الحرب على الصحابة حرب على الإسلام والمسلمين

بواسطة الشيخ: أحمد بن علي برعود قراءة 2851
الحرب على الصحابة حرب على الإسلام والمسلمين
الحرب على الصحابة حرب على الإسلام والمسلمين

الشيخ: أحمد بن علي برعود

لقد أثنى الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار فقال جل وجلاله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

وقال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].

وقال سبحانه: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10].

وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتأدب معهم، ونهانا عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق.

فقد روى الطبراني في الجامع الصغير جملة من الأحاديث وصححها الألباني في صحيح الجامع منها:

الحديث الأول:

قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكِرَ النجوم فأمسكوا، وإذا ذُكِرَ القدر فأمسكوا».

فقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» أي: عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق.

الحديث الثاني:

قال صلى الله عليه وسلم: «بحسب أصحابي القتل» أي: يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل، فإنه كفارة لجرمه وتمحيص لذنوبه، وأما المصيب فهو شهيد.

الحديث الثالث:

قال صلى الله عليه وسلم: «بُعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم».

الحديث الرابع:

قال صلى الله عليه وسلم: «دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهباً ما بلغتم أعمالهم».

الحديث الخامس:

قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من سبَّ أصحابي».

الحديث السادس:

قال صلى الله عليه وسلم: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

الحديث السابع:

قال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه»، المد هو مكيال، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، ورطلان عند أهل العراق، و«نصيفه» أي: نصفه.

الحديث الثامن:

قال صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة للسماء» أي: سبب أمن السماء، «فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد»، أي: من الانفطار والعي، «وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون»، أي: من الفتن والحروب واختلاف القلوب، «وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» أي: من ظهور البدع، وغلبة الأهواء، واختلاف العقائد، عافانا الله تعالى.

ومما أكرم الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن بشّر بعضهم بالجنة ورضي عنهم أجمعين، ومنهم أصحاب بيعة الشجرة التي سميت ببيعة الرضوان، وغفر لأهل بدر فقال صلى الله عليه وسلم: «عشرة في الجنة، النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة».

وقال تعالى في أصحاب بيعة الرضوان {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

وقال صلى الله عليه وسلم في أهل بدر في حديث حاطب: «إن الله عز وجل -وفي لفظ: لعل الله- اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» [رواه أبو داود وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2732)].

ومن إكرام الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر الذين جاءوا من بعدهم بالدعاء لهم بالمغفرة ونزع الغل عن قلوبهم، فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].

فالصحابة رضوان الله عليهم هم خيار الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضائلهم عظيمة كثيرة.

ومما يدل على فضلهم:

أولاً: أن الله اختارهم لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ" [رواه أحمد، وقال الألباني: حسن موقوف، ينظر شرح العقيدة الطحاوية].

ثانياً: أن الله جعل صدورهم أوعية لحفظ رسالة نبيه ونقلها إلى الناس من بعده

فهم أول من حفظ الدين وبثه فهم أوعية الحفظ كما نص الله تعالى في كتابه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].

ثالثاً: هم المثال التطبيقي للشريعة بالنسبة للأمة

فتحملوا شدة الأحكام قبل تسهيلها، كما كان من أمر الصيام أولاً الإمساك بعد العشاء أو بعدم نوم بعد المغرب، ثم نسخ وامتد إلى طلوع الفجر الصادق.

رابعاً: هم الأعلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخطاب القرآني والنبوي

فالقرآن نزل فيهم، وهم أول من خوطب به، وهم شهدوا الوقائع وسمعوا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم شفاهة.

خامساً: هم أكثر الناس بلاءً وتضحية وجهاداً للدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

فإن منهم المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ومنهم الأنصار الذين فدوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم، وآثروا المهاجرين على أنفسهم، فقال تعالى في وصفهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8-9]، فوصف الله المهاجرين بالصادقين، والأنصار بالمفلحين.

سادساً: هم أكثر الناس وأعظم الناس استجابة لله والرسول

أمروا بالهجرة فهاجروا، وأمروا بالجهاد فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فكانوا يتنافسون على ميادين الجهاد في سبيل الله كما قال الله عنهم: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92]، يأتي أحدهم بقوت يومه ملئ كفيه، فيأخذ نصفه ويتصدق بالنصف الآخر، هذا مثال للفقراء منهم والأغنياء أحدهم يأتي بجميع ماله كما فعل أبو بكر رضي الله عنه أو نصف ماله كما فعل عمر بن الخطاب أو بالمال الكثير، كما فعل عبد الرحمن بن عوف، مما أغاظ المنافقين كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].

لقد كان من حرصهم بمعرفة أمر الله تعالى، وما أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي أحدهم الآخر يسأله عن ما أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا، وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ، فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ» [رواه البخاري].

فالصحابة رضوان الله عليهم كما وصفهم سيد قطب رحمه الله تعالى في كتابه "معالم في الطرق" وأفرد فصلاً بعنوان "جيل قرآني فريد" ومما ذكره أنهم كانوا يقبلون على القرآن للتلقي للعمل.

وعن أبي عبد الرحمن السُلمي قال: "حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا" [رواه الطبري في تفسيره: (1/ 80) من طريق جرير عن عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي].

فبعد هذا العرض الموجز عن فضائل الصحابة أجمعين من غير إفراد، كل واحد بحسبه، فهم يتفاوتون في الفضل بحسب إيمانهم وسبقهم وجهادهم وبلائهم وتضحياتهم وصبرهم.

فهل بعد ذلك كلّه تصوّر من مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حقاً، أن يشك في عدالتهم وصدقهم وأمانتهم، بل في فضلهم ومرتبتهم، فلو صدر ذلك من مسلم يعدُّ مرتداً لما جاء صريحاً في القرآن والسنة، وهذا هو الكفر بعينه، وهذا أي دين يدين به، وأي رسول يصدّق به ويتبعه، لأن التدّين بدين الإسلام والمتابعة والتصديق بمحمد خير الأنام، لا يمكن الوصول إليها والقيام بها إلا بالاعتقاد الصحيح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتصديق الجازم في عدالتهم وأمانتهم وصدقهم، فالقرآن الكريم هم الذين تلقّوه وحفظوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوه وبلّغوه، فالتشكيك فيهم تشكيك في حفظهم ونقلهم، فيكون تشكيكاً في القرآن والسنة النبوية، هم الذين حفظوها وكتبوها ونقلوها، فالتشكيك في حفظهم ونقلهم تشكيك في السنة.

فالتشريع عموماً هم الذين حفظوا قواعده وبثوه في الأمة، فالتشكيك في عدلهم وأمانتهم وصدقهم تشكيك في الشرع الذي بين أيدينا.

لقد وقع في هذا التشكيك بل التكذيب للصحابة الرافضة الذين يسمّون أنفسهم الشيعة، حتى بلغ بهم الأمر إلى سبّهم ولعنهم بل إلى تكفيرهم، إلا ما استثنوه منهم، وهم قلة لا يتعدّون بضعة عشر، ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا يفعلون ذلك؟! لقطع صلة الأمة بالتشريع المنزّل من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال إفساد الواسطة الموصلة للتشريع للأمة وهم الصحابة، وبالتالي لا تعرف الأمة من الدين إلا اسمه، فيسهل عليهم الوصول إلى المراد الثاني وهو إعادة الهيمنة الفارسية على الجزيرة العربية، فإن الإسلام هو الذي حرر أهل الجزيرة العربية من هيمنة الفرس، وما أبرهة الذي أراد هدم الكعبة إلا من قادة رستم الفارسي، ولذلك تسعى إيران لفرض هيمنتها وافتعال الصراعات في المنطقة العربية، ولذلك هم يدعمون أي صراع يستهدف أهل السنة في البلاد العربية والإسلامية.

أما صراعهم مع الغرب إن كان حقاً وليس لعب أدوار، فإنه صراع مصالح كما كان حالهم مع الروم قبل الإسلام، فلا ينخدع مسلم بصورهم وأشكالهم ومقالاتهم، بل عليه وجوباً عينياً باعتقاد فسادهم وكذبهم، وليرجع فيما أُشكل عليه من مقالاتهم إلى الراسخين في العلم، فهم كما وصفهم ابن تيمية رحمه الله تعالى أخبث وأشر من اليهود والنصارى.

فبعد هذا العرض كله ألا يكون الحرب على الصحابة رضي اللهم عنهم حرباً على الإسلام والمسلمين؟ فإذا كان حرباً على الإسلام والمسلمين ألا يتعيّن محاربتهم نظير محاربتهم لديننا وعقيدتنا؟! ولا موقع لمن يواليهم على المسلمين أو يعتقد صحة مذهبهم في الأمة المسلمة، ومن رجع عن ذلك المذهب الضال وتاب إلى الله تعالى فإنه يتوب إلى الله متاباً.

إن ظاهرة سب الصحابة رضوان الله عليهم لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس القريب وإنما تفشّت وظهرت على حيز الوجود منذ مؤازرة ومناصرة أولئك الأخيار الأطهار للمصطفى صلى الله عليه وسلم، إن الطعن في الصحابة طعن في النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنهم لم يستطيعوا الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم صراحة لئلا ينكشف أمرهم، فعمدوا إلى تشويه سيرة أصحابه، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، ووضع المثالب فيهم ليقال أن النبي صلى الله عليه وسلم رجل سوء، ومن أجل ذلك صاحب أولئك الأشرار على حد زعمهم، وإن الذين يقودون حملة سب الصحابة قديماً وحديثاً ما هم إلا أراذل الناس عقلاً وديناً.

ومن المكابرة أن يزعم أولئك الطاعنون في الصحابة رضوان الله عليهم أنهم مسلمون مع أنهم يرمون زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بكبيرة الزنا، وبعض أصحابه المقربين إليه بالشذوذ الجنسي والجشع المادي الدنيوي، وإن صحبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا ستار لتحقيق مآربهم المادية والكيد به وبدعوته صلى الله عليه وسلم.

قال جل شأنه: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74].

وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117].

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأت على الناس زمان فيغزو فئام(1) من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لهم: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم»(2).

وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه اثنين أو ثلاثاً. «ثم أن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن»(3).

وقال صلى الله عليه وسلم:«ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائداً من نور لهم يوم القيامة»(4).

وعنه صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي, فقولوا لعنة الله على شركم»(5).

وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله»(6).

ومن أقوال أئمة الإسلام في من سب الصحابة:

أجمع علماء الإسلام على أن الصحابة عدول لا يجوز للمسلم أن ينتقصهم، بل ذكر محاسنهم والإعراض عما شجر بينهم.

وقال الإمام أحمد: "إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام".

وقال إسحاق بن راهويه: "من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب ويحبس".

وقال الإمام مالك: "من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ومن سب أصحابه أُدّب".

وقال القاضي أبو يعلى: "الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلاً لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب في كفره".

وقال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن الكريم حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة فالجرح بهم أولى".

وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: "أعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه منها قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].

فأثبت الله تعالى لهم الخيرية على سائر الأمم.. ومنها قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذه الخطاب على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة.

ومنها قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8].

فأمّنهم الله تعالى من خزيه ولا يأمن خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام عنهم راض.

فآمنهم من الخزي الصريح لهم من أعظم الأدلة على كمال وحقائق الإحسان، وأن الله تعالى لم يزل راضياً عنهم حيث يقول الحق تبارك وتعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].

فصرّح الله تعالى برضاه على أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين، وهم ألف ونحو أربعمائة، ومن رضي عنه تعالى لا يمكن أن يموت على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاء على الإسلام" انتهى مختصراً.

وقال ابن حزم: "الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً، قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101]، فثبت أن جميعهم من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحد منهم النار؛ لأنهم المخاطبون بالآية الأولى التي أثبتت لكل منهم الحسنى وهي الجنة، ولا يتوهّم أن التقييد بالإنفاق أو القتال فيها وبالإحسان في الذين اتبعوهم بإحسان يخرج من لم يتصف بذلك منهم؛ لأن تلك القيود خرجت مخرج الغالب، فلا مفهوم لها على أن المراد من اتصف بذلك ولو بالقوة أو العزم".

قال عبد الله بن إدريس الأودي الإمام: "ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا الكفار-يعني الرافضة- لأن الله تعالى يقول: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]، وهذا معنى قول الإمام أحمد ما أراه على الإسلام.

ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أبغضهم فقد أبغضني، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»، وقال: «فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً». وأذى الله ورسوله كفر موجب للقتل"(7).

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويوفقنا لاتباعهم، ويكف ألسنتنا عن التقصير في حقهم والدفاع عنهم، ويخزي ويذل من سبّهم وحاربهم.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين(8).

________________________________________

 

(1) أي: جماعة.

(2) رواه البخاري في باب الجهاد: (ص76): "فضائل أصحاب النبي"، ومسلم: "فضائل الصحابة" (ص208)، وأحمد في مسنده: جـ3 ص7.

(3) رواه البخاري في صحيحه: "فضائل أصحاب النبي".

(4) رواه الترمذي في: "المناقب" (ص58).

(5) رواه الترمذي في: "المناقب" (ص59).

(6) رواه ابن ماجه: "مقدمة" (ص11)، وأحمد بن حنبل جـ2 ص501.

(7) نقلاً بتصرف من كتاب.

(8) خطبة جمعة في جامع الفرقان: 25/ رجب/ 1433هـ الموافق: 15/ يونيو/ 2012م

المصدر:موقع منبر علماء اليمن



مقالات ذات صلة