بقلم مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات ... حسان القطب ..
محور ايران يمتاز بقدرته على افتعال وابتكار مصطلحات ومفردات تبرر مواقفه عندما يكون عاجزا عن مواجهة خصومه..ويحاول من خلال اطلاق هذه والعناوين والشعارات، هو اعطاء رد غير مباشر لجمهوره، الذي بدا يتساءل عن قدرة قوى المحور المهيمن على مواجهة الغطرسة "الإسرائيلية" او الهجمات الاميركية التي تطال ميليشياته ومواقعه ومعسكراته... خاصةً وان اعلام هذا المحور قد اوهم جمهوره بانه من القوة بحيث ان العالم باسره يخافه ويخشاه وان القلق موجود لدى الفريق الآخر وليس لديه.. وان اي اعتداء او هجوم واستهداف سوف يواجه برد عنيف ومزلزل وقاصم والى اخر ما هنالك من مصطلحات.. ولكن عندما لا يتم الرد ويتأخر بانتظار الوقت المناسب واللحظة المناسبة وتبريرات كثيرة مشابهة يصبح لزاماً على ادارة وقادة هذا المحور ان تبدأ البحث عن عناوين ومصطلحات ترضي جمهورها وتعطيه الطمأنينة بانها لا زالت قوية وقادرة وان التأخير في الرد إنما هو عن حكمة وتخطيط ودراسة ووعي .. لذا برز مصطلح "الصبر الاستراتيجي" ...وهذا كان آخر المصطلحات التي ابتكرها محور طهران لتبرير عجزه وضعفه وعدم قدرته الرد على ما يستهدفه من هجمات جوية واغتيالات وعمليات تخريب طالت مواقع نووية ايرانية ...
ولم تكن هذه المرة الاولى فقد سبق هذا اطلاق هذا المصطلح .. الاعلان عن مصطلح وقوف العدو الصهيوني على (رجل ونصف)... وهذا مثل شعبي لبناني معناه، عدم راحة الخصم لوضعه، بمعنى انه قلق وغير مستقر وغير مطمئن... وسبب اطلاق هذا المصطلح مؤخراً كان لتبرير عدم رد "حزب الله" على عدة هجمات جوية "إسرائيلية" استهدفت مواقع تابعة لـ"حزب الله" في سوريا... وادت لسقوط قتلى وجرحى من "حزب الله" وحلفائه ولو اعترف "حزب الله" بقتيلٍ واحد .. ووعد حسن نصرالله بالرد في حينها ولكن لم يتم الرد....الى الآن.. واخر التبريرات التي اطلقها احد الناطقين بإسم هذا "المحور" هو ان كلفة الوقوف على الحدود بقلق وعلى (رجل ونصف)... تكلف العدو الكثير وهذا بحد ذاته رد..؟؟؟؟؟
وايضاً وفي معرض تبرير اعتداءات السابع من "آيار/مايو" عام 2008، التي قام بها "حزب الله" على الشعب اللبناني... كان التبرير حينها وعلى لسان نصرالله .. "السلاح يحمي السلاح" .
أما لماذا تم ابتكار هذا المصطلح (الصبر الاستراتيجي)... فهو ان الهجمات استهدفت قلب العاصمة الايرانية ورموزها وعلمائها... وليس ادواتها وحلفائها وتابعيها... وهذا معناه ان خصوم ايران قد انتقلوا بالمواجهة الى حيث كانت ايران تتمنى ان لا تصل اليه.. وان تبقى نار المواجهة على الساحات العربية ومع حلفائها ... في لبنان وسوريا والعراق واليمن... وبالتالي فهي غير مسؤولة عن الرد وعن تحمل مسؤولية الهزيمة ولكن بإمكانها تبني الانتصارات في حال حصولها... كذلك فإن "حزب الله" يمارس كما إيران “الصبر الاستراتيجي” إدراكاً منه أن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات...
لماذا يعتبر عدم الرد الايراني وكذلك "حزب الله" عجزاً وليس صبراً استراتيجياً...
قال "الخبير العسكري يوري ليامين"، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا" سياسة "الصبر الاستراتيجي"، التي يلتزم بها الرئيس روحاني بانتظار مجيء بايدن إلى السلطة، تسبب مزيدا من الاستياء والغضب في المجتمع الإيراني والنخبة...(ووفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية" فإن "إسرائيل" نفذت أكثر من 1000 غارة جوية على مواقع إيرانية في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية)... ومع ذلك لا رد بحجم الهجمات.
تدرك ايران ان انتقال المعركة الى اراضيها معناه ان الصراع المقبل سيكون حرباً مدمرة ولن تكون نتيجته توقيع اتفاقية نووية جديدة او "اتفاقية سلام" بشروطٍ معينة، بل سوف يكون بداية تغيير واقع الشرق الاوسط وموازين القوى في المنطقة، وبالتالي فإن استثمارات عقود وسنوات من الزمن من الدماء والتضحيات والاموال والجهد الدبلوماسي سوف تذهب هدراً...كذلك فإن ثقة جمهورها واتباعها ومشروعها في المنطقة سوف يكون على المحك... لذلك فإن ايران في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها تلعق جراحها بانتظار متغيرات اقليمية او دولية او نشوب نزاعٍ ما في مكانٍ ما... او اي حدث نتيجته ان ينشغل به العالم الحر بمعالجته... كالذي جرى في الكونغرس الاميركي من فوضى او انتشار وباء كورونا...لتأخذ قيادة طهران وادواتها وقتاً مستقطعاً وتعيد فيه بناء قواتها او رسم سياساتها في المنطقة...
كما انها لن تغامر بفتح حربٍ محدودة تستهدف ادواتها في المنطقة..
فإيران لا تستطيع ان تغامر بخسارة حضور ودور وامكانيات "حزب الله" .. الذي يهيمن على الساحة اللبنانية ويهدد "إسرائيل" بين الحين والاخر... وكذلك الدول العربية وخاصةً المملكة العربية السعودية ويسمح بوجود شبكة اعلامية مؤيدة لإيران دون قيود او ضوابط....
كذلك لا تستطيع ان تخسر دور ميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق والتي تستخدمها للضغط على قوات "التحالف الدولي" والحكومة العراقية.. لذا سارع قائد "فيليق القدس" قآاني بالتوجه للعراق وطلب من ميليشيات "الحشد" عدم استهداف قوات "التحالف" حتى لا تستغل الولايات المتحدة اي اعتداء لضرب الميليشيات وربما الداخل الايراني....
وكذلك لن تتجرأ ايران على خسارة ميليشيا الحوثي التي من خلالها تؤرق المملكة العربية السعودية بإطلاق الصواريخ الباليستية والمسيرات مستهدفة اقتصاد المملكة واستقرارها...
وللدلالة على حجم مأزق طهران...فقد أعلن "مساعد قائد الحرس الثوري" الإيراني لشؤون العمليات، ”اللواء محمد رضا نقدي“، (أن بلاده أنفقت 17 مليار دولار على أنشطتها في المنطقة خلال الـ 30 عاما الماضية. وأوضح اللواء نقدي في مقابلة مع القناة الأولى للتلفزيون الحكومي الإيراني، إن هذا الانفاق شمل جميع أنشطتها في المنطقة سواء ”الدبلوماسية أو الثقافية أو الدفاعية“. وأشار إلى أن من سمّاهم بـ“المجاهدين في المنطقة“ قد أعدوا أنفسهم لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة بعد اغتيال "الجنرال قاسم سليماني"، مبينا أن ”الأمريكيين عمدوا إلى إزاحة واغتيال سليماني لمنع نفوذه في المنطقة“...)
في حين (أعلنت فيه بعض الشخصيات السياسية الإيرانية، من بينها حشمت الله فلاحت بيشة، "عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان" الإيراني السابق، أن إيران أنفقت 30 مليار دولار في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وأن هذه المبالغ التي صرفت للتدخل العسكري لإبقاء نظام الأسد في السلطة، يجب أن يعاد)..
إذاً القيادة الايرانية تدرك ان هناك مشروعاً لتغيير واقع المنطقة وهي تخشى الانجراف نحو الصراع المباشر مما يؤدي لخسارتها وانهيار مشروعها الديني والسياسي .. لذا هي بحاجة لأن تتجاهل الاعتداءات والهجمات والخسائر المتراكمة والتي يدفع معظمها ادوات ايران في المنطقة...بهدف تجاوز هذه المرحلة وضمان نجاح استثمارها العسكري والمالي في المنطقة وبالتالي لتبرير ضعفها امام شعبها وامام مؤيديها وحلفائها.. في المنطقة ... فكانت حكاية هذه المصطلحات..؟؟؟؟ وآخرها الصبر الاستراتيجي... الذي هو في الحقيقة دليل ضعف وعجز استراتيجي، وما المناورات العسكرية المتكررة التي تقوم بها طهران وتطلق خلالها آلاف الصواريخ وتستعرض مئات الزوارق والطائرات دون طيار وتنفق فيها مليارات الدولارات الا مشهد تمثيلي الهدف منها ارضاء الجمهور وليس ردع الاعداء... والولايات المتحدة و"إسرائيل" اكبر المستفيدين من متابعة ومراقبة هذه المناورات التي تعطيهم الفرصة لمراقبة ودراسة التطور العسكري الايراني وتحضير ما يلزم ويناسب لتدميره..؟؟
المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
4/6/1442
17/1/2021