الرد على عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (4)

بواسطة ابو محمد الغزي قراءة 2483
الرد على عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (4)
الرد على عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (4)

الرد على عماد حمتو في خطبته ثورة الحسين والربيع العربي (4)

ابو محمد الغزي

8-5-2012

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

ساق صاحب الخطبة جملة من الأحاديث في فضل آل البيت عليهم السلام وبيان منزلتهم، وحاصل ما ذكره لا خلاف فيه، لكنه وقع في أخطاء كثيرة في عزوه للأحاديث ونسبتها للصحيحين وهي مما لم يخرجها البخاري ومسلم، كما أنه صحح بعض الأحاديث الضعيفة وإليك التفصيل:

أولا: ذكر حمتو حديث أبي  سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَلِيٌّ قَائِمٌ، وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ وَأَبْنَاؤُهَا إِلَى جَنْبِهَا، فَاسْتَسْقَى الْحَسَنُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى لِقْحَةٍ فَحَلَبَ لَهُمْ فَأَتَى بِهِ فَاسْتَيْقَظَ الْحُسَيْنُ، فَجَعَلَ يُعَالِجُ أَنْ يَشْرَبَ قَبْلَهُ حَتَّى بَكَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخَاكَ اسْتَسْقَى قَبْلَكَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: كَأَنَّ الْحَسَنَ آثَرُ عِنْدَكَ، قَالَ: مَا هُوَ بِآثَرَ عِنْدِي مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُمَا عِنْدِي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنِّي وَإِيَّاكَ وَهُمَا وَهَذَا النَّائِمُ لَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وقد ذكره حمتو مختصرا وبلفظ غريب لم أجده وهو: وهذا النائم في الجنة، ولعله من أوهامه وسوء حفظه، وهذا الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (16/ 259) والحاكم في المستدرك (3/ 137) كلاهما من طريق كَثِيرُ بن يَحْيَى، ثنا سَعِيدُ بن عَبْدِ الْكَرِيمِ بن سَلِيطٍ، وأَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بن أَبِي عَوْفٍ أَبِي الْجَحَّافِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي زِنَادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بن الْحَارِثِ بن نَوْفَلٍ به نحوه، ولكن لم يروه كثير بن يحيى عن عبد الكريم بن سليط عند الحاكم.

قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/171): " في إسناده كثير بن يحيى وهو ضعيف ووثقه ابن حبان"

وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (7/ 944): " وهذا إسناد منكر عندي؛ علته: محمد بن حُبّان المازني  شيخ الطبراني؛ فقد ضعفوه؛ قال محمد بن علي الصوري: "ضعيف ". وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ: "يحدث بمناكير". كذا في "تاريخ الخطيب " (5/ 231- 232)"

وأخرجه البزار في مسنده (2/ 459) من طريق آخر فقال حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي وهو الصوفي قال : نا أحمد بن المفضل ، قال : نا عمرو بن ثابت بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن أبي فاختة ، عن علي فذكره مختصرا.

قلت: وفيه عمرو بن ثابت وهو ضعيف.

والخلاصة أن الحديث يعتريه ضعف من جميع طرقه، ولكن حسنه الألباني بشواهده والله تعالى أعلم.

وأما اللفظ الذي ساقه حمتو في خطبته فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في شيء.

 

ثانيا: ذكر حمتو أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم عقب نزول الآيات الأولى من سورة التوبة: "إن هذه الآيات لا يقرؤها إلا أنت أو أحد من أهل بيتك"

أقول: وردت أحاديث كثيرة في هذه القصة بينها تعارض في الظاهر وبيان  ذلك أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر ليقرأها على الناس فأعطاها عليا رضي الله عنه، وثبت أن أبا هريرة كان يقرؤها على الناس وهما ليسا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذه سياق الأحاديث في ذلك:

أخرج البخاري في صحيحه (1/ 82) عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ  يَوْمَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: «لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»

وقد أفاد هذا الحديث إرسال أبي بكر لمؤذنين بجمع المذكر السالم ولم يقتصر الأمر على علي كما زعم حمتو

وأخرجه البخاري في صحيحه (6/ 64) عنه وزاد فيه : ثُمَّ «أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ، «وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»

وفي هذا الحديث إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أولا ثم أردفه بعلي رضي الله عنهم أجمعين.

وأخرجه النسائي (5/ 234) عنه بلفظ آخر: " جِئْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ: مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: «كُنَّا نُنَادِي إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَأَجَلُهُ أَوْ أَمَدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَسُولُهُ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي»

قلت: وهذا الحديث لا يعارض ما سبق لأن أبا هريرة جاء مع علي فلما وصلا أرسله أبو بكر مع علي ينادي بالناس.

وأخرج الترمذي (3/ 213) عَنْ زَيْدِ بْنِ أُثَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ؟ قَالَ: " بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَا مُدَّةَ لَهُ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ "

قال الترمذي: «حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وصححه الألباني.

وأخرج أيضا (5/ 275) بإسناد صحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذْ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القَصْوَاءِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَزِعًا فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَانْطَلَقَا فَحَجَّا، فَقَامَ عَلِيٌّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَنَادَى: «ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَرِيئَةٌ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ». وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي، فَإِذَا عَيِيَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى بِهَا

قال ابن حجر في الفتح (8/ 320): " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِبَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ قَالَ لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيٍّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ يَعْلَى عِنْدَ أَحْمَدَ لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةٍ بَعَثَ بِهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ أَدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ فَحَيْثُمَا لَقِيتَهُ فَخُذْ مِنْهُ الْكِتَابَ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ لَكِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَا يُؤَدِّي عَنْكَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ"

وقال الطحاوي في مشكل الآثار (8/ 29) بعد أن ساق جملة الروايات في ذلك: "قال هذا القائل : فقد دل حديث أبي هريرة هذا على أن التبليغ بهذه الأشياء إنما كان من أبي بكر ، لا من علي ، وهذا اضطراب في هذه الآثار شديد . فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه ما في ذلك اضطراب كما ذكر ؛ لأن الإمرة في تلك الحجة ، إنما كانت لأبي بكر خاصة ، لا شريك له فيها ، وكانت الطاعة في الأمر والنهي الذي يكون فيها إلى أبي بكر لا إلى سواه ، فمن أجل ذلك بعث أبا هريرة في المؤذنين الذين كانوا معه ليمتثلوا ما يأمرهم به علي رضي الله عنه فيما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، وقد دل على ذلك، وذكر حديث المحرر بن أ[ي هريرة عن أبيه ثم قال : فدل ذلك على أن نداء أبي هريرة إنما كان بما يلقيه علي عليه ، وأن مصيره كان إلى علي كان بأمر أبي بكر ؛ لأن الأمر كان إليه ، إذ كان هو الأمير في تلك الحجة ، حتى رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفا منها . وفيما بينا من ذلك علو المرتبة لأبي بكر رضي الله عنه في إمرته على المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يصلح أن يكون المبلغ له عنه إلا هو . وفيه أيضا علو مرتبة علي رضي الله عنه في اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بما اختصه به من التبليغ عنه ، وفي ذلك ما يجب على أهل العلم الوقوف على منزلة كل واحد منهما حتى يؤتوه ما جعله الله له ، ولا ينتقصوه منه شيئا . والله نسأله التوفيق".

 

 

ثالثا:  ذكر حمتو حديث «فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها ويبسطنى ما يبسطها وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى وسببى وصهرى» وقد عزاه إلى صحيح مسلم وهو غلط.

أخرجه أحمد (4/323 ، رقم 18927) ، والطبرانى (20/25 ، رقم 30) قال الهيثمى (9/203) : فيه أم بكر بنت المسور ولم يجرحها أحد ولم يوثقها وبقية رجاله وثقوا . والحاكم (3/172 ، رقم 4747) وقال : صحيح الإسناد .

رابعا: ذكر حمتو حديث زيد بن أرقم « إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتى أهل بيتى ولن يتفرقا حتى يَرِدَا علىَّ الحوضَ فانظروا كيف تخلفونى فيهما»

أخرجه الترمذى (5/663 ، رقم 3788) ، وقال : حسن غريب .

قلت : وقد ذكره بمعناه مختصرا وعزاه إلى الصحيح وهو غلط.

وأخيرا ذكر حمتو أن الحسين رضي الله عنه أراد أن يثور لهذه الأمة وليس لشخصه وأضاف أن الأخطاء إذا بقيت في الأمة صارت سجية فيها ومثل على ذلك ببني إسرائيل عندما اعتذروا لموسى عن القتال، ومن ثمرات هه الأخطاء قول البعض الخروج على الحكام لا يجوز وهذا فقه رديء .. إلخ.

أقول: تعليقي على هذا الكلام من وجهين:

الوجه الأول: لا قائل بأن الحسين رضي الله عنه خرج من أجل نفسه، ولكن ذكرت في الحلقات السابقة أن أصل خروج الحسين رضي الله عنه كان اجتهادا منه بأنه الأولى بالخلافة، وكان يرى تفويت هذه الأولوية إذا رضي الناس بالأمر وسكتوا، ولكن الذي دفعه للخروج هو ما جاءه من كتب الشيعة في العراق وكانوا عددا كبيرا بأنهم معه ودونه أنفسهم وأموالهم مما شجعه للخروج إليهم،  وقد نصحه كثير من الصحابة بعدم الخروج ولكنه خالفهم وتمنى رضي الله عنه أن لم يكن خرج وكان ما كان من فتن وقتال ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه العظيم.

ولا ريب أن مقتل الحسين رضي الله كارثة عظيمة بليت بها الأمة الإسلامية، ويتحمل حكام بني أمية مسؤولية ذلك وبالأخص ابن زياد المجرم والي يزيد على العراق، ولا يسلم يزيد من المساءلة إذ إنه كان يستطيع أن يحقن دماء المسلمين وأن يرسل الأوامر القاطعة لواليه في العراق ألا يسفك قطرة دم ولكن دعاة الفتنة جعلوها تشتعل فقتل خيار الناس على وجه الأرض في ذاك الوقت.

وإذا كان يزيد يتحمل ما ذكرنا فإن أعظم من شارك في قتل الحسين شيعته الخونة الذي غروه بكتبهم ولولاهم ما أتى ثم خذلوه وتولوا عنه مدبرين.

وليعلم أنه قد كثر الكذب والوضع بعد مقتل الحسين واستغل ذلك خونة الشيعة حتى أدخلوا في تاريخ الإسلام من الأكاذيب ما يعرفه الحصيف الناقد، ومن ذلك الروايات في سبي يزيد لآل البيت والأمر بقطع رأسه والنكت عليه بالقضيب وغير ذلك من أكاذيب الشيعة مما نقطع بعدم حصوله، فإن يزيدا مع ظلمه وجوره كان ذا مروءة وقد ثبت أنه أكرم نساء الحسين وردهن إلى المدينة، وندم كثيرا على مقتل الحسين والله المستعان.

الوجه الثاني: يحاول كثير من الناس أن يربطوا بين مسألة الخروج على الحاكم الظالم من حيث جوازها ومنعها بما حصل مع الحسين رضي الله عنه، وذلك أنه خرج على يزيد ولم يكن كافرا وقد نسب هذا القول للحسين وبالغ ابن حزم رحمه الله فادعى نسخ الأحاديث التي تأمر بالصبر على جور الأئمة وهي من الكثرة بمكان، ولا شك أن ما قاله دعوى لا تسلم إذ ليس لما ذكره وجه صحيح كما أنه لا يعرف المتقدم من المتأخر فيتعذر القول بالنسخ.

واتفق جماهير العلماء من السلف والخلف على عدم جواز الخروج على الحكام الظلمة ما داموا يقيمون شعائر الإسلام ويحكمون بين الناس بأحكام الشريعة وذلك للأحاديث الناطقة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بوب النووي في شرحه لصحيح مسلم بَاب الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»

عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ»، قَالَ: «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»

عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ»

أخرجه جميعها الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الإمارة من صحيحه.

وقد ذكر النووي في شرحه لمسلم كلاما طويلا في هذه المسألة أنقله لنفاسته قال: "وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَنْعَقِدُ لِكَافِرٍ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ انْعَزَلَ قَالَ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءَ إِلَيْهَا قَالَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمُ الْبِدْعَةُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ تَنْعَقِدُ لَهُ وَتُسْتَدَامُ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ قَالَ الْقَاضِي فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَتَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَةٌ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَخَلْعُهُ وَنَصْبُ إِمَامٍ عَادِلٍ إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِخَلْعِ الْكَافِرِ وَلَا يَجِبُ فِي الْمُبْتَدِعِ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْزَ لَمْ يَجِبِ الْقِيَامُ وَلْيُهَاجِرِ الْمُسْلِمُ عَنْ أَرْضِهِ إِلَى غَيْرِهَا وَيَفِرَّ بِدِينِهِ قَالَ وَلَا تَنْعَقِدُ لِفَاسِقٍ ابْتِدَاءً فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فِسْقٌ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَلْعُهُ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحسن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحجاج مع بن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين



مقالات ذات صلة