إيران حين تدعم «بوليساريو» عقاباً للمغرب على تضامنه مع دول الخليج

بواسطة صحيفة الحياة قراءة 691
إيران حين تدعم «بوليساريو» عقاباً للمغرب على تضامنه مع دول الخليج
إيران حين تدعم «بوليساريو» عقاباً للمغرب على تضامنه مع دول الخليج

نجاح عبدالله سليمان 

ليست المرة الأولى التي تتدخل طهران في شأن المملكة المغربية الداخلي، فسبق للمغرب أن قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران مطلع العام 2009، عقب احتجاج على تصريحات إيرانية اعتبرتها الرباط غير مقبولة إثر تضامنها مع البحرين في الأزمة التي نشبت مع طهران حينها. وتجدّد التدخل في قم الإيرانية يوم 25 كانون الأول (يناير) 2017، إذ مرّت واقعة بتر خريطة المملكة المغربية من صحرائها خلال حفلة افتتاح المؤتمر الدولي للحوار الثقافي بين إيران والعالم العربي، وأيضاً في حفلة الختام في مدينة مشهد، فضلاً عن رفع علم ما يسمى «الجمهورية الصحراوية»، في صمت مطبق من دون أن تثير أي ردود فعل رسمية أو شعبية. لقد عرض المؤتمر الذي أشرفت عليه وزارة الثقافة الإيرانية خريطة المغرب مبتورة في شكل واضح من منطقة الصحراء، طيلة مدة الملتقى، وحضره عدد من البلدان العربية، كما تم عرض علم البوليساريو على واجهة اللافتة الرئيسة الحاملة لأعلام جميع الدول العربية. وبرر البعض حينها أن بتر خريطة المغرب وعرض علم «الجبهة الانفصالية» خطأ مقصود. حيث إن إيران عاشت عزلة قبل الاتفاق النووي مع القوى الغربية، وأيضاً إبان الصراع المفتوح في المنطقة بين إيران ومحيطها العربي على خلفية قضايا شائكة كثيرة، أبرزها الملفان السوري واليمني. كذلك فإن طهران بعد كسب معاركها في سورية والاطمئنان إلى ترسيخ أقدام الأسد، تحاول كسب نقاط أخرى.

إيران بدأت حينها تسعى إلى كسب نقاط جديدة هذه المرة في المجال الثقافي والعلاقات العامة، واستثمار مكتسباتها في الملفين النووي والسوري من أجل تثبيت صورة البلد الذي يؤمن بالحوار الثقافي مع العالم، ومع المحيط العربي على وجه التحديد. ما يفسر إقدام إيران على تنظيم المؤتمر الدولي للحوار الثقافي بين إيران والعالم العربي، برعاية وزارة الثقافة وإشراف فعلي لمنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية شبه الرسمية، حيث شاركت فيه شخصيات عربية مدعوة من تونس والجزائر وعمان والكويت وسورية ولبنان والعراق. لقد نُظم المؤتمر تحت يافطة ثقافية، لكن غاب عنه الكثير من الدول العربية، ومنها المغرب. كذلك جاء المؤتمر ليفتح مجالاً للديبلوماسية الثقافية الإيرانية للتحرك في التربة العربية والترويج للريادة الإيرانية على مستوى العالم الإسلامي؛ احتفاء بمدينة مشهد كعاصمة له. وطرح مراقبون سؤالاً عن الخلفيات الحقيقية وراء إقدام الجهات المسؤولة عن تنظيم المؤتمر على عرض خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، ورفع علم «الجمهورية الصحراوية» المزعومة، وما إذا كان العمل سهواً وقع فيه المسؤولون، أم أنه أمر مقصود ينطوي على رسائل معينة.

الأيام أثبتت أنه عمل مقصود، فلا يمكن الاقتناع بتاتاً بأن ما حدث خطأ، ولا يجب تبريره وتوسل الأعذار لذلك؛ لأن الخريطة المبتورة للمغرب عرضت في جلسات أعمال المؤتمر في مدينة قم طيلة الأيام التي استغرقها الملتقى، وتكرر الأمر في خريطة أخرى، غير الأولى، في مدينة مشهد حيث كانت حفلة الختام في حضور وزير الثقافة الإيراني. أكثر من ذلك، تم وضع علم «الجمهورية العربية الصحراوية» إلى جانب علم ليبيا في اللافتة على خلفية المنصة، ولم يصدر عن إيران أي اعتذار، أو ما يفيد بأن الأمر كان خطأً غير مقصود.

فهل إيران توجه رسالة إلى المغرب بأنها لم تنس تحالفه مع الدول الخليجية ودعمه لها في مختلف المحطات، وتنديده المتكرر بالتدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج العربي؟ هل كانت رسالة أخرى مفادها أن دعم المغرب لدولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص جزر أبي موسي، وطنب الصغرى، وطنب الكبري، المتنازع عليها مع إيران، لن تسكت عنه طهران، وقد تقابله بدعم مماثل تقدمه إلى جبهة البوليساريو؟.

قد يكون الأمر متعلقاً بتحركات إيرانية مدعومة من خصوم الوحدة الترابية للمغرب، تأتي قبيل انعقاد القمة الإفريقية حينها والتي ستعيد المغرب إلى مكانته في الصرح الإفريقي ، بهدف التشويش على الجهود المغربية وخلط الأوراق من جديد، وإثارة الشكوك لدى بعض البلدان الإفريقية التي لإيران موطئ قدم فيها.

في أول أيار (مايو) 2018، أعلنت المملكة المغربية إنها ستقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران بسبب ما وصفته بدعم طهران لـ «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (بوليساريو) ومدها بالأسلحة. وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة، في مؤتمر صحافي إن الرباط ستغلق سفارة إيران وتطرد سفيرها. واتهم الوزير المغربي «حزب الله» اللبناني بالضلوع في إيصال الأسلحة إلى جبهة البوليساريو. وقال بوريطة: «الشحنة الأولى من الأسلحة أُرسلت أخيراً إلى الجبهة عبر عناصر في السفارة الإيرانية في الجزائر». هنا أصدر «حزب الله» بياناً جاء فيه أنه «ينفي هذه المزاعم والاتهامات جملة وتفصيلاً». وأضاف البيان نفسه أنه «يعتبر أنه من المؤسف أن يلجأ المغرب بفعل ضغوط أميركية و"إسرائيلية" وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة، ويرى أنه كان حرياً بالخارجية المغربية أن تبحث عن حجة أكثر إقناعاً لقطع علاقاتها مع إيران».

نعم الصحراء الغربية تمتد على مساحة تبلغ 266 ألف كلم مربع ويعتبرها المغرب جزءاً من ترابه الوطني ويقترح منحها حكماً ذاتياً، بيد أن بوليساريو تصر على إجراء استفتاء على الاستقلال برعاية الأمم المتحدة. وقالت بوليساريو مطلع العام الحالي إنها مستعدة للدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب في شأن المنطقة المتنازع عليها. ولم يعقد الجانبان أي مفاوضات مباشرة منذ العام 2012، فأين إيران من هذه المفاوضات؟ الواقع أنه يمكن أن نخلص إلى أن هذه كلها أسئلة قد تعيد بعثرة أوراق العلاقات المغربية الإيرانية، التي بالكاد استعادت نسقها العادي بعد تعيين السفير المغربي في طهران واستقباله رسمياً من طرف الرئيس حسن روحاني. فهذه معركة ديبلوماسية يجب على المغرب خوضها في طهران قبل أي مكان آخر.


*  كاتبة مصرية

 

المصدر : صحيفة الحياة

20/8/1439

6/5/2018

 



مقالات ذات صلة