الكاتب : أيمن الشعبان
15/1/2012
كلنا يذكر القصف الذي تعرض له مجمع البلديات عام 2000م من قبل الصفوي أبو كرار، والذي أوقع العديد من الضحايا بين صريع وجريح، وكانت رسالة واضحة في حينها بأنه لا يحلم أي فلسطيني بعد اليوم العيش في عراقهم الجديد، لأنه ميراثهم وميراث أجدادهم الذين أخذوا على عاتقهم استئصال أي تواجد عربي قد يكون خطرا على إمبراطوريتهم المستقبلية!!
كما أود التذكير بتصريحات الخميني بأنه سيحرر فلسطين عبر كربلاء!! والتي خاض من أجلها حربا ضروسا مع جارته العراق، أكلت الأخضر واليابس من الطرفين، وما علم الكثير منا أن دلالات التصريحات والشعارات لدى القوم، تؤخذ ببواطن النصوص لا بظواهرها، متطابقة مع التقية الدينية والسياسية لديهم، حتى بات واضحا لسان حال أحفاده " سنطرد الفلسطينيين من كربلاء إلى الصحراء"!!
لم يغب عن أذهاننا لحد الآن، تصريحات بعض الساسة العراقيين الذين قدموا مع المحتل، مطالبين بضرورة " إخراج المستوطنين الفلسطينيين من العراق"!! والعراق للعراقيين! وأحدهم طالب بإنشاء جامعة خاصة للعرب في منطقة طريبيل! وغيرها من التصريحات العلنية وما خفي أعظم، كل هذا مؤشر وإنذار لما يراد لنا في المرحلة القادمة، مع قلة عددنا وعدتنا وضعف بنياننا، لكن كان لابد من الاستيقاظ واستيعاب الدرس جيدا.
هل نسيتم صورة مجمع البلديات بعد قصفه من قبل الطيران الأمريكي؟ وكلنا يعلم أن أقراص ليزرية ألقيت في مكان القصف، إيذانا منهم بأن أول سيناريو بدأ لتهجيركم والتنكيل بكم، لكن لطف الله المقتدر لم تكن إصابات بشرية إلا خسائر فادحة بالممتلكات، بدأت بعدها قوافل المهجرين تتوجه إلى الحدود الأردنية ثم أسس مخيمي الكرامة ورويشد للاجئين الفلسطينيين!!
وما هي إلا أيام حتى بدأت أفواج من العوائل تفترش ملعب كرة القدم في نادي حيفا الرياضي، الذي تحول في ليلة وضحاها إلى مخيم لأكثر من 400 عائلة فلسطينية، تهجرت بدوافع طائفية أو مصالح مادية أو غيرها من عدة مناطق في بغداد وبعض المحافظات، ليؤسس مخيم العودة ضمن نفس المرحلة الأولى من السيناريو، لكن كانت الأوضاع والأمور ليست واضحة المعالم فتحمل الناس تلك المشاق وانتظروا مصيرهم المبهم.
هل تتذكرون أولئك الذين قدموا من مناطق قريبة على مجمع البلديات؟! في خطوة استباقية خارجين عن النص والسيناريو المُعد، أو قد يكون هذا دورهم في تلك الحلقات؛ وحاولوا الاستيلاء على بعض الشقق المهدمة والمحروقة؟!! فلم يكن في بالنا أن الركام المتهدم والمحروق عبارة عن منجم من الفحم أو الذهب! إلا أن توالي الأحداث أثبتت أن الطوب الذي بنيت فيه تلك العمارات من أحجار ثمينة، يتصارع عليها الفرقاء لطردنا منها مهما كلفهم الثمن سياسيا أو إعلاميا أو حتى اجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا!
مع بداية عام 2005 وصلتنا أخبار من بعض الثقات مفادها، أن إبراهيم الجعفري ينتظر استلام رئاسة الوزراء، متوعدا الفلسطينيين في العراق بشتى أنواع التنكيل، بعد التقارير المزوقة والمزورة والتحريضية التي وصلته، من العيون الكثيرة التي كانت تحيط بالمجمع، ولا ندري فحواها لكن ما هي إلا شهور حتى كنا من أولويات حكمه، وكلنا يذكر المسرحية الهزلية التي عرضت على قناة العراقية الطائفية، والتي عرفت بتفجيرات بغداد الجديدة من خلال عرض الأخ فرج ملحم وإخوته وغزوان الماضي، بطريقة تحريضية لينتقل السيناريو إلى مرحلة خطيرة جدا، من خلال التحريض الرسمي ممثلا بالأجهزة الأمنية الحكومية، والإعلامي ممثلا بقناة الفتنة وبعض الصحف المسيسة!!
كل من عاش في العراق تلك الفترة، يعلم علم اليقين صعوبة المرحلة وما تعرضنا له من ضغط نفسي ودعاية مغرضة وتنكيل واعتقالات عشوائية وعمليات خطف وتعذيب واغتيالات متكررة، كانت مقدمات لمرحلة خطيرة جدا في العام القابل، وهذا ما حصل فعلا عام 2006 الأنكى والأشد إيلاما والأكثر ضراوة، حتى بدأت عمليات التهجير تترى، ومخيمات طريبيل والتنف والوليد والهول، والتي لا زالت بعضها شاخصة قائمة شاهدة حتى اللحظة، تعطي مؤشرا على حجم المعاناة وقساوة تلك الفترة.
السيناريوهات متنوعة ومُعدها وكاتبها ومخرجها والمخطط لها واحد، فاستغلوا الحرب الدنيئة البعيدة عن القيم، ونفوذهم الطارئ في البلاد، واشتغلوا بمرحلية دقيقة وتناغم وفبركات متناسقة، وتطابقت مصالحهم مع مصالح محرر البلاد ومخلصها من الطاغية!! والذين جعلوا أنهار الدم في العراق تسيل كالماء المتدفق، فهذا يقدم هدية مجانية للكيان اليهودي بتخليصهم من حفنة من اللاجئين الفلسطينيين في العراق مهما كان عددهم، ويشطب جزء من مشروع حق العودة الذي يقلق مضاجعهم، وأولئك ينفذوا أجندة صفراء باجتثاث كل ما هو عربي، والنتيجة واحدة!!
في شهر آذار من عام 2007 تعرض مجمع البلديات لهجمة شرسة، من خلال المداهمات الهمجية للقوات الحكومية، ومصرع أحد حراس المسجد بدم بارد، واعتقال عدد من الفلسطينيين، ما أدى لحالة من الذعر وتهجير جديد، ليستمر مسلسل التهجير من غير توقف.
وبينما يتبجح دعاة القانون وحقوق الإنسان؛ بالسيطرة الكاملة على الموقف والأمن والأمان، تبدأ فبركات جديدة، في الوقت الذي يحاصر فيه مجمع البلديات من كل الجهات، بقوات أمنية ومركز الرشاد وقاعدة أمريكية سابقا، أضف إلى ذلك عنصر جديد وقوي دخل ضمن هذه المسرحية، وهم عواينية ومخبرو تلك الأجهزة بحيث تم إلقاء القبض على بعض الشباب بعد دقائق من دخولهم المجمع، كل تلك المعطيات بمجمع صغير المساحة كثيف السكان، كيف تدخل العبوات وتصنع والسيارات المفخخة في ظل تلك الأجواء؟!!
ما شهده مجمع البلديات في الأيام القليلة الماضية؛ من حملات دهم وتفتيش وانتهاكات واعتقالات عشوائية، بذرائع شتى كان للإعلام المشبوه من صحف وقنوات ومواقع السبق في الترويج والتلفيق لتلك الأحداث، في وقت صمتت وتخاذلت وسكتت غالبية القنوات العالمية والعربية والمحلية وجميع وسائل الإعلام الأخرى، وكأن الجميع يشاركون في هذا المسلسل أو أن كثرة الأحداث وتتابعها أنستهم هذه الأقلية المضطهدة المغلوب على أمرها.
لم يُقنع تلك الفئات الطائفية المتسلطة الحاكمة في العراق، الإبقاء على 7 آلاف فلسطيني يعانون الأمرين لا حول لهم ولا قوة، ولا يمتلك معظمهم ما يوصلهم إلى صحراء الوليد فضلا عن غيرها من دول المهجر الجديد؛ فراحوا يروّجوا لعصابات إرهابية بزعمهم وتنسيق متقن مع بعض وسائل الإعلام التي ما فتئت منذ بداية الأحداث التعامل بمهنية وأخلاق الإعلام الحر بل والأعراف العشائرية العراقية الأصيلة، بل باعت أقلامها ومواقعها وصحفها لنيل حوافز وفتات أو مكاسب سياسية أو مناصب زائلة.
غالبية أهالي مجمع البلديات تحدثوا عن قوات حكومية تدعى " مكافحة الإرهاب" بأنها من وضعت تلك الأسلحة المزعومة ثم في اليوم التالي قاموا بإلقاء القبض على عدد من الشباب في المجمع وتصويرهم مع تلك الأسلحة، وتأجيج الرأي العام العراقي والرسمي، حتى يزداد الضغط على من تبقى لإجبارهم مغادرة البلاد، حتى يخلو الجو لهم وكأن تلك العائلات التي تريد العيش بأمان وسلام وجذورهم عميقة في هذا البلد بعضهم زاد عمره على الثمانين والسبعين عاما وله قرابة 64 عاما في العراق!! كأنهم عامل قلق واضطراب للبلاد ذات المساحات الشاسعة والخيرات الوفيرة.
ما يذاع وينشر ويفبرك ضد الوجود الفلسطيني في العراق، أصبح مكشوفا ولا ينطلي إلا على من يهرف بما لا يعرف ويصدق الأكاذيب والدسائس من غير إعمال أدنى حدود العقل والواقع، فما هي إلا سيناريوهات ومراحل واحدة تلو الأخرى، ولن تنتهي إلا بإقصاء الجميع أو تطويعهم بحسب سياسات الخنوع والانتهازية والفئوية ومسخهم ليكونوا شرا منهم.
فكيف لا تكون سيناريوهات محبكة حبكا سياسيا وإعلاميا وفنيا، ونائب الرئيس لم ينج من مثلها؟!! فما يحصل لأهلنا في العراق من تنكيل وتهجير وتشهير وحرب شعواء في شتى المجالات، ما هي إلا هدية على طبق من ذهب وصفقات إعلامية تقدم للكيان الصهيوني لتخليصهم منا وإذابتنا في مجتمعات غريبة الأديان والأعراق والأعراف والتقاليد والأخلاق، وإغراقنا في بقاع جغرافية بعيدة كل البعد عن أرضنا الحبيبة فلسطين! وبمرأى ومسمع من المخلص لهم والمحرر لأرضهم دعاة الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان من الأمريكان وأعوانهم.
فهل يعني أهلنا في شتى بقاع الأرض، أن القضية ليست عبثية ولا عرضية، بل هي سيناريوهات ومسلسلات ومراحل وتكتيكات، مسبوكة ومحبوكة ومرتبة لتهجيرنا وتفتيت لحمتنا وإبعادنا عن قضيتنا وعمقنا الإسلامي والعربي، من خلال تلك الممارسات الشائنة اللاأخلاقية الإجرامية البربرية؟!!
وإلا من المستفيد عمليا لكل ما يحصل وحصل لنا بعد عام 2003 في العراق؟!! ومن يتحمل تلك المسؤولية ؟! فلنثقف أجيالنا وذرياتنا بأن تلك الفئة المتجبرة الحاكمة في بلاد الرافدين بميليشياتهم وأحزابهم ومناصبهم وأجهزتهم الأمنية، المتسبب بكل ما يحدث لنا ولأجيالنا، لأنهم بدلا من إعادتنا لأرضنا كما يزعمون شتتونا في بقاع الأرض حتى أصبحنا شذر مذر وتقطعت أوصالنا.