د.عامر الهوشان
10-8-2015
كان للعقائد الباطلة وما يزال أثر كبير على الأفراد والمنتسبين إليها , وعامل من أهم العوامل المحفزة والدافعة إلى إثارة الحروب والمعارك مع خصومها , وحث أفرادها على القتال وبذل النفس والمال في سبيلها .
ومع تفاوت الناس واختلافهم في سبب انتسابهم واعتناقهم لهذه العقيدة الباطلة , فمنهم من يفعل ذلك جلبا لمصلحة أو دفعا لمفسدة , ومنهم من ولد على هذه العقيدة فهو يتشبث بها من باب قول الله تعالى في القرآن الكريم عن رد الكافرين لدعوة الرسل والأنبياء أجمعين {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف/23 , ومنهم ألبس عليه الأمر لجهله وقلة علمه وكتراثه بالبحث عن الحقيقة , فظن أن ما عليه هو الحق وأن ما عداه هو الباطل , ومنهم ومنهم ...... , و بغض النظر عن مدى قناعة المنتسبين لهذه العقائد الباطلة , فإن آثارها بدت واضحة – خاصة في المعارك والحروب – منذ أمد بعيد وحتى اليوم .
أثر العقائد الباطلة في الحروب قديما
لقد ظهر ذلك قديما في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حروبه مع المرتدين , و في قتال مسيلمة الكذاب وأتباعه , فرغم وضوح كذب هذا المدعي وبهتانه من خلال كلامه الذي ادعى أنه وحي كالقرآن الذي ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم , إلا أن أتباعه كانوا يصدقونه ويتبعونه بغض النظر عن اختلاف أسباب ذلك عصبية أو مصلحة أو استغباء أو ...
ولعل الدليل على ذلك ما دار بين مجاعة بن مرارة - أحد أكبر متبعي مسيلمة – وخالد بن الوليد رضي الله عنه عندما أسره فقال له : أخبرني عن صاحبك - يعني مسيلمة - ماالذي يقرأكم؟ هل تحفظ منه شيئاً؟ قال : نعم فذكر له شيئاً من رجزه ، فقام خالد وضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: يامعشر المسلمين ، اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن ، ثم قال : ويحك يامجاعة ، أراك رجلاً سيداً عاقلاً اسمع إلى كتاب الله عزوجل ، ثم انظر كيف عارضه عدو الله ، فقرأ عليه خالد {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} الأعلى/1 , قال خالد : هات زدنا من كذب الخبيث ، فقال مجاعة بعض رجز مسيلمة ، فقال خالد : وهذا كان عندكم حقاً ، وكنتم تصدقونه؟!! قال مجاعة : لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غداً أكثر من عشرة ألف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الأعجل ، قال خالد : إذاً يكفيناكم الله ويعز دينه ، فإياه يقاتلون ، ودينه يريدون . (1)
وبالفعل فقد كانت معركة اليمامة من أشد وأشرس المعارك التي خاضها المسلمون , لما لاقوه من بأس وشدة قتال أتباع مسيلمة , فقد قتل في حديقة الموت قرابة عشرة آلاف , وقتل من المسلمين خمسمائة , منهم سادات الصحابة وأعيانهم وحفظة القرآن الكريم ,(2)
وقد أشار عمر بن الخطاب على إثرها على أبي بكر (رضي الله عنهما) بجمع القرآن الكريم , من كثرة ما استشهد في هذه المعركة من حفظة القرآن الكريم , مما يبين بجلاء مدى تأثير العقيدة الباطلة التي بثها هذا الأفاك على أتباعه وأنصاره , حيث يقاتلون بشراسة , ويبذلون أرواحهم ونفوسهم ثمنا لعقيدة باطلة ودين فاسد , حتى قال خالد رضي الله عنه في وصف قتالهم : شهدت عشرين زحفاً ، فلم أر قوماً أصبر لوقع السيوف ، ولا أضرب بها ، ولا أثبت أقدماً من بني حنيفة يوم اليمامة.(3)
ولقد كان للغقيدة الباطنية الباطلة (الاسماعيلية النزارية) التي تزعمها وأسسها الحسن بن الصباح , والتي عرفت جماعته (بالحشاشون) أثر كبير وعظيم على المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت , حيث بثت الرعب والخوف بسبب حركات السلب والنهب وقطع الطريق , وكذلك القتل والاغتيالات بحق العلماء والأمراء المسلمين وغيرها من الأفعال المشينة التي لازمت وجود هذه المجموعة . (4)
والغريب في هذه الجماعة الطاعة العمياء للحسن بن الصباح هذا , التي تصل إلى حد الاعتقاد والتقديس لأمره ونهيه , واعتبار الطاعة سببا لدخول الجنة التي كان يعدهم بها , تلك الجنة – الموهومة – التي كان يخدع بها الشباب الناشئ , من خلال خدعة خبيثة كان يقوم بها , حيث كان يسقيهم خمرا ممزوجا بحشيش في قلعة الموت التي كان يتحصن بها , ثم ينقلهم لحديقة غناء فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين , ليعيشوا فيها فترة غيابهم عن الوعي , ثم يوهمهم بعد صحوتهم واستيقاظهم من غيبتهم , بأن طاعة أوامره بقتل المسلمين واغتيالهم , هو ما يحول بينهم وبين دخول جنته المزعومة الوهمية التي كانوا فيها , مما يجعل الشباب المغرر بهم يتسابقون لطاعة أوامره في سبيل الوصول إلى جنته الخيالية .
لقد أعيت هذه الجماعة المسلمين في القضاء عليها , وظلت الحرب قائمة بين الدولة الإسلامية وهذه الجماعة حوالي مئتي عام , منذ تأسيسها وسيطرة الحسن بن الصباح على قلعة الموت عام 483هجرية , و حتى عهد الظاهر بيبرس الذي قضى على آخر معاقلهم في بلاد الشام عام 1270 م تقريبا , ولعل السبب الأهم في هذا الإعياء استخدام العقيدة الباطلة في الحرب والمعركة بينه وبين المسلمين .
وفي الحملات الصليبية المتتالية على العالم الإسلامي , وتحديدا في الحملة الصليبية الأولى ( 1095 – 1099 م ) استخدم النصارى عقائدهم الباطلة لإثارة حماسة جنودهم في حرب المسلمين لتحرير الأقصى الشريف من بين أيديهم – كما يدعون - , وذلك من خلال إعطاء البابا أربان الثاني إشارة الصليب المعكوف للجنود المقاتلين .
أثر العقائد الباطلة في الحروب المعاصرة
وفي العصر الحديث كان للعقائد الباطلة دور كبير في إشعال الحروب والمعارك المعاصرة , وأثر بالغ على الأفراد المشاركين في هذه الحروب والمعارك , فها هو الخميني يوزع على جنوده ومقاتليه مفاتيح الجنة أثناء الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) كما جاء على لسان كثير من القادة العراقيين أثناء أسرهم لمقاتلين إيرانيين والتحقيق معهم , وذلك لتحفيزهم على القتال وإعطائهم مفاتيح ادعى أنها لقصور في الجنة يفتحها حاملوها هناك . (5)
ولعل الحرب على العراق , والتي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بأنها حرب مقدسة , مثال صارخ أيضا على تأثير العقائد الباطلة في الحروب والمعارك المعاصرة , حيث الاعتماد على النبوءات الإنجيلية التوراتية المزعومة لنهاية العالم , والتي أسبغ عليها بوش سمة الحرب على الإرهاب إخفاء لحقيقتها العقائدية الظاهرة , وذرا للرماد على العيون .
لقد كشفت التقارير القادمة من أرض المعركة حينها , أن زيارات متتابعة للقساوسة والحاخامات تنظم يوميا إلى أرض المعركة , لمباركة الجنود والمقاتلين هناك , وإضفاء القداسة على المهمة التي يقومون بها , وتوزيع صكوك الغفران عليهم , وتلقينهم فنون الإجرام والقتل بحق المسلمين دون رحمة , لتحقيق نبوءات الكتاب المقدس .
وفي الجانب اليهودي الإسرائيلي, توسم جميع حروب إسرائيل ومعاركها مع المسلمين بهذه الصفة وهذا الوسم الديني المعروف , بدءا من حرب 1948 م وصولا إلى حرب 1967 / 1973 , وانتهاء بالحروب الحديثة على غزة ولبنان , فقد كان الطابع الديني العقائدي واضحا وبارزا , بل إن نشأة الكيان الصهيوني الغاشم في فلسطين ارتكز على العقائد اليهودية الباطلة ( الشعب المختار – أرض الميعاد – الهيكل المزعوم)
وفي هذا الجانب يمكن أن نذكر الرسالة التي بعث بها الحاخام (مردخاي إلياهو) - الذي يعتبر المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في الكيان الصهيوني- إلى رئيس الوزراء وكل القادة الصهاينة ضمن نشرة (عالم صغير) وهي عبارة عن كتيب أسبوعي يتم توزيعه في المعابد اليهودية كل يوم جمعة ، ذكر فيها قصة المجزرة التي تعرض لها (شكيم ابن حمور) والتي وردت في سفر التكوين , كدليل على النصوص التوراتية التي تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم وفقا لأخلاقيات الحرب .
وبحسب مصادر إعلامية ، قال (إلياهو) الذي شغل في الماضي منصب الحاخام الشرقي الأكبر للكيان الصهيوني : إن هذا المعيار نفسه يمكن تطبيقه على ما حدث في غزة حيث يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً من شأنه وقف إطلاق صواريخ القسام .
ودعا (مردخاي) رئيس الوزراء الصهيوني إلى مواصلة شن الحملة العسكرية على غزة معتبرا أن المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي .
ونشرت صحيفة (هآرتس) فتوى لعدد من حاخامات اليهود في الكيان الصهيوني أفتوا فيها بأنه : يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عملاق على الفلسطينيين ، ونقلت الصحيفة عن الحاخام (يسرائيل روزين) رئيس معهد (تسوميت) وأحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود فتواه التي سبق أن أصدرها في السادس والعشرين من مارس من العام 2011م , بأنه : يتوجب تطبيق حكم عملاق على كل من تعتمل كراهية إسرائيل في نفسه , وبأن حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائم .
ولا أحد ينسى صورة الحاخامات اليهودية أمام الدبابات والمصفحات اليهودية , وهم يباركون جنودهم قبل كل معركة ضد المسلمين , ويقرؤون عليهم شيئا من توراتهم المزعوم , ويعدونهم بالمجد والنعيم الذي ينتظرهم , فهم على كل حال - كما يزعمون - شعب الله المختار والمنصور في الأرض .
وفي 13/4/2013 م بث ثوار وناشطون سوريون في الرقة شريطا مصورا لجواز سفر إلى الجنة وجدوه بحوزة مقاتل إيراني في صفوف جيش النظام السوري , وقد ذكر أنه مماثل لجوازات سفر وزعها الخميني على المقاتلين الإيرانيين أثناء الحرب الإيرانية العراقية , مكتوب عليه: ( جواز سفر إلى الجنة ... ادخلوها بسلام آمنين) كما ذكر أن هذا الجواز يوزع على نطاق واسع ضمن صفوف المقاتلين في جيش النظام السوري , وذلك لحثهم وتشجيعهم على مواصلة القتال . (6)
إن الوقائع والأحداث والأدلة التي سيقت تؤكد ذلك الأثر الكبير والفعال للعقائد الباطلة في الحروب والمعارك القديمة والمعاصرة , ولعلي أشارك القارئ الكريم شعوره بالاستغراب من تصديق بعض الناس لمثل هذه الوعود الكاذبة المخادعة , ودخولهم وانخراطهم في تلك العقائد والملل التي تؤمن بذلك , ولكن الاستغراب لا ينفي الحقيقة المرة التي نعيشها , وهي أن التأثير السحري على الناس من خلال تلك الوعود والأكاذيب , جعلهم يواصلون القتال بهذه الشراسة وذلك الإصرار العجيب , على أكثر من جبهة على مدى التاريخ , لعل آخرها ما نشهده اليوم على الساحة الفلسطينية والسورية والعراقية وغيرها .
فهل من سبيل لإيقاف هذه الظاهرة على الأرض, من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية, وإظهار بطلان تلك العقائد الفاسدة, أم أن أصحاب العقيدة السليمة عن هذا غافلون ؟؟!!
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ـــــــــــــــ
الفهارس
(1) أبو بكر الصديق / الدكتور علي الصلابي / 4/108
(2) المرجع السابق 4/112
(3) المرجع السابق 4/124
(4) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/253
(5) الحرب الايرانية العراقية للدكتور فكري سليم
(6) موقع مفكرة الإسلام 13/ 4/2013 م .