مصر وطهران ..هل يجتمعان؟

بواسطة علي صلاح قراءة 1790

مصر وطهران ..هل يجتمعان؟

السبت 10 من جمادى الثانية1429هـ 14-6-2008م

 

الخبر:

مفكرة الإسلام: دافع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، عن الدور المصري في المنطقة ضد منتقديه، مشددًا على أنه "لم يتراجع"، وقال: إن " منتقدي الدور المصري يريدون منا الانضمام إلى أجندة إيران" .

 

التعليق:

كتبه / علي صلاح

كلما اقتربت العلاقات المصرية ـ الإيرانية من التحسن ازدادت ابتعادًا، هذا هو مختصر القانون الذي يحكم العلاقة بين الدولتين في الآونة الأخيرة، هناك سعي حثيث من جانب طهران لتدفئة العلاقات مع القاهرة يظهر ذلك من خلال تصريحات لبعض المسئولين، وعلى الضفة الأخرى هناك تمنّع واضح. لم تعد الأسباب التي كانت تسوقها القاهرة في هذا الشأن مقنعة للرأي العام خصوصًا مع سعي طهران لتغييرها وهي المتمثلة في إطلاق اسم خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات على أحد  أكبر الشوارع في طهران وإزالة لوحة جدارية عليها صورته، لقد بدأت الأسباب الحقيقية تظهر على السطح رويدًا رويدًا وهي تتعلق بأهداف إيران التوسعية عن طريق نشر التشيع وتكوين جيوب لها كما فعلت في عدة دول مجاورة؛ وكانت العاقبة حروبًا داخلية طاحنة وفتنًا طائفية متأججة. مصر دولة سنية كبرى ورغم أن الدولة الفاطمية الشيعية سعت إلى نشر التشيع فيها وقامت بإنشاء الأزهر لهذا الغرض إلا أنها فشلت وتحوّل الأزهر إلى منارة على مدار عشرات السنين لنشر المنهج السني؛ فالشعب المصري مع عظيم حبه لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن سب الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم والهجوم عليهم وكراهيتهم, وذلك رغم المحاولات الدائبة لاختراقه عن طريق الطرق الصوفية التي تتقاطع عقديًا مع الشيعة في عدة جوانب.

اعتبارات الأمن القومي

يرى بعض الكتاب أن العلاقات بين مصر وإيران قديمة ولا يمكن بقاء حالة الشقاق بينهما، كما يرون أن هناك حالة من التماس بين أمنهما القومي ويضعون البلدين معًا ضد "إسرائيل" للحفاظ على توازن القوى في المنطقة، وهذا الطرح يتناسب مع الفترة الثورية الصاخبة التي كانت تتجاهل الأبعاد العقائدية الدينية وتقف عند حدود التصريحات النارية في وقت كانت الاجتماعات السرية تجري هنا وهناك، إلى أن تم كشفها على رءوس الأشهاد، فحقيقة الأمور تؤكد أن لطهران أطماعًا في المنطقة لا تقل عن أطماع الكيان الصهيوني، يقول الكاتب طارق حسن في صحيفة الأهرام: "يمثل المكون العرقي والطائفي أحد المصادر الرئيسية في تشكيل المنطلقات والأفكار والسياسات الإيرانية الداخلية والخارجية خاصة على الصعيد الإقليمي"‏,‏ ويقول الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري: "إن هناك احتياطات أمنية وليست سياسية، تعوق إقامة علاقات دبلوماسية بين القاهرة وطهران، موضحًا أن هذه الاحتياطات تتمثل في محاذير أمنية من انتشار التشيع في مصر". وما جاء على ألسنة قيادات التيار الصدري الشيعي بعد اختلافه مع الحكومة الإيرانية بشأن تقسيم النفوذ في العراق بين طهران وأمريكا يؤكد ذلك، كما أن الكشف مؤخرًا عن مخططات نشر التشيع في عدة دول كانت بعيدة عن هذا الفكر مثل الجزائر والسودان وفلسطين يصب في هذا المنحى، أضف إلى ذلك الخلايا الشيعية التي ضبطتها القاهرة واتهمتها بإقامة علاقات مع النظام الإيراني. أما عن العداء الإيراني لـ "إسرائيل" فهو عداء مصالح ولا يصل للتصادم، وثلاثون سنة من عمر الثورة الإيرانية أكبر برهان على ذلك حيث لم يتعد الأمر بعض التصريحات الصارخة؛ لذلك ثارت قيادات صهيونية بشدة على شاؤول موفاز نائب رئيس الوزراء "الإسرائيلي" عندما هدد بالقيام بعمليات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية وتبرّأت الحكومة من هذه التهديدات.

المصالح المشتركة والنفوذ:

العلاقات بين الدول تحكمها في الأساس ضوابط المصالح المشتركة إلا أن هذا يأتي دومًا بعد اعتبارات الأمن القومي، ومن ينظر لاعتبارات المصالح في العلاقات بين مصر وطهران يجدها تصب بشدة ناحية إيران، فإيران تسعى لتصدير ثورتها وأفكارها في واحدة من أكبر دول المنطقة وأكثرها تأثيرًا، كما أنها تعيش حالة من الزهو بشأن برنامجها النووي وقدراتها العسكرية المتزايدة وتنامي نفوذها خصوصًا بعد احتلال العراق وزوال نظام صدام الذي كان يشكل أكبر عائق في سبيل انطلاقها نحو بقية دول الخليج, يساعدها في ذلك ثروة نفطية كبيرة عززها ارتفاع الأسعار، في حين أن القاهرة تعاني منذ فترة من محدودية دورها في المنطقة مقارنة بفترات سابقة؛ نتيجة لمشاكل داخلية ولتغير في طبيعة وأدوات التأثير، كما أن القاهرة ترى اختلافًا في التوجهات بشأن عدة قضايا مثل الوضع في العراق ولبنان، أضف إلى ذلك توتر العلاقات مع سوريا والذي تحمّل القاهرة طهران جزءًا كبيرًا من أسبابه.

ماذا تحمل الأيام القادمة؟

في الأفق القريب ليس من المعتقد أن هناك فرصة للجمع بين مصر وطهران في علاقات طبيعية وإذا حصل ستكون باردة، أما على الأمد البعيد فيتوقف الأمر على العوامل التي سبق ذكرها وهي عوامل غير قابلة للتغير في الأفق القريب, كما أن للموقف الأمريكي دوره في ذلك؛ فعلاقات واشنطن بطهران تحمل قدرًا من التوتر بشأن عدة ملفات وهي تؤيد القاهرة في موقفها المتباعد عن طهران, ولكن إذا حدث تغير في محددات العلاقة بين الطرفين لا سيما بعد الانتخابات الأمريكية القادمة؛ فلعل واشنطن تمارس ضغوطًا وتقدم ضمانات ما لحث القاهرة على تطبيع العلاقات مع إيران بما يحقق مصالحها في هذا الوقت، وقد تضع لافتة "الاحتواء" كغطاء لهذا الطلب، وهي لافتة مغرية ولم تكن بعيدة عن تفكير النظام المصري في الفترة الماضية إلا أنه فيما يبدو تبين له قصورها.



مقالات ذات صلة