التدخل الإيراني في العراق

بواسطة عزالدين بن حسين القوطالي قراءة 2788
التدخل الإيراني في العراق
التدخل الإيراني في العراق

التدخل الإيراني في العراق

نداء أخير قبل الطوفان

 

أضحى النفوذ الإيراني الفارسي في العراق من المسلمات والبديهيات بعد سقوط النظام القومي التقدمي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وما نتج عنه من انهيار كامل لكافة مؤسسات الدولة ومرافقها وبصفة خاصة المؤسسة العسكرية وما كانت تمثّله من توازن وهيبة وقفت حائلاً ولعقود طويلة دون تحقيق الأهداف المعلنة والخفية للعمائم الصفراء وحثالة الدجالين القابعين في قم ومشهد وطهران أولائك الذين كانوا ولازالوا يحلمون باستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية في أوج سطوتها وجبروتها وعنفوانها أيام كان العرب يغطون في نوم عميق ويتناحرون بلا هوادة بسبب وبدونه ويتقاتلون لعشرات السنين من أجل ناقة ويتسابقون في تقديم الولاء للفرس تارة والروم تارة أخرى حتى بعث الله فيهم رسولاً يحمل إليهم ومنهم إلى العالم بأسره رسالة الإسلام والتوحيد والعدالة ويدعوهم إلى الوحدة والتكاتف ونبذ مظاهر التجزئة والتخلف والتبعية حتى وصلت راياته إلى مشارق الأرض ومغاربها ودكّت حوافر الخيل معاقل الجبروت والظلم والعدوان فأذلّت إمبراطورية الأكاسرة وأطفأت نارهم المقدّسة وألجمت أفواه الناعقين الحاقدين الشعوبيين ممّن عزّ عليهم نهضة العرب وتقدّمهم وازدهارهم.

ومنذ ذلك التاريخ وأحفاد كسرى يتحيّنون الفرص ويتربّصون بالعروبة تحت مسميات وعناوين مختلفة فكانوا مصدراً دائماً ومتواصلاً للتآمر على جناحي هذه الحضارة الإنسانية المتمثلين في العروبة والإسلام من خلال بثّ الفتن وتشجيعها واختلاق البدع وتبنّي الحركات الانفصالية ونشر روح البغضاء بين المسلمين عبر التكتّل المذهبي والطائفي والزندقة الفكرية التي مهّدت لقيام الحركة الشعوبية القائمة أساساً على خلفية التنكيل بالعروبة ونبذ كلّ ما هو عربي والاستهتار به إذ أن هذه النزعة قامت حسبما أكده أغلب المؤرخين على مفاخرة الشعوب الأعجمية وفي مقدمتهم الفرس للعرب مفاخرة تستمد من حضاراتهم العريقة ومما كان عليه العرب من بداوة وحياة غليظة إذ يقول الشاعر الشعوبي الفارسي مهيار الديلمي في هذا النطاق :

قومي استولوا على الدهر فتى ***** ومشوا فوق رؤوس الحقب

عمموا بالشمس هاماتهم ***** وبنوا أبياتهم في الشهـب

وأبي كسرى علا إيوانـــه  ***** أين في الناس أب مثل أبي

ولم يتمكّن الشعوبيون الحاقدون من تحقيق أغراضهم وإنجاز أهدافهم رغم تخفّيهم بقميص الأئمة الشهداء من آل البيت وإدعائهم نصرة المستضعفين في الأرض ورفع راية الحق والعدل والحرية والظهور بمظهر المدافع عن المقدسات الإسلامية إذ اصطدم مكرهم وخداهم وتآمرهم وتقيّتهم بجدار صلب اسمه عراق البعث وصدام حسين الذي وقف بالمرصاد أمام الهجمة الشعوبية ورياح الدجل والشعوذة القادمة من بلاد فارس في حرب امتدت لثماني سنوات كاملة وانتهت بتجرّع آية النفاق الأعظم لكأس سمّ الهزيمة النكراء في القادسية الثانية وقد أثبت التاريخ أن الطموحات التوسعية لإيران المغلفة بغلاف طائفي مذهبي وشعارات إسلامية لم تكن إلاّ مجرّد شعارات للاستهلاك وضحك على الذقون لا صلة لها بالإسلام والمسلمين تماماً كما كانت شعارات الدولة الصفوية أيام الشاه عباس الصفوي الذي كان بدوره يدعي الحرص على الإسلام والمسلمين ولكنه في الحقيقة يدعم بكلّ قوّة الجهود الرامية إلى تقويض وحدة العرب والتنكيل بالمسلمين إلى حد تفضيل الصليبي المحتلّ على المسلم إذ نقل أحد أهمّ رموز النظام الشعــوبي الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني في كتابه الصادر عن مؤسسة إنتشارات فراهاني سنة 1387 هـ تحت عنوان ( أمير كبير: سيرة مناضل ضد الاستعمار) عن الشاه عباس الصفوي قوله : (( إن نعال واحد من النصارى لهي عندي أغلى من رؤوس كبار رجال الدولة العثمانية )) . وكأني بقادة الدولة الإيرانية الحديثة يرددون هذا القول صباحاً مساءاً مع اختلاف بسيط في التسميات والعبارات فتعوّض عبارة نعال النصارى بعبارة نعال الغزاة الأمريكيين وتستبدل عبارة رؤوس كبار الدولة العثمانية بعبارة رؤوس كبار الدولة في العراق العظيم .

وقد توفرت للصفويين الشعوبيين الجدد فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت أجيال منهم على إنجازه في حالتي السلم والحرب منذ سقوط الإمبراطورية الفارسية والى تاريخ 09/04/2003 ودخول قوات الغزو الأمريكية إلى العاصمة العراقية بغداد وما صاحب ذلك من فوضى عارمة اجتاحت الأخضر واليابس وطالت جميع مرافق الدولة والمجتمع وحالة من التدهور الأمني مهّدت عملياً لتسلل آلاف المندسين من الصفويين الجدد المرتبطين عضوياً بالآيات الشيطانية في طهران علاوة على آلاف الإيرانيين المنضوين تحت لواء ما يسمى بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذين استقروا في أغلب المحافظات العراقية بأسماء عربية ووثائق هوية مزيفة مثلما هو شأن بيان جبر واسمه الحقيقي باقر جبر سولاغ من مدينة اللار في إيران ومحمد باقر الحكيم وشقيقه عبد العزيز الطبطبائي من مدينة يزد الإيرانية وبحر العلوم من مدينة بر وجرود وحامد البياتي واسمه الحقيقي طالب الأصفهاني وآية الله مدرسي واسمه الحقيقي رهبر بور وصادق الموسوي من مدينة كرمنشاه في إيران وفائق شيخ علي واسمه الحقيقي فائق دعبول المرندي وعلي الدباغ وموفق الربيعي وغيرهم من الأعاجم الذين اتخذوا لأنفسهم أسماءاً عربية وادعوا زوراً وبهتاناً أنهم عراقيون اضطهدهم (النظام السابق) وأصبحوا بتبوّؤون مراكز حساسة في مؤسسات الدولة المهزلة في عراق ما بعد الاحتلال .

وعن طريق هؤلاء وبواسطتهم استطاع القادة الإيرانيون أن يحكموا قبضتهم على أغلب المؤسسات السياسية في العراق ومن ضمنها مجلس الوزراء ومجلس النواب فضلاً عن سيطرتهم العملية على أغلب الأحزاب الشيعية العاملة في بلاد الرافدين مثل ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وجيش المهدي وحزب الفضيلة وجماعة أحمد الجلبي وغيرها من المنظمات والتيارات الشيعية التي ساهم حكم الملالي في تمويلها بالمال والرجال والعتاد حتى أصبحت كلها تدور في فلك إيران وتأتمر بأمرها وتنفذ إملاءاتها وتنخرط طوعاً في مشاريعها التآمرية تحت عنوان مذهبي طائفي لخّصه السيد محمد علي الشيرازي أستاذ الحوزة العلمية في مدينة مشهد حينما صرّح لجريدة القبس الكويتية العدد 11262 السنة 33 بتاريخ 15/10/2004 صفحة 4 قائلاً: (( إن من حق إيران أن تتدخّل في شؤون الشيعة في كلّ مكان لأنها هي ولية الشيعة ووجود عناصر استخبارات ليس جريمة سياسية لأن العراق بلد شيعي وتوجد به العتبات المقدسة والمرجعية الدينية ...)) فمثل هذا التبرير يفسّر بالضرورة سعي إيران الدائم والمتواصل للسيطرة على بلاد الرافدين ومحاولة تصدير الفوضى والدجل والشعوذة إلى باقي الدول العربية التي تحتضن أقليات شيعية كالسعودية والكويت وغيرها وكيف لا وقد اعتبرت إيران نفسها ولية للشيعة في العالم وشرّعت تحت هذا العنوان التدخّل السافر في شؤون العراقيين من خلال الزجّ بآلاف من العناصر الإستخباراتية وعشرات الآلاف من المجندين والعملاء والجواسيس إذ كشف السيد محمد المحدثين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خلال مؤتمر صحفي عقد في باريس عن قائمة طويلة تضمّ أكثر من 31.690 عراقيا مرتبطين بنظام الملالي في إيران ويتقاضون أجوراً شهرية ورواتب لقاء عمالتهم وخيانتهم وتآمرهم على وحدة ومستقبل العراق والخطير في تلك القائمة أنها تضمّنت أسماء لوزراء وأعضاء في المجلس الوطني وشخصيات سياسية ودينية وثقافية كانوا إلى زمن قريب يتبجّحون بوطنيتهم واستقلاليتهم ونظافة أيديهم حتى كشف أمرهم ونشر غسيلهم الوسخ على صفحات وسائل الإعلام وأصبحت فضيحتهم على كلّ لسان شريف في العراق والعالم ؛ فالوثيقة التي نشرها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الجناح السياسي لحركة مجاهدي خلق جاءت دقيقة للغاية ومفصلة ودامغة بشكل أفقد الصفويين الجدد في إيران والعراق صوابهم وجعلهم مشدوهين صمّ بكم عمي فهم لا يبصرون من هول الفضيحة وهذا ما يفسّر تعدد الأصوات الداعية في أيامنا هذه إلى طرد منظمة مجاهدي خلق من الأراضي العراقية بعلة مساعدتها للمقاومة الوطنية وإسنادها لما يسميه أعوان دولة الفرس الصفوية العنصرية بـ"فلول الإرهاب" والحال أن شعبنا العربي في العراق مدين لتلك المنظمة التي كشفت المستور وأماطت اللثام عن أعداء العراق الحقيقيين الذين يتخفون بعمامة دينية وشعارات طائفية وحرص مزعوم على وحدة واستقلال بلاد الرافدين في حين أنهم جاؤوا يحملون خنجر الغدر بين طيات ثيابهم ويتقاضون أجورا لقاء تقتيلهم للعراقيين وبثّهم للفتنة والحقد والبغضاء وتآمرهم من أجل تقسيم العراق خدمة لمصلحة أسيادهم في قم وطهران وهذا بالضبط ما تضمنته الوثيقة الخطيرة التي احتوت قائمة اسمية مطوّلة للعملاء والجواسيس وأرقام حسابهم البنكي ورواتبهم بالريال الإيراني وأسماؤهم الحركية ورتبهم العسكرية وتاريخ تجنيدهم واسم الوحدة التي ينتمون إليها .

وفي واقع الأمر فإن ما كشفت عنه تلك الوثيقة كان معلوماً لدى أغلب المتابعين للشأن العراقي منذ سقوط بغداد إذ حذّرت التقارير الواردة حينذاك من تغلغل الإيرانيين داخل المدن العراقية من خلال مكاتب الاستخبارات العاملة تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية والدينية والاجتماعية والثقافية وترتيب زيارة العتبات المقدسة مثل ما يسمى بمكتب مساعدة فقراء شيعة العراق الذي يعتبر واجهة لتجنيد آلاف العراقيين لفائدة المخابرات الإيرانية هذا فضلاً عن شراء أكثر من 5700 وحدة سكنية بمختف المدن العراقية وخاصة بمدينتي النجف وكربلاء مما يؤكّد بصفة قاطعة أن التدخل الإيراني في العراق طال ما هو سياسي واجتماعي وثقافي وديني وأمني بشكل أصبح فيه العراقيون تحت رحمة آيات الغدر والخيانة والدجل في طهران وأضحى فيه العراق أسيراً للاحتلال الأمريكي من جهة والفارسي الصفوي من جهة ثانية وهو ما ينذر بالخطر على المدى القريب طالما لم يتفطّن العراقيون إلى حجم الكارثة ويتعاملوا مع الوجود الصفوي الإيراني باعتباره احتلالاً مثله مثل الاحتلال الأمريكي فهذا الأخير احتلال مكشوف ومباشر وعلني في حين أن الاحتلال الإيراني مغلّف بغطاء طائفي وديني يخفي وراءه حقداً تاريخياً دفيناً على العروبة والإسلام ورغبة جامحة في الانتقام من أبناء القادسية الأولى والثانية قادسية سعد وقادسية صدام وبهذه الخلاصة أتوجه إلى أبناء شعبنا الصابر المجاهد في العراق العظيم بنداء أخير من أجل اليقظة والحذر قبل أن يطال الطوفان الأخضر واليابس اللهمّ فأشهد اللهمّ إني بلغت .

إسرج خيولك إن الروم تقترب *** ووجه أمك قتال به العتب

إسرج خيولك كسرى عاد ثانية *** وشهوة الملك في عينيه تلتهب

 

عزالدين بن حسين القوطالي

تونس في : 23/02/2006

 



مقالات ذات صلة