فلسطينيو العراق ... هل تدور عجلة الاستفتاء نحوهم!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
لا يخفى عليكم أن هنالك لاجئون فلسطينيون يعيشون في العراق منذ عام 1948م أبان النكبة، إذ كان عددهم 3000 فلسطيني آنذاك، وهو الآن لا يتجاوز 20000 فلسطيني، وقد تعايشوا مع عموم العراقيين طيلة تلك الفترات بحلوها ومرها، وتآلفوا معهم على أمل الرجوع لأرضهم وبلادهم ومساكنهم بعد استرجاعها من براثن الغاصبين اليهود، إلا أن الوضع مضى كما ترون وتعلمون وتشاهدون... والله المستعان.
وبعد احتلال العراق وسقوط بغداد والنظام هناك في عام 2003م بدأت مرحلة جديدة في المنطقة وخصوصاً مع عامة العراقيين ومن يعيش في ذلك البلد الجريح ، حيث انقلبت الموازين وانعكست الأمور! وساد البلاد وتصدرها أناس طائفيون حاقدون على عموم أهل السنة، ومن ضمنهم تلك الأقلية من الفلسطينيين، وبدأت مرحلة جديدة من الاستهداف على الهوية كونهم سنة وعرباً!! وتعرضوا لحالات قتل وخطف وتعذيب بشع وتنكيل وتهديد وتشريد وتهجير قسري واعتقالات عشوائية، وكانت معظم تلك الممارسات كونهم فلسطينيون!! وأضحى هنالك عداء وحقد واضح من قبل الأحزاب والتكتلات والجهات الشيعية الرسمية وغير الرسمية مع تحريضات متزايدة ضدهم.
كل ذلك أدى لتضييق كبير في شتى مناحي الحياة بحيث أصبح الفلسطيني لا يتمكن من مغادرة تجمعاته ولا مزاولة أعماله ومهامه ووظائفه ولا حتى الذهاب للمستشفيات لعلاج الجرحى والمرضى والمصابين بل أصبحوا لا يستطيعوا التحدث بلهجتهم الفلسطينية فإنهم من أجلها يقتلون وينكل بهم!!
كل تلك الأوضاع المأساوية والظروف القاسية الصعبة والتي تزداد يوماً بعد يوم أدت لحالات من الهجرة المتزايدة داخل وخارج العراق، والنزوح المتكرر إلى الصحراء نحو الحدود السورية بعد منع جميع الدول العربية للأسف الشديد من استقبالهم واستيعابهم ولو مؤقتاً لحين إيجاد حل شامل لمحنتهم.
كل هذه الملابسات والأوضاع الصعبة التي أصبح الحليم فيها حيراناً، نتج عنها تشرذم لذلك الوجود وتناثر واضح له وإضعاف كبير لتواجده، حيث بدأت عمليات النزوح والهجرات المتكررة والمتتالية لإيجاد ملاذات آمنة، مع سوء للأوضاع والأحوال الجديدة لهم.
حيث أنشأ مخيم ضمن الأراضي الأردنية منذ عام 2003م - وهو مخيم الرويشد - ولا زالت لحد الآن تقطنه عدد من العائلات وقد تم إغلاقه في حينها بوجه غيرهم، وهنالك مخيم آخر داخل الأراضي السورية يسمى مخيم الهول أنشأ منذ شهر 5/2006م وفيه 304 لاجئ فلسطيني ويعيشون ظروف حياتية صعبة جداً، وتم إغلاقه كذلك ومنع الالتحاق بهم، وقد أدى هذا لنشوء مخيم جديد في الأرض المحرمة بين الحدين السوري والعراقي سمي بمخيم التنف وفيه 351 لاجئ ونازح فيهم أطفال ونساء ويعيشون منذ شهر 5/2006م في خيم بسيطة وفي ظل ظروف مأساوية وصعبة جداً، وقد تم إغلاقه كذلك أمام القادمين فأنشأ مخيم جديد داخل الأراضي العراقية قرب الحدود سمي بمخيم الوليد وقد أنشأ نهاية عام 2006م وفيه لحد الآن أكثر من 450 نازح فلسطيني من ضمنهم أطفال ونساء ومرضى وقد توفي فيه أحد الشباب بداية شهر 1/2007 ولا زال التوافد عليه لم يتوقف.
ومن بقي من الفلسطينيين في العراق - بعد أن فقدوا الأمل في إيجاد حلول لهم - ينتظرون الموت أو الإهانة أو التضييق بكل ما فيه من معاني ولم يتمكن معظمهم من الفرار لأنهم لا يملكون أجرة الوصول لتلك المخيمات!!.
ولم تتوقف المعاناة لهذا الحد بل اجتهد الكثير منهم من خلال التفكير الجدي في الانتقال إلى دول أخرى بطريقة أو بأخرى منها عربية ومنها أجنبية.
فهنالك أعداد انتقلوا وبظروف صعبة جداً إلى بعض الدول العربية وبشكل غير مستقر وبطرق صعبة للغاية لكن أرادوا النجاة والفرار من القتل المحتوم، وعوائل أخرى وصلوا إلى الهند بطريقة أو بأخرى ولجأوا هناك للمنظمات الدولية طلباً لأي سند أو مستمسك قانوني يتيح لهم العيش بأمان وسلام بعد أن فقدوا منازلهم وكل ما يملكون، وهؤلاء قد تجاوز عددهم 130 شخص، وهنالك أعداد منهم بسبب عدم امتلاكهم كسائر الفلسطينيين أي وصف قانوني واضح قد وصلوا إلى بعض الدول الأوربية كالسويد والنروج وغيرها طلباً للجوء الإنساني، مع العلم أن الوصول لتلك الدول يكلف مبالغ باهظة مع ما فيه من مخاطر الطريق والخطر الشرعي المترتب على البقاء في تلك البلاد، وبعض العوائل بدأوا بإيجاد بلدان أخرى أقل كلفة لغرض ضمان وضع قانوني ولو بعد عدة سنوات لأنهم أصبحوا يعيشون على الهامش وليس لهم أي دور ووضع جديد، فقد وصلت عدة عوائل إلى قبرص طلباً للجوء لدى الأمم المتحدة هناك على أمل إيجاد دول أوربية أو غيرها لاحقاً ولم يتبين مصيرهم لحد الآن ولا مستقبلاً.
والحقيقة أن المحنة والفتنة والوضع الذي يمر بالفلسطينيين في العراق لا يحسدون عليه ولا يدرون ما الذي ينتظرهم من مصير مجهول وأصبحت الحياة بالنسبة لهم هناك مستحيلة لما تحمله غالبية الجهات المسيطرة من أحقاد وضغائن يعرضهم للخطر ، كما ويعرض ذراريهم لخطر البقاء وخطر المحافظة على دينهم ومعتقدهم الصحيح .
كل ذلك جعل معظم الفلسطينيون يفكرون في إيجاد أماكن بديلة أخرى يأمنون على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم وذرياتهم من ذلك الخطر الشعوبي العنصري الطائفي الذي يلاحقهم.
لكن ما نريده هو أن تكون هنالك حلول شاملة لا تفرقهم، وللأسف أن جميع الدول العربية لم تفتح أبوابها لنا ولم تستقبلنا ولم تساهم في التخفيف عنا بل على العكس سارعت بعض الدول في إغلاق الحدود بوجهنا، وبدأ كثير من الناس يفكرون في الضغط على بعض الدول الأوربية لاستيعابنا.
ومما لا يخفى على كل ذي نظر ما في ذلك من مخاطر دينية علينا وعلى ذرياتنا، ولكن بالمقابل وجودنا في العراق والحال هذه يعرضنا كذلك لمخاطر القتل والتنكيل إضافة إلى مخاطر دينية وعقدية تقود إلى تشييع قسم كبير منا.
ما نريده من إخواننا المسلمين والعلماء والدعاة توجيهاً واضحاً وإرشاداً لنا كي نثقف أهلنا وبقية عوائلنا فيما لو كان هنالك عرض وحل شامل وعام للجميع من خلال قبول أي دولة أوروبية من استقبالنا ، بعد أن فقدنا الأمل في استيعابنا في أي دولة عربية ، ومع عدم تحمل منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية والحكومة والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مسؤولياتهم تجاهنا .
فما هو الخيار الذي فيه أدنى المفاسد في ظل ذلك التزاحم لتلك المفاسد والفتن والأضرار ، أفيدونا حفظكم الله مع الدعاء لنا بالثبات والصبر والسداد والخروج من تلك المحن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
أبناء فلسطين في العراق
15/2/2007م