الإباضية والإمامية: نقاط الاتفاق والاختلاف

بواسطة مركز التأصيل للدراسات والبحوث قراءة 1195
الإباضية والإمامية: نقاط الاتفاق والاختلاف
الإباضية والإمامية: نقاط الاتفاق والاختلاف

1438-4-29

2017-1-28

 

الإبَاضِيَّةُ فِرقَةٌ مِن فِرقِ الخَوارِجِ. تَنتَسِبُ إلى عبداللهِ بن إبَاض. وقد عَاصَرَ مُعَاويَةَ، وتُوفِّي في أَواخِرِ أَيامِ عَبدِالملك بن مَروَان. وكان مِن دُعَاتهم، وممَّن له دُورٌ في نُشوئِهم. وكان نشؤُ مَذهَبِهم بالبَصرَةِ في القَرنِ الأَولِ للهِجرَةِ، ثمَّ انتَشَرَ في الجَزِيرَةِ العَربِيَّةِ وشَمالِ أَفرِيقِيا. ولهم آرَاءٌ فِقهيَّةٌ كَثِيرَةٌ تَتفِقُ مع مَذاهِبِ أَهلِ السُّنةِ والجمَاعَةِ الفِقهيَّةِ. ويَتميَّزُون عن أَهلِ السُّنةِ والجمَاعَةِ في مَجمُوعَةٍ مِن العَقائِدِ، وهم في بَعضِها مُوافِقُون للشِّيعَةِ الإمَاميَّةِ بقَدرٍ ما. وبينهم وبَينَ عَقائِدِ الشِّيعَةِ الإمَاميَّةِ الكَثيرُ مِن الفَوارِقِ العَقَديَّةِ والفِقهيَّةِ؛ فهم أَقرَبُ لدَائِرَةِ السُّنةِ في العُمومِ مِنهم للشِّيعَةِ الإمامِيَّةِ.

كان الإبَاضِيَّةُ يُطلِقُون على أَنفُسِهم اسم "أَهلَ الإسلام" و"أَهلَ الحقِّ" وغير ذلك. ولم يستعملوا في تاريخِهم المبكِّرِ هذه النِّسبَةَ، وأوَّلُ ما ظَهَرَ استِعمَالهم لكلِمةِ "الإباضيَّةِ" كان في أواخِرِ القَرنِ الثَّالثِ.

وفي حِينِ تَقِفُ فِرقُ الخَوَارِجِ على النَّقِيضِ مِن طَوائِفِ الشِّيعَةِ إلا أنَّ تَأثُّرَ الفِرقَ والطَّوائِفَ ببَعضِها في العَقائِدِ والتُّصورَات جَعلَ بينها قَدرًا مُشتَركًا مِنها. وأحيانا ما يكون العَامِلُ السِّياسِي سَببًا في تَقارُبِها وتَحالُفِها.

عقيدتهم في الأسماء والصفات:

وقَعَ الإبَاضيَّةُ في تَعطِيلِ الأَسمَاءِ والصِّفَاتِ أو تَأويلِها، وانقسموا في ذلك إلى فريقين: فَرِيقٌ نفى الصِّفَاتَ نَفيًّا تَامًّا خَوفًا مِن التَّشبيه –بزعمِهم؛ وفَرِيقٌ أرجَعَ الصِّفاتَ إلى الذَّاتِ، فقالوا إنَّها عَينُ ذَاتِ الله، فإنَّهم وإن لم يُنفُوها جَعلُوا مَؤدَّى القَولِ النَّفيَّ.

فَوافَقَ الإبَاضِيَّةُ المعتَزِلَةَ والشِّيعَةَ الإمَاميَّةَ وغيرَهم مِن أَهلِ فِرقِ الكلامِ في بَابِ الصِّفاتِ. وزَعَموا أنَّ الله يَستَحيلُ أن يكون مُختصًّا بجِهةٍ ما؛ بل هو في كُلِّ مكانٍ، ومِن ثمَّ أَوَّلوا صِفَةَ الاستواءِ. وهم يُنكِرون رُؤيةَ اللهِ تعالى يوم القيامة؛ لأنَّ العَقلَ بزعمِهم- يحيلُ ذلك ويَستَبعِده.

وبين إبَاضِيَّةِ المشرِقِ وإبَاضِيَّةِ المغرِبِ اختلافٌ. فإبَاضيَّةُ المشرِقِ تَعتَقِدُ أنَّ صفَاتَ اللهِ تعالى حَادِثَةٌ، وإبَاضِيَّةُ المغرِبِ تَعتَقِدُ أنَّها قَدِيمةٌ.

عقيدتهم في القرآن الكريم:

يُوافِقُ بعضُ الإبَاضيَّةِ المعتَزِلَةَ والشِّيعَةَ الإماميَّةَ في اعتقادِ أنَّ القرآنَ الكريمَ ليس كَلامَ اللهِ، وأنَّه مخلُوقٌ.

عقيدتهم في اليوم الآخر:

يُؤَوِّل الإبَاضيَّةُ بَعضَ مَسائِلِ الآخِرةِ تَأويلاً مجَازيًّا، كالميزانِ والصِّراطِ وغيرِها، ويَنفُون الشَّفاعَةَ لأَهلِ الكبَائِر.

عقيدتهم في الصحابة:

يَعتَقِدُ الشِّيعَةُ كُفرَ أَبي بَكرٍ –رضي الله عنه، وعُمَرٍ –رضي الله عنه، وعُثمَان –رضي الله عنه؛ ويَتَّهِمُون الصَّحابَةَ –رضي الله عنهم- بالارتِدادِ عَقِبَ وَفَاةِ الرَّسُولِ، لأنَّهم لم يُؤمِنُوا بوِلايَةِ عَليّ بن أَبي طَالِب –رضي الله عنه. وهم يَرفَعُون عليًّا ويَعتَقِدُون عِصمَتَه، ويَصبِغُون عليه صِفَاتًا وأَحوَالا لا تكون إلا لله، ورُبَّما أَلَّهَهُ بَعضُ غُلاتِهم. وهذا خِلافُ الخَوارِجِ، فإنَّهم يُثنُون على أَبي بَكرٍ وعُمَرَ، ويرون كُفَرَ عليٍّ –رضي الله عنه، والحَكَمَين؛ واختَلَفُوا في كُفرِهم.. فمِنهم مَن قال: هُو كُفرُ شِركٍ وهُم الأَزارِقَةُ، ومِنهم مَن قال: هُو كُفرُ نِعمَةٍ لا كُفرَ شِركٍ وهُم الإبَاضِيَّةُ. وهم يتَرضَّون على قَاتِلِه، لأنَّهم يَعذُرُونه في قِتلِه إيَّاه. ويَتبرَّؤ الخوَارِجُ مِن عليٍّ ومُعاوِيةَ –رضي الله عنهما- ومَن تَولَّاهم، ويُعدُونهم أَعدَاءَ.

عقيدتهم في الأمة:

يُصنِّفُ الإبَاضِيَّةُ النَّاسَ إلى ثَلاثَةِ أَصنَافٍ: مُؤمِنون: وهم الأَوفِياءُ بإيمَانِهم، ومُشرِكُون: وهم الظَّاهِرون بشِركِهم وكُفرِهم، وومُسلِمون: أقرُّوا بالإسلام ولم يَلتَزِموا به، فلهم أَحكامُ المسلمين في الدُّنيَا لإقرَارِهم بالتَّوحِيدِ، ومِن ثمَّ تَجُوزُ مُناكَحَتُهم ومُوارَثتُهم، ولهم أحكامُ المشركين في الآخِرةِ لعَدمِ وفَائِهم بإيمَانِهم ولمخَالَفَتِهم لوَازِمِ الإسلامِ.

ويَعتَقِدُ الإبَاضيَّةُ أنَّ مخَالِفِيهم مِن أَهلِ القِبلَةِ كُفَّارٌ غَيرُ مُشركِين؛ وأنَّ دَارَهم دَارَ تَوحِيدٍ إلاّ مُعسكَرَ السُّلطَانِ، فإنَّه دَارُ بَغيٍّ.

أما الشِّيعَةُ الإمَاميَّةُ فيُكفِّرون مَن خَالَفَهم، ولا يَحكُمُون له بإسلامٍ، ويَستَحلِّون دَمَه وعِرضَه ومَالَه. ولا يَرون لهم وِلايَةً، ولا يَرون لهم طَاعَةً، وإن أَخَذُوا بالتُّقيَةِ في مُعَامَلَتهم.

عقيدتهم في مرتكب الكبيرة:

يَتِّفِقُ الإبَاضِيَّةُ مع عَقِيدَةِ السَّلفِ في حَقِيقَةِ الإيمَانِ، وأنَّه قُولٌ باللِّسَانِ واعتِقَادٌ بالجِنَانِ وعَمَلٌ بالأَركَانِ، وأنَّه يَزِيدُ بالطَّاعَةِ ويَنقُصُ بالمعصِيَةِ؛ وخَالفَ بَعضُهم فقال: إنَّه يَزِيدُ ولا يَنقَصُ. غَيرَ أنَّ مُرتَكِبَ الكَبِيرةِ -عندهم- كَافِرٌ كُفرَ نِعمَةٍ أو كُفرَ نِفَاقٍ لا كُفرَ مِلَّةٍ، وأنَّ مُخلَّدٌ في النَّارِ؛ وهذا خِلافًا لعَقِيدَةِ الشِّيعَةِ الإمَاميَّةِ؛ فالإمَاميَّةُ لا تَرَى بكُفرِ مُرتَكِبِ الكَبِيرَةِ مِنهم، بل يكفيه حُبُّه لعَليٍّ والأَئِمَّةِ وآل البَيتِ!!

عقيدتهم في الإمامة:

يُنسَبُ للإبَاضِيَّةِ القَولُ بأنَّه قد يُستَغنَى عن نَصِبِ الإِمامِ، إذا عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ الحَقَّ الذي عليه للآخَر. وهذا القُولُ أَكثرُ ما اشتُهِرَ عن المحكِّمَةِ والنَّجدَات. ومِنهم مِن يَقولُ أنَّ مَذهَبَهم القَولُ بُوجُوبِ نَصبِ إمَامٍ للنَّاسِ، وأنَّ دَليلَهم الكِتَابَ والسُّنةَ والإجمَاعَ والقِياسَ؛ فهم بذلك يُوافِقُون عَقِيدَةَ السَّلفِ.

ويَشتَرِطُ الإبَاضِيَّةُ للإمِامِ شُرُوطًا دَقيقَةً وقَاسِيةً، لا تَتَوفَّرُ إلا في النَّادِرِ مِن الرِّجالِ. ومع ذلك فهم يُجوِّزون إمَامَةَ المفضُولِ مع وُجُودِ الفَاضِلِ إذا تمَّت للمَفضُولِ، خلافًا لسَائِرِ الخَوارِجِ. ويَرُون الخُروجَ على أَئِمَّةِ الظُّلمِ والفُجُورِ بالسَّيفِ، خِلافًا للشِّيعَةِ الإمَاميَّةِ.

وبِنَاءً على عَقائِدِهم في مَن يُخَالِفَهم –كما سبق- فإنَّه لا صِحَّةَ لوِلايَةَ مَن خَالَفَهم عليهم.

عقيدتهم في التقية:

يَرى الإبَاضِيَّةُ جَوَازَ التُّقيَةَ، خِلافًا لأَكثَرِ الخَوارِجِ. وهم بذلك يُوافِقُون الشِّيعَةِ في هذا الأَمرِ. وهي قَضيَّةٌ تَقرُبُ مِن أن مَذهَبَ الإبَاضيَّةِ أوَّلُ أَمرِهم القُعودَ، لذلك سَمُّوا بالقَعَدَةِ، أي تأولا لقوله تعالى: ((لاَّ يَستَوِي القَاعِدُونَ مِن الـمُؤمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ والـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ))، النساء: 95.

وقد ذَهَبَت الأَزَارِقَةُ -وعلى رأسها نافع بن الأزرق- إلى اعتبارِ القَعَدَةِ مِن "أهل البراءة"، ويقصدون به الخوارج أمثالهم، كفارا -كمخالفيهم من بقية الناس؛ خِلافًا لمن قَعَدوا عن ضَررٍ وعُذرٍ.

وذَهَبَت النَّجَدَاتُ –وهم مِن الخوارجِ أيضا- إلى أنَّ القُعودَ بين المخَالِفِين تحتَ سِتارِ التُّقيَةِ أَمرٌ لا غُبَارَ عليه، حتى ولو بَلَغَت التُّقيَةُ قَتلَ مَن هم على رَأيهم، تَنفِيذًا لأَوامِرِ مخُالِفِيهم المقِيمِين معهم!

عقيدتهم في مصادر التلقي:

أَصلُ مُعتَقدَات الإبَاضيَّةِ تأثَّرُهم بالمعتَزِلَةِ، واعتِمَادُهم على القُرآنِ، ومُسنَدِ الرَّبيعِ بن حَبيبٍ، وعلى الرَّأيِ والإجمَاعِ، ووقُوفُهم عند بَعضِ النُّصوصِ الدِّينِيةِ مَوقِفًا حَرفيًّا، وتَفسِيرُهم نُصوصَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ تَفسِيرًا ظاهريًّا.

ختاما..

هذه بعضُ مُعتَقَدَاتِ الإبَاضيَّةِ التي يمكِنُ أن تُبيِّنَ وَجه القُربِ مع الإمَاميَّةِ الشِّيعَةِ، في حين أنَّهم يختَلِفون معهم في كثيرٍ مِن عَقائِدِهم وآرائِهم الفِقهيةِ. ما يجعل مِن المهمِ والضَّرُوري تَنبِيهُ الإبَاضِيَّةِ –اليوم- وهم يَتقَارَبُون مع الشِّيعَةِ لتنبيههم للفرق الكبير بين مُعتَقدَاتهم، وأنَّهم أَقرَبُ مِنهم للإسلامِ. وهذا لا يعني الإقرَارَ بمخَالفَاتِهم وأقوَالِهم في الصَّحَابةِ الكِرامِ وفي خَلقِ القُرآنِ مما لا يمكن قَبُولُه؛ ولكن مِن قَبيلِ العَمَلِ بالقَدرِ المشترَكِ ضِدَّ الخطر الأكبر على الجميع.

 

المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث



مقالات ذات صلة