علماء فلسطين يقاومون الفاطمية

بواسطة هيثم الكسواني قراءة 1840
علماء فلسطين يقاومون الفاطمية
علماء فلسطين يقاومون الفاطمية

علماء فلسطين يقاومون الفاطمية

 

هيثم الكسواني

موقع: شبكة الراصد الإسلامية.

 

 كغيرهم من علماء الأمة، وقف علماء فلسطين موقف الرفض والمعارضة للدولة العبيدية الفاطمية، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، فالتشيع انتشر في فلسطين، في القرنين الرابع والخامس الهجريين، خلال الفترة التي سيطرت فيها الدولة العبيدية الفاطمية، وغيرها من الدول والإمارات، على بلاد الشام.

فبعد احتلالهم لمصر في سنة 358 هـ (969م) قادِمين من المغرب العربي، وجعل القاهرة عاصمة لدولتهم، نظر الفاطميون باهتمام كبير إلى فلسطين والشام "لأنها كانت تشكل المدخل إلى تحقيق الحلم الفاطمي بالقضاء على خلافة أهل السنة في بغداد" (1)

وتوجه الفاطميون نحو الشام وفلسطين، التي كان الحكم الإخشيدي فيها يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتمكنوا بعد أقل من عام من احتلال مدينة الرملة، ثم طبرية، ومدن فلسطينية أخرى، وأبدوا من القسوة الشيء الكثير، وعملوا على نشر مذهبهم في الأقاليم المختلفة، ومنها فلسطين، عبر عمل تنظيمي دقيق ومحكم.

فقد كان الدعاة للفاطميين في الأقاليم يمرون بدورات تدريبية وتأهيلية تكسبهم دقائق الفكر الإسماعيلي الباطني وأفضل الطرق لنشره بين المسلمين، مما يساعدهم على تنفيذ المهمات التي كان داعي الدعاة في القاهرة يكلفهم بها لترويج وترسيخ المذهب الشيعي الإسماعيلي. ولذلك أنشأت الدولة العبيدية في بيت المقدس فرعاً لـ "دار العلم الفاطمية" بالقاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله، سادس الحكام العبيديين (395هـ/ 1004م)، واتخذوا من فرع بيت المقدس مركز دعاية للمذهب الشيعي، فكان لها أكبر الأثر في انتشار هذا المذهب في فلسطين، وظل هذا المعهد في القدس حتى سقطت بيد الصليبيين(2) . ولا تزال إقامة دورات إعداد دعاة التشيع وتزويدهم بالمعارف والمهارات التنظيمية والحركية اللازمة مستمرة لليوم عبر الحوزات الشيعية في إيران والعراق ولبنان وسوريا.

وبرغم القسوة التي استعملها الفاطميون ضد أهل فلسطين، والجهود التعليمية والثقافية التي بذلوها لتشييعهم، رفض أهل الشام وفلسطين، وعلماؤهم على وجه الخصوص، الحكم الفاطمي، بحسب إمكانياتهم وقدراتهم، يقول الباحث د. خليل عثامنة: "ولم يكن من السهل على أهل الشام الذين كان بلدهم أحد معاقل أهل السنة أن يتقبلوا حكم الخلفاء الشيعة العبيديين (الفاطميين)، وقد عُرف عنهم خروجهم على بعض أركان الإسلام وتنكرهم لكثير من المسلّمات والسنن الدينية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من العقيدة الدينية الإسلامية، فقد اعتبروا مدينة المهدية، عاصمتهم الأولى قبل احتلالهم مصر (حرما) مضاهيا لمكة، واعتبر قصر المهدي فيها مضاهيا للكعبة، وجعلوا الحج إلى المهدية بديلا من الحج إلى مكة وجعلوها قبلة لهم، وأباحوا بالإضافة إلى ذلك كثيرا من المحرمات كأكل الخنزير وشرب الخمر، ومنعوا صلاة العيدين، وجعلوا الإمام ربّا يُعبد" (3)

ولذلك تصدى علماء فلسطين لهذا الفكر الضال وكان منهم:

 

1- أبو بكر النابلسي

ويعتبر أبو بكر النابلسي، رحمه الله، من أشهر العلماء الذين وقفوا في وجه العبيديين الفاطميين وإفسادهم، من أهل فلسطين، وقد قال أهل التاريخ في ترجمته: "هو محمد بن أحمد بن سهل بن نصر، أبو بكر الرملي الشهيد المعروف بابن النابلسي. كان عابدا صالحا زاهدا، قوالا بالحق، وكان إماماً في الحديث والفقه" ووصفوه بقولهم: "كان نبيلاً جليلاً، رئيس الرملة".

وكان رحمه الله من شدة ما رأى من إفساد العبيديين وصدّهم عن ملة الإسلام، وإجبار الناس على لعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر، يقول: "لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم بسهم ورميتُ بني عبيد بتسعة" (4)

وبسبب قوله هذا طارده العبيديون، ففر من الرملة إلى دمشق، لكنهم قبضوا عليه وحبسوه وجعلوه في قفص خشب، ثم حملوه إلى مصر، في سنة 363 هـ ، وهناك مثل بين يدي خليفة العبيديين الفاطميين، المعز لدين الله، الذي قال له: بلغنا أنك قلت: "إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفيناً تسعة"! فقال النابلسي: ما قلت هذا. فظن المعز الفاطمي، أن النابلسي رجع عن قوله، لكن النابلسي بكل ثبات وحزم قال: بل قلتُ: إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضاً، لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية.

وإزاء ثبات النابلسي على الحق، ومقاومته لإفساد العبيديين، أمر المعز بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا. وفي اليوم الثالث، أمر جزارا يهودياً  – بعد رفض الجزارين المسلمين – بسلخه، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، رحمه الجزار اليهودي وأخذته رقة عليه، فوكز السكين في موضع القلب، فقضى عليه، وحشي جلده تبناً، وصُلب. وكان رحمه الله في أثناء ذلك يردد قول الله تعالى ? كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ? الإسراء/ 58.

وذُكر له رحمه الله، كرامات، منها أنه لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن. وحكى ابن السعساع المصري، أنه رأى في النوم أبا بكر بن النابلسي بعدما صُلب وهو في أحسن هيئة، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال:

حباني مالكي بدوام عـز                     وواعدني بقرب الانتصـارِ

وقربني وأدنانـي إليـه                       وقال انْعَمْ بعيشٍ في جواري (5)

 

2- أبو القاسم الواسطي

الشيخ أبو القاسم الواسطي، هو الآخر، من علماء فلسطين الذين دافعوا عن شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في مقابل ما أحدثه العبيديون من بدع ومنكرات، وقد نقل الإمام الذهبي، ضمن أحداث سنة 364 هـ، عن مشرف بن مرجا القدسي، قال أخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن الحسن قال: حدثني الشيخ الصالح أبو القاسم الواسطي قال: "كنت مجاوراً ببيت المقدس، فأمروا (أي العبيديون)  في أول رمضان بقطع التراويح، صحت أنا وعبد الله الخادم: وا إسلاماه وا محمداه، فأخذني الأعوان وحبست، ثم جاء الكتاب من مصر بقطع لساني فقطع.

فبعد أسبوع رأيت النبي صلى الله عليه وسلم تفل في فمي، فانتبهت ببرد ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زال عني الألم، فتوضأت وصليت وعمدت إلى المأذنة فأذنت "الصلاة خير من النوم" فأخذونى وحبست وقيدت، وكتبوا في إلى مصر، فورد الكتاب بقطع لساني، وبضربي خمسمائة سوط، وبصلبي، ففعل بي، فرأيت لساني على البلاط مثل الرية. وكان البرد والجليد، وصليت واشتد علي الجليد، فبعد ثلاثة أيام عهدي بالحدائين يقولون: نُعرف الوالي أن هذا قد مات، فأتوه، وكان الوالي جيش بن الصمصامة فقال: أنزلوه، فألقوني على باب داود، فقوم يترحمون علي وآخرون يلعنوني، فلما كان بعد العشاء جاءني أربعة فحملوني على نعش ومضوا بني ليغسلوني في دار فوجدوني حياً، فكانوا يصلحون لي جريرة بلوز وسكر أسبوعاً.

ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أصحابه العشرة (أي المبشرون بالجنة) فقال: يا أبا بكر ترى ما قد جرى على صاحبك؟ قال: يا رسول الله فما أصنع به؟ قال:اتفل في فيه (أي فمه)، فتفل في في، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم صدري، فزال عني الألم، وانتبهت ببرد ريق أبي بكر، فناديت، فقام إليّ رجل، فأخبرته، وأسخن لي ماء، فتوضأت به، وجاءني بثياب ونفقة وقال: هذا فتوح، فقمت فقال: أين تمر الله الله، فجئت المأذنة وأذنت الصبح: "الصلاة خير من النوم"، ثم قلت قصيدة في الصحابة، فأخذت إلى الوالي فقال: يا هذا إذهب ولا تقم ببلدي، فإني أخاف من أصحاب الأخبار وأدخل فيك جهنم، فخرجت وأتيت عمان، فاكتريت مع عرب الكوفة، فأتيت واسط، فوجدت "أمي" تبكي علي، وأنا كل سنة أحج وأسأل عن القدس لعل تزول دولتهم"، قال الشيخ أبو بكر محمد بن الحسن فرأيته طلق اللسان ألثغ " (6)

ولا يزال لعلماء فلسطين حتى اليوم جهود مشكورة في مقاومة محاولات التسلل الشيعي لفلسطين، سيسطرها التاريخ بأحرف من نور.

 

للاستزادة:

1 -    تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، نسخة الكترونية.

2 -    فلسطين في خمسة قرون - خليل عثامنة.

3 -    الموسوعة الفلسطينية ـ القسم الأول.


 

 



1- فلسطين في خمسة قرون - خليل عثامنة ص 260.

2- الموسوعة الفلسطينية ـ القسم الأول ج2 ص653.

3ـ فلسطين في خمسة قرون ص 274.

4 - وردت هذه العبارة في كتب التاريخ والتراجم بصيغ عديدة، لكنها كلها بمعنى واحد.

5 -  تاريخ الإسلام، للإمام الذهبي نسخة الكترونية، ج 21، ص 33، 34، بتصرف بسيط.

-  تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، نسخة الكترونية، ج 21، ص 10، 11.

 



مقالات ذات صلة