روشتة أمريكية جديدة لحل أزمتها مع إيران

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 570

روشتة أمريكية جديدة لحل أزمتها مع إيران

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

 

مفكرة الإسلام: ما هي حقيقة التوجهات الأمريكية تجاه إيران؟

سؤال لا يزال يشغل بال المعلقين والمتابعين لما يجري في منطقتنا التي أصبح بها العرب ليس فاعلاً حقيقيًا لما يدور أو يدبر في الخفاء بعد أن فقدوا الأفعال القادرة على تغيير الإستراتيجيات والسياسات بما يخدم مصالحهم وأمنهم القومي وأصبحوا مجرد تابعين ينتظرون الأفعال ليكون لهم ردود أفعال على ما يراد بهم.

لذلك يبقى رصد الإستراتيجيات الأمريكية وفي مقابلها الإستراتيجيات الإيرانية تجاه المنطقة هي المعين على فهم ما يدور حولنا.

ولكن المحير هذه الأيام أن أي مبادرة أمريكية أو إيرانية تجاه بعضهما البعض يجري دائمًا تفسيرها في اتجاهين, أي تفسير أن العلاقة بينهما تسير نحو توافق في حين يفسر آخرون نفس المبادرة بأنها تصعيد للتوتر بينهما وأنها إشارة إلى الحرب القادمة.

وهذا التخبط لا يعتلي المعلقين العرب فقط ولكن يسري أيضًا على المتابع لهذا الشأن من الغربيين والأمريكان.

انظر مثلاً إلى تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي يتركز مضمونه على أن إيران توقفت عن أنشطتها النووية منذ عام 2003, فقد جرى تفسيره على أنه بداية صفقة أمريكية إيرانية حول المنطقة, بينما فسره آخرون بأنه تصعيد للضغوط الأمريكية وأنه إشارة إلى أن الضربة الأمريكية قادمة, وهكذا أي مبادرة أو إشارة يجري تفسيرها في اتجاهين كما أسلفنا.

وهكذا يقع المحللون في حيرة وبلبلة شديدة, ولكن عند ارتكازنا إلى تحليل أخير صادر عن دورية أمريكية ذات علاقة كبيرة بالإدارة الأمريكية الحالية وهي فورين أفير نجد أنها تضعنا على الطريق الصحيح في هذا الشأن.

ففي عدد فورين أفير الأخير الذي سيصدر الشهر القادم أي عدد شهري يناير وفبراير لعام 2008 كتب فالي نصر وراي تاكي يقولان أن الولايات المتحدة وصلت إلى حقيقة أن إستراتيجية الاحتواء التي اتبعتها طوال الفترة الماضية مع إيران قد ثبت فشلها, وذلك لخمسة أسباب رئيسة وهي:

1. هو أن إدارة بوش تعتقد بصورة قطعية أن النظام الإيراني لا يمكن أن يكون فاعلاً في بناء شرق أوسط مستقر, وأن تصرفات هذا النظام لا يمكن تغييرها من خلال الطرق الدبلوماسية النشيطة بينما تعتقد دورية فورين أفير عكس ذلك.

2. هو محاولة الإدارة الأمريكية تطبيق القواعد التي اتبعتها زمن الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفيتي مع إيران الآن, فنموذج الحرب الباردة لا ينطبق على الشرق الأوسط.

3. هي عدم فهم الطبيعة الداخلية للتفاعلات داخل منظومة الحكومات العربية التي يفترض أنها تقف سدًا منيعًا أمام إيران, فإدارة بوش لم تقدر وجهات النظر المتباينة بين الدول العربية بعضها البعض.

Arab regimes are indeed worried about Iran, but they are not uniformly so.

4. الاعتماد على إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط باعتبارها الركيزة الأساسية في إستراتيجيتها لاحتواء إيران فإدارة بوش تفترض بأن استئناف الجهود الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها سوف يخفف الاحتقان في الشارع العربي وتصطف الحكومات العربية وراء الولايات المتحدة كما يمكن أن تسهل هذه السياسة وضع الأسس لقيام جبهة عربية - إسرائيلية ضد إيران. ولكن هذا الأمل الأمريكي يتجاهل حقيقة أن العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في وضعها الراهن لن تدعم أنواع التنازلات اللازمة لانطلاقة ذات مصداقية فكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس في وضع داخلي ضعيف جدًا, وهذا الوضع لا يتيح لهم تقديم تنازلات مؤلمة يتطلبها سلام قابل للبقاء. وتستطرد فورين أفير وتقول: حتى ولو فرضنا نجاح عملية السلام تلك فإن فكرة أن العرب ينظرون للطموح الإيراني باعتباره مشكلة أكبر بكثير من الصراع العربي - الإسرائيلي الذي امتد لعقود هي فكرة غير صحيحة فبعد سنوات من العداء نجد أن الجماهير والحكومات العربية وصناع الرأي العرب يرون أن إسرائيل لا تزال هي التهديد الأكثر خطورة.

5. الاحتشاد السني ضد إيران سيقوي الأيديولوجية السنية المتطرفة وبمقدار ما حدث في عام 1980 من تقوية السعودية للتطرف السني في جنوب آسيا ضد إيران فإن الذي حدث الآن هو مزيد من التطرف السلفي الذي ظهر جليًا بعد ازدياد شعبية حزب الله الشيعي في أعقاب الحرب مع إسرائيل في صيف عام 2006 فاحتواء إيران اليوم سيعني تشجيع التطرف السني.

ولكن ما هو الحل الذي تقترحه هذه الدراسة للخروج من المأزق الأمريكي تجاه إيران؟

تقول فورين أفير: إن الحل يكمن في تغيير سياسة الاحتواء إلى إقامة نظام إقليمي جديد لكل المنطقة هدفه أن يكون لكل القوى ذات الصلة مصلحة بوضع قائم مستقر فالمهمة المطلوبة من واشنطن هي خلق وضع بحيث تجد إيران نفسها مستفيدة بالحد من طموحاتها وبالإذعان إلى المعايير والمفاهيم الدولية فالحوار والتسوية والمقايضة بقدر ما تكون صعبة هي وسائل مقنعة وتحدد الدراسة معالم ذلك النظام بحيث يوجد فيه:

·       معاهدة تتعهد بعدم انتهاك حدود المنطقة.

·       اتفاقيات السيطرة على التسلح المحرمة لأصناف معينة من الأسلحة.

·       سوق مشتركة مع مناطق التجارة الحرة.

·       آلية للفصل بين النزاعات.

·       مشاركة أمريكية فاعلة.

فبالنسبة لدول الخليج سيكون لهذا النظام الجديد له ميزة جلب إيران والعراق إلى شراكة بناءة ليقلل ذلك من مخاطر الصراع الطائفي وسيكون الترتيب الأمني الجديد فرصة لإيران لشرعنة قوتها وتحقيق أهدافها من خلال التعاون بدلاً من المواجهة كما سيسمح ذلك للحكومة العراقية التي غالبًا ما يقلل من شأنها من قبل جيرانها السنة بممارسة نفوذها لتكشف بذلك الإشاعة بأنها مجرد تابعة لطهران, أما العربية السعودية وإيران الدولتان القياديتان في المنطقة فبإمكانهما تجاوز تنافسهما الصفر في العراق والضغط على حلفائهما لتبني ميثاق وطني جديد يعترف بمصالح الأقليات السنية والكردية حسب تعبير الدورية الأمريكية في العراق.

وتعتقد الدراسة إن إشراك إيران في الوقت الذي يتم فيه تنظيم قوتها الصاعدة ضمن ترتيب أمني إقليمي شامل هو الطريقة الأفضل لاستقرار العراق تهدئة حلفاء الولايات المتحدة العرب مساعدة عملية السلام العربية الإسرائيلية وإعطاء توجه جديد حتى للمفاوضات حول برنامج إيران النووي ولأن هذه المقاربة تتضمن كلا اللاعبين ذوي الصلة فإنها المقاربة الأكثر قابلية للثبات والاستمرار والإستراتيجية الأقل كلفة بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وإذا ما اقتنعت الإدارة الأمريكية بهذه الدراسة وشرعت في تنفيذها فهل يكون هذا الترتيب كافيًا لإيران لإرضاء طموحاتها؟

للجواب على هذا السؤال يجب سبر أغوار العقلية السياسية الإيرانية وطريقة تفكيرها وطبيعة طموحاتها والتي نعتقد أنها لا تريد شراكة أمنية بل ترفضها وتريد علوًا على دول المنطقة, فهي تريد إرجاع أمجاد الفرس والصفويين, فإذا كان استرجاع أمجاد الفرس مستحيلاً في ظل اللحظة الراهنة نتيجة التفوق الأمريكي العالمي فإنها تريد على الأقل تفوقًا إقليميًا صفويًا ولعل ما لم تكشفه الدراسة أن الترتيبات الإقليمية التي تريد الولايات المتحدة إقامتها تحظى فيها إيران بدور قائد مناظر لدور إسرائيل وتكون الدول الأخرى تابعة بدرجة معينة.

 



مقالات ذات صلة