الفقيد عدي صبحي حقائق وخفايا
شاب قدره أن يولد فلسطينياً خارج وطنه بسبب الاحتلال اليهودي للأراضي الفلسطينية عام 1948 وهجرة الآباء والأجداد من قرى جنوب حيفا ، إلا أن القدر أيضا وبحكمة من الله عز وجل أن ينشأ ويترعرع في العراق مع بضعة آلاف من الفلسطينيين الذين كان نصيبهم العراق .
ولد الفلسطيني عدي صبحي أمين بدوان خليفة عام 1976 في مجمع البلديات شرق بغداد العمارة رقم ( 1 ) المدخل الثاني شقة رقم ( 2 ) بالأصل من قرية كفر لام جنوب حيفا ، نشأ كسائر الأطفال في المجمع وأكمل دراسته الابتدائية لينهي الصف الثاني المتوسط ويعمل بعدها ميكانيكي سيارات مع صديق شقيقه الكبير لست سنوات ، ثم انتقل للعمل مع شقيقه الكبير في محل لبيع الملابس منذ عام 1996 في منطقة بغداد الجديدة ، ويذكر شهود العيان والذين كانوا عن مقربة منه بأن علاقاته مع المحال المجاورة جيدة وكذلك تعامله مع الزبائن جيد جدا بحيث كانوا يسألون عنه إذا غاب ويفتقدونه في غيابه ، لكن إرضاء الناس غاية لا تدرك وكسائر الفلسطينيين في تلك الأوقات بل والأخوة العراقيين أيضا توجد أحقاد وحساد ، من باب حسد المعيشة أو التعالي والترفع عن الآخرين من البعض وقد تكون هذه أيضا بدوافع عنصرية طائفية إضافة للدوافع المادية .
كان هذا الشاب كبعض الفلسطينيين في تلك الأوقات يسمع كلاما جارحا من بعض القريبين منه في العمل من ذلك يقال له ( فلسطيني بايع أرضه !!!) وأنواع أخرى من السباب ، حتى أن ابن صاحب العمارة التي يعمل فيها اسمه علي لديه محل قريب منه في إحدى المرات عرف بأن امرأة اشترت من عدي ثم دخلت عنده فقال لها : ( كيف تشتري من هذا الفلسطيني ونحن عراقيين !!!) طبعا هذه حالات كانت دارجة وكنا نسمع أمثالها كثيرا لكن إنصافا علينا أن لا نعمم ففي كل مجتمع يوجد الجيد والسيئ والحاسد والقنوع والعنصري الطائفي والمتفهم الخلوق وهكذا.
بعد احتلال العراق عام 2003 بدأت تظهر حالات تعكس الأحقاد الدفينة على عامة العرب والفلسطينيين بشكل خاص ، بدأت هذه تنتشر شيئا فشيئا في ظل الفوضى العارمة في البلاد ، وقد ساعد الإعلام الطائفي المغرض المتمثل بقناة العراقية على إذكاء نار الحقد والعنصرية لاسيما بعد إظهار أربعة فلسطينيين أبرياء مساء السبت الموافق 14/5/2005 على تلك القناة والإدلاء بتصريحات بمسؤوليتهم عن تفجيرات بغداد الجديدة طبعا تحت الإكراه والتعذيب والتنكيل بهم ، بعد ذلك بدأت مرحلة عسيرة على عامة الفلسطينيين لأن الرسالة والغاية من هذه الحلقة وصلت خصوصا مع وجود جهل وتحامل وحقد دفين .
في اليوم التالي جاء أحد الخياطين الذي يعمل في نفس البناية التي يعمل فيها عدي وقال أريد حرق هذين المحلين العائدين لفلسطينيين وبدأ بالشتائم والسباب على الفلسطينيين وتشاجر مع عدي وبعد تدخل جيرانهم في العمل انتهت المشكلة ، وأغلق المحل ليومين متتاليين لأن حادثة بغداد الجديدة استثمرت بشكل خبيث ومخزي ضد الفلسطينيين فعلقت لافتات في منطقة بغداد الجديدة تحرض ضد الفلسطينيين !!!.
وفي عام 2006 اقتحمت قوة من مغاوير الداخلية العمارة التي فيها محل الملابس الذي يعمل فيه عدي بحجة وجود قناص يستهدفهم وسألوا الحارس هل يوجد عرب هنا ؟!!! فقال لا .
وفي نهاية شهر تموز من عام 2006 طلب مكتب الصدر من صاحب العمارة هويات جميع المحامين والأطباء والخياطين وأصحاب المحال التجارية وقالوا بأن هذا الجرد ضروري لكل بغداد الجديدة !!! والهدف طبعا معروف لتصفية كل سني وعربي في بغداد الجديدة ، وما كان من هيثم شقيق عدي إلا أن أخبرهم بضرورة عدم إعطاء هويته أو هوية شريكه الفلسطيني والأردني الجنسية وإعطائهم هوية نسيب شريكه وهو عراقي سني على أساس هو صاحب المحلين .
بتاريخ 19/9/2006 جاء شخص لشريك شقيق عدي وهو يسكن في منطقة بغداد الجديدة خلف سينما البيضاء وقال له اسمك موجود في مكتب الصدر في النعيرية وهناك أربعة أسماء أخرى أيضا ، فما كان منه إلا أن غادر البيت ولم ينم فيه ، وذهب في اليوم التالي لشقيق عدي وشريكه في منطقة شارع النهر وهو هيثم وقال له سأسافر إلى الأردن ، وما كان من هيثم إلا أن أخبر عدي وقال له : احذر واجلس في المحلات المجاورة ، فأجابه عدي : لا تقلق لا يوجد شيء ؟!! كان هذا يوم الأربعاء الموافق 20/9/2006 وقال هيثم لعدي غدا الخميس للأمان لا تفتح المحل فقال إن شاء الله وكان يوم الجمعة هنالك منع للتجوال لغاية الساعة الثالثة فلم يفتح أيضا .
وفي يوم السبت الموافق 23/9/2006 وهو أول يوم من رمضان اتصل عدي قبل الفجر بأهله كي يوقظهم على السحور ( ولم يعلم بأنها آخر مكالمة معهم ) وهم يسكنون في حي المعلمين ضمن السكن الجماعي للفلسطينيين على نفقة وزارة الهجرة والمهجرين ، وقد كان عدي ينام في أغلب الأحيان في بيت جده في مجمع البلديات .
اتصل هيثم على شقيقه عدي في تمام الساعة الثانية والنصف بعد الظهر وقال له : إذا لم تكن هنالك حركة في السوق فأغلق المحل مبكرا ، فأجابه عدي : اطمئن لا يوجد شيء !! وبعد ساعة تماما اتصل صديق لهيثم وأخبره بخبر اختطاف عدي من قبل ثمانية أشخاص نزلوا من سيارتين ومعهم شخص متخفي بلثام ، وكان عدي في وقتها في محل شريك هيثم المجاور ، وأخرجوه وهم يشتمون ويسبون على الفلسطينيين ويقولون ( يا خونة يا كلاب !!!) مع الركل والضرب وعدي يحاول التخلص والتفلت منهم فلم يقدر ، ومن حولهم من أصحاب المحال والمارة لا يعرفون ماذا يصنعون لأنه فعلا موقف مروع ومشهد عصيب ، مع أن تلك الأحياء شهدت أمثال هذا الموقف مرات عديدة وذهب ضحية هؤلاء الطائفيين الحاقدين حتى على أنفسهم الآلاف من الأبرياء ومن ضمنهم العشرات من الفلسطينيين بهذه الطريقة الهمجية .
وخرج في حينها أحد العراقيين من أصحاب المحال وقال لهم أي جهة أنتم ؟! قالوا له : اسكت أو نفرغ المسدس برأسك !! وبنفس الوقت اختطفوا أيضا عراقي من السنة صاحب محل قريب من الشارع يبيع الفاكهة ، وانطلقوا بهم إلى منطقة الفضيلية ، والعجيب أنهم لابد أن يمروا بمنطقتين فيها العديد من السيطرات ( بغداد الجديدة والمشتل ) قرابة ثلاث مفارز لكن يبدو أن كل تلك الجرائم كانت تحدث بمرأى ومسمع منهم بل يخبرنا بعض المختطفين الذين أفرج عنهم بأعجوبة بأن سيارات الشرطة كانت تفتح الطريق للخاطفين وتمشي أمامهم وورائهم !!!وهذا يدل على أن معظم حالات الخطف التي قام بها عناصر ميليشيا جيش المهدي بتنسيق وترتيب مع الأجهزة الأمنية وبعلمهم !!!.
وبعد التحري والتقصي تبين بأنهم وضعوا المختطفين في حفرة في منطقة الفضيلية وأطلقوا عليهم الرصاص وكان عددهم أربعة أو خمسة أشخاص ، إلا أن الله عز وجل نجى صاحب المحل الذي اختطف مع عدي ، حيث أصيب بقدمه ونقل إلى المستشفى وبترت قدمه ، أفاد ذلك أحد شهود العيان الذين شاهدوا ذلك الشخص في المستشفى .
وبذلك لقي مصرعه الفقيد الشاب عدي صبحي ( 30 عام ) ولم يتسن لذويه تسلم جثته لتدفن كمئات بل آلاف الأبرياء الضحايا في مقابر بكربلاء والنجف ، وهذا نموذج تم التوصل للعديد من الحقائق والكثير من الخفايا التي لابست حادثة اختطافه واستشهاده بإذن الله ، فكيف بمن لم يتم التعرف على أجزاء كبيرة مما حصل لهم .
الآن نتخيل حال ووضع عائلة عدي في تلك اللحظات العصيبة ، حقا إنها دقائق صعبة للغاية ولحظات حرجة كان الله في عونهم ، فما كان من شقيقة عدي إلا أن اتصلت على جوال عدي عند المغرب فأجابها أحد الخاطفين فما كان منها إلا أن انهالت بالبكاء وترجتهم بأن يبقوا على شقيقها حيا ولهم ما يريدون وما يطلبون فأجاب بأننا لا نريد أموالا بل نريدكم أن تخرجوا إلى الحدود ولا نريد أي فلسطيني بالبلد هي العراق مزدحمة بحسب تعبير الخاطف !!! .
والعجيب أنهم قتلوه مباشرة بعد اختطافه ويفاوضون عليه ، وهذا ليس بالغريب في بلد يسوده الفوضى وانعدام القيم بكل المقاييس وقد مر علينا نماذج تم اختطافهم وأخذ الفدية عليهم وقتلهم كالفقيد محمد علي وأمير عثمان رحمهم الله وتقبلهم في عداد الشهداء .
وفي اليوم التالي اتصل عليهم شقيقه ليطلبوا مبلغ وقدره ( 150000 دولار ) فقال لهم نعطيكم المحل والمعمل ثم انهالوا بالشتائم والسباب وقالوا لهم لا نريد أموالا اخرجوا من البلاد ، واتصل في وقت لاحق أحد أقرباء عدي فقالوا له قتلناه ، يا سبحان الله بكل برود يتفوهون بهذه الكلمة وكأنهم ذبحوا دجاجة ، وهذا يدل على انغماسهم بالجريمة واستحواذ الإثم على قلوبهم .
ويذكر بأن الفقيد عدي رحمه الله هو ابن شقيق الفقيد حسين أمين بدوان خليفة والذي تعرض لحالتي اعتقال واختطاف قبل وفاته بتاريخ 6/6/2004 بسبب التعذيب الذي لاقاه ، وهو أيضا ابن عم الفقيد أمين حسين أمين بدوان خليفة الذي لقي مصرعه بتاريخ 4/5/2004 في انفجار عرضي في منطقة البلديات .
الفقيد الشاب عدي رحمه الله وأدخله فسيح جناته عرف بحسن خلقه وصدق تعاملاته وطيب معشره ليلقى الله بحسن خاتمة في أول يوم من أيام رمضان صائما محتسبا إن شاء الله ، ونسأل الله أن يصبر والده ووالدته وإخوته وجميع محبيه وأن يروقه الشهادة في سبيل الله لأنه قتل غدرا وظلما وعدوانا ، فهذا عينة من مئات العينات الفلسطينية الذين خلفوا ورائهم عائلات تعاني من الشتات والغربة ولوعة الفراق وأسى الذل والهوان الذي يعانونه في المخيمات الصحراوية ولازالت مستمرة فهل من منقذ لهم ؟!! وهل من مجير ؟!! رحماك ربنا ولطفك ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسنا الله ونعم الوكيل .
15/10/2008
أيمن الشعبان