أثر استخدام العقائد الباطلة في الحروب القديمة والمعاصرة

بواسطة عامر الهويشان قراءة 5766
أثر استخدام العقائد الباطلة في الحروب القديمة والمعاصرة
أثر استخدام العقائد الباطلة في الحروب القديمة والمعاصرة

د.عامر الهوشان

10-8-2015

كان للعقائد الباطلة وما يزال أثر كبير على الأفراد والمنتسبين إليها , وعامل من أهم العوامل المحفزة والدافعة إلى إثارة الحروب والمعارك مع خصومها , وحث أفرادها على القتال وبذل النفس والمال في سبيلها .

ومع تفاوت الناس واختلافهم في سبب انتسابهم واعتناقهم لهذه العقيدة الباطلة , فمنهم من يفعل ذلك جلبا لمصلحة أو دفعا لمفسدة , ومنهم من ولد على هذه العقيدة فهو يتشبث بها من باب قول الله تعالى في القرآن الكريم عن رد الكافرين لدعوة الرسل والأنبياء أجمعين {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف/23 , ومنهم ألبس عليه الأمر لجهله وقلة علمه وكتراثه بالبحث عن الحقيقة , فظن أن ما عليه هو الحق وأن ما عداه هو الباطل , ومنهم ومنهم ...... , و بغض النظر عن مدى قناعة المنتسبين لهذه العقائد الباطلة , فإن آثارها بدت واضحة – خاصة في المعارك والحروب – منذ أمد بعيد وحتى اليوم .

أثر العقائد الباطلة في الحروب قديما

لقد ظهر ذلك قديما في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حروبه مع المرتدين , و في قتال مسيلمة الكذاب وأتباعه , فرغم وضوح كذب هذا المدعي وبهتانه من خلال كلامه الذي ادعى أنه وحي كالقرآن الذي ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم , إلا أن أتباعه كانوا يصدقونه ويتبعونه بغض النظر عن اختلاف أسباب ذلك عصبية أو مصلحة أو استغباء أو ...

ولعل الدليل على ذلك ما دار بين مجاعة بن مرارة - أحد أكبر متبعي مسيلمة – وخالد بن الوليد رضي الله عنه عندما أسره فقال له : أخبرني عن صاحبك - يعني مسيلمة - ماالذي يقرأكم؟ هل تحفظ منه شيئاً؟ قال : نعم فذكر له شيئاً من رجزه ، فقام خالد وضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: يامعشر المسلمين ، اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن ، ثم قال : ويحك يامجاعة ، أراك رجلاً سيداً عاقلاً اسمع إلى كتاب الله عزوجل ، ثم انظر كيف عارضه عدو الله ، فقرأ عليه خالد {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} الأعلى/1 , قال خالد : هات زدنا من كذب الخبيث ، فقال مجاعة بعض رجز مسيلمة ، فقال خالد : وهذا كان عندكم حقاً ، وكنتم تصدقونه؟!! قال مجاعة : لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غداً أكثر من عشرة ألف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الأعجل ، قال خالد : إذاً يكفيناكم الله ويعز دينه ، فإياه يقاتلون ، ودينه يريدون . (1)

وبالفعل فقد كانت معركة اليمامة من أشد وأشرس المعارك التي خاضها المسلمون , لما لاقوه من بأس وشدة قتال أتباع مسيلمة , فقد قتل في حديقة الموت قرابة عشرة آلاف , وقتل من المسلمين خمسمائة , منهم سادات الصحابة وأعيانهم وحفظة القرآن الكريم ,(2)

وقد أشار عمر بن الخطاب على إثرها على أبي بكر (رضي الله عنهما) بجمع القرآن الكريم , من كثرة ما استشهد في هذه المعركة من حفظة القرآن الكريم , مما يبين بجلاء مدى تأثير العقيدة الباطلة التي بثها هذا الأفاك على أتباعه وأنصاره , حيث يقاتلون بشراسة , ويبذلون أرواحهم ونفوسهم ثمنا لعقيدة باطلة ودين فاسد , حتى قال خالد رضي الله عنه في وصف قتالهم : شهدت عشرين زحفاً ، فلم أر قوماً أصبر لوقع السيوف ، ولا أضرب بها ، ولا أثبت أقدماً من بني حنيفة يوم اليمامة.(3)

ولقد كان للغقيدة الباطنية الباطلة (الاسماعيلية النزارية) التي تزعمها وأسسها الحسن بن الصباح , والتي عرفت جماعته (بالحشاشون) أثر كبير وعظيم على المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت , حيث بثت الرعب والخوف بسبب حركات السلب والنهب وقطع الطريق , وكذلك القتل والاغتيالات بحق العلماء والأمراء المسلمين وغيرها من الأفعال المشينة التي لازمت وجود هذه المجموعة . (4)

والغريب في هذه الجماعة الطاعة العمياء للحسن بن الصباح هذا , التي تصل إلى حد الاعتقاد والتقديس لأمره ونهيه , واعتبار الطاعة سببا لدخول الجنة التي كان يعدهم بها , تلك الجنة – الموهومة – التي كان يخدع بها الشباب الناشئ , من خلال خدعة خبيثة كان يقوم بها , حيث كان يسقيهم خمرا ممزوجا بحشيش في قلعة الموت التي كان يتحصن بها , ثم ينقلهم لحديقة غناء فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين , ليعيشوا فيها فترة غيابهم عن الوعي , ثم يوهمهم بعد صحوتهم واستيقاظهم من غيبتهم , بأن طاعة أوامره بقتل المسلمين واغتيالهم , هو ما يحول بينهم وبين دخول جنته المزعومة الوهمية التي كانوا فيها , مما يجعل الشباب المغرر بهم يتسابقون لطاعة أوامره في سبيل الوصول إلى جنته الخيالية .

لقد أعيت هذه الجماعة المسلمين في القضاء عليها , وظلت الحرب قائمة بين الدولة الإسلامية وهذه الجماعة حوالي مئتي عام , منذ تأسيسها وسيطرة الحسن بن الصباح على قلعة الموت عام 483هجرية , و حتى عهد الظاهر بيبرس الذي قضى على آخر معاقلهم في بلاد الشام عام 1270 م تقريبا , ولعل السبب الأهم في هذا الإعياء استخدام العقيدة الباطلة في الحرب والمعركة بينه وبين المسلمين .

وفي الحملات الصليبية المتتالية على العالم الإسلامي , وتحديدا في الحملة الصليبية الأولى ( 1095 – 1099 م ) استخدم النصارى عقائدهم الباطلة لإثارة حماسة جنودهم في حرب المسلمين لتحرير الأقصى الشريف من بين أيديهم – كما يدعون - , وذلك من خلال إعطاء البابا أربان الثاني إشارة الصليب المعكوف للجنود المقاتلين .

أثر العقائد الباطلة في الحروب المعاصرة

وفي العصر الحديث كان للعقائد الباطلة دور كبير في إشعال الحروب والمعارك المعاصرة , وأثر بالغ على الأفراد المشاركين في هذه الحروب والمعارك , فها هو الخميني يوزع على جنوده ومقاتليه مفاتيح الجنة أثناء الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) كما جاء على لسان كثير من القادة العراقيين أثناء أسرهم لمقاتلين إيرانيين والتحقيق معهم , وذلك لتحفيزهم على القتال وإعطائهم مفاتيح ادعى أنها لقصور في الجنة يفتحها حاملوها هناك . (5)

ولعل الحرب على العراق , والتي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بأنها حرب مقدسة , مثال صارخ أيضا على تأثير العقائد الباطلة في الحروب والمعارك المعاصرة , حيث الاعتماد على النبوءات الإنجيلية التوراتية المزعومة لنهاية العالم , والتي أسبغ عليها بوش سمة الحرب على الإرهاب إخفاء لحقيقتها العقائدية الظاهرة , وذرا للرماد على العيون .

لقد كشفت التقارير القادمة من أرض المعركة حينها , أن زيارات متتابعة للقساوسة والحاخامات تنظم يوميا إلى أرض المعركة , لمباركة الجنود والمقاتلين هناك , وإضفاء القداسة على المهمة التي يقومون بها , وتوزيع صكوك الغفران عليهم , وتلقينهم فنون الإجرام والقتل بحق المسلمين دون رحمة , لتحقيق نبوءات الكتاب المقدس .

وفي الجانب اليهودي الإسرائيلي, توسم جميع حروب إسرائيل ومعاركها مع المسلمين بهذه الصفة وهذا الوسم الديني المعروف , بدءا من حرب 1948 م وصولا إلى حرب 1967 / 1973 , وانتهاء بالحروب الحديثة على غزة ولبنان , فقد كان الطابع الديني العقائدي واضحا وبارزا , بل إن نشأة الكيان الصهيوني الغاشم في فلسطين ارتكز على العقائد اليهودية الباطلة ( الشعب المختار – أرض الميعاد – الهيكل المزعوم)

وفي هذا الجانب يمكن أن نذكر الرسالة التي بعث بها الحاخام (مردخاي إلياهو) - الذي يعتبر المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في الكيان الصهيوني- إلى رئيس الوزراء وكل القادة الصهاينة ضمن نشرة (عالم صغير) وهي عبارة عن كتيب أسبوعي يتم توزيعه في المعابد اليهودية كل يوم جمعة ، ذكر فيها قصة المجزرة التي تعرض لها (شكيم ابن حمور) والتي وردت في سفر التكوين , كدليل على النصوص التوراتية التي تبيح لليهود فكرة العقاب الجماعي لأعدائهم وفقا لأخلاقيات الحرب .

وبحسب مصادر إعلامية ، قال (إلياهو) الذي شغل في الماضي منصب الحاخام الشرقي الأكبر للكيان الصهيوني : إن هذا المعيار نفسه يمكن تطبيقه على ما حدث في غزة حيث يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئاً من شأنه وقف إطلاق صواريخ القسام .

ودعا (مردخاي) رئيس الوزراء الصهيوني إلى مواصلة شن الحملة العسكرية على غزة معتبرا أن المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي .

ونشرت صحيفة (هآرتس) فتوى لعدد من حاخامات اليهود في الكيان الصهيوني أفتوا فيها بأنه : يتوجب على اليهود تطبيق حكم التوراة الذي نزل في قوم عملاق على الفلسطينيين ، ونقلت الصحيفة عن الحاخام (يسرائيل روزين) رئيس معهد (تسوميت) وأحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود فتواه التي سبق أن أصدرها في السادس والعشرين من مارس من العام 2011م , بأنه : يتوجب تطبيق حكم عملاق على كل من تعتمل كراهية إسرائيل في نفسه , وبأن حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائم .

ولا أحد ينسى صورة الحاخامات اليهودية أمام الدبابات والمصفحات اليهودية , وهم يباركون جنودهم قبل كل معركة ضد المسلمين , ويقرؤون عليهم شيئا من توراتهم المزعوم , ويعدونهم بالمجد والنعيم الذي ينتظرهم , فهم على كل حال - كما يزعمون - شعب الله المختار والمنصور في الأرض .

وفي 13/4/2013 م بث ثوار وناشطون سوريون في الرقة شريطا مصورا لجواز سفر إلى الجنة وجدوه بحوزة مقاتل إيراني في صفوف جيش النظام السوري , وقد ذكر أنه مماثل لجوازات سفر وزعها الخميني على المقاتلين الإيرانيين أثناء الحرب الإيرانية العراقية , مكتوب عليه: ( جواز سفر إلى الجنة ... ادخلوها بسلام آمنين) كما ذكر أن هذا الجواز يوزع على نطاق واسع ضمن صفوف المقاتلين في جيش النظام السوري , وذلك لحثهم وتشجيعهم على مواصلة القتال . (6)

إن الوقائع والأحداث والأدلة التي سيقت تؤكد ذلك الأثر الكبير والفعال للعقائد الباطلة في الحروب والمعارك القديمة والمعاصرة , ولعلي أشارك القارئ الكريم شعوره بالاستغراب من تصديق بعض الناس لمثل هذه الوعود الكاذبة المخادعة , ودخولهم وانخراطهم في تلك العقائد والملل التي تؤمن بذلك , ولكن الاستغراب لا ينفي الحقيقة المرة التي نعيشها , وهي أن التأثير السحري على الناس من خلال تلك الوعود والأكاذيب , جعلهم يواصلون القتال بهذه الشراسة وذلك الإصرار العجيب , على أكثر من جبهة على مدى التاريخ , لعل آخرها ما نشهده اليوم على الساحة الفلسطينية والسورية والعراقية وغيرها .

فهل من سبيل لإيقاف هذه الظاهرة على الأرض, من خلال نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية, وإظهار بطلان تلك العقائد الفاسدة, أم أن أصحاب العقيدة السليمة عن هذا غافلون ؟؟!!

المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث

ـــــــــــــــ

الفهارس

(1) أبو بكر الصديق / الدكتور علي الصلابي / 4/108

(2) المرجع السابق 4/112

(3) المرجع السابق 4/124

(4) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/253

(5) الحرب الايرانية العراقية للدكتور فكري سليم

(6) موقع مفكرة الإسلام 13/ 4/2013 م .



مقالات ذات صلة