منير الربيع
بعيداً من التفكير بحماس وعاطفية. غالباً ما تخدم "القوى الراديكالية" بعضها بعضا، على الرغم من خصومتها أو شديد عداوتها. وغالباً أيضاً ما تتقاطع هذه التناقضات مع بعضها البعض في مصالح تجمعها في أبعاد لا تبدو ظاهرة للعيان بشكل فوري.
كما كان الحال بالنسبة إلى الثنائية التبادلية بين "التيارات الإسلامية" والعسكر، لتبادل الخدمات وتبرير الوجود بين بعضهما البعض، هناك أنواع من التقاطعات الأخرى التي تحصل بين الأعداء، فتبرر بقاء الطرفين وتوفر استمراريتهما. وهذا بالتحديد ما يحصل بين إيران و"حزب الله" من جهة، و"إسرائيل" من الجهة المقابلة.
لطالما شكلت "إسرائيل" تاريخياً مبرراً لحصول الانقلابات العسكرية في مختلف الدول العربية بذريعة العمل على "مقاومتها"
لطالما شكلت "إسرائيل" تاريخياً، مبرراً لحصول الانقلابات العسكرية في مختلف الدول العربية، بذريعة العمل على "مقاومتها"، فكانت سبباً بتأبيد هذه الأنظمة التي يعاد إنتاجها اليوم. حالياً لا يزال المشهد على حاله بين "إسرائيل" وطهران، فعلى الرغم من كل التصعيد الكلامي والتهديدات والضغوطات، يبقى هناك خيط رفيع لطالما كان مخفياً، أصبح الآن يبرز بالظهور، حول ما يجمع هاتين القوتين في منطقة الشرق الأوسط، إذ يجتمعان على ضرب وسحق أي مشروع عربي قابل للحياة، وما يساعدهم على تحقيق مهمتهما، هو عدم وجود استراتيجية عربية للنهوض، في ظل أنظمة كل ما تهتم به هو الحفاظ على بقائها كما هي مهما كان الثمن الذي يتوجب عليها دفعه.
مناسبة هذه المقدمة التي لا بد منها، هو التعليق على الأحداث التي حصلت في الأيام القليلة الماضية، من ضربات "إسرائيلية" استهدفت حلفاء إيران، في سوريا، لبنان، والعراق. نقلت هذه الضربات النقاش من مكان إلى آخر، وأسهمت في تعزيز لحمة وطنية إيرانية بعد ترهل اجتماعي بسبب العقوبات، فتصعيد العمليات العسكرية من شأنه أن يعزز الوحدة الإيرانية، ويستنفر حلفاء طهران في المنطقة وبيئاتهم الحاضنة. بينما "إسرائيل" تستفيد في المقابل، على أبواب انتخاباتها المبكرة بأنها توسع مروحة استهدافاتها لأعدائها في أكثر من بلد، ما يعزز حظوظ بنيامين نتنياهو بالفوز.
التطور الخطير في ما جرى، هو فتح "الإسرائيليين" المجال الجوي اللبناني وبعض المناطق اللبنانية أمام حملة الاستهدافات، خاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل "حزب الله"، الأمر الذي أدى إلى استنفار شعبي كبير إلى جانب "الحزب"، واستنفار سياسي من قبل حلفاء "الحزب" وخصومه لدعمه وتغطيته، وبذلك يكون "حزب الله" قد حقق مكسباً كبيراً على الصعيد السياسي، أما على الصعيد العملي فالمكسب أكبر، خاصة أن البيانات الرسمية التي صدرت عن المسؤولين اللبنانيين من رئاسة "الجمهورية" ورئاسة الحكومة، أظهرت تماهياً مطلقاً مع "حزب الله"، لا بل أظهرت تسليماً واضحاً وصريحاً لـ"الحزب" في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، أي قرارات الحرب والسلم.
وفي الوقت الذي كانت "إسرائيل" توسع من نطاق عملياتها، كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يصل بشكل سريع ومفاجئ إلى فرنسا، بالتزامن مع انعقاد اجتماع مجموعة الدول السبع، التقى ظريف بالرئيس الفرنسي ومسؤولين دوليين آخرين، واللقاءات كانت إيجابية، مهدت لما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لعقد لقاءات بين الرئيس الإيراني والرئيس الأميركي، في إطار المسعى الذي تقوم به باريس للتقريب بين وجهات نظر الطرفين، والعودة إلى الاتفاق النووي.
ذهاب ظريف إلى الاجتماع، كان رسالة إيرانية مباشرة بأن طهران لا تريد الحرب، ولا تريد التصعيد، بل تريد المفاوضات، وعزز ظريف موقعه التفاوضي من التهديدات التي أطلقها نصر الله ضد "الإسرائيليين". في المقابل، كانت هناك وجهة نظر أقل ما يقال فيها إنها خاطئة، تقول وجهة النظر هذه، إن "الإسرائيليين" يريدون استلحاق أنفسهم قبل انعقاد الاتفاق الأميركي الإيراني، وبالتالي دخلوا على الخطّ مجدداً لأجل ضمان حصتهم أو عرقلة هذا الاتفاق. بينما في الأساس لا يمكن إغفال التنسيق "الإسرائيلي" الأميركي في هذا المجال، والذي يهدف إلى الوصول إلى اتفاق يخدم الطرفين، ويخدم إيران أيضاً.
هذه القراءة الخاطئة، تلاقي ما يقابلها أيضاً، لدى من يعتبر أن "الحرس الثوري" الإيراني سيكون متضرراً من الدبلوماسية الإيرانية والوصول إلى اتفاق، ولذلك يلجأ إلى التصعيد بهدف تعطيل أي اتفاق قد يكون على حسابه.
هذه النظرة أيضاً خاطئة، لأنه لا يمكن الفصل في إيران بين إصلاحيين ومحافظين خاصة في هكذا أوضاع، إنما ما يجري هو نوع من توزيع الأدوار المتكاملة بين الدبلوماسية من جهة، و"الحرس الثوري" وحلفائه في المنطقة كـ"حزب الله" من جهة أخرى. وهذا التكامل يمكن قراءته في العديد من المواقف والمحطات السابقة والحالية، إذ إن كل تصعيد عسكري إيراني في المنطقة، كان يتزامن مع جولة تفاوضية جديدة.
التطور الخطير في ما جرى هو فتح "الإسرائيليين" المجال الجوي اللبناني وبعض المناطق اللبنانية أمام حملة الاستهدافات خاصة في الضاحية الجنوبية
وهذا ما يتكرر حالياً، خاصة في ظل التكامل بين تهديد "حزب الله" بالرد على الضربة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين المسار السياسي الذي تقوده إيران، وشاركت فيه دول عديدة، إذ تفعّلت فوراً اتصالات دبلوماسية تهدف إلى التهدئة ومنع تفاقم الأمور، على الرغم من اتجاه "حزب الله" إلى الردّ على الضربة "الإسرائيلية"، على أن تهدف هذه الاتصالات إلى لجم أي ردود "إسرائيلية" محتملة على ضربة "الحزب"، ومنع حصول تدهور للأوضاع. ما يعني أن كل ما يجري مرسوم بدقة. وفتح الباب أمام المفاوضات.
في كلام نصر الله التصعيدي والذي توعد فيه "الإسرائيليين" بالرد، هناك عبارة أساسية غاب عنها مختلف المحللين، عندما قال إنه سيرد على الضربة التي استهدفت عناصر "حزبه" وقتلت اثنين منهم في سوريا، في لبنان ومن لبنان. وهذا مؤشر استراتيجي كبير، يشير إلى أن نصر الله أعطى انطباعاً أو فتح الباب بشكل غير مباشر لإعلان انسحاب غير معلن من سوريا، بما أن الرد لن يكون من الأراضي السورية، هذه النقطة، بالتأكيد ستفتح الباب واسعاً أمام مفاوضات أخرى ستجري في المرحلة اللاحقة، يكون "حزب الله" بموجبها أعلن انسحاباً غير مباشر من سوريا، لكنه سيحصل على ما يقابله في لبنان، ومن أبرز الإشارات هي التسليم اللبناني والإقليمي والدولي بسيطرة "الحزب" على قرار الدولة اللبنانية.
لعل المعادلة التي تقوم عليها السلطة في بلادنا ولا سيما منطقتنا العربية وبلاد الشام تحديدا، ترتكز إلى أن ترسيخ السلطة والحكم والنفوذ، يتطلب بالضرورة تقديم الخدمات الاستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية المسيطرة، حكم نظام الأسد منذ الرئيس السابق حافظ الأسد، قام على خطاب "ممانع ومقاوم"، في مقابل حفظ الاستقرار على الحدود مع الجولان المحتل، في لبنان الصورة نفسها، تتكرر ثمن السلطة في لبنان خطاب ممانع ومقاوم ضد "إسرائيل"، مع ضمان الاستقرار على حدودها...دائما التصدي والصمود، والمقاومة والممانعة شعارات كانت في بلادنا وسائل لأسر الشعوب والدخول إلى نادي السلطة والحكم، ورسالة تطمين لـ"إسرائيل"، من لبنان إلى سوريا وبالعكس.
المصدر : تلفزيون سوريا
28/12/1440
29/8/2019