكسر شوكتها تتلخص في البراءة من العمرين (أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) وبغضهما وتكفيرهما، وانتزاع الخلافة منهما وتسليمها لعلي بن أبي طالب الشخص الكامل والمصطفى المختار من الله ليكون إماماً وقائداً وخليفة لهذه الأمة بعد نبيها، ومن ثم تسلم من بعده لأبنائه حتى تصل إلى الحوثي؛ فإن حصل ذلك سيهزم اليهود وستكسر شوكة أمريكا.
إذاً: هذا هو الحل الذي لا ثاني له، والذي عميت الأمة عنه طوال هذه القرون بسبب حبها للعمرين وتوليهما.
قد يقال: من أين لك هذا الكلام؟ أقول: إن هذا الكلام ليس ضرباً من الغيب، ولا هو من باب الاتهام بالباطل، إنه حقيقة منقولة من محاضرات الزعيم المؤسس لحركة أنصار الله حسين بدر الدين الحوثي من خلال أشرطة المحاضرات، ومن خلال الملازم التي فرغت الأشرطة إليها وهاكم الدليل:
قال: "لكن قوله: (وقى الله شرها) ليس صحيحاً، ما زال شرها إلى الآن، وما زال شر تلك البيعة التي قال عنها (فلتة) ما زال شرها إلى الآن، وما زلنا نحن المسلمين نعاني من آثارها إلى الآن. هي كانت طامة بشكل عجيب، هي سبب المشكلة وهي المُعَمِّي عن حل المشكلة، لا يوجد قضية مثلها، أن تكون هي سبب المشكلة، والذي يعمي على ألا تعرف حلها" [المائدة، الدرس الأول: ص:1 - المائدة الدرس الأول: ص1-2] " ألا ترى المسلمين كيف أنهم لم يستطيعوا حل إشكاليتهم أبداً، ألم يكن المسلمون سنية وهم متولون لأبي بكر وعمر؟ ما استطاعوا أن يصلوا على حل إطلاقاً في قضيتهم هذه في صراعهم مع أعداء الإسلام، والأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود، من عهد أبي بكر إلى الآن وهي تهبط جيل بعد جيل" [سورة المائدة - الدرس (1) ص:2] يقول: "كارثة أبي بكر وعمر كانت هي سبب مشاكل المسلمين، ثم هي من غطت على أعينهم عن أن يعرفوا الخل والمخرج منها"، وهاهو في هذا النص يشخص مشاكل الأمة على مر العصور، ويبين الحل من وجهة نظره، ويبدوا من كلامه أنه زعلان من أمة محمد التي غفلت عن هذه الوسيلة التي يدعو لها ولم تأخذ بها، ثم تراه يبين أن الأمة توصلت إليها لكنها رفضت أن تعمل بها وفضلت البقاء على هوانها، وضيعت تراب أرضها دون أن تأخذ بهذه الوسيلة قال: "قبل ألف وأربعمائة سنة، أليست فترة طويلة ألف وأربع مائة سنة؟ والمسلمون لم يجلسوا جلسة واحدة ليناقشوا لماذا؟ ما هو الخلل؟ ما الذي حصل حتى أصبحنا على هذا النحو؟ كل مائة سنة هبوط هبوط، وكم قد جاء من ضربات للأمة هذه ضربها الصليبيون ضربات شديدة، ضربها التتار والمغول ضربات شديدة، الصليبيون من قبل، والصليبيون في الفترات الاستعمارية المتأخرة، وهذا ضربة بعد ضربة حتى أصبحوا الآن تحت أقدام اليهود، ولم يجلسوا ليناقشوا المسألة من جديد، ويرجعوا إلى القرآن لينظروا هل فيه حل؟ هل هو وضع حلاً؟ هل عالج المشكلة هذه؟ هل تحدث عن أسباب هذه المشكلة؟ أبداً، ولن يتخلوا عن أبي بكر وعمر حتى آخر ذرة من البلاد العربية، وليس آخر ذرة من أرض فلسطين، حتى آخر ذرة من تراب الوطن العربي، إلى آخر ذرة تستعمر وتستذل وتقهر" [المائدة الدرس الأول: ص2] "الحل هنا لكن من يتولى أبا بكر وعمر لا يرى حلاً، لا يعرف سبب المشكلة، ولا يعرف حل المشكلة، لهذا قلنا بالنسبة للشيعة هم عليهم هم من يتبنون العمل بعيًدا عن أولئك؛ لأنهم هم من يمكن أن يكونوا هم حزب الله، نحن ليس لدينا عوائق من هذا النوع، نحن لا نحمل أبا بكر على جنب وعمر على جنب" [المائدة الدرس (1) ص:16] "والواقع شهد بهذا أنهم غلبوا وقهروا وهم أكثر عدداً وأكثر عُدة من إسرائيل، وهي داخل بلاد المسلمين فقهرتهم وأذلتهم وهم أكثر عدداً وأكثر عدة؛ لأنهم لم يكونوا بمستوى أن يكونوا حزب الله" [سورة المائدة الدرس (1) ص: 14-15].
وإذا سألناه: لماذا؟ فسيقول: لأنه "من في قلبه ذرة من الولاية لأبي بكر وعمر لا يمكن أن يهتدي إلى الطريق التي تجعله فيها من أولئك الذي وصفهم الله بقوله: ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [المائدة:54]، ولن يكون من حزب الله؛ لأنه قال فيما بعد: ((وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)) [المائدة: 56]" [المائدة، الدرس الأول ص: 14].
ويريد الحوثي كما أثبت لنا بالمثال الواقعي كيف أن أهل السنة هزمهم اليهود؛ لأنهم يتولون أبا بكر وعمر، أن يزيد يقوي مثاله السابق بمثال واقعي آخر، لكن من خلال إثبات أن من يخلع محبة أبي بكر وعمر فإنه يصبح وبجدارة حزب الله، وسينتصر على اليهود فيقول: "الشيعة الإمامية كما نراهم الآن، أليسوا هم متميزون من بين العرب جميعاً بموقفهم العالي من بين العرب؟ أليسوا هم من رفع رؤوسهم من بين العرب في إيران وفي جنوب لبنان؟ من لديهم ولاية الإمام علي عليه السلام، وسنكون نحن الزيدية جديرون بأن نكون أعظم قوة منهم؛ لأن ولاءنا للإمام علي عليه السلام، ولأهل البيت عليهم السلام -فيما نعتقد- هو أكثر إيجابية من ولائهم هم لهم؛ فتلك فقط شذرة من شذرات ولاية الإمام علي أعطتهم هذا المقام العالي، فعندما ألقوا بأبي بكر وعمر من فوق جنوبهم وتولوا الإمام علياً أصبحوا في هذا المقام" [المائدة الدرس الأول: ص: 17].
ولكي يصل إلى هذه الوسيلة قام حسين الحوثي وبكل ما يملك من قدرات خطابية ومفردات لغوية بكيل التهم لأبي بكر وعمر، وبصورة تقشعر لها الأبدان، فلم يدع باباً من أبواب الذم والتجريح والتكفير والاتهام بالتآمر، والبواطن السيئة إلا ونسبه إليهما، مما يظهر مقدار غضبه عليهما، وكرهه لهما، وعمر بن الخطاب له من ذلك كله النصيب الأوفر، فيقول: "... كل سيئة في هذه الأمة، كل ظلم وقع للأمة، وكل معاناة وقعت الأمة فيها المسئول عنها أبو بكر وعمر وعثمان، عمر بالذات؛ لأنه هو المهندس للعملية كلها، هو المرتب للعملية كلها فيما يتعلق بأبي بكر...." [المائدة، الدرس الأول ص: 1].
ثم يؤكد ذلك فيقول: "إذاً كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء إن المسئول الأول عنها هو عمر، المسئول الأول هو عمر قبل أبي بكر نفسه، قبل أبي بكر نفسه... " [دروس من وحي عاشوراء ص:3]، ويحكم عليهما بالضلال فيقول: "... كنا نسكت مع اعتقاد أنهما -أي: الشيخين أبا بكر وعمر- مخطئون عاصون ضالون" [المائدة، الدرس الرابع، ص:1]، بل يرى أن ما نسميه نحن السنة بعصر الخلافة الراشدة الحوثي يراه عصر الشر، عصر الكارثة، ولا يزال شرها إلى الآن، بل هي طامة بشكل عجيب، هي سبب المشكلة وهي سبب العماية عن الحل فقال:"لكن قوله: (وقى الله شرها) ليس صحيحاً، ما زال شرها إلى الآن، وما زال شر تلك البيعة التي قال عنها (فلتة) ما زال شرها إلى الآن، وما زلنا نحن المسلمين نعاني من آثارها إلى الآن. هي كانت طامة بشكل عجيب، هي سبب المشكلة وهي المُعَمِّي عن حل المشكلة، لا يوجد قضية مثلها، أن تكون هي سبب المشكلة، والذي يعمي على ألا تعرف حلها" [المائدة، الدرس الأول: ص:1]، ويزداد في عدوانه فيعتبرهما خارجين عن مقتضى الإيمان، فيقول: "وشيء ملاحظ في تاريخ الأمة أن كل أولئك الذين حكموا المسلمين بدأ من أبي بكر أولئك الذين حكموا المسلمين -من غير الإمام علي (عليه السلام) ومن غير أهل البيت ومن كانوا في حكمهم أيضاً- خارجين عن مقتضى الإيمان، هم من أضاعوا إيمان الأمة". [في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني ص:1]، ومن شدة بغضه ينسب لهما فعلاً لم يجرؤ أحد من قبله على نسبته لهما فيقول: "وهكذا من يهتفون الآن بأنهم يتولون السلف الصالح ممن قتل الإمام علي وفاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين، فاطمة نفسها قتلت كمداً، قتلت قهراً وهي ترى هذا الدين يعصف به من أول يوم بعد وفاة والدها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لم تبك على [فدك]، فدك قضية تؤلمها لكن لم تبك عليها، ولم تمت كمداً على فدك، إنما ماتت كمداً على هذه الأمة" [المائدة، الدرس الأول، ص:5]، ففاطمة رضي الله عنها على الرغم من أنها ماتت موتاً طبيعياً إلا أنه أعاد فحص جثتها فوجد أنها ماتت مقهورة، والسبب في موتها هما أبو بكر وعمر. فيا لله كيف يفعل البغض بأهله ... ويعمل جاهداً وفي أكثر من موضع على إظهارهما بمظهر المتآمرين والمكايدين والمدبرين للسوء، فيحكي قصة ما تسميه الشيعة برزية الخميس عندما طلب النبي من أصحابه في أيام مرضه فقال لهم: "هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده"، فيصف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بصفة المتآمر الذي" له أهداف أخرى آمال أخرى، هو لا يهمه أمر الأمة تضل أو لا تضل فيحول بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كتابة هذا الكتاب، ألم يكشف لنا هنا نفسية عمر أنه إنسان لا يهمه أمر الأمة، أنه إنسان لا يتألم فيما إذا ضلت الأمة، إنه إنسان يحول دون كتابة كلام يحول دون ضلال الأمة، هل هذا إنسان يهمه في أعماق نفسه أمر الأمة وأمر الدين؟ لا. إذاً فهذه النوعية هي التي لا تصلح إطلاقاً أن تحمل لها ذرة ولاء ... فعمر وكل من في فلكه ليسوا أمناء على الأمة، ولا يمكن أن يكونوا هم الأعلام الذين تقتدي بهم الأمة، ولا يمكن أن يؤيد الإسلام ولا كتابه ولا رسوله أن تلتف الأمة حول عمر ويكون علماً كما يصنع الآخرون". [المائدة الدرس (2) ص:20]، بل يحلل الكلام على أساس أن عمر ما قال تلك الكلمة "دعوا الرجل فقد غلبه الوجع" إلا كداعية، بحيث لو كتب الرسول الكتاب فيكون عمر قد عمل ضده دعاية مسبقة بأنه كتبه في أيام مرضه فلا يعمل به. [المائدة الدرس (2) ص:21]، ويخوف المحبين لأبي بكر وعمر بالضلال المبين فيقول: ((والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون))، يقول المفسرون الآخرون في تفسير (وهم راكعون): أي (وهم خاشعون)، لكن تعال فاقرأها وأنت ممن يدين بولاية الإمام علي عليه السلام كم ترى فيها من أبواب الهداية من آية واحدة، لكن إذا لم يكن أمامك إلا أبا بكر فلا يعطيك القرآن بكله شيئاً بل تخرج منه وأنت ضال، تجعل القرآن حرباً لله سبحانه وتعالى، تخرج وأنت تعتقد أن الله سبحانه وتعالى مصدر كل فاحشة وكل ظلم بقضائه وقدره..." [المائدة الدرس الثاني ص: 14].
إذاً: فأنت يا من تحب أبا بكر وعمر في ضلال حتى ولو كنت في طريق الهدى.. بل ويظهر نقمته على بني قومه وأتباع مذهبه ممن لا يوافقونه على مذهبه الفاسد، فيقول: "حصلت ظاهرة في أئمة متأخرين من الزيدية، حصل داخلهم حركة وتضارب، وأشياء من هذه، هل نحن أحرجنا أنفسنا بهم، ونقول سلام الله عليه وهو كان كذا؟ لا.لا سلام الله عليه وهو على باطل، لا سلام الله عليه ولو كانت عمامته كيف ما كانت، أو يحمل اسماً كيفما كان، نحن لا نتعب أنفسنا بأعلام يرتكبون باطلاً ثم نحاول أن نغطي عليهم، هذا ليس من طريقتنا إطلاقاً. متى حصل هذا؟ عند متأخري الزيدية عندما امتدت إليهم هَبّة من الروائح الكريهة من جانب شيعة هؤلاء، فدخل المعتزلة ودخل السنية، وأصبحوا متأثرين بهم، فكانوا أعلاماً منحطين، وكان صراع فيما بينهم، لم يكن مثله بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) السابقين، فتدنسوا هم بسبب ما وصل إليهم، ولأنهم لم يكونوا كاملين، ولا يمكن أن يبلغ رجلاً درجة كمال بحيث يمكن أن يلي أمر الأمة، وهو على هذا النحو؛ لأنه هو أصبح متأثراً بالآخرين، أصبح متأثراً بما هبّ من جانب أبي بكر وعمر وشيعتهم" [آل عمران - الدرس (1) ص:13].
ختاماً أقول للحوثية:
هذه الوسيلة التي تنظرون لها وتروجون وسيلة باطلة تناقض النصوص الصحيحة الصريحة في القرآن والسنة، وتناقض النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة عن أئمة آل البيت فضلاً عن علماء الأمة، ولم يخالفهم في هذا إلا رافضي أو زيدي جارودي -وهي فرقة رافضية تتدثر باسم الزيدية- ولن أستطرد في إيراد نصوص القرآن والسنة فهي معلومة ظاهرة لكل ذي قلب سليم، وإنما أورد في هذه الخاتمة مقارنة سريعة بين كلام الحوثي الهالك، وكلام أئمة آل البيت في الخلفاء الراشدين وخاصة أبي بكر وعمر؛ ليظهر لكل مرتاب بطلان ما يدعيه الحوثي وفساده وانحرافه وزيغه:
ففي نهج البلاغة من جواب رسالة بعثها الإمام علي لمعاوية رضي الله عنهما: "وذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم -زعمت- في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملاً... " [شرح نهج البلاغة (15/ 76) ترقيم الشاملة].
وفي كتاب آخر قال له: "أما بعد: فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً، كان ذلك لله رضا؛ فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباع سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصليه جهنم وساءت مصيراً" [شرح نهج البلاغة (3/ 75) ترقيم الشاملة].
فانظر إلى كلام الإمام علي: "وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً، كان ذلك لله رضا"، والمهاجرين والأنصار اختاروا أبابكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عن الجميع، واختيارهم فيه رضا الله. هذا كلام الإمام علي! وكلام الحوثي الهالك وتكفيره للخلفاء الثلاثة حين قال: "وشيء ملاحظ في تاريخ الأمة: أن كل أولئك الذين حكموا المسلمين بدأ من أبي بكر أولئك الذين حكموا المسلمين -من غير الإمام علي (عليه السلام) ومن غير أهل البيت ومن كانوا في حكمهم أيضاً- خارجين عن مقتضى الإيمان، هم من أضاعوا إيمان الأمة" [في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني ص:1].
وقال الإمام علي ومعه الزبير بن العوام في تبيين سبب تأخرهم عن بيعة أبي بكر "وقال على والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة، وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاة وهو حي" [شرح نهج البلاغة (2/ 50) ترقيم الشاملة].
وينقل الإمام الزيدي السيد يحي بن حمزة (ت: 705 هـ) عن الإمام زيد بن علي قال: "وأما حال زيد بن علي عليهما السلام فقد كان شديد المحبة لهما والموالاة، وأنه كان ينهى عن سبهما ويعاقب عليه، وروي عنه أنه لما بايعه أهل الكوفة ثم دعاهم إلى نصرته قالوا له: إنا لا نبايعك ولا ننصرك حتى تبرأ من الصحابة، فقال: كيف أتبرأ منهما وهما صهرا جدي ووزيراه... فلما أنكر التبرؤ منهما رفضوه، فلأجل ذلك سموا روافض" [الرسالة الوزاعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين ص:33-34].
كما يروي الإمام السيد يحي بن حمزة في الرسالة الوازعة (ص:29-30)، عن سويد بن غفلة أنه قال: "مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر، فدخلت على أمير المؤمنين فحكيت له ذلك، وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر لهم شيئاً مثل الذي أعلنوا به ما اجترءوا على ذلك. فقال رضي الله عنه: أعوذ بالله أن أضمر لهما شيئاً إلا الجميل الحسن، أخوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه ووزيراه، ثم نهض باكياً واتكأ على يدي وخرج وصعد المنبر وجلس ثم خطب، وقال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش بما أنا عنه منزه، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا فاجر، صحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الوفاء والصدق". وفي رواية: "لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل" ولو سردنا ثناء علماء وأئمة الزيدية على أبي بكر وعمر لطال بنا المقام، فهذا هو مذهبهم ومعتقدهم ، فعامتهم يقولون بصحبتهما وصحة خلافتهما ودورهما في خدمة الدين، ولذلك كان من خالف هذا المذهب قالوا عنه جارودي، ومن ذلك قول شيخ الإسلام الشوكاني رحمه الله تعالى في البدر الطالع: "وكذلك الشاعر المشهور الحسن بن على بن جابر الهبل، وكان متظاهراً بالرفض وثلب الأعراض المصونة من أكابر الصحابة، ومشى على طريقته تلامذته...".
وانظر هذا الكلام الجميل للإمام يحيى بن الحسين بن القاسم (1099هـ) من أئمة الزيدية في كتابه بهجة الزمن (ص: 600) قال: "وفي العشر الآخرة من هذا الشهر توفي يحيى بن حسين بن المؤيد بالله محمد بن القاسم بعد عوده من الحج بجهة شهارة، وكان المذكور له بعض معرفة بعلم النحو، وكان جارودياً في عقيدته، متحاملاً على الصحابة رضي الله عنهم، غالياً في الرفض لهم، محترقاً داعية، وكان جماعاً لكتب المثالب فيهم، مطرحاً لكتب المناقب، مبالغاً في إحصاء عثراتهم، معرضاً عن فضائلهم، آخذاً للمثالب من كتب الرافضة والكذابين مثل كتاب (المناقب والمثالب) لأبي حنيفة محمد بن النعمان الرافضي الإسماعيلي العبيدي قاضي العبيدية الذي كان بمصر أيام العبيدية، وهو من الرافضة الباطنية، ومن كتب غيره من الرافضة، وكان يطعن في مذهب الهدوية والمعتزلة وأهل السنة وينتصر للإمامية، ويدَّعي أن زيد بن علي رحمه الله كان رافضياً سباباً للصحابة، وحاشاه من ذلك، فإنه متواتر عنه خلافه، بل كان بسببه رفض الرافضة له وترك بيعته؛ لأنهم كانوا طالبوه بالكوفة لما وصل إليها أن يتبرأ من المشايخ، فامتنع وأملى فيهم حديث الرافضة المشهور، وهذا ظاهر عنه في جميع كتبه".
فهذا هو مذهب الزيدية، وهذا مذهب أئمتهم؛ فيا ترى هل عموا عن الحل أيضاً بحيث ينضموا إلى علماء السنة وأئمتهم، ويصبح المبصر للحل هو الحوثي وحده ورافضة إيران؟!
وعليه: فإن كان الإمام علي والإمام زيد والإمام الباقر والصادق وغيرهم كثير من أئمة آل البيت قد عموا عن حل الحوثي ووسيلته الباطلة، فأهلاً بهذا العمى ومرحباً، وهنيئا للحوثي بصره، ونحن نقول له: والله ثم والله ثم والله لو رأينا الروافض فتحوا القدس، ووضعوا راياتهم على المسجد الأقصى فلن نزيد على أن نقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» [متفق عليه].
والحمد الله عرفنا الحق وثبتنا عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المصدر: موقع البرهان