ليس صراعا تاريخيا بل هو صراع عقائدي

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 739

ليس صراعا تاريخيا بل هو صراع عقائدي

السبت 15 من ربيع الأول1429هـ 22-3-2008م

 

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

تمر المنطقة العربية في هذه المرحلة بمنعطف كبير في تاريخها مرحلة تشهد تداعي بل صراع الفرس و الروم على أرضها مستغلين حالة الضعف الغير مسبوق و عدم القدرة على الفعل و الشلل الذي أصاب قوى الممانعة في هذه الأمة .

و توضيح طبيعة الصراع الدائر الآن في المنطقة العربية يستلزم إعادة استرجاع الغايات و الأهداف و البحث عن استراتيجيات القوى المختلفة .

و البداية في نظرنا لإحياء هذه الأمة و السير في درب الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة النظر في واقع هذه الأمة و أسباب العلة . فالذي يريد الإحاطة بأي ظاهرة اجتماعية كانت أم سياسية عليه تطبيق مقاربات متعددة و أن يصبر على سبر غور الظاهرة حتى يعرف أي المقاربات يختار و لكن المقاربة العقيدية تعطينا تصورا شبه دقيق للظواهر السياسية و خاصة عندما يعضدها المقاربات العلمية الأخرى و منها المقاربة التاريخية و لكن يظل الأصل دائما في تتبع الظواهر و وصفها ثم تفسيرها و استخراج سننها و قوانينها مرتبط دائم بالمقاربة العقيدية.

و من الظواهر السياسية و التي طغت بشدة على مسرح الأحداث في منطقتنا الصراع السني الشيعي فالمنهج التاريخي لا يكفي وحده لوصف هذا الخلاف أو قراءة عميقة لجذوره و أسبابه بل يمثل جانبا ضئيلا فقط في هذا الصراع الممتد .

كتب أحدهم في أحد المواقع الشهيرة على الإنترنت مقالا بعنوان( السلفيون و الشيعة و الذاكرة التاريخية ) يحاول فيها الكاتب اختزال الصراع بين السنة و الشيعة إلى ما أطلق عليه (صراعا بين ذاكرتين اجتماعيتين متناقضتين لا تنبني أي منهما على قراءة دقيقة لوقائع الماضي بقدر ما تعتمد على خلاصات متعجلة ذات أسس واهية من المنطق وأسانيد ضعيفة من التاريخ وعلى تراكم ضخم من الأوصاف السلبية للطرف الآخر دون إنصاف أو تدقيق ).و يشرح الكاتب الفرق بين التاريخ والذاكرة الاجتماعية فعلم التاريخ يعرفه بأنه التسجيل النزيه لوقائع الحياة البشرية في سياق الزمان وتحليل معناها ومغزاها في الحاضر والمستقبل أما الذاكرة الاجتماعية فهي التذكر الانتقائي لوقائع التاريخ خدمة لغايات سياسية وأيديولوجية جماعية و بالتالي فإن الشيعة و السلفيين يبنون خلافاتهم على الذاكرة الاجتماعية المبنية على الهوى و ليس على التاريخ الذي هو علم منضبط .

ثم يعرج الكاتب إلى ضرب مثال بتاريخ صلاح الدين الأيوبي فوفقا لمزاعمه فإن السلفيين أمثال الشيخ سفر الحوالي والمؤرخ علي محمد الصلابي يعتبرون صلاح الدين سنيا سلفيا بل هو في نظر الكاتب لم يكن سنيا بالمعنى الذي يفهمه السلفيون اليوم بل كان أشعري المعتقد حتى ليذكر السيوطي وغيره أن صلاح الدين أمر المؤذنين بإعلان العقيدة الأشعرية من منابرهم كل ليلة. كما يذكر عنه قاضيه وكاتب سيرته ابن شداد أنه كان يستمع لسماع الصوفية.و يضيف أن صلاح الدين الذي حمل راية الدفاع عنها أيام الصليبيين كان ذا عقل أشعري تركيبي ومن سوء حظ الأمة اليوم أن من يحملون راية الدفاع عنها الآن ذوو عقول سلفية تبسيطية أو شيعية تبسيطية.

و يؤكد الكاتب على أن صلاح الدين ليست لديه مشكلة مع الشيعة الإمامية -وهم عامة الشيعة اليوم- بل كانت مشكلته مع الشيعة الإسماعيلية الفاطمية –ومنهم حكام مصر يومئذ- ومع طائفة الحشاشين الدموية التي حاولت اغتياله.

و يزعم الكاتب أن الشيعة الإمامية كانوا غالبية سكان دمشق وحلب أيام الصليبيين و كانوا جزءا لا يتجزأ من جيوش صلاح الدين على عكس ما تقدمه الروايات السلفية اليوم على حد زعمه .

و يقول الكاتب أن أول كتَّاب سيرة صلاح الدين هو مؤرخ شيعي يحي بن أبي طي الحلبي وهو رجل شديد الولاء للأسرة الأيوبية و يستمر الكاتب في مزاعمه إلى أن توصل أن صلاح الدين لم يقاتل الشيعة بسبب تشيعهم ولا تجنب قتال السنة بسبب تسننهم فقد كان الرجل عمليا ومنصفا يؤاخذ الناس بالفعل لا بالمذهب ويقدر الإخلاص للأمة والولاء لها أكثر مما يقدر التنطعات الكلامية والفقهية.

و يزعم الكاتب أن عمارة اليمني الفقيه الشاعر السنّي هو الذي قاد المحاولة الانقلابية على صلاح الدين من أجل استرداد الدولة الفاطمية الشيعية.

ثم ينتقل الكاتب إلى توضيح خلل القراءة الشيعية لتاريخ صلاح الدين الذين اتهموا هذا القائد بالغدر والموالاة للصليبيين.

و لكن ما يهمنا في هذه النوعية من الكتابة أنها تبسط الصراع الدائر منذ عدة قرون بين الطرفين و تتجاوز الخلافات العقائدية و الأصولية الكبرى مثل اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن و سبهم للصحابة و اعتقادهم أن الإمامة الأصل الثاني في الإسلام بعد التوحيد و غيرها ممن ليس في المقام استقصاؤه كما أن أمثال هذه الكتابات تهمل فضلا عن ذلك الواقع السياسي للشيعة و وقوفهم في صف النصارى و اليهود ضد أهل السنة و الذي يقول غير ذلك فإن مثله كمثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال حتى لا ترى واقعها الأليم .

حتى و لو أخذنا بالمنهج التاريخي فإنه لا يعقل أن نغفل تاريخ الصراع بين السنة و الشيعة الذين وقفوا دائما في خندق أعداء الإسلام لنجتزئ منه عصرا معينا و نسقطه على أنه المنهج التاريخي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و حتى هذا العصر فإن كثيرا من الوقائع التي أوردها الكاتب لم يذكر مصدرها وإذ ذكر بعضها لم يوضح لماذا أخذ بها و لم يأخذ بمصادر أخرى و حتى و لو صحت بعض تلك الوقائع فإنها لا تسلم بالنتيجة التي ساقها في النهاية بأن صلاح الدين لم تكن له مشكلة مع الإمامية الإثنى عشرية !!.

نرجع و نكرر بأن العودة إلى تحرى أدوات الفقه السياسي التي تعيننا على توصيف الواقع و استنباط سننه وقوانينه لأولوية تفرضها أمثال هذه الكتابات المبسطة .



مقالات ذات صلة