إيران وخلافات اللصوص .. رموز الملالي يتراشقون الاتهامات بالفساد المالي والسياسي

بواسطة المرجع قراءة 681
إيران وخلافات اللصوص .. رموز الملالي يتراشقون الاتهامات بالفساد المالي والسياسي
إيران وخلافات اللصوص .. رموز الملالي يتراشقون الاتهامات بالفساد المالي والسياسي

ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الاتهامات بالفساد المالي والسياسي بين رجال الدين في إيران، لا سيما بين ما يسمى "آيات الله" ورؤساء المؤسسات السياسية مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس خبراء القيادة، على خلفية استغلال نفوذهم في امتلاك حسابات مالية خاصة؛ حيث يحظى رجال الدين في إيران بمكانة خاصة منذ قيام ما تسمى "الثورة الإسلامية"، ومساعدتهم لخميني على إنجاحها، وبالطبع حاولوا وما زالوا الحفاظ على مكتسبات "الثورة" والمكانة الكبيرة التي منحتها لهم.

ومع انتشار الفساد بشكل عام داخل إيران، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات التابعة لما يسمى "المرشد الأعلى" وغير الخاضعة للمساءلة القانونية، باتت الحوزة الدينية من أبرز المؤسسات التي يسود بين أعضائها والمنظمات غير الحكومية التابعة لها الكثير من الشكوك والاتهامات وعليه، طال الأمر رجال الدين وباتوا في مواجهة الكثير من الاتهامات، على خلفية استغلال المؤسسات التي يتولون رئاستها لتحقيق مأرب شخصية، وعليه يحلل «المرجع» المشهد الديني المتشابك والمعقد الذي يحكم نظام الملالي.

 

أولاً: رجال الدين

كانت سياسات الشاه الموالية للغرب أبرز ما أدى إلى بروز دور رجال الدين في طهران، على خلفية اعتراضهم على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة بأسعار زهيدة على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني من تدهور مستوى المعيشة، فضلاً عن عدم رضاء مراجع قم عن النهج الثقافي المتبع من قبل الشاه، والذي تمحور حول ما يسمى "الثورة البيضاء".


 

وعليه، بات رجال الدين يمثلون أكبر شبكة اجتماعية في إيران؛ حيث امتد نفوذهم من المدن الكبيرة والرئيسية إلى المناطق الصغيرة والنائية، ومن ناحية أخرى، استغل الملالى "شرعية الدين والإسلام" للتأثير على النظام السياسي الجديد الذي نشأ داخل إيران بعد الثورة الإسلامية، فضلاً عن الاستفادة من الشرعية التقليدية، والشبكة الاجتماعية التي تقدمها المؤسسة الدينية الشيعية(1).


 

وعن طريق زكاة الخمس التي يحصل عليها مراجع الشيعة من خلال المواطن الإيراني، بات رجال الدين يتمتعون باستقلالية كبيرة على كل الأصعدة، لا سيما على الجانب الاقتصادي؛ ما أدى إلى أن يحظى رجال الدين بسلطة كبيرة، خاصًة بعد تحكمهم في جزء كبير من تجارة السوق الإيرانية فيما يُعرف بالبازار، إلى أن أصبحت المؤسسة الدينية بفعالية الجهاز الأيديولوجي المركزي للدولة، ولم تقتصر صراعات علماء الدين في إيران على الداخل، وإنما امتدت إلى الخارج سيما في العراق؛ حيث يحاول رجال الدين تمويل بعض المدارس، الجمعيات الخيرية وبناء مساجد حديثة في محاولة لتقويض نفوذ علماء الدين المحليين، من خلال الترويج لنوع بعينه من الفكر والمناورة لتثبيت أحدهم كمرجع رئيسي في بغداد(2).


 

ثانيًا: الفساد المالي 

تكشف التقارير الدولية لمنظمة الشفافية العالمية عن كثير من مؤشرات الفساد داخل ما يسمى "الجمهورية الإسلامية"؛ حيث شغل موضوع الفساد المالي والاقتصادي العديد من الباحثين والإعلاميين، وما صاحبه من تبادل تهم بالفساد الذي لحق بعض الشخصيات الدينية والسياسية ذات النفوذ داخل طهران، وعليه، سعت بعض الجهات والقادة وسيما الإصلاحيين إلى محاولة الحد من هذه الظاهرة، إلا أن بقاء جزء كبير منها بعيدًا عن المحاسبة، جعلها قضية هيكلية تعوق عملية الإصلاح، ومجالًا لتصفية الحسابات بين الأطراف السياسية.


 

تمتد شعارات محاربة الفساد والقضاء عليه إلى ما قبل ثورة عام 1979؛ حيث زرع الشاه والأسرة الحاكمة في إيران جذور الفساد المالي عن طريق "المؤسسات الخيرية" الصورية التي لم يكن لها أي أساس من الوجود، ولكن استغلتها الأسرة الحاكمة لزيادة ثروتها من أموال المواطن الإيراني، وأثبتت الممارسة العملية لاجتثاث الفساد أن هذا ليس أمرًا سهلًا؛ حيث ظهرت فئة اجتماعية جديدة في عهد نظام الملالي تستفيد من الفساد وثقافته (3).


 

وعليه، يشير بعض المحللين إلى أن أسباب الفساد تتنوع داخل إيران ما بين هيكلي، وأيديولوجي وقانوني؛ حيث تتعلق بعض الأسباب بالضعف الموجود داخل المنظومة الاقتصادية، وانخفاض القدرة التنافسية والإبداعية مع هجرة العقول إلى الكثير من الدول الأوروبية والغربية؛ ما أدى إلى نمو شبكة فساد كبيرة لا تقدم أي قيمة إنتاجية للسوق، وتعمل على ازدهار السوق السوداء من خلال الاعتماد على العمليات التهريبية، ومن ناحية أخرى، على الرغم من التقدم الكبير الذي وصلت إليه الصناعات العسكرية في طهران، فإنها فشلت في نقل هذا التقدم إلى الصناعات المدنية؛ ما أدى إلى جعل الإنفاق العسكري عبئًا على الاقتصاد، أكثر منه مساهمة في العملية التنموية.


 

وعلى الجانب الأيديولوجي، استخدم رجال الدين الثقافة الشيعية المليئة بالرموز والدلالات لحشد وتجييش المواطنين أنفسهم للدفاع عن سياسات النظام داخليًّا وخارجيًّا، بحيث يجري الفساد الاقتصادي بعيدًا عن أي رقابة حكومية، وفي الوقت ذاته يكون هناك غطاء جاهز، والذي يتمحور حول التعويل على أعداء الثورة، وضرورة الحفاظ على البنية الأساسية للنظام(4).

ثالثًا: التراشق بالاتهامات بين رموز النظام

تحاول السلطات الموجودة داخل "الجمهورية الإسلامية" منع تسرب أي معلومات تخص ملفات الفساد إلى ساحات النقاش العام؛ لأنها تعي جيدًا أن ذلك من شأنه التأثير على صورتها بالسلب في الداخل، والعمل على إضعافها أمام أعدائها في الخارج.


 

ولكن عادت من جديد الاتهامات المتبادلة بين رجال الدين في إيران بالفساد والتشكيك في النزاهة المالية، وطريقة تكوين الثروة؛ حيث تعرض رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس السلطة القضائية السابق «صادق لاريجاني» لهجوم شديد من قبل عضو مجلس خبراء القيادة في إيران، وأحد أبرز علماء الدين الإيرانيين «آية الله الشيخ تقي مصباح اليزدي» والرئيس الإيراني السابق المحسوب على "التيار المتشدد" «أحمدي نجاد» على خلفية اتهامه بالفساد، واستغلال نفوذه داخل المؤسسات الحكومية للقيام بأعمال غير مشروعة.


 

كما تم توجيه الاتهام إلى صادق لاريجاني أيضًا من قبل حكومة الرئيس الإيراني الحالي «حسن روحاني» بسبب الكشف عن امتلاكه حسابات مالية خاصة، ليضع فيها الغرامات المالية التي يحصلها الجهاز الذي يتولى قيادته من المتقاضين، كما فتح باب انتقاد السلطة القضائية وقائدها الباب على مصراعيه لكشف الفساد الموجود داخل الحوزات العلمية التي يُنظر إليها من قبل المجتمع الإيراني على أنها باتت بمثابة قصور لرجال الدين، وليس مدارس لتلقي العلوم الفقهية(5).


 

وعليه، أشار الكثير من المحللين إلى أن أسرة لاريجاني تمثل حالة من احتكار السلطة الموجودة داخل المجتمع الإيراني على خلفية الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من المرشد الأعلى «علي خامنئي»؛ حيث تبوأ كل من صادق وعلي لاريجاني الكثير من المناصب حصل صادق في سن الثامنة والثلاثين على عضوية مجلس الخبراء ثم عضوية مجلس صيانة الدستور ثم رئيسًا للسلطة القضائية ثم رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام في عام 2018، أما فيما يتعلق بـ«علي لاريجاني» فيشغل منصب رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) لمدة 3 دورات متتالية منذ عام 2008.


 

وكان للكشف عن هذه الملفات بين رؤساء وقادة الأجهزة والمؤسسات الحكومية داخل إيران تداعيات خطيرة على الداخل الإيراني، تمثل أبرزها في تراجع مكانة رجال الدين، وهو عكس ما كان يتم الدعوة إليه إبان "الثورة الإسلامية" لعام 1979، والدعوة لإسقاط نظام الشاه؛ حيث تم تصوير رجل الدين على أنه يعيش حياة التقشف والزهد، ومناصرة المستضعفين في مواجهة المستبدين؛ ما أدى إلى القضاء على الصورة الذهنية النمطية الموجودة عن رجل الدين، وبالتالي انخفاض معدل الثقة الممنوح من قبل المواطن الإيراني وسقوط المثل العليا بالنسبة له؛ ما أدى لارتكاب الكثير من الجرائم الأخلاقية داخل المجتمع الإيراني.


 

ومن ناحية أخرى، من شأن الكشف عن قضايا الفساد بين رجال الدين المساس باستقرار النظام؛ على خلفية اتهام الكثير من الفقهاء والذين يترأسون عددًا لا بأس به من مؤسسات وأجهزة الدولة، بما يؤثر على التيارات السياسية الفاعلة داخل النظام، والتشكيك في مقدار الثقة الموجود بين الدولة والمجتمع داخل إيران (6).


 

ختامًا: من الجدير بالذكر، أن هذه الانقسامات والانشقاقات الداخلية تحدث في وقت تمر فيه الدولة الإيرانية بفترات عصيبة، على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من قدر الضغوط المفروض على حكومة الرئيس «حسن روحاني» وتدهور الوضع العام.


 

الهوامش:


 

1. Asher Brandis, The 1979 Iranian Revolution: The Revolutionary Revolution, Bachelor’s Thesis, (The University of Arizona, 2009), pp 1-5.


 

2. رأفت حرب، إيران والغرب: النفوذ الديني الإيراني يتمدد في العراق؟ جادة إيران، 7/5/2019، متاح على الرابط التالي https://jadehiran.com/archives/7968


 

3. Akbar E. Torbat, Financial Corruption in Iran, California State University, Los Angeles, 2013, pp 1-5.


 

4. رشيد يلوح، الفساد المالي والاقتصادي في إيران: قضايا وتحديات، تحليل سياسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص ص 1-8.


 

5. صراعات رجال الدين في إيران.. اتهامات متبادلة بالفساد، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 25/9/2019، متاح على الرابط التالي https://cutit.org/HQFKf


 

6. الإيرانيون يتظاهرون أمام حوزة رجال الدين قراءة في السياقات والدلالات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 7/8/2019، متاح على الرابط التالي https://cutit.org/SoWjE.

 

 

المصدر : المرجع

6/1/1441

5/9/2019

 

 

 



مقالات ذات صلة