صحيفة الغد : مخيم الوليد : غوانتانامو عربي يقطنه 1700 فلسطيني من دون هوية

بواسطة الغد الأردنية قراءة 1802

صحيفة الغد : مخيم الوليد : غوانتانامو عربي يقطنه 1700 فلسطيني من دون هوية

 

الغد الأردنية – 29/6/2009

" الغد " ترصد حزن لاجئين فلسطينيين وآمالهم بالحرية في المخيم وسط صحراء الأنبار

عراقي ما بعد الاحتلال لا تعترف بهويات فلسطينيي الوليد والتنف

شكاوى من تجاهل العرب أوضاع فلسطينيي العراق

حسن الشوبكي - مخيم الوليد – صحراء الأنبار ( العراق ) :

استجاروا من ظلم عراق ما بعد الاحتلال برمضاء الأنبار ، وانتثرت عوائل فلسطينية في جغرافيا تصعب على الحيوان ، فيما تحولت منطقتا التنف والوليد على الحدود العراقية السورية إلى شواهد على شتات فلسطيني قاس عز نظيره في التاريخ المعاصر ، يسميه كثير من فلسطينيي العراق بـ " غوانتانامو عربي " .

هربوا في ليل من بغداد قبل ثلاث سنوات ، بعد أن ضيقت عليهم فرق الموت والميليشيا الطائفية الخناق ، كما يقولون ، تبعا لاستهداف نتيجته المباشرة ، القتل والخطف والاغتصاب ، وأخيرا طرد فلسطينيو العراق إلى خارج الحدود التي كانت استقبلتهم قبل نحو 61 عاما .

" الغد " تمكنت من الوصول إلى مخيم الوليد في محافظة الأنبار العراقية ، ووقفت على معاناة مئات الأسر الثكلى من لاجئين زاد شتاتهم شتاتا ، ورصدت آلامهم ودموعهم وتفاصيل حياتهم وآمالهم بحل المأساة الفلسطينية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم .

مفارقة بين الأمس واليوم

بعد أن تجاهلت الحكومات العربية منذ عام 2003 وقبله ، ومعها السلطة الوطنية الفلسطينية حقوق هؤلاء اللاجئين ، تتزايد التعقيدات بشأن مستقبلهم ، فهم من قرى مثلث الكرمل ( إجزم ، جبع ، عين غزال ) ، قاوموا كما يشير مؤلف كتاب " اللاجئون الفلسطينيون في العراق " عز الدين محمد بـ " بسالة لتحرير جنين في حزيران ( يونيو ) 1948 جنبا إلى جنب مع الجيش العراقي ، وهو ما دفع الجيش العراقي آنذاك إلى الالتفات إلى قدراتهم كمقاومين ، وتأسيس فوج الكرمل في بغداد ، بعد أن حمل هؤلاء المقاومين وعائلاتهم معه " .

والآن ، يتساءل جلهم في مخيم الوليد داخل الأراضي العراقية بمحافظة الأنبار عن مصيرهم ، فالأجداد تمكنوا من العيش في العراق بين 1948 و 2003 بينما الأبناء والأحفاد هجروا إلى الصحراء العربية الملاصقة للعراق ، ولا يحملون وثائق سفر فلسطينية ، وليس لديهم هويات شخصية إلا تلك التي منحتهم إياها الحكومات العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين .

وحاليا ، لا تعترف الحكومات العراقية في حقبة ما بعد الاحتلال بهذه الهويات ، كما يقولون ، كما إنها لم تمنحهم هويات جديدة ، وعلاوة على كل ذلك ، فهم ليسوا مسجلين على قوائم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) ، وهذا بدوره قلب حياة هؤلاء اللاجئين ، ووسمهم بصفة ، تتظتابق وتعليق ساخر أطلقه أحدهم ، حول غياب الوثائق عنهم ، بقوله " نحن بدون " .

وتقدر إحصاءات منظمات دولية وأخرى غير رسمية عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق قبل الاحتلال بنحو 26 ألف لاجئ ، بقي منهم في العراق حاليا ما يقرب من 14 ألفا ، فيما انتهى آخرون إلى لجوء جديد في المناطق الصحراوية الحدودية بين الأردن والعراق ( مخيم الرويشد ) ، وكذلك في صحراء الأنبار على الحدود العراقية السورية ( مخيما التنف من الجانب السوري ، والوليد من الجانب العراقي ) .

وقبل عامين ، أغلقت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مخيم الرويشد ، بعد أن أعادت توطين اللاجئين في البرازيل ودول أوربية أخرى ، بينما تواصل المفوضية عملها في مخيمي الوليد والتنف لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول أوربية .

ويبلغ عدد اللاجئين في مخيم الوليد نحو 1700 لاجئ ، ينتمون إلى 322 عائلة ، وينخفض العدد في مخيم التنف إلى 600 لاجئ ، يتابع شؤونهم مكتب مفوضية اللاجئين في سورية .

جحيم الشتات في الصحراء       

 من عمان إلى دمشق ، ثم إلى الحدود السورية العراقية على بعد 300 كيلومتر عن العاصمة السورية دمشق في منطقة التنف ، ويتبع ذلك دخول الحدود العراقية من الجانب السوري إلى مخيم الوليد ، رحلة شاقة ، تستغرق نصف يوم من العناء والمكابدة .

لكن صعوبة الرحلة تزول ، بمجرد أن تطأ الأقدام رمضاء الأنبار ، فثمة معاناة أكبر وجغرافيا أكثر تعقيدا ، انتهى إليها فلسطينيو العراق ، الهاربون من جحيم ما آلت إليه بغداد ، ولا سيما منذ عام 2006 ، بعد تفجير مرقدي الإمام علي الهادي وحسن العسكري في سامراء .

الروايات التي تسمع من اللاجئين ، تتشابه في سوادها وحزنها ، والخيط الذي يربطها ينطوي على الألم ، ففي خيمة أم رمزي ( 50 عاما ) ، تجد أملا بالرحيل إلى السودان .

أم رمزي تعبر عن مكابدتها ، وتقول ط لا أرغب في الانتقال من هذا المخيم إلى دولة أوربية ، بل إلى السودان ، وأهم شيء بالنسبة لي تربية أولادي " ، وتستأنف الحديث عن معاناتها – وهي تبكي على ابنها المعتقل في السجون العراقية – بالقول " منذ ثلاث سنوات ، ونحن في الصحراء ، والرئيس محمود عباس جاء مؤخرا إلى العراق ، ولم يفعل لنا شيئا " ، أم رمزي حين تعبر عنها بالقول " حاولت الانتحار بالسابق ، لكنني خشيت من غضب الله " .

أما زوجها أبو رمزي فيصب نار غضبه على الاحتلال الأمريكي، مبينا " أن سبب مأساة اللاجئين الفلسطينيين في هذه الصحراء ، قوات الاحتلال الأمريكية التي استباحت العراق كله بما فيه الفلسطينيون " .

وفي الخيمة المجاورة ، يشكو حسن أسعد محمد ( 60 عاما ) من أن ابنه يبعد مئات الأمتار في مخيم التنف ، ولم يره منذ عامين ، ويلفت الانتباه إلى " أن إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول الأوربية ، يفكك العائلات ، ولا يساعد على لم شملها " .

أما فايق العطاونة ( 68 عاما ) فقد انتقل من غزة إلى بغداد بعد عام 1967 ، فيما أولاده في مخيم النصيرات يعيشون في غزة ، يقول " أولادي لا يعرفون عني شيئا ، ولا يعلمون أني كنت على قيد الحياة ، ولا أعلم محطتي المقبلة أين ستكون " .

ولم تتمكن مها باد – كردية متزوجة من فلسطيني ، وتعيش في المخيم – من الحفاظ على قدراتها العقلية ، فكانت قبل أن تنتقل إلى المخيم ، تعاني من رمض عصبي ، لكن قساوة ظرف العيش في المخيم أتت على عقلها كله ، إذ لا تقوى على رعاية نفسها أو رعاية ابنتها الرضيعة ، وتحولت المسؤولية إلى الزوج الذي لا حول له ولا قوة .

الدموع تتناثر في عيون اللاجئين أينما التقيتهم ، تارة من أم محمد وهي ترقب طفلتها التي لم يمض على ولادتها عشرون يوما ، وأخرى من لاجئ مسن أنهكته السنون والأمراض ومحطات اللجوء ، وكل أمله أن يدفن في أرض عربية ، لكنه يرى تحقق هذا الحلم صعب المنال ، فإعادة توطينه قد تحمله إلى آيسلندا ، بعد بضعة شهور وهو في خريف عمره .

ثمة من رحل عن الدنيا بسبب الحرائق ، وخصوصا من الأطفال ، وآخرون ماتوا بسبب لدغة عقرب أو أفعى ، وفئة ثالثة ، قتلها القهر ، ورابعة ، نساء حوامل لم يصمدن حتى الوصول إلى مستشفيات القائم على بعد 400 كيلومتر أو الرطبة على بعد 200 كيلومتر .

مساعدة اللاجئين على التكيف

وسط هذه الحلكة ، وفي ظل غياب أي إسناد أو دعم من أي حكومة عربية أو سلطة فلسطينية ، يرى اللاجئون في جهود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومعها هيئة الإغاثة الإسلامية ، نافذة لهم على حل قضاياهم ومشاكلهم التي لا تبدأ بالطعام والشراب والصحة والإيواء ، ولا تنتهي بإعادة التوطين في الجغرافيا البعيدة .

وفي النسق التسلسلي القريب ، استطاعت المفوضية إيواء ولم شمل مئات اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرويشد ، والتمكن لاحقا من إعادة توطينهم في البرازيل وغيرها من دول أميركا اللاتينية وأوربا ، وتستمر اليوم المفوضية بترتيب أوضاع اللاجئين عبر إيوائهم في مخيمي التنف والوليد ، ومن ثم إعادة توطينهم في دول أوربية واسكندنافية .

هيئة الإغاثة الإسلامية – مضى على عملها 25 عام في مجال العون الإنساني – تسلمت خدمات إيواء اللاجئين في مخيم الوليد منذ نصف عام ، وكانت قبلها منظمة ICS الإيطالية تقوم بهذه المهمة .

مدير هيئة الإغاثة الإسلامية الدكتور صلاح دعاك قال " نقوم بتنفيذ قواعد العمل الإنساني من دون تحيز لدين أو عرق أو سياسة ، ونعمل في أكثر مناطق العالم سخونة ، ونتحرك بموجب تمويل مؤسسي من منظمات الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين واليونيسيف وغيرها " . ويمضي " لا توجد تمويلات تذكر من دول عربية ، رغم أننا نعمل وفق مواصفات عالمية لدعم العمل الإنساني " .

ويشير دعاك " نقدم الخدمات بشكل مباشر للاجئين ونوزع الحصة الغذائية على كل فرد في المخيم ، ولدينا عيادة وطبيبان ونوفر المياه لهم والتعليم وفق القدرات الممكنة ، كما ندعم ونسهل برامج إعادة التوطين وعمليات الترحيل بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين " .

وبالإضافة إلى إدارة شؤون المخيم ، تقوم هيئة الإغاثة يدور في إيواء نازحين في دهوك والأنبار وكربلاء ، وهنالك أيضا لها في تقديم العون للاجئين الفلسطينيين في مجمع البلديات ببغداد ، عبر خدمات الغذاء والعلاج .

وعن التأهيل النفسي للاجئين وإعادة توطينهم بقول دعاك إن " عملية متابعة التأهيل النفسي مهمة أكثر من تقديم الطعام والشراب ، وتحاول المفوضية والهيئة أن تتابعا الحالات عن كثب لإيجاد الحلول المناسبة " .

ويعتبر أن أوضاع اللجوء في الصحراء لا يمكن أن تكون مثالية كيفما نظرت إليها ، وأن إعادة التوطين تكون حلا مرحليا لمعاناة هؤلاء اللاجئين ، إذ من المفترض أن يتم ترحيل من هم في مخيم الوليد إلى دول مثل بريطانيا وآيسلندا ورومانيا والنرويج والسويد وغيرها ، بحلول نهاية العام الحالي ، لكن الأمر يرتبط بتطورات عمليات قبول اللاجئين وغيرها من الأوضاع التي تؤخر إعادة توطين اللاجئين في الدول التي رحبت بهم .

ولا يخفي متخصصون في منظمات دولية ، تعرض اللاجئين لآثار نفسية عديدة ، ابتداء من ترحيلهم من مناطق النزاع ومرورا بالمحطات المؤقتة ، وصولا إلى مرحلة إعادة التوطين .

وتشير تجربة توطين بعض من خرج منهم من مخيم الوليد إلى دول أوربية إلى أن الحاجات الأساسية لهم تكتمل في غضون شهرين أو ثلاثة في البلد الذي يهاجرون إليه ، لكن بعد ذلك ، تظهر أسئلة تكيفهم ثقافيا وسياسيا مع المجتمع الجديد ، الذي يبدو غريبا لكثير منهم .

بدون فلسطيني وغوانتانامو عربي

الحال السياسية التي وصل إليها فلسطينيو العراق ، وأزمة ضياع الهوية الفلسطينية أكثر إيلاما بالنسبة للاجئين من شكاوى هنا أو هناك ، حيال خدمات الغذاء والدواء التي تقدم لهم .

"الغد" استمعت إلى حديث بهذا الشأن أمام إحدى الخيم ، فأبو محمود الذي مضى على لجوئه في مخيم الوليد نحو ثلاثة أعوام يقول " ليس لدينا هويات أو وثائق ، ولا أحد يعترف بنا حتى السلطة الفلسطينية لم تقدم لنا شيئا" ، وانتقد زيارة عباس إلى العراق هذا العام التي " لم تثمر عن أي تغيير لأحوالنا " .

ويقاطعه آخر طلب عدم نشر اسمه " التقصير ليس بالنسبة للسلطة فحسب ، إنه يشمل كل الأنظمة العربية التي تتفرج على أوضاعنا المزرية ولا تحرك ساكنا " .

أما أبو فادي – واتفق معه المشاركون في الحديث – فيعتبر أن فلسطينيي العراق موجودون في " غوانتانامو عربي " ، مبينا " أن العواصم العربية غير قادرة على استقبالنا ، وتم رمينا إلى الصحراء وفق تواطؤ بشع " .

وكلما زاد الحديث عن الهوية ، زاد جرح اللاجئين ، ويتساءل أبو حسن " لماذا نسي الكل فلسطينيي 48 ؟ ، ألم يقاتل أجدادنا بقوة للدفاع عن فلسطين ؟، ألم تكن البطولة سببا للتوأمة بين مقاتلي مثلث الكرمل والجيش العراقي ؟، ألم نكن يوما جزءا من النسيج الفلسطيني ؟، فلماذا يجري تجاهلنا اليوم على نحو مريب ؟ " .

وعن حق العودة يقول معظمهم – وتحديدا من الجيل الثاني من اللاجئين – إنهم يفكرون بهذا الحق ويتمسكون به ، ويعتبرون أنه سيبقى ما دام هنالك فلسطيني واحد على وجه الأرض ، ولكنهم في الموقف ذاته ، لا يستطيعون إجابة أبنائهم وأحفادهم عن السؤال المتعلق بحق العودة ، فالمسألة أكثر تعقيدا ، وأبناؤهم يتساءلون عن سبب إغلاق الحدود العربية في وجه فلسطينيي العراق ، ليس منذ احتلال العراق فحسب ، بل وقبل ذلك التاريخ .

وينتهي لاجئون فلسطينيون إلى التساؤل عن سبب غياب أي دور لدول الخليج الغنية أو لجامعة الدول العربية أو لمنظمة المؤتمر الإسلامي .

الطفل وليد ( 12 عاما ) يختصر كل الطرق التي تؤدي إلى سبر حركة المأساة في المخيمين ، وما يتنقل في جوانبها من توق إلى الخلاص ، من جحيم المعاناة والألم المستمرين .

بيد أن كلامه عما سيحدث له حين ينال إذنا بالسفر إلى آيسلندا أن سفره إلى هناك سيجعلني أحصل على جنسية أخرى ، وبموجبها سأدخل فلسطين وستفتح أمامي المطارات والحدود العربية " ، ويمضي إلى خيمته ، وملامح السخرية ماثلة على وجهه .

 



مقالات ذات صلة