القنبلة النووية وعقدة النقص عند الشعوبية
صباح الموسوي
خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء، أسلوب مخادع يستخدمه نظام طهران في مفاوضاته الجارية مع المنسق الأعلى لسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والدول الخمس زائد واحد. معتبرًا هذا الأسلوب أفضل طريقة لكسب الوقت لبلوغ المرحلة النهائية من تخصيب اليورانيوم الذي سوف يمكنه من إنتاج أفتك سلاح عرفته البشرية إلى الآن وهو السلاح النووي. هذا السلاح الذي أصبح الحصول عليه هدف النظام الإيراني الرئيسي ووسيلته النهائية لتحقيق غايته وهي حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية وان كانت تحت عناوين ومسميات جديدة.
حيث إن هذه الغاية منذ عدة قرون وهي تراود مخيلة الشعوبيين والصفويين الحالمين بعودة تلك الإمبراطورية التي كانت قد انتهت على يد المسلمين في معركة القادسية الأولى، وأصبحت منذ ذلك الحين في خبر كان. ولكن على الرغم من مساعي الحشاشين والبويهيين والبرامكة والصفويين ومن خلفهم من أصحاب الحركات الهدامة وجميع الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في بلاد فارس ـ فإن إعادة الإمبراطورية الفارسية بقي حلمًا مستحيل التحقيق وذلك لأسباب عديدة من أهمها وعي الأمة الإسلامية وقوتها في مواجهة تلك الحركات والأنظمة وإفشال مخططاتها.
إلا أن تغير الأوضاع السياسية في العالم والمنطقة وما آلت إليه أحوال الأمة العربية والإسلامية من تشرذم وضعف، دفع حكام إيران لإعادة المحاولة من جديد في العمل من أجل تحقيق ما كان يسعى له أسلافهم لفرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة وذلك اعتمادًا على تغيير المعادلات السياسية وما تحقق لهم من نفوذ في الوطن العربي عن طريق بعض الأنظمة والحركات الطائفية والجماعات المرتزقة التي تلبست بلباس القومية العربية والإسلام ورفعت يافطة النضال من أجل تحرير فلسطين، ولكنها مع الأسف تحت غطاء هذا الشعار أصبحت مطية للنظام الإيراني وقدمت له أكثر مما قدمت لقضية فلسطين.
وفي ظل هذه المتغيرات وجد النظام الإيراني أن أفضل سلاحين يمكن أن يساعدانه على تحقيق فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة، الحلم الذي يعد تحقيقه الوسيلة الوحيدة للتخلص من "عقدة النقص" التي أصابت الشعوبيين بعد سقوط إمبراطوريتهم الكسروية، هما الفتنة الطائفية والقوة النووية.
لقد كان العرب أهون الشعوب عند الفرس ولم يدر في خلدهم أن تكون نهاية إمبراطوريتهم يومًا ما على يد هؤلاء العرب (أكلة الضب والسحالف) حسب تعبير شاعر الحركة الشعوبية ولسان حالها " الفردوسي" صاحب كتاب الشاهنامة الذي يوم موته في القرن الثالث رفض علماء الإسلام في مدينة طوس دفنه في مقابر المسلمين لشدة عداوته للإسلام، الأمر الذي دفع الحركة الشعوبية إلى دفنه خلسة في مزرعته الواقعة على بعد أميال من المدينة. وعلى الرغم من مجاهرة الفردوسي بعدائه للعروبة والإسلام إلا أن نظام طهران الشعوبي، الذي لا يقل حقدًا على العرب من الفردوسي، عمل على إحياء ذكرى هذا الشاعر السباب وقد أوعز مراجع الحوزة الدينية، الذين يفترض بهم أن يكونوا بعيدين كل البعد عن إثارة النعرات العنصرية والطائفية والعمل على نشر ثقافة الإسلام السمحة التي تنبذ العصبية العرقية والتنابز بالألقاب، أوعزوا إلى "مؤسسة نور" التابعة للمكتب الإعلامي لحوزتهم المسماة بالعلمية قبل عامين بطبع كتاب الشاهنامة على قرص ليزري (سي دي ) مدته ساعتان يضم ترجمة باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية مع نبذة تاريخية عن حياة الفردوسي وصور من قبره المشيد في مدينة مشهد في إقليم خراسان والقيام بتوزيع هذا الكتاب بالمجان عبر المراكز الثقافية والسفارات الإيرانية في الخارج. وقد درج ملالي النظام الإيراني عن أن تكون أكبر الاحتفالات التي تقام سنويًا لإحياء ذكرى الفردوسي أن تجرى في إقليم الأحواز العربي. كما أخذ المركز الثقافي الإيراني في سوريا في السنوات الأخيرة إقامة احتفالية ذكرى الفردوسي في مدن دمشق وحلب والرقة واللاذقية السورية. وقد جرت مثل هذه الاحتفالات في مدن بيروت وصيدا وبعلبك في لبنان أيضًا. وذلك في خطوة أقل ما يمكن وصفها بأنها تحدٍّ صارخ لمشاعر العرب والمسلمين الذين لم يترك الفردوسي سبة أو مثلبة إلا ولصقها بهم. لقد عرف عن الحركة الشعوبية معاداتها للإسلام والمجاهرة بهذا العداء أكثر من معاداتها لأي دين أو أمة أخرى وقد اعتقد العرب أن هذا العداء قد انتهى بمجيء الثورة التي أطاحت برمز الشعوبية " النظام البهلوي " الذي كان يعد حامل الإرث الكسروي والمؤمل عليه في إعادة حلم الإمبراطورية الفارسية وكان هذا النظام قد عمل بجد وإخلاص لتحقيق هذا الحلم وسعى جاهدًا لبناء أقوى جيش في المنطقة حتى عد حينها رابع جيش في العالم. وقد شرع أيضًا في بناء المشروع النووي لكي يدعم هذا الجيش بسلاح لا يقهر.
إلا أن الشعوبية وجدت أن السلاح النووي وحده لا يمكن أن يحقق غايتهم. فالحركة الصهيونية وعلى الرغم من امتلاكها لأكبر ترسانة نووية في الشرق الأوسط إلا أنها وقفت عاجزة عن تحقيق حلمها التاريخي في بناء دولة "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات. بل إنها أصبحت عاجزة حتى عن حماية كيانها الهزيل المقام على عشرات الكيلو مترات من الأراضي العربية في فلسطين وأصبح حلمها التاريخي مداسًا تحت أقدام الفدائيين والمناضلين الفلسطينيين والغيارى من أبناء الأمة العربية المسلمة. لذلك فقد رأت الحركة الشعوبية ضرورة إيجاد سلاح آخر يسبق السلاح النووي الذي أصبح استخدامه شبه محال في هذا الزمان. وقد أدركت أن الشاه لا يقوى على صنع واستخدام هذا السلاح الذي تريده فهذا سلاح يكتب في السراديب المظلة، ويلقى بألسنة اعتادت أن تعطيك من طرفها حلاوة وتروغ منك كما يروغ الثعلب. ومن أقدر على صنع هذا السلاح (الطائفية) الهدام الخالي من الخلق الإنساني والقيم الدينية سوى ملالي الحوزة، فهم مهندسو الطائفية البغضاء وأساتذتها المهرة. لقد قررت الحركة الشعوبية استخدام الفتنة الطائفية مثلما سبق واستخدمتها في العصور الإسلامية الأولى وتمكنت من خلق طوائف وفرق متقاتلة بهدف هدم الدولة الإسلامية وإقامة الإمبراطورية الكسروية.
وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد حيث دفعت الحركة الشعوبية بنظام ملالي طهران بتكميل المشروع النووي الذي كان بدأه النظام البهلوي من أجل الوصول إلى امتلاك القنبلة النووية لتكون رديفًا يدعم الحرب الطائفية التي أشعل نيرانها قبل ثلاثين عامًا مضت في حربه مع العراق وأوصل شرارتها إلى لبنان والذي يعمل على أن تتسع رقعتها لتحرق بلدانًا عربية أخرى حتى يستطيع فرض هيمنته على المنطقة ويتخلص بعد ذلك من "عقدة النقص" التي لازمت الشعوبيين بعد الإطاحة بإمبراطوريتهم الكسروية على يد العرب المسلمين. ولكن لا نجد هنا إلا أن نذكرهم بقول الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].