خلل في التفكير
بقلم: أسامة شحادة
في خلال الأسبوعين الفائتين صادفت عدة حالات ليس بينها رابط ولا تتعلق بشخص أو هيئة أو مكان معين ، وحين أخذت أتأملها وجدتها ترجع لسبب واحد هو خلل في التفكير !!
1- في الحرم المكي تجد كثيراً من المسلمين يتمسح ويتبرك بزجاج وألمونيوم مقام إبراهيم عليه السلام !
رغم أن هذا القبة الزجاجية مصنوعة حديثاً وفي أوروبا !! فعن أي بركة يبحثون ؟؟
2- يقيم بعض المعتمرين والحجاج من أصحاب الخلفية الصوفية في فنادق مكة حلقات المولد ! وهم على بعد أمتار من الحرم .
وبغض النظر عن أن إقامة الموالد بدعة محدثة بعد القرون الفاضلة ، ولم يعرفه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ولا التابعين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم من كبار أتباعهم من العلماء - بغض النظر عن ذلك كله – لماذا يفرط هؤلاء بالأجور العظيمة الثابتة من الصلاة والإعتكاف وقراءة القرآن في الحرم لمولد لا يكون ثوابه مساوياً لما فرطوا فيه، هذا على فرض جوازه وعدم بدعيته ؟؟
3- أحد المحللين المرموقين الذي تقلب بين الآيديولوجيات والأديان ليستقر على دين الإسلام ويتبنى التوفيق بين الإسلاميين والقوميين ، هذا المحلل يكتب أن المؤتمر الدولي المزمع عقده سيفشل بسبب " صدامه مع إرادة الشعوب العربية وقواها الحية والرأي العام العربي الذي لا يقبل بأن تصبح إيران هي العدو ".
وأستغرب من هذا المحلل الذي يتصدر لواء القومية كيف يتناسى عداء إيران للقومية العربية بدأ بدولة الأحواز ومرورا بجزر الإمارات الثلاث وتهديد البحرين وليس إنتهاءً بالمشاركة مع أمريكا في إسقاط أفغانستان واحتلال العراق مناصفة مع أمريكا ؟؟ كيف يقبل تفكير هذا المحلل أن إيران إما أن تكون العدو كله أو الصديق كله ؟؟
4- أحد الأصدقاء من أصحاب عقلية المؤامرة ، يظن أن حادثة التسمم في البقعة هي علامة على ضرب السياحة في الأردن !!
ولست أدري ما هي المعالم السياحية في البقعة ؟؟ أو كيف سيؤثر فقدان "شاورما الدجاج " من الأسواق على الأفواج السياحية ؟؟
5- إحدى الفتيات من اللواتي يحرصن على متابعة برامج الصحة والرياضة والرشاقة للمحافظة على " اللوك " تفاجأ بأنها مدخنة شرهه !!
ولا مجال هنا للتعليق !!
هذه المواقف وغيرها الكثير ، تأكد أن هناك خلل في التفكير ينتج عنه خلل في السلوك هو سبب استمرار التخلف والتبعية التي تعيشها أمتنا منذ عقود.
ومن أسباب هذا الخلل في التفكير هو البعد عن أنوار الوحي قرآناً وسنة ، الوحي الذي نزل من السماء لهداية الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة من خلال إرشادهم لأهمية التفكير القويم والسليم . والقرآن الكريم يحتوى على الكثير من الآيات التي ترشد إلي ضرورة إمتلاك التفكير القويم للوصول للحق والصواب كما في قوله تعالي " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون " فجعلهم أمام ثنائية مستحيلة إذا نفوا خلق الله لهم ! وقوله تعالي " لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا " وذلك بسبب التنازع كما تصوره الثقافة اليونانية والإغريقية وهو ما لم يحدث فدل على بطلان هذه الثقافة وصدق الإسلام والقرآن ، ومن حواره صلى الله عليه وسلم للشاب الذي استاذن في الزنا " أترضاه لأمك أترضاه لأختك ..." . فالوحي يحدد لنا معالم الطريق والحق والباطل ويرشدنا إلى أن التفكير القويم هو الذي يصحح السلوك المنحرف .
وقضية التفكير القويم في الوحي قرآناً وسنة أهميته و بعض قواعده موضوع هام لم يعطى حقه من العناية والإهتمام ، ولا يزال هناك تقصير في إبراز هذا الجانب بمؤلفات مستقلة .
ومن أسباب الخلل في التفكير أن قواعد التفكير لا تدرس لطلبة المدارس ولا لغيرهم ، مما يجعل ملكة التفكير قاصرة عند الكثيرين ، كما أن أسلوب التلقين السائد في منظومة التعليم والتوجيه له أثر كبير في ذلك ، رغم أن تعليم التفكير أصبح في كثير من الدول من مقرارات رياض الأطفال .