عزمة التشيع

بواسطة ناصر العتيبي قراءة 674

عزمة التشيع

 

 ناصر العتيبي

 

في إصرار وعزيمة وتفانٍ يفوق التصورات ويتجاوز التخيلات يمضي سدنة الحكم وصانعي القرار وعصبة النظام في إيران على اختلاف ألوانهم وتعدد آرائهم وتباين أنظارهم واتجاهاتهم، إلا أن ثمة أهدافاً وقضايا لا تخضع للجدال أو يمتريها المناقشة والحديث، لأن المساحة ضيقة ولا تقبل أي لسان مهما علا صوته أو اشتهر خبره في العالم، فإن خطوطاً ضوئية تراقبه وتتابعه وتقف في وجهه..

إن عقيدة باطلة كتب لها الانتشار والظهور، وقدر لها أن يكون لها أتباع وأجندة في مناطق شتى ودول متباعدة ومتقاربة، لهي بحق تستحق الوقوف على أهم الملامح التي جعلت أصحابها ومدبرو المؤامرة فيها أن تستمر ولا تبذل أو تخفق على قدر تقدم العالم في المعرفة والتقنية ووفرة الوسائل الحديثة التي تسهل المعلومة وتقرب من الحقيقة وتشخص المرض وتظهر الحق للضالين وتعلنه، ولكن ما أهم الأسباب التي جعلت من أتباع المذهب يصرون ويتمادون فيما هم عليه مع التقدم الملحوظ والمستمر نحو تحقيق الأهداف المحددة والخطط المدروسة والمرسومة مسبقاً... إن وسائل معرفة الحقيقة للضال من هذه الأمة كثيرة جداً – وإن كان القصور لا يزال موجوداً – وقد يكفي في واحدة منها أن تقنع الملايين من الضالين، ولكن نجد أن التأثير لا يزال محدداً وتقدم أهل السنة وتراجع المد الشيعي كذلك يمر ببطء، ما يجعل المتابع يتساءل:

- هل الأقدار الإلهية والسنن الكونية قدرت على قرن التشيع خاصة في هذا العصر أن يعلو في الأرض، كما هو الحال في علو بني إسرائيل أو بعد هذا العلو تأتي النطحة الثانية التي لا تقوم لدولة فارس بعدها قائمة إلى قيام الساعة؟

- وهل أهل السنة فعلاً قاموا بالدور المنشود وبذلوا الأسباب في البلاغ والبيان ووصول الحجة الرسالية إلى أولئك الذين استهواهم الشيطان وراحوا يركضون خلفه ويسعون وراءه ويظنون أنهم أهدى من أهل السنة سبيلاً وأقوم طريقاً. ولماذا لا يزال كثير من المغرورين والمعجبين بالتشيع على ما هم عليه ولم يتراجعوا أو تتضح لهم حقيقة الشيعة بالرغم من وضوح التشيع للعالمين الأعجمي قبل العربي، وكل يوم تنكشف الحقيقة أكثر ويمتاز المجرمون أكثر، ويعلو الحق ويشمخ ويحلق في السماء أكثر، ولكن فإن التأثير لا يزال قليلاً جداً..

- وهل وسائل وأساليب الشيعة وقوة حجتهم ووضوح منهجهم وإصرارهم وتعاضدهم وتناصرهم فيما بينهم يفوق أهل السنة على كثرتهم وتميزهم وسلامة منهجهم ووضوح الحق معهم.

تساؤلات متعددة قد تراود الفرد السني الذي يطمح لأن يتحقق نصراً عظيماً في انتشار عقيدة أهل السنة ووصولها للعالم أجمع والدعوة إليها وتحييها في قلوب الناس وبذل كل شيء من أجلها والتضحية في سبيلها وإيقاف جميع العزمات الشيعية التي أصبحت أكثر بروزاً من ذي قبل..

- عزمة التجدد والتوسع والانتشار الأسود الذي ينفق لأجله ميزانيات هائلة في العالم بأسره.

- عزمة ممارسة الطقوس الدينية الموسمية منها واليومية على مرأى من الناس ومسمع، وإن استنكرها مستنكر أو خالفت العالم، مادام أنها توافق العقيدة والمذهب الشيعي.

- عزمة صناعة الفضائيات المتعددة والقنوات الإعلامية المختلفة والظهور الإعلامي المهيب والترويج عبره لكل ما هو شيعي أو يتعاطف معهم أو يبشر بهم.

- عزمة طباعة الكتب التي ربما كانت ممنوعة أو عند علماء الطائفة أنفسهم كما أن آية الله البروجردي كان وقد منع طباعة بحار الأنوار كله إلا بعد تنقية الغلو منه ظاهراً، إلا أنه وبعد موته أعيدت طباعة الكتاب وجميع كتب الطائفة مع الإصرار على إبقاء الروايات الباطلة فيها ودون تحديد موقف منها.

- عزمة الترويج للمذهب عبر المواقع الإلكترونية ووضع جميع المعلومات الشيعية فيها، حتى يسهل على من يريدها أو ينشدها، مع إنفاق الأموال والطاقات والكوادر لمحاربة المواقع السنية التي تسعى لتدميرها وإيقافها.

- عزمتة الثورات في البلدان السنية، والتدخل المباشر في سياساتها، واختلاق المشاكل معها، والعمل مع الأجندة التي تعمل لصالحها على تهديد أمن واستقرار البلدان السنية، والعمل مع سفاراتها في العالم للجاسوسية لصالح إيران وحليفاتها في المنطقة.

- عزمة المؤامرة على قطع عوام الشيعة وبسطائهم عن معرفة الحقيقة أو الاطلاع على ما عند الآخرين المخالفين للشيعة من مصادر أو ترجمة أو نحوها، وإبقائهم مأسورين لروايات الطائفة متفادين الفتاوى وآراء واجتهادات الملالي والمراجع، ومن يفكر الخروج عن عقيدته فإن مصيره معروف.

- عزمة إبعاد شعب إيران عن اللغة العربية أو تدريسها والإصرار على اللغة الفارسية، والحقد الدفين لكل ما هو عربي، أو يمد إلى العرب بصلة.

- عزمة التقية والمخادعة والنفاق للمخالفين، ومعاداتهم في الباطن والتحريض ضدهم وإعلان النفير العام والتهيؤ لافتعال حروب ومعارك مع السنة واستباحة أموالهم ودمائهم ، وفي المقابل الموالاة للكافرين ومناصرتهم ضد المسلمين كما هو حال الشيعة في أفغانستان والعراق وغيرها.

- عزمة ممارسة الأخلاق القبيحة والعادات الذميمة كالمتعة وضرب الأجساد بالسلاسل وغرها بما يمارسونه أمام الملأ، مع عدم الاستحياء من الآخرين أياً كانوا.

- عزمة تكفير الصحابة وإعلان البراءة منهم وإلصاق كل ما هون قبيح بهم، وسلبهم الفضائل التي نص القرآن عليها ووسمهم بها.

- عزمة الإصرار على العقائد الفاسدة والمبادئ الباطلة والأفكار الضالة والمناهج المنحرفة والآراء المزيفة، وعدم الالتفات لأي تصحيح أو اعتدال أو قبول رأي من مخالف أو مشورة من ناصح، وتجاهل الكل والمضي قدماً نحو الشيطان وبعداً من الرحمن جل في علاه.

عزم وإصرار يقابل قصور سني وتفريغ للطاقات في غير محلها، وعدم معرفة ما يدار حولهم من أخطار تتصاعد من يوم لآخر وغفلة مستحكمة على الكثير، والنبهاء من أهل السنة لا تزال جهودهم فردية وآراؤهم متفرقة وإمكانياتهم قليلة جداً أمام البعبع الشيعي القادم والذي أصبح كل يوم وهو أكثر تفكيراً وأعمق تخطيطاً.

كما لا يزال بعض الباحثين السنة يشكك في عدم عزمات الشيعة على الانتشار والتجدد والإصرار على ما هم عليه، كما أن البعض أيضاً يكتب عن التراجع للمد الشيعي وأظنه بعيد جداً عن الواقع الملموس والمشاهد للحركة الشيعية والعمل الحثيث والدءوب في العالم بأسره لنشره، وإن كان في بعض المناطق وهي قليلة قد يخفق أو يتخذ أساليب ملتوية لتعرف أنظار الآخرين عن عملهم. إن التيار الجارف والأخطبوط الكبير القادم لا يوقفه إلا عزمات كبيرة وصادقة .

- عزمة الإخلاص والعمل والاحتساب للدين الحق وتقديم كل ما يملكه الإنسان من أجل إعلاء كلمة الله، ومحاربة كلمات الشيطان وخطواته وجنوده..

- عزمة تأهيل جيل يتمسك بعقدية سماوية ربانية قدوتها الصحابة الكرام ومن سار على منهاجهم من الأئمة الأعلام، والوقوف ضد كل من يتعرض لهم بسوء أو يحاول المساس بذلك الجيل الفريد، فإنه لا مكانة ولا بقاء له بين المسلمين.

- عزمة الإنفاق والبذل والجود والسخاء لكل ما يخدم العقيدة السلفية ويذود عنها ويناصرها، أو يسخر ما يملك لمنازلة أعدائهم من الروافض الذين يكيدون لهم ويمكرون بهم ويتربصون الدوائر.

- عزمة التمكين من معرفة عقيدة الشيعة وشبهاتهم وأهدافهم وحليهم والاطلاع الواسع لصد تلك العقيدة على كافة الوسائل والمجالات المتاحة التي تكشف حقيقتهم وتعريهم مما هم عليه من زيف وباطل.

- عزمة استنفار جميع شرائح وطبقات المجتمع السني لمعرفة ما عليه الشيعة وتجنيد الجميع للدفاع عن العقيدة الحقة والرد على الرافضة وفضحهم بكل ما يمكن تحقيقه وبذله.

- عزمة رصد ومتابعة وتحقيق الخطوات المبذولة في محاربة الشيعة وتقويمها ومدى أثرها واستخراج السلبيات والإيجابيات فيها.

- عزمة الخطاب المناسب للسنة والشيعة، فالسنة لا يزال فيهم المغرور بالشيعة والخامل والجاهل والمكابر، والشيعة فيهم قرباء ومعتدلون كما يوجد آخرون غلاة ومتآمرون...

- عزمة تنويع الأساليب والخطط المناسبة التي تكبح التشيع بل وتغزوه في عقر داره... فمن من السنة حاول تعلم اللغات المتعددة حتى يترجم الكتب والأشرطة التي ترد على الشيعة وتفضحهم بلغاتهم الفارسية أو الإنجليزية أو غيرها؟

ومن من السنة أنشأ مواقع غير عربية أو قنوات تتخصص في الرد على الشيعة كما يصنعون هم؟

ومن من الحكومات السنية تحاول عبر سفاراتها في إيران لإنشاء مساجد للسنة هناك أو نشر الكتب والأشرطة والنشرات وفتح جامعات والضغط على الحكومة الإيرانية حتى لا تضطهد أهل السنة هناك؟

ومن من أهل السنة استقبل شباباً من الشيعة المهتدين وبنى لهم مراكز علمية حتى يقوموا هم بدورهم في تبصير غيرهم إلى السنة؟

ومن من الحكومات التي تعمل على استقطاب بعض الشباب الغفل من الشيعة وإدراجهم في جامعات إسلامية حتى يعودوا إلى بلدانهم فيغيروا بطريقتهم الخاصة؟

إن الجهود المبذولة والمحاولات المتجددة لا يزال يعتريها التعثر والقصور، وإن واجب أهل السنة أجمعين حكام ومحكومين وعلماء ومتعلمين وأدباء وكتاب وباحثين وإعلاميين ومفكرين وصناع القرار وأساتذة وأطباء ومهندسين وتقنيين.. الجميع مسئول عن ماذا قدم لنصرة السنة والرد على أعدائها أو دعوتهم، وبذل كل وسيلة وغاية يمكن أن تؤدي إلى ما فيه نفع وخير وهداية ومصلحة للآخرين.

إننا اليوم لا نواجه طائفة أو أقلية يمكن تجاوزها بسهولة أو يدفع خطرها بأبسط ما يمكن دفعه، وإنما العدو أصبح يملك قوة فتاكة وعتاداً كبيراً وأساليب خداعة ملتوية ويجيد فنوناً مختلفة في مجالات الفكر والسياسة والاقتصاد والتدريب القتالي والقوة الرادعة والخطط الاستراتيجية بعيدة المدى تشرف على تنفيذها أيدٍ يقظة وعقول مفكرة ومخترعة..

إن الفرصة لا زالت سانحة، وإن الزمن لا يزال مناسباً لتحقيق أقصى ما يمكن بذله لإيقاف نشاطاً عملاقاً يزحف ببطء ويلتهم ما أمامه، وأهل السنة لا يزالون يحسنون الظنون أو يقللون من خطر ذلك، وكم اغتروا بلقاءات التقريب أو بالموقف تجاه إسرائيل وأمريكا أو تحرير بعض الأماكن من اليهود أو العبارات البراقة التي تصدر من أشخاص مستعاري الكلام فصيحي الألسن يخطبون في الحروب وعند الأزمات والمناسبات ويلطفون الأجواء بعبارات فضفاضة وألفاظ صارخة والواقع بعيد بعد المشرقين عن القول وموافقته للفعل...

إن أهم ما يمكن أن يفعله الفرد السني أمام العزمات الشيعية والإصرار والمؤامرة على الدين وأهله الآتي:

1- العمل على زعزعة العقيدة الإمامية والتشكيك فيها حتى تفقد الثقة عند معتنقيها، وخلق بعض الشكوك والأوهام في نفوس أتباعها، وهذا يتحقق بسهولة، وذلك أن صاحب العقيدة المزيفة مقيم على جرف هار يخشى أن ينهد عليه في أقرب وقت ويخر فوقه ويصبح صريعاً لا يستطيع أحد انتشاله، فعندما ينازل أهل السنة أولئك الروافض فلا شك أن فئة وشريحة معينة سوف تتراجع أو تتأمل في كل ما يطرح ضدها ومحاولة التعرف على ما عند الآخرين.

2- العزمات لا يثنيها إلا عزمات أقوى منها، فكما أن أهل الباطل والضلال والغواية متمسكون بما هم عليه داعون غيرهم إليه، فلماذا لا يكون أهل السنة أشد منهما استمساكاً بدينهم الذي هو الحق والله وهو الهدى والنور وفيه النجاة والفوز والفلاح والهداية، ولماذا لا يزال بعض أهل السنة غير مقتنع بما حباه الله من توفيق للمنهج الحق والدين السمح، ولماذا التهاون والتقصير وعدم الأخذ به بقوة، والعض عليه بالنواجذ، إن هذا ما أدعو نفسي قبل غيري أن نكون ثابتين متعاضدين متكاتفين متناصرين دعاة صالحين صادقين حتى نوفق في هذه الدنيا لما ينفعنا عند ربنا ونفوز بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

3- كما أن علينا أن ننظر إلى أن العزمات الشيعية مهما كانت ما دام أنها قامت على كذب وبهتان وتبث من خراب، إلا أن الذين يرجعون إلى مذهب أهل السنة ويتوبون مما كانوا عليه يزدادون يوماً بعد يوم سواء من كبرائهم أو أصاغرهم، فكل يوم يصحو رجل ويفيق آخر، وما المواقع التي تنشأ كل يوم ممن رجعوا إلى السنة عنا ببعيد، وكذا مؤلفات وأشرطة مبثوثة ومتناثرة لأولئك المهتدين، فلا يأس ولا إحباط بل جد ومثابرة ودعوة مستمرة حتى يهلك من يهلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .

4- أن ظهور التصدعات والاختلافات داخل البيت الشيعي كما حدث مؤخراً في الانتخابات وقبلها وبعدها لهو مؤشر هام على أن العزمات مع وجود التشققات والتصدعات مما يثني البعض ويؤثر ولو نسبياً في بعض الناس، وهذا ما بدا يظهر من الكلام على ولاية الفقيه وقضية المعصوم وغيرها من العقائد الهامة عند الإمامية والتي بدا بعض كبار رجالاتها ينتقدونها ولم يكن في يوم من الأيام يتاح لهم الحديث في ذلك.

5- وجود قنوات سنية قوية لا شك أنها أثنت كثيراً من عزمات الشيعة في مجال الإعلام، ومواقع إلكترونية أثنت من مواقع الشيعة وكبحتها ودحرتها، كما أن المناظرات في الفضائيات والمواقع الإلكترونية أيضاً غيرت وأثنت من العزم الشيعي، ومع كل هذا فإن الواجب المتحتم علينا كبير والزمان يتقدم، وعجلة الحركة بطيئة ومراحل المرحلة عصيبة، والجهود لا زالت ضئيلة، وأمارات الاستعلاء قريبة، فهل آن الأوان للاستيقاظ والانتباه من الغفلة، وهل أعددنا العدة المتكاملة للمرحلة القادمة، وقمنا بما أوكلنا من أمانة البيان والكلمة والصدع بالحق واتخاذ كافة الوسائل لتحقيق ما نرجوه ونأمله؟!

 

المصدر: شبكة القلم الفكرية

 



مقالات ذات صلة