تستمر المتاهة السورية على طول البلاد، شرقاً في دير الزور وجنوباً في درعا، حيث يتناوش التحالف الدولي وقسد وداعش ونظام الأسد في البادية السورية، في حين تحاول فصائل المعارضة في درعا القضاء على فلول تنظيم داعش المنتشرة هناك وذلك بعد تصريحات أمريكية أعطتها الأمان من غدر النظام بها وشن هجوم عليها يخرف إتفاق خفض التصعيد الموقع في أستانة.
ولكن فجأة وبغير ميعاد انسحبت عناصر ميليشيا “حزب الله” اللبناني من مدينة القصير بريف حمص الغربي الأسبوع الماضي، تلك المدينة التي قتل وشرد عناصر "الحزب" سكانها وأذاقوهم الموت بألف طعم .لم يكن هذا الإنسحاب نابعاً من رغبة حسن نصرالله في السلم أو رغبة الولي الفقيه بحقن دماء الشعب السوري، ولكنه كان برغبة روسية بحتة حيث حرب المصالح المتعاكسة بين إيران وروسيا على التراب السوري.
آليات عسكرية للـ"حزب" شوهدت تدخل لبنان من معبر جوسية قرب القصير بعد مضي أكثر من خمس سنوات على تمركزها في المدينة، حيث قالت مصادر مؤيدة لنظام الأسد أن عناصر "الحزب" فككوا مقراتهم قبل الانسحاب في إشارة إلى عدم نيتهم العودة للمدينة مجدداً.
ومن تحت الطاولة بدأت تتسرب معلومات عن الضغط الروسي الرهيب الذي مارسه الوفد الذي زار القصير الأسبوع الفائت ضد عناصر “حزب الله”، فالروس يريدون ارسال تطمينات لـ"إسرائيل" التي اشترطت على الروس انسحاب “حزب الله” وايران من حدودها مقابل وقف الغارات ضد قوات الأسد، وبدأت موسكو بتفعيل خطوات التقرب من تل أبيب على الأرض خاصة بعد القصف الجوي "الاسرائيلي" الذي استهدف عناصر “حزب الله” في مدينة القصير ومطار الضبعة العسكري في الخامس والعشرين من الشهر الفائت وسط تكتم كبير عن نتائج القصف.
وقبل أسبوعين انسحب عناصر "الحزب" من درعا بعد غارات "إسرائيلية" مشابهة وهي رسالة واضحة من "إسرائيل" لروسيا محتواها أن القصف لن يتوقف قبل انسحاب "الحزب" وإيران من حدود "إسرائيل" مبدئياً وهي رسالة تعشقها موسكو التي تريد بسط سيطرتها على الأرضالسورية منفردة بعيدة عن إيران التي خسرت الكثير في سوريا.
الفرقة 11 التابعة للأسد وقوات من الشرطة العسكرية الروسية” الشيشانية غالباً هي من حلت مكان “حزب الله” في أربع نقاط في القصير وريفها وهي “محطة مياه القصير، العقربية، المعرية، وجوسيه” ما يعني نهاية حقبة “حزب الله” في المنطقة واستمرار الانحسار الإيراني من سوريا لصالح روسيا ووضع إيران وعناصر "الحزب" أما خيارين لا ثالث لهما أولهما الانسحاب طوعاً من سوريا أو الانسحاب قسراً تحت الضربات الجوية "الإسرائيلية"، حيث لا يستبعد الكثير من المحللين قيام موسكو بتزويد تل أبيب بإحداثيات لمقرات “حزب الله” وإيران في سوريا، وبالتالي تضرب موسكو عصفورين بحجر فمن جهة تكسب رضا "إسرائيل" ومن جهة توسع سيطرتها على حساب إيران.
الليل الإيراني سيطول في سوريا خاصة مع توارد معلومات أن الميليشيات الإيرانية باتت على خط الجبهة الأول في القتال ضد تنظيم داعش في شرق سوريا وهي تخسر يومياً العشرات من العناصر دون مساندة جوية من الطيران الروسي، وهذا يفسر تشبث إيران بوجودها في سوريا ورغبة موسكو بهزيمة عسكرية لطهران في سوريا، فعاجلاً أم آجلاُ ستجبر إيران على سحب قواتها من سوريا تحت الضغوط الروسية والضغوط الاقتصادية الدولية، فالأسد لن يبقى طويلاً قادراً على دفع فاتورة الرواتب للمقاتلين الإيرانيين لأن الروس باتوا يسيطرون على مصادر الدولة النفطية وقريباً جداً سيسيطرون على مصادر التمويل الأخرى وهي خطة لمحاصرة الأسد اقتصادياً في حال لم يركع للأوامر الروسية، فمن المتوقع أن يكون الأسد هو كبش الفداء لإصلاح علاقات روسيا مع أمريكا بوساطة "إسرائيلية" وتبقى إيران هي الخاسر الأكبر.
بقلم : محمد المعضماني
المصدر : شبكة بردى الإعلامية
10/6/2018