دعم الشيعة والأكراد وتهميش السنة.. الخيار الإستراتيجي لبوش في العراق!!
وأيا كانت وجاهة عوامل الترقب والافتراض هذه، غير أنه لا يبدو في الأفق القريب أي مؤشر يشجع على تغيير ما، أو التفاؤل بحدوثه. وقد نقلت تقارير صحفية من واشنطن عن مسئولين أمريكيين بارزين، أنه في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الداخلية والخارجية لإجراء تغيير على المسار الراهن في العراق بعد تقرير بيكر- هاملتون، إلا أنه كان هناك إجماع على أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى إجراء تعديلات على سياستها القائمة في العراق منذ ثلاثة سنوات، وأن فوز الديمقراطيين في نوفمبر/تشرين الثاني من الشهر الماضي، ضاعف من الضغوط لاعتماد مثل هذه التعديلات.
فالإدارة الأمريكية تُعد إستراتيجية جديدة من أجل ضبط الأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق، الآيلة إن آجلا أو عاجلا إلى حرب طائفية مدمرة بين السنة والشيعة، وهذا مع بداية الشهر المقبل (يناير/كانون الثاني 2007)، بهدف إيجاد البدائل "السحرية" للاقتراحات والتوصيات التي وردت في تقرير لجنة بيكر- هاملتون، وأن المناقشات الدائرة بشأنها تتمحور حول ثلاثة خيارات رئيسية، لها الأسبقية في التنفيذ والمتابعة، ترمي لإعادة تحديد ماهية الالتزامات العسكرية والسياسية والمالية للبيت الأبيض.
* الخيارات الأساسية "الإستراتيجية" للبيت الأبيض تشمل:
1 - الزيادة "المؤقتة" في عدد القوات الأمريكية في العراق ما بين 15 و30 ألف عسكري، بغية فرض الأمن في بغداد الساخنة والمناطق السنية من العراق، وعلى رأسها محافظة الأنبار، وتسريع عمليات تدريب القوات العراقية المسلحة، وتسليمها زمام المحافظة على الأمن في أقرب الآجال. وقد جدد الرئيس بوش دعمه للمالكي في لقائه معه في عمان مؤخرا، وتعهد بنقل مسؤوليات الأمن إلى حكومته، ومنحها الإمكانات والقدرات التي تمكنها من تنفيذ مهمتها لوقف العنف والإرهاب (المقاومة).
2 - إخراج قوات الجيش الأمريكي من المناطق التي تشهد فيها حربا طائفية بين السنة والشيعة، وتركيز مهماتها الرئيسية على مطاردة "الإرهابيين" المرتبطين بتنظيم القاعدة، والانتشار في المناطق السنية التي تنشط فيها المقاومة العراقية بكل عناوينها المختلفة.
3 - توجيه الاهتمام السياسي لدعم ومساندة الأغلبية الشيعية في الجنوب والكردية في الشمال، والتخلي عن الجهود الرامية إلى التواصل والتفاهم مع السنة وفصائل المقاومة، التي لم تنجح في الوصول إلى هدنة سياسية بين الطرفين، من أجل "التوافق" على النقاط التي يراها السنة في العراق مجحفة في حقهم بعد الإطاحة بالعهد السابق، والسيطرة الشيعة على كل دواليب الحكم في العراق بعد الاحتلال.
ويبدو أن الخيار الثالث، وافق رغبة الرئيس بوش وإدارته، خاصة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، حيث تؤكد المصادر المطلعة من العاصمة أن مكتبه هو من نصح تشيني بالالتزام بهذا الخيار، ومحاولة تسويقه إلى دول الجوار، خاصة السعودية بعد زيارته الأخيرة لها، وأنه من الداعمين لحل الـ(80%) السحرية?! الخيار السياسي المقترح، الذي يوصف بخيار الحل السحري بنسبة (80%)، والذي يقضي بتسليم زمام الأمور إلى الأحزاب الشيعية الرئيسية في الجنوب العراقي، كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة عبد العزيز الحكيم، وحزب الدعوة بقيادة إبراهيم الجعفري، المقربين من نظام الملالي في إيران، وبعض التيارات والأحزاب الشيعية الصغيرة المرتبطة بالأجندة الإيرانية في المنطقة، والحزبين الكرديين في الشمال العراقي بقيادة الطالباني والبرزاني، وهما اللذان يشكلان حسب "إدعاءات" البعض، حوالي 80% من مجموع السكان العراقيين التي فازت في انتخابات العام الماضي 2005!!
في حين، لا يمكن أصلا اعتبار تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية، كما دعا إلى ذلك السيناتور الديمقراطي جو بيدن، المرشح المحتمل لمنصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، سوى وصفة لحرب أهلية أوسع في العراق، قد تجد واشنطن نفسها غارقة فيها قبل غيرها، لأن معظم المدن والقرى العراقية مؤلفة من خليط من الشيعة والسنة.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه من بين المقترحات التي يدور النقاش حولها بين بوش وإدارته، موضوع مواجهة القاعدة الذي جرت الإشارة إليه في تقرير لجنة بيكر- هاملتون، عندما دعا في الفقرة 43 منه، إلى التركيز على أعمال التدريب والاستشارة وعلى عمليات مكافحة الإرهاب دون سواها.
فاحتلال العراق والحرب الطائفية بين السنة والشيعة، كلفا الولايات المتحدة الأمريكية يوميا 226 مليون دولار، و7 مليارات دولار شهريا، أي ما يعادل 84 مليار دولار سنويا، كما أن هناك 23 ميليشيات مسلحة داخل بغداد لوحدها، ولكل وزير في الحكومة وعدد كبير من رؤساء القبائل، ميليشياتهم الدفاعية الخاصة، التي تعد بالعشرات والمئات من الأفراد.
الكل يعترف بفشل الاحتلال الأمريكي في العراق، وأن انهيار العملية السياسية كان لابد منها، نظرا لآلاف الأخطاء المرتكبة، كما قالت في حينها كونداليزا رايس منذ أشهر، مع عجز الحكومة العراقية المحتمية في المنطقة الخضراء "الآمنة"، على وقف صراعاتها وخلافاتها الحزبية والطائفية، وتسابقها على تعظيم مكاسبها الفئوية، خاصة في الطرف الشيعي المستفيد من أغلب المكاسب السياسية والاقتصادية والمالية، وانقسام البيت الأبيض على نفسه، حيث رفض الاعتراف بأن المقاومة العراقية قد انتصرت نهائيا، وأنه يصعب القضاء عليها، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي الجديد "غايتس" أمام لجنة الدفاع بالكونغرس، وأن الولايات المتحدة تغرق في الوحل العراقي يوما بعد يوم، ولا مفر من حلول سياسية جذرية، لا تستثني أحدا، وخاصة السنة، وتنازلات أليمة تحفظ ماء وجهها في المنطقة.
إن الفرصة الآن قد تكون سانحة لواشنطن، تطبيقا لتوصية بيكر-هاملتون من أجل الدفع بالمصالحة إلى الأمام وبمشاركة كل أطياف الشعب العراقي. وعملية الحوار والمصالحة هذه ليست صعبة على أبناء الشعب العراقي، لكنها أصبحت عملية بعيدة المنال، لأن الظرف الحالي قائم على "أسبقية" الحرب الأهلية الطائفية البغيضة غير المعلنة، ولا يمكن إيقافها إلا بسياسة أمريكية عادلة وحازمة، لا تستثني السنة من المعادلة، كما يروج له البعض في البيت الأبيض من المحافظين الجدد، مع وضع حد لتدخل الأطراف الخارجية، التي تزيد الطين بلة، وخاصة إيران.
إن كل الخيارات التي تمتلكها واشنطن، عاجزة عن إنقاذ "الاحتلال" قبل كل شيء، أو "تصفية المقاومة العراقية"، باعتباره الهدف الإستراتيجي، وكل منها إذا وضع موضع التنفيذ، سيفاقم لا محالة محنة الجيش الأمريكي الذي فقد أكثر من 25 ألف بين قتيل وجريح منذ شهر أبريل/نيسان 2003، ويزيد من أعباء إدارة بوش، بسبب "اقتصارها على معالجة محنتها من زاوية أمنية فقط، واعتمادها معالجات سياسية شكلية، ومع قوى لا تملك الحل" ..