علي حسين باكير
في كلمة له مؤخراً، اعترف أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله بوجود ضائقة مالية لدى "الحزب" بعد أن كان قد نفى سابقاً إمكانية حصول ذلك، مؤكّدا حينها أنّه ليس باستطاعة أي نظام مصرفي في العالم أن يشكّل عقبةً في وجه "حزب الله" أو يضطرّه إلى طلب أي دعم مالي.
في ذلك الحين، عبّر نصرالله عن ثقة بالغة لـ"حزبه" في تجاوز أي صعوبات مالية مفترضة مشيراً الى أنّه "طالما أنّ لدى إيران أموالاً فلا خوف على "حزب الله"". لكن سرعان ما انقلب الوضع، وطالب نصرالله أنصار "حزبه" وقاعدته الشعبية في كلمته الأخيرة بالمساندة وتقديم الدعم المالي وذلك للمساعدة "الحزب" على الاستمرار في أنشطته، مشيراً الى أنّه يجب التعاطي مع العقوبات ومع الجهود المبذولة لإدراج "حزبه" كـ"حزب" إرهابي على أنّها حرب لا بد من مواجهتها والثبات في وجه الضغوط التي تتأتّى عنها.
تمتلك إيران الخبرة الكافية لخرق هذه العقوبات لكن حجم الضغط وسوء الوضع الاقتصادي الداخلي قد يحرمها من الفرصة لالتقاط أنفاسها
اعتراف نصرالله جاء بعد سلسلة طويلة من المؤشرات التي كانت توحي بوجود مشكلة حقيقية لدى "الحزب" الموالي لإيران من بينها تخفيض المرتبات والمصاريف والاستغناء عن خدمات بعض المقاتلين وقطع الدعم الذي كان يقدّم للمصابين. علاوةً على ذلك، فقد تلقى "الحزب" ضربات مالية متعدّدة من إفلاس كبار تجّاره ومقاوليه إلى إغلاق العديد من منافذ تهريب و/أو تبييض الأموال الخاصة به في عدد من دول العالم وذلك بسبب تشديد الرقابة الأمريكية عليه.
لكن بالرغم من كل ذلك، فقد ظلّ "الحزب" يكابر ويتهرّب من الإقرار بالمشكلة آملاً في أن يستطيع الداعم الإيراني تغطية العبء المالي كما كان يحصل عادة، حيث تتكفّل إيران بالجزء الأكبر من موازنة "الحزب" التي تقدّر مؤخراً بحوالي مليار دولار سنوياً.
أزمة "الحزب" هذه تأتي في سياق تضييق الخناق عليه وإعادة فرض العقوبات على إيران، وهي دليل إضافي أيضاً على أنّ طهران تعاني من مشكلة حقيقية هذه المرّة وأنّ الخروج منها لن يكون بالأمر السهل. وتسعى إدارة ترامب إلى تشديد العقوبات على إيران في المرحلة المقبلة ومحاولة تخفيض ما تبقى من صادراتها من النفط بحدود ٢٠٪ إضافية. إذا ما نجحت واشنطن في مسعاها هذا فسيكون بمثابة كارثة اقتصادية حقيقية لإيران، وسيترك ذلك انعكاساته بالضرورة على أذرع طهران في المنطقة سواءً في لبنان أو العراق أو سوريا.
تمتلك إيران الخبرة الكافية لخرق هذه العقوبات لكن حجم الضغط وسوء الوضع الاقتصادي الداخلي قد يحرمها من الفرصة لالتقاط أنفاسها. ولهذا السبب بالتحديد، تأمل طهران أن تلعب دول مثل سوريا والعراق دوراً هاماً في تجاوز الأزمة ذلك أنّ قدرة واشنطن على مراقبة نشاطات طهران من خلال هذين البلدين محدودة قياساً بالدول الأخرى، لكن هذا الخيار يحمل معه كذلك تداعيات على هذه الدول، ويعرّضها هي الأخرى لعقوبات ليس لها قبلٌ بها.
يجب النظر إلى العقوبات الأمريكية على إيران من منظور أوسع يتجاوز الإطار الداخلي المتعلق بالوضع الاقتصادي الإيراني الى دور طهران الإقليمي
روحاني كان قد زار العراق الأسبوع الماضي ووقع البلدان اتفاقات اقتصادية وتجارية يعتقد أنّ الهدف الأساسي منها مساعدة طهران على تجاوز العقوبات. كذلك الأمر فيما يتعلق بسوريا، حيث تسعى طهران إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في البلاد وإلى استغلال دمشق كبوابة لتجاوز العقوبات مع تزايد الحديث عن مساعي طهران لتحصيل ديونها على الأسد من خلال الاستحواذ على قطاعات حيوية من اقتصاد البلاد.
وبهذا المعنى، يجب النظر الى العقوبات الأمريكية على إيران من منظور أوسع يتجاوز الإطار الداخلي المتعلق بالوضع الاقتصادي الإيراني الى دور طهران الإقليمي. لكن خرق العقوبات شيء وتجاوزها أو تخطي آثارها شيء آخر مختلف تماماً.
في كلتا الحالتين، فإنّه من غير الممكن لإيران الاستمرار في دعم أذرعها الإقليمية بالشكل الذي كان عليه الوضع سابقا لا سيما إبّان الاتفاق النووي في عهد أوباما. ولذلك سيكون من المهم مراقبة تأثير هذه الانعكاسات على دور أذرع إيران الإقليمية في المنطقة لاسيما في كل من لبنان وسوريا والعراق.
هناك من يعزو الإنسحابات التي تمتّ مؤخراً لميليشيات "حزب الله" من مناطق محددة في سوريا إلى الضائقة المالية، فإذا ما صح هذا الأمر فإننا سنشهد ربما انسحابات لميليشيات شيعية أخرى، وهو تطوّر مهم جداً على الساحة السورية له ما بعده لانّه سيكون قد انعكس على سلوك إيران الإقليمي وهو المطلب الأوّل والأساسي فيما يتعلق بدور إيران في المنطقة.
المصدر : تلفزيون سوريا
11/7/1440
18/3/2019