صواريخ آيات الله وسيناريوهات الملاحم والفتن!
داود البصري
لا شك أن إيران وبعد ثلاثين عاما على تسلم طبقة رجال الدين للسلطة من نظام الشاه الراحل تعيش اليوم على إيقاع متغيرات ساخنة و فريدة في مشهدها العام , وحيث تختلط كل الرؤى و التصورات و الصراعات في لوحة سوريالية مفرطة في عجائبيتها و غرابتها , فالمؤسسة الدينية الحوزوية التي كانت في الماضي حريصة على إظهار وحدتها المظهرية أمام الرأي العام تبدو اليوم في قمة انشقاقها وانفصامها , و رجال الدين "المبارزين" الذين كانوا ذات يوم ذراعا ضاربا من أذرع المؤسسة الثورية الإيرانية قد أضحى بعضهم موضع شك و شبهة و اتهام و بما قد سيطيح برؤوس و رقاب بعضهم كما حصل لقيادات تاريخية سابقة في الثورة الشعبية الإيرانية كصادق قطب زادة و مهدي هاشمي و أبو الحسن بني صدر و آخرون تناستهم الذاكرة بعد أن تجاوزتهم الأحداث , حتى أن رئيسا سابقا مثل الرئيس محمد خاتمي و هو الذي اجتهد في حماية المصالح الإيرانية و كذلك نائبه محمد علي أبطحي صاحب مشروع التغيير الديموغرافي في إقليم الأحواز العربي المحتل قد تحولا إلى مشتبه بهما , وطبعا لن نتحدث عن المعارض الأقدم و هو آية الله حسين علي منتظري النائب السابق للولي الفقيه المرحوم السيد الخميني الذي تمت الإطاحة به على يد مراكز القوى بشهور قليلة قبل رحيل الأخير , و انضمام آية الله يوسف صانعي إلى الشيخ المنتظري في صراعه المزمن ضد النظام الذي تحول اليوم ليكون صدى و صوتاً لمؤسسة الحرس الثوري الإرهابية التي ابتلعت الجميع و ألغت الجميع و التي تعيش حالة هيجان و سطوة فظيعة على مقدرات الشعب الإيراني و بما سينتهي بكارثة محققة , فالتطرف لا يولد سوى المصائب , وقد تنبه أركان النظام الإيراني إلى ذلك الوضع و أعربوا عن معارضتهم لمسار الأمور و تطوراتها , فالسيد مير حسين موسوي لا يمكن أبدا إلغاء تاريخه و تحويله إلى عدو للثورة! فهذا غباء مفرط و سذاجة كبيرة , فالسيد الموسوي قد قاد السفينة الإيرانية كرئيس للوزراء في أعقد وأدق و أصعب مرحلة عاشتها إيران الحديثة , إنها مرحلة الحرب مع العراق و الصراع الدموي الشديد مع قوى المعارضة الشعبية كجماعة "مجاهدين خلق" و غيرها و هو أحد أبناء النظام الذي انبثق عام 1979 , أما الشيخ مهدي كروبي فهو ابن من أبناء النظام و تقلد المناصب الحساسة الامنية و الايديولوجية و منها رئاسة بعثة الحج الإيرانية و التي يهيمن عليها الحرس الثوري الإيراني أيضا و كل الصراعات الداخلية القائمة في إيران مبعثها الرئيس سيطرة تيار على تيار آخر , خصوصا و أن التيار المتطرف و المتعصب الذي يمثله الرئيس المشكوك بشرعية ولايته و انتخابه محمود أحمدي نجاد هو بمثابة خيار إنتحاري لمستقبل إيران , فالرئيس نجاد المؤمن حتى الثمالة بالغيبيات و الروحانيات و الرؤى الميتافيزيقية لا ينفك يعلن عن أن من يقود إيران اليوم ليس هو و لا تياره بل إنها يد الإمام الغائب (المهدي المنتظر)! و هذا التصور لا ينطلي بالطبع على المؤسسة الحوزوية و الدينية الإيرانية الضليعة بهذا المجال و العارفة ببواطنه و أسراره و لكنه يلام و تطلعات عشرات الملايين من القرويين و البسطاء الإيرانيين الذين تستهويهم تلك الرؤى و التصورات رغم اعتراض المؤسسة الدينية الذي لا يلاقي بالطبع تجاوبا شعبيا. فالصمود الكبير في جبهات الحرب ضد العراق كان قد تحقق بفعل تلك الشعارات فشعار من أمثال "يا مهدي أدركني"! كان هو كلمة السر الأولى للكثير من الحملات العسكرية و موجات الموت التي خاضها "الباسيج" و المتطوعون الذين أمدوا جبهات الحرب بموجات بشرية لا نهاية لها , و يبدو أن الخيار الحاسم أو خيار المعركة الفاصلة أو الخيار المهدوي هو الذي يرفعه الرئيس نجاد اليوم في وجه العالم للخروج من عنق زجاجة الخلافات الداخلية المتورمة و التي تهدد بانكشاف الوضع الإيراني و بهدف عزل خصومه داخليا و محاصرتهم شعبيا , وكذلك لجمع الحشد الشعبي في مواجهة العالم في معركة ستقع لا محالة إن لم يتدارك العقلاء في إيران الموقف و يلجمون فرسان التطرف و العدمية و منعهم من إدارة الصراع النووي بطريقة انتحارية , فقد تصاعدت بشكل واضح حدة الضغط الدولي من أجل ثني النظام الإيراني عن طموحاته النووية , وحتى الأطراف الصديقة لإيران كروسيا و الصين فإنها ستتخلى عنها عند أول منعطف و الضربة الغربية المقبلة ستكون مختلفة بالكامل عما حدث في العراق لاختلاف الوضع و الحالة , و لكن النتائج في مطلق الأحوال لن تكون سلبية على إيران فقط بل على محيطها المجاور و حتى على الوضع الدولي , أهل الخيار الانتحاري النجادي يراهنون على تحقق المعجزة و على العمل بالإسراع في استدعاء ظهور الامام المهدي المنتظر ليقود المعركة الفاصلة مع الغرب وفقاً للرؤى الموجودة في كتب الملاحم و الفتن! وهي كارثة حقيقية و محققة , فالمحظور الذي تخوف منه العقلاء في إيران هو في سبيله للتحقق اليوم و سيناريو الكارثة الكبرى هو الأقرب إلى الحدوث بشكل رهيب في المنطقة , فهل تتمكن الحكمة الإيرانية من تعطيل الانفجار المقبل? أم أن صواريخ آيات الله البعيدة المدى و المحملة بالرؤوس الهوائية المليئة بالتبجح و الشعارات ستطيح بشعوب المنطقة و في طليعتها الشعب الإيراني في مهاوي عواصف صحراء جديدة ستكون مختلفة هذه بالمرة بالكامل عما حدث من مصائب خلال العقدين الأخيرين? هل سيلجم أهل الخيار الإنتحاري ? أم أن سيناريو الملاحم و الفتن هو الذي سيستمر في إدارة الأزمة المشتعلة ? الله يستر , و ليحمي الله المنطقة و شعوبها من كل مكروه و من نتائج جنون أهل التطرف و الخرافة.
كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com
المصدر: السياسة الكويتية