التشيع الديني في الأردن
اشتد بعد حرب حزب الله وأردنيون سافروا لزيارة الحسينيات
شبكة الراصد الإسلامية
الدستور - ماهر أبو طير ( باختصار) 14/1/2007
في الوقت الذي أثار فيه إعدام الرئيس العراقي صدام حسين موجة ردود فعل واسعة سياسياً ودينياً، كان لافتاً للانتباه أن إعدام الرئيس تسبب بموجة غضب على الشيعة باعتبارهم يقتصون من صدام حسين كرمز سني في هذه الحالة على الأقل.
المذهب الشيعي الذي حشد خلفه ملايين العرب إثر ما أنجزه حزب الله في جنوب لبنان، تسبب حينها بحالة تصالح داخل بيت المسلمين بين المذهبين السني والشيعي، أسقطت عداوات الحالة العراقية، بل وقطفت إيران ذاتها إحدى ثمار انجاز حزب الله ليصبح لها وجودها المعنوي في العالم العربي، حتى أن موجة التشيع ومصالحة الشيعة امتدت إلى دول عربية، فالبحرين سيطر الشيعة البحرينيون على برلمانها، وفي فلسطين ظهر بيان باسم المجلس الأعلى للشيعة الفلسطينيين في غزة، فيما دول خليجية أخرى باتت تفكر بإدخال وزراء شيعة إلى حكوماتهم، فيما يطل بين وقت وأخر متحدثون باسم شيعة مصر ليقولوا أن هناك مليوني شيعي مصري لا حقوق لهم ويتحدث زعيمهم باسم المجلس الأعلى لشيعة آل البيت.
وفي سوريا ولبنان يشتد قوسهم، وفي دول عربية أخرى مثل عمان واليمن وتونس نجد بؤراً شيعية أو مذاهب شيعية أخرى، ومابين الرغبة بتثبيت هؤلاء على عروبتهم أو ولائهم القطري للدولة التي ينتمون إليها، أو عزلهم الضمني عن إيران، التي تطرح نفسها باعتبارها حاضنة الشيعة، و" قم " قلب الشيعة في العالم بدلاً من النجف الذي كان تحت احتلال صدام حسين سابقاً ، يبدو أن الهلال الشيعي يطل بنفسه على المنطقة بقوة خصوصاً، أن فكرة المصالحة أو الاحتواء تقود في الحالتين إلى بروز الشيعة كقوة في العالم العربي، فيما فكرة القمع اليومية والملاحقة باتت غير منجزة لدى أنظمة كثيرة باتت تهرب من مبدأ القمع نحو المصالحة ليستفيد الشيعة في المحصلة.
ويقول مراقبون أن هناك خطراً على الأردن من التشيع الديني والتشيع السياسي، إذ دخل الأردن ما يزيد عن مليون عراقي غالبيتهم من الشيعة الميسورين بالإضافة إلى الفقراء الذين انقسموا كفقراء شيعة بين مجموعتين، الأولى فضلت الهجرة إلى الشام باعتبارها أرخص معيشياً، ومجموعة أخرى فضلت البقاء في الأردن، أما أغنياء الشيعة العراقيون فقد انقسموا أيضاً إلى مجموعتين، فأغنياء الشيعة العراقيون العروبيون أو المرتبطون بالنظام السابق فضلوا البقاء في الأردن كونه دينياً وسياسياً لا يعزلهم عن عروبتهم، أو باعتباره حاضنة تتفهم على الأقل وجود العراقي وعيشه بيننا، فيما أثرياء الشيعة العراقيون المتدينون والمستبدلون "قم بالنجف" والذين يعتبرون ميلهم الديني والمذهبي قبل عروبتهم فقد فضلوا العيش في سوريا لاعتبارات عديدة أهمها المساحة الممنوحة للشيعة في سوريا.
إذاً في الأردن لدينا نوعان من الشيعة العراقيين الأول أغنياء الشيعة العروبيون بالإضافة إلى فقراء الشيعة والسنة على حد سواء دون إنكار أن هناك عداوة تفصل بينهم من ظلال ما يحدث في العراق.
حزب الله الذي أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل أشاع موجة من التعاطف مع الشيعة في الأردن في ذلك التوقيت إذ كان عادياً أن تسمع تعبيرات بين الناس (الله نصرهم ولو لم يكونوا على دين حق لما نصروا وقد نكون نحن على خطأ أو متأثرين بالثقافة الأموية التي نراها حتى اليوم في بطون الفقه والكتب وعلينا أن نراجع كل شيء). بهذا الاستخلاص كانت التعبيرات تقال في ذلك الحين، وربما خطابات حسن نصر الله في ذلك الوقت كان يعرف توقيتها من انشغال كل الناس في بيوتهم لمتابعة الخطابات التي لاقت صدى كبيراً خصوصاًَ أن خطاباته في ذلك الوقت لم تحمل مفردات مذهبية.
في ظل هذه الأجواء كان التشيع الديني في الأردن هو الحدث الأبرز الذي لم يلتفت إليه أحد، إذ كان الحديث ينصب فقط عن التشيع السياسي بمعنى الإعجاب بحسن نصر الله ومناكفات إيران لواشنطن وغير ذلك، بل واعتبار ما يجري في العراق فتنة قد لا يكون لا الشيعة ولا السنة مسؤولاً عنها، وهكذا كان، بدأت بؤرة التشيع الديني بالتزايد، ووفقاً لمعلومات مؤكدة فإن هناك ثلاثة مصادر بدأت تغذي التشيع في الأردن، وعلى الرغم من أن السلطات الرسمية نفت في وقت سابق وجود طلب رسمي لديها بإنشاء حسينية في عبدون، برغم أنه من المؤكد أن هناك طلباً تم تقديمه رسمياً إلا أنه تم رفضه، لاعتبارات رسمية ودينية وأمنية، وكان لسان حال الجهات الرسمية أن المساجد موجودة وهي لجميع المسلمين ولا حاجة لحسينية، والحسينية هي مكان يتم فيه تلاوة أذكار تمجيد آل البيت واللطميات على مقتل الحسين رضي الله عنه، وغير ذلك، ويمكن أن تكون أي شقة أو فيلا بمثابة حسينية، وعلى هذا فقد كان هناك حاجة لترخيص رسمي من جانب مقدمي الطلب ليس لعدم قدرتهم على ممارسة العبادات في أي مكان أخر، بقدر تأسيس بؤرة علنية أولية للتشيع في الأردن، بمباركة الدولة وهو الأمر الذي لم يتم.
وشهدت الساحة الأردنية خلال العقد الماضي، أي خلال عشر سنوات ماضية ثلاثة مصادر للتشيع الديني، أولها وجود مجموعة قليلة تُعد باليد لأشخاص يحملون شهادة الدكتوراه وهم من الأردنيين تشيعوا في ظروف مختلفة وعادوا إلى الأردن بهذا المشروع وبدءوا بالسعي لتشييع أكبر عدد ممكن وكان لافتاً للانتباه وفقاً لمطلعين قلة إمكاناتهم المالية بمعنى عدم وجود تمويل مالي لهم من أي طرف عربي أو إقليمي وكانت مؤلفات خاصة تتعلق بالتشيع يتم تصويرها باستخدام آلات تصوير عادية، وتوزيعها على المريدين الجدد، ويؤكد مطلعون أن السلطات الرسمية كانت مطلعة على تحرك هؤلاء خصوصاً تحركات لشخصين من السلط وإربد ، إلا أن كون تشيعهم يعد فردياً وعملهم غير منظم أو مؤطر قلل من أهمية تحركهم في المحصلة، برغم وجود ألاف الكتب المهربة التي تشرح المذهب الشيعي وتوجد في مكتبات وسط العاصمة ومخازنها المعلنة أو تلك المخازن التي لا يعرف عنها أحد وتوجد بها الكتب الممنوعة بالإضافة إلى هذه النوعية من الكتب والتي تم استيرادها من لبنان وسوريا، أو أدخلها العراقيون معهم منذ عام 1990م على شكل نسخ تم استنساخها، ومابين طرفي المشهد هذا لم يكن الأمر يشكل موقفاً أو تهديداً، خصوصاً مع دخول الانترنت ووجود مئات المواقع التي تتحدث عن التشيع ، والمفارقات الدينية والفقهية في الاختلاف بين مذهبين، ووجود أيضاً عشرات المواقع السنية التي ترد عليهم.
أما ثاني هذه المصادر فقد جاء مع دخول العراقيين إلى الأردن، وكان لافتاً للانتباه أن العراقيين خلال دخولهم إلى الأردن في فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين، لم يعلنوا عن هويتهم كشيعة، بل كانوا يتحركون كعراقيين، أولاً وأخيراً، باستثناء المجموعات التي هاجرت إلى الغرب أو إلى سوريا والتي جاهرت بتشيعها، غير أن سقوط النظام العراقي قبل سنوات ، جعل المجاهرة بالتشيع أمراً عادياً مع سقوط النظام الذي لم يكن يحمي السنة بقدر طغيانه آنذاك على السنة والشيعة والمذهبية، ولا بأس هنا أن نذكر أن صدام لو صنف عدواً للشيعة كونه قتل في الدجيل من العراقيين، وأرسل جنوده إلى مراقد الأئمة في حالات فوضى كبرى كما حدث في النجف والجنوب بعد حرب 1990م، فيتوجب تصنيفه كذلك عدواً للسنة والأكراد كون جيش العراق بطش حينها بالأكراد السنة في كردستان وبالعرب السنة في الرمادي ومواقع أخرى، فالرئيس السابق لم يكن مذهبياً، فيد بطشه امتدت إلى الجميع فيما جنده وجيشه وحزبه ضم السنة والشيعة معاً، غير أن العراقيين الشيعة لسبب أو أخر قفزوا عن المعادلة السابقة، وجاهروا بتشيعهم بعد سقوط النظام، ودخلت إيران كخط مغذ وقوي جداً، وعلى حد تعبير أحد الخبراء فإن دخول إيران على خط الشيعة في العراق، كان يهدف أولاً وأخيراً إلى منع عودة النجف كمرجعية للشيعة في العالم والحفاظ على قم كمرجعية وحيدة.
ويقول مطلعون إن العراقيين الذين قدموا إلى الأردن، خصوصاً، الشيعة منهم، أقاموا عدة حسينيات في مناطق مختلفة دون الإعلان عن ذلك رسمياً، وبرغم أنهم كانوا يشاهدون في المسجد الحسيني وسط البلد يصلون منفردين مع وضع ورقة أو أي قطعة لعزل جبين المصلي عن السجاد لعدم القدرة على استخدام التربة الحسينية المأخوذة من موقع المعركة التي استشهد فيها الحسين رضي الله عنه، إلا أنهم لم يتعرضوا لأي مضايقات بسبب المذهب، ويقول مطلعون أن هناك عدة حسينيات في جبال عمان الشرقية ولمجموعات ليست كبيرة حتى لا تلفت الانتباه، ويشير البعض إلى جبال مثل النزهة والأشرفية، وفي أوساط المخيمات نجد أن هناك تواجداً كبيراً لفقراء الشيعة العراقيين، إذ يقول مطلعون أن هناك بضعة آلاف من الشيعة العراقيين يعيشون في مخيم البقعة وأعلنوا فرحتهم علناً صبيحة إعدام صدام حسين مما أدى إلى نشوب مشادات بالأيدي بينهم وبين مواطنين اعتبروا فرحهم هذا مبالغاً فيه، والتباس على سبب الإعدام الحقيقي، وتقول مصادر مطلعة أن هناك 150 عائلة أردنية تشيعت في مخيم البقعة خصوصاً بعد انجازات حزب الله ضد إسرائيل، ويلفت مراقبون الانتباه إلى أن أحمد الجلبي زعيم حزب المؤتمر العراقي وهو على علاقة قوية جداً بواشنطن وطهران ويزور السيستاني بشكل دائم، قال قبل ثلاثة أسابيع في مقابلة مع إحدى الشبكات الأمريكية أن هناك ثلاثين ألف شيعي أردني تمنعهم السلطات الرسمية من ممارسة عباداتهم، والواضح أن الجلبي يصفي حساباته مع الأردن، كونه محكوماً على خلفية قضايا اختلاسات، وأيضاً يحرض شيعة العراق بتأثيرهم على حكومة المالكي لمنع أي تحسن في العلاقات بين عمان وبغداد وبما ينعكس على الأردن خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.
ويقول مطلعون أن الرقم الذي يطرحه الجلبي مبالغ فيه أساساً، إذ توجد عائلات أردنية في منطقة الرمثا وشمال الأردن وأصلها من منطقة بنت جبيل اللبنانية، هاجروا إلى الأردن منذ عشرات السنين وأصبحوا مواطنين أردنيين، وهي عائلات شيعية أصلاً، غير أن أحفاداً لهذه العائلات يقولون أنهم لم يعودوا شيعة أساساً، وأنهم أصبحوا سنة، وأن أجدادهم هم الشيعة، وعلق احد أبناؤهم في وقت سابق بأنهم كانوا دوماً محل شك السلطات الرسمية خلال الحرب العراقية الإيرانية وفي مناسبات عديدة برغم تأكيدهم أنهم أردنيون أولاً وأخيراً، وولاؤهم للأردن قبل أي شيء أخر، إلا أن المناكفات الفقهية تطل برأسها حين يقول علماء سنيون أنهم شيعة ولن يتخلوا عن مذهبهم وما يقال مجرد تقية تتم ممارستها من أجل الاستمرار وأنهم احتياط استراتيجي للمشروع الشيعي، ومابين الرأيين يبدو هؤلاء في وضع لا يحسدون عليه حين يتم إطلاق سهام الشك عليهم في كل مناسبة.
وتقول مصادر عليمة لـ(الدستور) أن العراقيين حاولوا في فترات ما شراء أراض في منطقة المزار الجنوبي، إلا أن هناك تعليمات غير معلنة بالتنبه إلى هذه التحركات في قطاع الأراضي في تلك المنطقة، لوجود ضريح سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه السلام الملقب بجعفر الطيار، كما تمت المحاولة لشراء أراض، عبر تسجيلها بأسماء لأردنيين، وبرغم أن السلطات الرسمية، تتيح للعراقيين الشيعة بالذهاب إلى مقام جعفر بن أبي طالب خصوصاً في عاشوراء، إلا أن اللافت للانتباه عدم وجود تسهيلات، فأرض المقام لم تكن سابقاً مفروشة بالسجاد، لمنع الجلوس لفترات طويلة، فيما تباع قرب المسجد صور للإمام الخميني وحسن نصر الله ومقتدى الصدر وشخصيات إيرانية وشيعية عراقية بما في ذلك السيستاني، كما تباع أشرطة اللطميات والأذكار بكاء على الحسين في تلك المنطقة ـ وأيضاً في وسط العاصمة عمان ولدى سائقي السيارات القادمة من بغداد - كما تباع في تلك المنطقة التربة الحسينية.
وكانت إيران في الثمانينات قد عرضت على الأردن مطلع ذاك العقد إعمار مقام جعفر بن أبي طالب على نفقتها وإقامة منشآت سياحية إلا أن الملك الراحل الحسين بن طلال رفض العرض كلياً حتى لو أدى ذلك إلى وصول مليون سائح إيراني سنوياً كما كان مطروحاً وقال الملك الراحل جملة شهيرة أمام بطانته آنذاك مغزاها (أنا من آل البيت وأولى ببيتي من أي أحد آخر) مما أدى لاحقاً وبعد سنوات إلى إعمار الضريح ضمن سلسلة إعمار مقامات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول مطلعون أن هناك حسينية أخرى في عمان الغربية، ووفقاً لجهات رفيعة المستوى فأن هناك قلقاً رسمياً من ظاهرة التشيع الديني في الأردن خصوصاً، مع وجود معلومات حول سفر أردنيين إلى سوريا وزيارتهم لمرجعيات شيعية هناك والتشيع على أيديهم والعودة ودون الإعلان عن تشيعهم استناداً إلى مبدأ التقية، ويعلق خبراء أن المؤسف أن يتم طرح الشيعة العراقيين أو الشيعة العرب أو حتى مبدأ التشيع كخطر على الأردن أو على العالم العربي، لولا زواج المتعة الذي حصل فعلياً بين التشيع العربي وإيران التي لها مشروعها في المنطقة والذي يطل بوجه ديني وبقلب قومي.
ويرى محللون أن الشيعة العراقيين في الأردن، خصوصاً الأثرياء منهم، بدءوا يفكرون أصلاً بمغادرة الأردن، فيما الفقراء منهم لا يمتلكون حالياً خيارات أخرى، حتى أولئك الذين لا يتم تجديد اقاماتهم يستمرون بالتواجد في الأردن، وتقول مصادر عليمة لـ(الدستور) أن هناك رقابة أعلى من المتوقع على بؤر عديدة، من الناحية الأمنية، والسياسية لما يحدث، إذ بدأت السلطات بالتدقيق جيداً في ما يحضره المسافرون معهم من كتب ومنشورات وأشرطة في المواقع الحدودية مع سوريا والعراق، بالإضافة إلى وسائل أخرى تبقى طي الكتمان، ليبقى التشيع ليس هو المشكلة ما لم يتصل بإيران أو بقرار ذات لحظة من المرجعيات الدينية للشيعة في النجف لبقية الشيعة بالتحرك باتجاه ما، لغاية ما، وهي تخمينات مجهولة، في التوقيت والمغزى.
وترك العراقيون بالمحصلة تأثيراً واضحاً إذ تشيع ألاف الأردنيين ( هذه مبالغة قد لا يتجاوزون المئات . الراصد ) خصوصاً مع وجود تأثير لما يسمى العرفانيين لدى الشيعة وهم نظير أهل التصوف لدى أهل السنة، ويوجد في النجف وقم عدد قليل من العرفانيين، والروح الجمعية للشيعة محكومة بالغيبيات، ويقال أن هناك ما يسمى بـ(البشارة) لدى الشيعة في إيران والعراق مفاده بأن زمن الشيعة قد حل وظهور دولتهم الممتدة من إيران إلى مصر مرورا بدول الخليج وباكستان والهند قد اطل ، وان موجهم لن يتم رده بأي طريقة ، وان زمن دول سابقة لهم كالصفوية والفاطمية عائد لا ريب فيه ، وتفسر الروح الجمعية والغيبية هذه تحركهم بكلمة من أي مرجع .
في ظل هذه الأجواء ووجود عائلات أردنية شيعية ووجود بؤر قليلة تروج للتشيع في الأردن، وما جهز له العراقيون الشيعة في الأردن من وجود مالي وديني وتغلغل في الحياة العامة ، بل وخطورة امتثال فقراء الشيعة بكلمة أو فتوى من أي إمام يتم تقليده ، جاءت معركة حزب الله الأخيرة كمصدر ثالث من مصادر التشيع الديني في الأردن، ووفقاً لمطلعين فإن هناك عدداً لا بأس به من الشباب الأردني سافروا إلى لبنان بعد الحرب الأخيرة وزاروا مقار لحزب الله، وتشيع بعضهم فعلاً وعاد إلى الأردن ، كأحد تأثيرات الحرب الأخيرة على الأردن ، والواقع أن يأساً شديداً لدى العرب وشباب المسلمين من رؤية أي انجاز لدى إسرائيل تهدم مع رؤية صواريخ حزب الله تتساقط على إسرائيل ، والواضح أن حسن نصر الله حشد خلفه شباب العرب والمسلمين في ذلك الوقت ، ويقول مطلعون أن الحالة النفسية والمعنوية التي حققها حزب الله آنذاك ، تم استثمارها أردنياً من جانب قوتين الأولى بؤر التشيع الأردني المحدودة والتي لم تكن تلاقي إقبالاً ، إذ باتت تحرك بوحي من النصر الإلهي وبتأثير منه ، فيما استفاد منه العراقيون الشيعة للحديث عن مذهبهم علناً وإثبات أن حزب الله لقي مدداً ربانياً في حربه ضد إسرائيل ، ولعل هناك أدلة لا تعد ولا تحصى على ارتفاع عدد الأردنيين الذين غادروا إلى دمشق ولبنان في فترة الحرب وما تلاها ، وزيارتهم لحسينيات في دمشق وبيروت وعاد مئات منهم وقد تشيعوا فيما ساهم كثيرون منهم في تشييع أسرهم والإثبات لعائلاتهم بوسائل فقهية ودينية وتاريخية أن التشيع هو الأصح من السنة وان التشيع في حقيقته كفكرة مذهب قائم على عبادات كثيرة وعلى إقامة سنن رسول الله.
إذن ثلاثة عناصر لعبت دوراً في خلق حالة من التشيع الديني في الأردن ، خصوصاً في أوساط الأردنيين الفقراء وفي أوساط المخيمات وفي بؤر محدودة ومتوسطة في مدن كالرمثا والسلط واربد ، ليتم تقدير عدد الشيعة الأردنيين بخمسة عشر ألف شيعي (ليس هناك مستند منطقي في هذا الرقم . الراصد ) بمن في ذلك العائلات الأردنية التي هاجرت أساساً من بنت جبيل ، والتي لا تطرح نفسها باعتبارها شيعية ، فيما التشيع السياسي هو الأخطر كونه يقود في المحصلة إلى التشيع الديني كنتيجة منطقية للتشيع السياسي
وتقول مصادر عليمة أن السلطات الرسمية تشعر بقلق عميق ، فعلى الرغم من أن إعدام صدام حسين بهذه الطريقة اسقط إيران وحزب الله في الساحة الأردنية ، وجعل مشروع نقل التشيع إلى الأردن ، مشروعاً ضعيفاً وغير قابل للحياة ، إلا أن المخاوف تنبع من شيء أخر تماما ، يتعلق حقيقة ليس بالسنة الذين غضبوا لإعدام صدام حسين ، بل لأولئك الذين تشيعوا ولن يعودوا عن تشيعهم أصلاً ، باعتبارها قضية قناعة دينية ، فيما لا يتوقع أن يتراجع التخطيط لتغذية عملية التشيع في الأردن ، في ظل مبدأ التقية أولاً ، وفي ظل وجود عدد كبير من العراقيين في الأردن وحرية سفر الشباب إلى سوريا ولبنان ، بل والبدء لترويج لقصة أن واشنطن تريد إثارة الشقاق بين السنة والشيعة ، وانه ليس شرفاً للمسلم أن يشتم الشيعة مصطفاً من حيث لا يعلم مع اليهود ، وهذا التبرير كفيل لوحده بحسر موجة النقد للشيعة في الأردن تدريجياً ، مع سريان نظرية المؤامرة الأمريكية - الإسرائيلية على حزب الله وسمعته وعلى مشروع إيران الإسلامي.
والواضح أن الأردن أمام إجراءات عديدة قد تتخذ بين وقت وأخر ، ليس لعداوة تجاه الشيعة العرب ، بل لكون التشيع بات سلاحاً في أيد أطراف إقليمية ، لتغيير هوية المنطقة تدريجياً من عربية سنية إلى هوية جديدة ، وإذا كانت الخيارات صعبة ، فإن تغذية الناس بوعي فقهي من جهة والتنبه لما يفعله كثيرون خصوصاً الطلبة الذين يدرسون خارج الأردن وأولئك الذين يسافرون إلى دول الجوار ، وأيضاً ، وجود بؤر للترويج للمذهب الشيعي ، تعمل بشكل دائم أو متقطع ، والتنبه لما يفعله الزوار والمقيمون العرب هو أمر هام جداً ، وإذا كانت هناك حسينية صغيرة موجودة في مخيم البقعة تم إغلاقها ، فإن الواجب إطلاق رسالة أن المسجد هو لجميع المسلمين وان التباس الدين بأي أجندات أخرى هو أمر خطير، وعلى حد تعبير إعلامي عربي ، فإن نسبة الدخول من الأردن على مواقع الانترنت الشيعية هي من أعلى النسب عربياً.